قبل أيامٍ قليلةٍ من انطلاق منافسات كأس الأمم الإفريقية، المقرر إقامتها في الفترة من 21 دجنبر الجاري إلى 18 يناير المقبل بالمغرب، يبدو أن اسم وليد الركراكي بات موضوعًا للنقاش أكثر من أسماء اللاعبين أنفسهم. فبين أصواتٍ تطعن في خياراته التقنية، وتياراتٍ تطالب بإدراج أسماء صاعدة من منتخب الشباب الفائز بكأس العالم تحت 20 سنة 2025، يصرّ مدرب "أسود الأطلس" على خطابٍ واضح: لا وقت للتجارب، والأولوية للانسجام والخبرة. لائحة المنتخب التي كشف عنها الركراكي لم تأتِ بمفاجآتٍ كبيرة، بل عكست نوعًا من الوفاء للمجموعة التي حققت نتائج مذهلة في مونديال قطر 2022. وهي مجموعة يعرفها الجمهور الرياضي جيدًا، بكل إيجابياتها وسلبياتها، وهذا ما يجعل تقييمها محل جدلٍ دائم. غير أن النقاش، مهما اشتد، لا يُغني عن الحقيقة الأساسية: الناخب الوطني مسؤول عن اختياراته، ومطالب بالمحاسبة على النتائج، لا على الانطباعات. الانتقادات التي طالت غياب بعض الأسماء تعكس توقعاتٍ مشروعةً لدى جمهورٍ يتطلع إلى التتويج القاري الأول منذ عام 1976. لكن هذه التوقعات، مهما علا سقفها، لا يجب أن تتحول إلى وصاية على الناخب الوطني، ولا إلى حملة تشكيكٍ في توقيتٍ يحتاج فيه المنتخب إلى أعلى درجات التركيز. الركراكي، في تصريحه الأخير، قدّم حججًا دقيقةً تستند إلى أكثر من سنةٍ ونصف من العمل، مؤكداً أن بناء المنتخب لم يكن انطباعياً ولا عاطفياً، بل هو ثمرة متابعةٍ وتحليلٍ وتدبيرٍ لمسارات لاعبين في منافساتٍ دوليةٍ مختلفة. لا شك أن الخطأ وارد، لكن الخطر يكمن في التشويش، لا في الخطأ نفسه. وإذا كان بعض الأسماء الجديدة قد غاب، فإن ذلك لا يعني إقصاءً نهائياً، بل ترجمةً لخيارٍ مرتبطٍ بالمرحلة الحالية وتحدياتها المباشرة. ما يدعو إلى التوقف حقاً، هو ما تشهده تعليقات الرأي العام من نزوعٍ متزايد نحو جلد الذات، ومحاكمة الناخب الوطني قبل أول صافرة. هذا المزاج العام لا يخدم سوى خصوم المنتخب، لأنه يضعف الثقة من الداخل، ويفتح الباب أمام الشك بدل التلاحم. وقد آن الأوان ليفهم البعض أن زمن "40 مليون مدرب" مغربي قد ولى، وأن أي منتخب، حتى لو تحقق له الإجماع، لا يمكنه أن ينجح في ظل حملات التشويش. وما يحدث اليوم في بعض صفحات منصات التواصل الاجتماعي لم يعد يدخل في إطار حرية الرأي أو النقد الرياضي المشروع، بل انزلق من مناقشة اختيارات الناخب الوطني إلى التنمر عليه والقذف المباشر الذي يخلو من أي قيمةٍ رياضيةٍ أو أخلاقية. وهذا السلوك لا يمسّ وليد الركراكي وحده، بل يضرب في العمق صورة الجمهور المغربي الذي نفتخر بوعيه وشغفه ودعمه اللامحدود. والأسوأ من ذلك، أن بعض هذه الحملات تلقى صدى في صفحات شعبوية دون أي تدخل لضبط الخطاب أو التمييز بين النقد الرياضي المشروع والتحريض المهين. أما أسئلة الجاهزية، وانخفاض مستوى بعض الأسماء، فهي تبقى جزءاً من اللعبة. والمدرب ليس معصوماً من الخطأ، لكنه في نهاية المطاف الطرف الوحيد الذي يملك الرؤية الكاملة للمرحلة المقبلة، والمعلومة الدقيقة عن الوضع البدني والتكتيكي للاعبين. بينما دور الجمهور الرياضي أن يراقب وينتقد، لا أن يهدم المشروع من أساسه قبل انطلاق العرس الإفريقي. الركراكي أمام رهانٍ صعب، لكنه واضح: الفوز بكأس الأمم الإفريقية على أرض المغرب. وأي قراءةٍ منصفةٍ لا بد أن تؤكد أن هذا الهدف، مهما بدا طموحاً، صار أقرب من أي وقتٍ مضى، ما دامت أدواته تتوفر له: دعم ملكي، سخاء جماهيري، ملاعب حديثة، وسمعة كروية عالمية. رجاءً دَعوه يُكمل ما بدأه، ثم افتحوا سجلات النقد والأرقام كما تشاؤون لاحقًا، فهذه اللحظة تتجاوز الجدل حول حضور أسماء وغياب أخرى. إنها لحظة التلاحم خلف المنتخب الوطني قلباً وقالباً؛ ليس خدمةً لوليد الركراكي، بل وفاءً لقميصٍ وطنيٍ يبحث عن نجمةٍ إفريقيةٍ ثانية بعد نصف قرنٍ من الانتظار.