تستمر عملية إخلاء قرية بويا عمر من المصابين بأمراض نفسية وعقلية، إذ تمرّ العملية في أجواء عادية، بعيدًا عن أي صدامات أو احتجاجات بين أسر النزلاء وبعض أصحاب النفوذ من جهة وقوات الأمن والطواقم الطبية المشرفة على العملية، وذلك حسب ما أكدته مصادر من القرية، متحدثة عن أن مبادرة وزارة الصحة بإخلاء القرية من عمليات الاحتجاز، لاقت ترحيبًا كبيرًا في إقليم العطاوية. وحسب عمر العزري، واحد من حفدة الشيخ عمر الذي سميت القرية باسمه، نسبة إلى ضريحه الموجود بها، فإن العديد من المتوّرطين في احتجاز المرضى والمتاجرة بمآسيهم، غادروا القرية منذ أيام تفاديًا لتحريك المتابعة في حقهم، كما أن هناك منهم من سلّم المرضى الذين كان يحتجزهم إلى ذويهم وأسرهم، بينما فضل البعض الآخر، البقاء وتسليم المرضى بنفسه إلى وزارة الصحة، للبرهنة على نقاء سيرته من أيّ اتهامات بسوء المعاملة. وزاد عمر العزري، أن الكثير من حفدة الشيخ عمر، راضون عن الخطوة التي أعلن عنها وزير الصحة، الحسين الوردي، وأنهم يثمنونها ويرونها بمنزلة رد اعتبار إلى جدهم، وذلك عبر تخليص اسمه من معتقل سيء الذكر، كان يشهد احتجاز قرابة ألف مريض نفساني، من طرف أشخاص ينحدرون في الغالب من خارج القرية، راكموا ثروات هائلة عبر استغلال نقص مستشفيات الصحة العقلية بالمغرب. وتابع العزري في تصريحات هاتفية لهسبريس، أن تخوّف الكثير من سكان القرية، كان حول المساس بالضريح وبرمزيته ومكانته في شجرة الأولياء الصالحين بالمغرب، إلّا أن حملة "كرامة" اتجهت نحو المحتجزين وليس الضريح في حد ذاته، وهو ما جلب إلى هذه الحملة تضامنهم وتأييدهم، متحدثًا عن أن إبعاد الضريح عن المعتقدات الشائعة التي تجعله مكانًا خارقًا للعادة يبقى رهانًا صعبًا بالنظر إلى صعوبة التدخل في معتقدات الآخرين، خاصة ما يتعلّق بالتبرّك بالأولياء. وعن سبل تطوير قرية بويا عمر بعيدًا عن منازل وبراريك الاحتجاز، تحدث العزري عن أن المؤهلات الطبيعية التي تزخر بها، خاصة قربها من بحيرة مولاي يوسف، وقربها من مجاري المياه، وانتشار أشجار الزيتون في حقولها، سيتيح للسلطات بناء نظرة جديدة للقرية مخالفة تمامًا عمّا كان عليه الأمر سابقًا، تنهل أساسًا من الجانب السياحي، لا سيما وأن مداخيل احتجاز المرضى النفسانيين، لم يتم ضخها أبدًا في القرية وفي تطوير مرافقها. ولفت مصدر آخر من داخل القرية، لم يرغب في الكشف عن اسمه، أن هناك من استغل إخلاء المنازل والبراريك المحاذية للضريح من المرضى، كي يطلب من أسرهم وذويهم أن يتكفل بهم وبعلاجهم في بيته مقابل مبالغ مالية، كما أن هناك من الأسر من تنظر بعين الريبة إلى عملية كرامة، خاصة بسبب الانتقادات الكثيرة التي توجه للمستشفيات المغربية الخاصة بالأمراض العقلية، والتي تهم قلة الطواقم القادرة على العناية بالمرضى، وضعف التجهيزات. تخوّف بعض الأسر من عدم وفاء عملية كرامة بوعودها، كانت قد ظهر قبل أيام، عندما نظمت وقفة احتجاجية تطالب فيها وزارة الصحة بالتراجع عن هذا القرار. ورغم أنّ هذه الوقفة تم دعمها من طرف المنتفعين ماديًا من استمرار مراكز الاحتجاز، إلّا أن بعض الشهادات التي نقلتها وسائل الإعلام في هذه الوقفة، عبّرت عن واقع مزرٍ تعيشه مستشفيات الصحة العقلية بالمغرب، أجبر بعض الأسر المغربية على نقل أبنائها إلى بويا عمر، بعدها أغلقت جميع الأبواب في وجهها، وصار الإبقاء على المريض النفسي في البيت خطرًا على حياته وعلى الأسرة. وكان وزارة الصحة قد بادرت إلى توسيع الطاقة الاستيعابية لمستشفيات الطب النفسي، وأعلنت عن إحداث مصالح استشفائية جديدة، منها مركب مخصّص للأمراض العقلية، سيتم الشروع في بنائه بالقرب من ضريح بويا عمر، وسيستقبل المئات من المرضى، كما سيتيح مباشرة بعض الأعمال التجارية البسيطة التي يستفيد منها تجار القرية ممّن كانوا يبنون مداخليهم على زيارات أسر المحتجزين.