في خِضمّ تزايُد المدّ اليميني المتطرف في عدد من الدول الغربية، خاصّة الأوربية منها، وتنامي ما يُسمى ب"الإسلاموفوبيا"، حمّل الدكتور أحمد البوكيلي، واعظ بالمجلس العلمي المحلي للرباط، المسلمين جزءً من مسؤولية تنامي الخوف من المسلمين من قِبل الغربيين، قائلا "المسلمون حملوا معهم مشاكلهم الطائفية إلى الغرب، ولم يعرّفوا بالتعاليم السمحة للدين الإسلامي". وزادَ المتحدّث، خلال محاضرة ألقاها أمس الخميس، في افتتاح أولى اللقاءات التواصلية مع أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، التي ينظمها المجلس العلمي المحلي لمدينة الرباط، أنّ العربَ يخطئون عندما يحْصرون الدين الإسلامي على أنفسهم، وربْطه بثقافتهم، والحالُ أنّ الإسلام دين البشرية جمعاء، موضحا "الغربيون الذين يعتنقون الدّين الإسلامي يُقبلون على دين الله، وليس على ثقافتنا". وانتقد البوكيلي الطريقة التي يقدم بها المسلمين الإسلام لأهل الغرب، قائلا "أوّل ما نحدّث عنه معتنقَ الإسلام، مباشرة بعد اعتناقه، هو الختان، وضرورة تغيير الإسم، من اسم غربيّ إلى اسم عربي"، متسائلا "هل الرسول صلى الله عليه وسلم أوْصانا بذلك؟"، وزادَ أنّ التعريف بالدّين الإسلامي يقتضي من المسلمين أن يأخذوا بالأمور الجوهرية للدين، عوض التركيز على مواضيع مثل تعددّ الزوجات وغيرها من الأمور الثانوية. وفي حديثه عن قضية اندماج المهاجرين المسلمين في المجتمعات الغربية، قال البوكلي إنّ المشكل الأساسي في الوقت الراهن، هو أنّ هناك تيّارات متطرّفة، تقعّدُ لفكرة أنّ الدين الإسلامي لا يمكن أن يُبنى إلا من خلال العنف، لافتا إلى أنّ هناك مسلمين يقيمون في قلب الدول الغربية، ويدعون عليها بالدمار والخراب، ويُحلّون سرقة "الكفار"، وهو ما يعطي صورة سلبية عن الإسلام لدى الغربيين. في هذا السياق قال البوكيلي إنّ الغربيين يعتقدون أن المسلمين يستحيل أن يندمجوا إلا إذا انسلخوا عن الإسلام، متسائلا "هل وُفّقنا في التأسيس لخطاب ديني قوامه أنّ الإسلام لا يشكّل خطرا للآخر، وأنّه دين البشرية جمعاء؟"، داعيا إلى حوار وميثاق أخلاقي بين الدول الغربية والإسلامية، بما يضمن تقارب الأفكار، ونبْذَ الأحكام الجاهزة، في سبيل إحقاق الإندماج. وفيما يتعلق بالجالية المغربية المقيمة في الخارج، حضر بروز التنظيمات المتطرفة على الساحة، واستقطابها لمئات الشبان المغاربة، من أصول مغربية، والمقيمين في الدول الأوربية، في محاضرة البوكيلي، إذ قال إنّ الاهتمام بالجالية لم يعد مرتبطا بالجانب الديني والوطني فحسب، بل يمتدّ إلى الحفاظ على الأمن الروحي والسيادة الوطنية، تجنّبا لخطورة الانحراف الديني والعقدي لأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج. وأضاف المتحدّث أنّ أي انحراف وسط أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، سينعكس على المغرب، داعيا إلى تكثيف التواصل مع أفراد الجالية، "بما يضمن الأمن الروحي والديني، وحفظ النموذج المغربي، في ظلّ المستجدّات التي يعرفها العالم، حيث تعمد تيارات متطرفة إلى تجنيد شبابنا في الدول الأوربية، والذين تراهن عليهم من أجل خلق الفتنة"، لافتا إلى أهمية إرسال المغرب لدُعاة إلى الخارج، من أجل تأطير أفراد الجالية، انطلاقا من نموذج الوسطية والاعتدال. غيْرَ أنّ المتحدّث نبّه إلى عدم توفّر المغرب على مراكزَ متخصّصة في مجال "فقه الهجرة"، داعيا إلى الاستعانة بدُعاة مغاربة تربّوا في البلدان الغربية، لتأطير أفراد الجالية، عوض الاكتفاء فقط بإرسال وعاظ من المغرب، لكون من عاش وسط المجتمعات الغربية يعرف تلك المجتمعات جيّدا، ويعرف قوانين البلدان التي ترعرع فيها، واللغة التي يتحدّث بها أفراد الجالية المقيمة في تلك البلدان، وهو ما سيمكّن من خلق تواصل أفضل مع أفراد الجالية؛ يوضّح المتحدث. من جهته قال الأستاذ الحسن فرناتشي، منسّق أنشطة المجلس العلمي المحلي للرباط، والواعظ في المجلس، إنّ الدّعاة يجب أن تتوفّر فيهم شروط مواجهة التحدّيات التي يواجهها المسلمون، وأن تكون الدعوة على علمِ وفقْه وإستراتيجية مبنية على عالمية الدّين الإسلامي، وهذا يحتاج، حسب المتحدث، إلى تكوين أساتذة وباحثين في هذا المجال.