أخنوش: 340 ألف أرملة بدون أطفال تستفيد لأول مرة من الدعم المباشر    حزب "زوما" الجنوب إفريقي يدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي ويعتبره ضامناً لسيادة المغرب على الصحراء    رصيف الصحافة: الموسيقى الصاخبة تكشف تحول مقهى الى مرقص ليلي    توقيف شاب مشتبه به في قضية اعتداء خطير بحي العرعر بطنجة    عيد العرش: رؤية ملكية رائدة من أجل مغرب متقدم ومزدهر    إطلاق تجربة نموذجية لصيد الأخطبوط بالغراف الطيني دعما للصيد البحري المستدام والمسؤول    وزارة: برنامج "GO سياحة" يذلل العقبات أمام المقاولين في القطاع السياحي    ميناء طنجة المتوسط يعلن عن استثمار ضخم بقيمة 5 مليارات درهم لتوسعة محطة الشاحنات    الأمم المتحدة…الضفة الغربية تشهد أكبر نزوح منذ 1967    مجلس النواب يصادق على مشروع القانون المتعلق بإحداث "مؤسسة المغرب 2030"    وسط إشادة المؤسسات المالية الدولية.. أخنوش يعبر عن فخره بوضعية الاقتصاد الوطني وتدبير المالية العمومية        وفد من منظمة التحرير الفلسطينية يزور وكالة بيت مال القدس الشريف بالرباط    الاجتماع الوزاري الخامس الاتحاد الأوروبي- جوار جنوب .. بوريطة يؤكد على ضرورة تحويل الشراكة الأورو-متوسطية إلى تحالف استراتيجي حقيقي    صحيفة كندية: الداخلة، «ملتقى طرق» يربط بين فضاء البحر المتوسط ومنطقة جنوب الصحراء    فقدان السيطرة على حافلة يتسبب في مصرع سيدة وجرح آخرين قرب محطة باب دكالة بمراكش    الوزيرة السغروشني: الحكامة الرقمية رافعة لإدارة عمومية شفافة وفعالة في إفريقيا    "طقوس الحظ" إصدار جديد للكاتب رشيد الصويلحي"    "الشرفة الأطلسية: ذاكرة مدينة تُباد باسم التنمية": فقدان شبه تام لهوية المكان وروحه الجمالية    مورسيا تحقق في "جرائم الكراهية"    أخنوش يستعرض بالبرلمان خطة الإنعاش الاقتصادي والإصلاح في ظل "الإرث الصعب"    "دراسة": الإفراط في النظر لشاشة الهاتف المحمول يؤثر على مهارات التعلم لدى الأطفال    وفاة معتصم "شاطو" أولاد يوسف بعد قفزه من خزان مياه واحتجازه عنصرًا من الوقاية المدنية    إحداث "مؤسسة المغرب 2030" يوحد الأغلبية والمعارضة في مجلس النواب    تنظيم حفل بمناسبة انتهاء مدة الخدمة العسكرية للفوج ال39 من المجندات والمجندين بالقاعدة الأولى للبحرية الملكية بالدار البيضاء    إسرائيل تشن غارات في سوريا بدعوى "حماية الدروز" من القوات الحكومية    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بتساقط البرد وبهبات رياح من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    وزارة الفلاحة تدافع عن جمعية مربي الأغنام والماعز وتؤكد أن حساباتها تُدقَّق سنويا    تضامن واسع مع الإخوة الشبلي بعد حبسهما بسبب مطالبتهما بكشف ملابسات وفاة أخيهما    لامين جمال يثير تفاعلاً واسعاً بسبب استعانته ب"فنانين قصار القامة" في حفل عيد ميلاده    حكيمي يختتم الموسم بتدوينة مؤثرة    وفاة أكبر عداء ماراثون في العالم عن عمر يناهز 114 عاما    موجة حرّ شديدة وأجواء غير مستقرة بعدد من مناطق المملكة    تقارير أرجنتينية.. المغرب وقطر والبرازيل في سباق محتدم لتنظيم كأس العالم للأندية 2029    بورصة البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    المنتخب المغربي يواجه مالي في ربع نهائي "كان" السيدات    قارئ شفاه يكشف ما قاله لاعب تشيلسي عن ترامب أثناء التتويج    "فيفا": الخسارة في نهائي مونديال الأندية لن يحول دون زيادة شعبية سان جيرمان    العيطة المرساوية تعود إلى الواجهة في مهرجان يحتفي بالذاكرة وينفتح على المستقبل    فرانكو ماستانتونو: مكالمة ألونسو حفزتني.. ولا أهتم بالكرة الذهبية    إسبانيا: توقيف عشرة أشخاص إثر اشتباكات بين متطرفين يمينيين ومهاجرين من شمال أفريقيا    كيوسك الثلاثاء | توجه جديد لتقنين استعمال الهواتف داخل المؤسسات التعليمية    الإفراط في النظر لشاشات الهواتف يضعف مهارات التعلم لدى الأطفال    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يحتضن دورة تكوينية لفائدة وفد فلسطيني رفيع لتعزيز الترافع الحقوقي والدولي    اليونسكو تُدرج "مقابر شيشيا" الإمبراطورية ضمن قائمة التراث العالمي... الصين تواصل ترسيخ إرثها الحضاري    "مهرجان الشواطئ" لاتصالات المغرب يحتفي ب21 سنة من الموسيقى والتقارب الاجتماعي        الذّكرى 39 لرحيل خورخي لويس بورخيس    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    لأول مرة.. دراسة تكشف تسلل البلاستيك إلى مبايض النساء    وفاة مؤثرة مغربية بعد مضاعفات جراحة في تركيا تشعل جدلا حول سلامة عمليات التخسيس    مهرجان ربيع أكدال الرياض يعود في دورته الثامنة عشرة    تواصل ‬موجات ‬الحر ‬الشديدة ‬يساهم ‬في ‬تضاعف ‬الأخطار ‬الصحية    وفاة الإعلامي الفرنسي تييري أرديسون عن عمر ناهز 76 عاما    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقتضيات الحج المبرور
نشر في هسبريس يوم 16 - 09 - 2014

خلقنا الله لعبادته ونوع لنا أشكال العبادة حتى ننتقل من خير إلى خير من غير كلل ولا ملل، وهيأ لنا مواسم للطاعات حتى يتنافس المومنون في تحصيل القربات والحسنات، فبعد موسم رمضان والليالي العشر من رمضان تأتي عشر ذي الحجة المباركات، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى الله مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبيلِ الله؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «وَلاَ الجِهَادُ فِي سَبيلِ الله، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذلِكَ بشَيْءٍ». أخرجه أبو داود والترمذي. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره).ولا شك أن من أعظم تلك الشعائر حج بيت الله الحرام والذي قال فيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم " الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" فما هو الحج المبرور؟ وما هي آثاره وثماره؟ وكيف يكون التحقق بالحج المبرور؟
مفهوم الحج المبرور ومقاصده:
قال الإمام الْقُرْطُبِيّ في شأن الحج المبرور" أَنَّهُ الْحَجّ الَّذِي وُفِّيَتْ أَحْكَامه وَوَقَعَ مَوْافقا لِمَا طُلِبَ مِنْ الْمُكَلَّف عَلَى الْوَجْه الْأَكْمَل. نقله ابن حجر في (فتح الباري)
فالحج المبرور هو ما استوفى أحكام الحج، وتعمق أثره في نفس الحاج على الوجه الأكمل، وهو الحج الذي تحققت معه مقاصد هذه العبادة من توحيد لله عز وجل والمأمور به في مثل قوله تعالى:"وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة"البيّنة: 5".ومن مقصد ذكر الله سبحانه وتعالى وهو ما يتجلى بوضوح في سيد أذكار الحج"لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لكل والملك لا شريك لك" وعموم العبادة المحضة بلب المحبة والخضوع والاستسلام في مثل الطواف والسعي والوقوف بعرفة ورمي الجمرات ونحو ذلك وإقامة الدين وتعظيم شعائره واللجوء إلى الله تعالى بإلحاح بالدعاء وإظهار الذل والافتقار إليه والتجرد من كثير من مظاهر زينة الحياة الدنيا واستحضار مظاهر الحشر والشعور بوحدة الأمة وتبادل المنافع بينها وعمق أواصر أخوتها ونحو ذلك من المقاصد الكثيرة.
ومما يذكر من أحوال السلف الصالح في الحرص على تعظيم شعائر الله في مثل هذا الموسم ما كان من أنس بن مالك –رضي الله عنه- حيث إذا أحرم لم يتكلم في شيء من أمر الدنيا حتى يتحلل من إحرامه.
ولما أحرم الحسن بن علي –رضي الله عنه- واستوت به راحلته أصفر لونه وارتعد، ولم يستطع أن يلبي، فقيل له: مالك؟ فقال أخشى أن يقول لي : لا لبيك ولا سَعْدَيْك!! فتعظيم شعائر الله دليل التقوى والصلاح، قال تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) "الحج: 32".
أهمية وفائدة وثمرة الحج المبرور:
تعتبر فريضة الحج ركنا عظيما في الدين وفرضا جليلا من فرائض الإسلام، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: (إيمان بالله ورسوله)، قيل :ثم ماذا؟ قال: (جهاد في سبيل الله)، قيل : ثم ماذا؟ قال: (حج مبرور) "متفق عليه".
فهو موسم الخيرات، وفرصة عظيمة لمحو الخطايا والسيئات. فعن ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد) "رواه أحمد وقال فيه أحمد شاكر إسناده صحيح وضعفه غيره. "
وفي الصحيحين عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه).
وهذا عمرو بن العاص –رضي الله عنه- حين لامس الإسلام شغاف قلبه، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبسط يمينك فلأبايعْك، فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه، فقبض عمرو يده، وقال عليه الصلاة والسلام: (مالك يا عمرو)، قال : أردت أن أشترط، قال صلى الله عليه وسلم: (أتشترط بماذا)، قال: أن يغفر لي، فقال عليه الصلاة والسلام: (أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله) "رواه مسلم".
وجاءت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها- إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله،ألا نغزو ونجاهد معكم، فقال عليه الصلاة والسلام: (لكُنّ أحسن الجهاد وأجمله الحج، حج مبرور)، قالت: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم) "رواه البخاري".
فالحج المبرور طريق مضمون بإذن الله تعالى إلى جنان الرحمن، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) "متفق عليه".
كيف نتحقق من الحج المبرور؟
حسن الاستعداد قبل الذهاب:
من علت همته وتطلعت إلى الفوز بالحج المبرور، شمر على ساعد الجد لتعلم هذا المنسك العظيم بأركانه وواجباته وسننه وآدابه وموانعه ومحظوراته ومبطلاته وقبل ذلك طبيعة النيات والمقاصد التي يجب أن تتجرد لله وحده، كما ولابد له من توبة نصوح يرد بها الحقوق الى أصحابها أو ما تيسر له من ذلك ويعزم ألا يعود لحال التقصير والعصيان، ويوصي بالخير في أهله وماله بما يحفظ دينهم وحقوقهم وحقوق غيرهم.ومن الاستعداد للحج المبرور تطييب نفقته في الحج بحيث تكون من المال الحلال والكسب الذي لا شبهة فيه ، فالله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا ، وقد قيل:
إذا حججت بمال أصله سحت ... فما حججت و لكن حجت العير
لا يقبل الله إلا كل صالحة ... ما كل من حج بيت الله مبرور
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس،إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملواصالحاً إني بما تعملون عليم)، وقال: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب .ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك).
وقد روى الترمذي وقال : (حديث حسن) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : قال : « جاء رجلٌ إلى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال : إِني أُرِيدُ السفر ، فزَوِّدني ، قال : زَوَّدك اللهُ التَّقوى ، قال : زِدني ، قال : وغفر ذَنبَكَ ، قال : زدني، - بأبي أنتَ وأُمِّي - قال : ويَسَّرَ لك الخير حيثما كنتَ». ولا شك أن الحج أولى بهذه الحال وبهذا التوجيه والاحتياط والإحساس والشعور ودعاء التوديع.
الاجتهاد في إتقان الأداء:
فلا يقصد المرء بحجه رياء و لا سمعة و لا مباهاة و لا فخرا و لا خيلاء و لا يقصد غير وجه الله تعالى و رضوانه و يحرص على التواضع في حجه والخشوع والخضوع لربه.فلا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا صوابا وليحرص على أعلى درجات التقوى والإحسان و المجاهدة وشكر الله على ما وهبه من فضله ونعمه، فيستحضر في حجه قول ربه {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[12.
ثم الإتيان بحجه على الوجه الأكمل ، فقد بين النبي صلى الله مناسك الحج للأمة قوليا وعمليا في حجة الوداع وقال هناك (خُذُوا عَني مَناسِكَكُمْ ، لا أدري لَعَلَّي لا أَحُجُّ بعد حَجَّتي هذه) أخرجه مسلم.
فيحرص الحاج على صحة مناسكه، ولا بأس إن لم يكن معه هاد مرشد يتقن المناسك أن يحمل معه دليلا مكتوبا لمختلف الخطوات بترتيبها وتفاصيلها وأدعيتها وآدابها وسننها حتى لا يضيع شيئا مما يقدر عليه، فقد تكون تلك حجة العمر وقد لا يتاح له غيرها، فمناسك الحج مما يمكن أن تنسى ويغفل عن بعض تفاصيلها حتى على العلماء لقلة مزاولة هذه الفريضة وضعف ممارستها عند الأكثرين فوجب الاحتياط والانتباه والالتصاق بالعلماء الممارسين لها والاستعانة بما يذكر من مكتوب ونحوه.
ومن حسن الأداء كثرة ذكر الله تعالى والاشتغال به في عامة الأحوال، فقد أمر الله تعالى بكثرة ذكره قال تعالى :(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ) البقرة .
و من مواطن الإكثار من الذكر حال الإحرام بالتلبية و التكبير ، ففي سنن الترمذي وابن ماجه و غيرهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ أفضل الحج العج و الثج ] والعج: هو رفع الصوت بالتكبير والتلبية ، والثج: هو إراقة دماء الهدايا و النسك .
ومن ذلك الإلحاح على الله بالدعاء، فالحج من المواطن التي يرجى فيها إجابة الدعاء، فيلح العبد على الله تعالى بالدعاء، له ولأهله ولأمته، ويتحرَّى أوقات الإجابة ومواطنها ، مثل الصفا والمروة ورمي الجمار وعند المشعر الحرام، وأجلها وأعظمها في يوم عرفة.
فعن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أكثر من أن يُعْتِقَ الله فيها عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ماذا أراد هؤلاء؟ "رواه مسلم" أَيْ : أَيُّ شَيْءٍ أَرَادَ هَؤُلَاءِ حَيْثُ تَرَكُوا أَهْلَهُمْ ، وَأَوْطَانَهُمْ ، وَصَرَفُوا أَمْوَالَهُمْ ، وَأَتْعَبُوا أَبْدَانَهُمْ ، أَيْ : مَا أَرَادُوا إِلَّا الْمَغْفِرَةَ ، وَالرِّضَا ، وَالْقُرْبَ ، وَاللِّقَاءَ ،
وقال صلى الله عليه وسلم: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) "رواه الترمذي".
ثم استغلال الحاج لوقته الغالي النفيس في التزود بالحرص على الصلوات الخمس حيث ينادى عليهن ويحذر تضييع الأوقات في التسوق وكثرة التجول وثرثرة الكلام في البيوت والغرف، فيمكن تأجيل ما يتعلق بالهدايا إلى آخر أيامه وعهده بالبيت الحرام عوض أن يقتطع من كل يوم جزءا، فمن أين له بفضل مائة ألف صلاة في كل صلاة بالبيت الحرام وألف صلاة لكل صلاة بالمسجد النبوي، فساعات الحج محدودة وأيامه معدودة. والكيس من مللأها طاعة وذكرا ودعاء وتلاوة لكتاب الله تعالى ودعوة ونصحا وتعليما وتذكيرا ونحو ذلك من الطاعات والقربات.
ومن مقتضيات الحج المبرور اجتناب ما لا يناسب المقام من أفعال الإثم و الرفث و الفسوق و العصيان ، قال الله تعالى : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} البقرة (197).
و في الحديث الصحيح:[من حج فلم يرفث و لم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ] رواه البخاري ومسلم.
ويجتهد في حسن معاملة الناس والتحلي بالأخلاق الحسنة ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن البر ؟ فقال : [البر حسن الخلق ] و كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : إن البر شيء هين : وجه طليق و كلام لين.والحج في معظمه سفر وسمي السفر سفرا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال.
و من أجمع خصال البر التي يحتاج إليها الحاج ما وصى به النبي صلى الله عليه و سلم أبا جري جابر بن سليم الهجيمي حيث قال : لا تَحْقِرَنَّ شيئًا مِنَ المعروفِ أنْ تَأْتِيَهُ ؛ ولَوْ أنْ تَهِبَ صِلَةَ الحَبْلِ ، ولَوْ أنْ تُفْرِغَ من دَلْوِكَ في إِناءِ المُسْتَسْقِي ، ولَوْ أنْ تَلْقَى أَخَاكَ المُسْلِمَ ووَجْهُكَ بَسْطٌ إليهِ ، ولَوْ أنْ تُؤْنِسَ الوَحْشَانِ بِنَفْسِكَ ، ولَوْ أنْ تَهِبَ الشَّسْعَ. (أورده الألباني في السلسلة الصحيحة ).
وفي رواية« و إن امرؤ شتمك و عيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه ، فإنما وبال ذلك عليه و لا تسبن أحدا " قال : فما سببت بعده حرا و لا عبدا و لا بعيرا و لا شاة " فخير الناس أنفعهم للناس و أصبرهم على أذى الناس كما وصف الله المتقين بذلك في قوله تعالى : { الذين ينفقون في السراء و الضراء و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين }
ومن يلاحظ سلوك كثير من حجاجنا يلاحظ ضعفا على هذا المستوى مقارنة مع بعض الوفود من ماليزيا وأندونيسايا ونحوها حيث السكينة والهدوء والنظام والاحترام وغيرها من الأخلاق الحميدة مما يستوجب حسن التأهيل والإعداد والعناية بهذه الجوانب الرفيعة في خلق الإنسان.
والرفث المنهي عنه كما جاء عن ابن عمر –رضي الله عنهما-: هو إتيان النساء والتكلم بذلك للرجال والنساء، إذا ذكروا ذلك بأفواههم.. وقال عطاء بن أبي رباح: الرفث هو الجماع وما دونه من قول الفحش.
وأما الفسوق فقد روي عن ابن عباس –رضي الله عنهما- وغير واحد من السلف بأنه المعاصي بجميع أنواعها.
وبخصوص الجدال يستحضر الحاج ما جاء عند الترمذي وأبي داود وغيرهما عن أبي أمامة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه).
ثم بعد الحج تقوى وصلاح حال:
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول: (لا إله إلا الله وحده ،لا شريك له،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده) "متفق عليه".فلا بد من حرص على صلاح حال، وزهد في الدنيا وإقبال على الآخرة، ذلك أنه من علامات قبول الحسنة إتيان الحسنة بعدها، وليس بعد الحج أمام الحاج غير الاستقامة ولزوم طريق الهداية حتى يختم له بخير، ومما يؤسف له أن بعض النماذج يسوء حالهم بعد الحج فيزدادون بخلا في الإنفاق في أوجه الخير وتسوء أخلاقهم وتضيق صدورهم أو هكذا يظهر للناس حتى إن بعض عوامهم يحذر من " العجاج والحاج والفيراج" ومما قيل في معنى ( الحج المبرور ) ويناسب الختام:أي الحج المقبول. وقالوا : من علامات قبول الحج، أن يرجع العبد خيرًا مما كان، ولا يعاود المعاصي. فنسأل الله لحجاجنا حسن الاستعداد وإحسان الأداء وصلاح الحال بعد الرجوع سالمين غانمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.