هي مدينة مصبّ النهر العظيم "أمّ الربيع"، وقوتها التاريخية تنبعُ من قوّة منبع عيون أمّ الربيع بالأطلس العزيز؛ وحين تتحوّل فضاءاتها التاريخية التي توجد داخل الأسوار بفضاءاتها الخمسة (منطقة أبراهام مولنيس، القبطانية، باب سيدي المخفي، باب المخازن، باب الفوقاني) إلى خطاب بصري فنّي تشكيلي يجمع بين التراث والحضارة والاعتراف بشخصيات فنيّة ورياضية صنعت تاريخ البلد بفخر واعتزاز، صحيح عندما نادى رولان بارث بقولته: المدينة خطاب مُركّب. هذا الخطاب البصري الجمالي أفضى إلى تحويل جداريات المدينة العتيقة إلى لوحات فنيّة تشكيلية من خلال ورشة عالمية للإبداع، وهي ورشة إبداعية تعيشها مدينة أزمور خلال أيام 27 و28 و29 نونبر 2025 على إيقاع النسخة الثالثة من مهرجان "AZEMM'ART" الدولي للفن والثقافة، وهو موعد سنوي يحتفي بالإبداع في مختلف تجلياته، ويحوّل المدينة إلى فضاء نابض بالألوان، والأفكار، والحوار الثقافي المنفتح على قيم المجتمع المغربي في اختلاف هوياته التي تنصهر في هوية واحدة وهي تماغربيت الوطنية. يأتي المهرجان هذا العام تحت شعار "الثقافة فكر وجوهر التنمية... والفن روح التغيير"، في إشارة واضحة إلى الإيمان بالدور المركزي للفنون في تعزيز الروابط الاجتماعية، وصناعة الوعي، والتطلّع إلى مستقبل أكثر إشراقًا. ويشارك في هذه الدورة فنانون من تسعة دول كما يؤشر على ذلك الملصق البصري للمهرجان، مما يُسهِم في منح المهرجان بُعدًا عالميًا يثري التجربة الفنية المحلية ويعزز الحوار الثقافي بمدينة النهر العظيم نهر أمّ الربيع، هذه المدينة المُطلّة على المحيط الأطلسي. وتضمن برنامج المهرجان عروضًا في الفنون التشكيلية، الجداريات، الورشات المفتوحة، العروض الموسيقية، الرسم. وعليه تمثلت جدران البنايات العتيقة إلى لوحات تعكس آثار مرور ثقافات عالمية تتناغم خطاباتها البصرية في اختلاف ثقافات الفنانين الذين أسهموا في جميل هذا المرور التشكيلي، أيضا استضاحت الجداريات عن قيم كونية أفضت إلى صناعة نظرة-قيمة للمشاهدين والزوار. لتصبح الأزقة والساحات مرايا تعكس تنوع الإبداعات وتفاعل الجمهور مع الفنانين. ومما عزز هذا الحضور البصري التشكيلي هو دعم مؤسسات الدولة ومؤسسات وطنية ومحلية، من بينها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، جماعة أزمور، وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ومؤسسة OCP إلى جانب عدد من الشركاء الذين يرون في الفن رافعة للتنمية ووسيلة لتعزيز صورة المدينة التي صمدت كما تصمد شجرة الزيتون، وهذه دلالة اسم المدينةأزمور وهو بالأمازيغية الزيتون البري. وفي سياق الاحتفال بالفن المحلي، يلفت الأنظار العمل الإبداعي الذي يقدمه الفنان ابن مدينة أزمور سيلبوهالي عبد الله، والذي يشتغل على جدارية كبيرة تُجسّد الفنان الكَناوي المغربي ابن مدينة مراكش الشهير الراحل مصطفى باقبو، الذي غاب عنّا في شهر شتنبر من نفس السنة، بأسلوب واقعي ينبض بالضوء والذاكرة. وقد استطاع الفنان أن يمنح الجدارية حضورًا إنسانيًا مؤثرًا، من خلال عناية واضحة بالتفاصيل وملامح الوجه، ما جعل المارة يقفون طويلاً أمام اللوحة وهم يشاهدون مراحل اكتمالها في تناغم مع موسيقى الراحل باقبو التي أضفت إلى الريشة نوعا من التماهي التشكيلي، كما عر فت إحدى الجداريات المقابلة لدار الصانع للصناعات التقليدية لوحة تشكيلية تتمثل عميدة الفريق النسوي المغربي لكرة القدم وهي تحمل كأس القارة الإفريقية للأمم إحالة على تتويج لبؤات الأطلس لكرة القدم في النسخة الأولى لعام 2025. أيضا تناولت بعض اللوحات الجدارية الفنيّة تيمة الصحراء والمرأة، كما ركزت بعض الجداريات على تيمة الرحلة الأزمورية في مطلع القرن السادس عشر (1500- 1539) من خلال استحضار ذاكرة رحلية للرحالة الأزموري "إستيفانيكو ESTEVANICO"، وهو حضور الذاكرة التاريخية لأزمور، ويُؤشر هذا الحضور البصري على قوّة امتداد هوية المدينةالأزمورية المنفتحة عبر التاريخ، وأنها صامدة ومتطلِّعة إلى واقع أفضل وأنها ليست فقط جسرا يربط الجنوب بالشمال من خلال قنطرة أمّ الريع ولكنها جسر أيضا لربط ماضينا بحاضرنا من خلال الفنّ التشكيلي خصوصا والفنّ في شموليته.