صدور كتاب عن قبيلة "إبقوين" الريفية يفكك الأساطير المؤسسة لقضية "القرصنة" عند الريفيين    تقرير: المغرب ضمن 3 دول أطلقت سياسات جديدة لدعم الزراعة الشمسية خلال 2024    يديعوت أحرونوت: موجة هجرة إسرائيلية غير رسمية نحو المغرب في خضم الحرب    صحافي أمريكي: الملياردير جيفري إبستين صاحب فضيحة شبكة الدعارة بالقاصرات كان يعمل لصالح إسرائيل    الدفاع المدني ينعى قتلى بقطاع غزة    فيلدا يثني على أداء المنتخب ورباح تبرز الروح القتالية للبؤات الأطلس    أزيد من 311 ألف ناجح في البكالوريا برسم دورة 2025 بنسبة نجاح بلغت 83.3%    هذه توقعات أحوال الطقس لهذا اليوم الأحد بالمملكة    غرق شاب بشاطئ تمرسات بالبركانيين وعملية البحث عن جثته متواصلة    أقدم مكتبة في دولة المجر تكافح "غزو الخنافس"    طنجة.. إغلاق مقهى شيشة بمحيط مالاباطا بعد شكايات من نزلاء فندق فاخر    حادث خطير داخل "الفيريا" بمرتيل يُخلّف إصابات ويثير مخاوف الزوار    حزب الاستقلال يُراهن على استقطاب الشباب لإعادة تشكيل المشهد السياسي    من ضحية إلى مشتبه به .. قضية طعن والد لامين جمال تتخذ منحى جديدًا    فيلدا: فخور بأداء "اللبؤات" أمام السنغال    طقس الأحد في المغرب بين الحار والرياح القوية        كأس أمم إفريقيا لكرة القدم سيدات.. المنتخب المغربي يتأهل إلى دور الربع نهائي بعد فوزه على نظيره السنغالي (1-0)    الطالبي العلمي: المغرب يجعل من التضامن والتنمية المشتركة ركيزة لتعاونه جنوب-جنوب    لبؤات الأطلس يتأهلن إلى ربع نهائي "كان السيدات" بعد فوز صعب على السنغال    حرب الإبادة الإسرائيلية مستمرة.. مقتل 100 فلسطيني في قصف إسرائيلي على غزة منذ فجر السبت    أسعار الذهب تتجاوز 3350 دولارا للأوقية في ظل التوترات التجارية العالمية    بنسعيد: "البام" آلية لحل الإشكاليات .. والتحدي الحقيقي في التفكير المستقبلي    أثنار: جاك شيراك طلب مني تسليم سبتة ومليلة إلى المغرب سنة 2002    الملك يهنئ رئيس ساو طومي وبرانسيبي    المفوضية الأوروبية تنتقد رسوم ترامب    نسبة النجاح في البكالوريا تتجاوز 83 %    خطوة مفاجئة في إسبانيا .. ملقة ترفض استقبال مباريات "مونديال 2030"        المغرب يفتح باب الترخيص لإرساء شبكة 5G    تقرير دولي يضع المغرب في مرتبة متأخرة من حيث جودة الحياة    الصندوق المغربي للتقاعد يطلق نسخة جديدة من تطبيقه الهاتفي "CMR" لتقريب الخدمات من المرتفقين    فاس تحتضن لقاء لتعزيز الاستثمار في وحدات ذبح الدواجن العصرية    دراسة: التلقيح في حالات الطوارئ يقلل الوفيات بنسبة 60%    مهرجان "موغا" يعود إلى مدينته الأصلية الصويرة في دورته الخامسة    اجتماعات بالرباط للجنة التقنية ولجنة تسيير مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي    الطبخ المغربي يتألق في واشنطن.. المغرب يحصد جائزة لجنة التحكيم في "تحدي سفراء الطهاة 2025"                أخرباش تحذر من مخاطر التضليل الرقمي على الانتخابات في زمن الذكاء الاصطناعي    الصين- أمريكا .. قراءة في خيارات الحرب والسلم    فرنسا تدين طالبًا مغربيًا استبدل صور طلاب يهود بعلم فلسطين    أغنية "إنسى" لهند زيادي تحصد نسب مشاهدة قوية في أقل من 24 ساعة    عبد العزيز المودن .. الآسَفِي عاشِق التُّحف والتراث    بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي إيجابي    نحو طب دقيق للتوحد .. اكتشاف أنماط جينية مختلفة يغيّر مسار العلاج    57 ألفا و823 شهيدا حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ بدء الحرب    علماء ينجحون في تطوير دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لعدة سنوات    الدوري الماسي.. سفيان البقالي يفوز بسباق 3000م موانع في موناكو    من السامية إلى العُربانية .. جدل التصنيفات اللغوية ومخاطر التبسيط الإعلامي    "وول مارت" تستدعي 850 ألف عبوة مياه بسبب إصابات خطيرة في العين    باحثون بريطانيون يطورون دواء يؤخر الإصابة بداء السكري من النوع الأول    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شرح المقتضيات الدستورية المتعلقة بالمسطرة التشريعية (دستور 2011)
نشر في هسبريس يوم 08 - 07 - 2015


الجزء الثاني
المبحث الثالث : مسطرة القوانين التنظيمية (الفصل 85)
القوانين التنظيمية وفق المعيار الشكلي، هي تلك القوانين التي اعترف لها الدستور بهذه الصفة أو التسمية، تمييزا لها عن القوانين العادية. ولهذا فإن هذه الفئة من القوانين تخضع لإجراءات خاصة من حيث إعدادها ومناقشتها والتصويت عليها. كما أن إصدارها غير جائز إلا بعد تدخل وجوبي من طرف المحكمة الدستورية (الفقرة الثالثة من الفصل 85). علاوة على ذلك، فإنها تتميز بعدم جواز الطعن فيها بعدم الدستورية؛ ولا يستعمل بشأنها الحق المنصوص عليه في الفصل 95 من الدستور (طلب القراءة الثانية)؛ كما لا يجوز للبرلمان بخصوص هذه الفئة من القوانين، ممارسة حقه في التفويض التشريعي المنصوص عليه في الفقرة الثالثة من الفصل 70 من الدستور.
والدستور الحالي لسنة 2011 جعل مجالات القوانين التنظيمية محصورة في عشرين قانونا تنظيميا، بما في ذلك القانون التنظيمي المنصوص عليه في الفصل 146 الذي يعتبر بجميع مشمولاته، نصا دستوريا واحدا.
أما الإجراءات التشريعية المتعلقة بالقوانين التنظيمية، فمنصوص عليها في الفصل 85 الذي يقرر في فقرات ثلاث على التالي :
«لا يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب، إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه، ووفق المسطرة المشار إليها في الفصل 84، وتتم المصادقة عليها نهائيا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين من المجلس المذكور؛ غير أنه إذا تعلق الأمر بمشروع أو بمقترح قانون تنظيمي يخص مجلس المستشارين أو الجماعات الترابية، فإن التصويت يتم بأغلبية أعضاء مجلس النواب (الفقرة الأولى)».
«يجب أن يتم إقرار القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلس المستشارين، باتفاق مجلسي البرلمان، على نص موحد (الفقرة الثانية)».
«لا يمكن إصدار الأمر بتنفيذ القوانين التنظيمية، إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور (الفقرة الثالثة)».
وتحليلنا للمقتضيات الدستورية الخاصة بالفصل 85 سيكون وفق البيان الذي اخترنا أن يكون تسلسله واردا على النحو التالي :
البند الأول : الضوابط الدستورية المنصوص عليها في الفقرة الأولى
الفقرة الأولى من الفصل 85 من الدستور تبين في المقام الأول المجلس الذي له حق الأسبقية في التداول بشأن مشروع أو مقترح قانون تنظيمي؛ كما تحدد الأغلبية الواجب تحققها لإقرار القوانين التنظيمية من طرف البرلمان، مع بيان للمجلس الذي يملك الحق في المصادقة النهائية على النص الذي تم البت فيه.
وبيان ما سلف سيكون وفق التوضيح التالي :
أولا : المجلس صاحب الأسبقية في التداول
إذا كان لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء، حق التقدم بمشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية، فإن الإشكالية تبرز بخصوص المجلس التشريعي الذي له حق التداول بالأسبقية، حينما يكون الأمر متعلقا بمقترحات القوانين التنظيمية المقدمة من طرف أعضاء مجلس المستشارين. فهل هذه المقترحات تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين، أم توضع لدى مكتب مجلس النواب؟
السبب في هذا التساؤل عائد إلى أن المقطع الأول من الفقرة الأولى من الفصل 85، يحيل إلى المسطرة المشار إليها في الفصل 84 الذي يقرر بأن مجلس المستشارين يحق له التداول بالأسبقية في مشاريع ومقترحات القوانين التي هي من مبادرة أعضائه. كما أن النظام الداخلي لمجلس المستشارين الذي ينص في الفقرة الثانية من المادة 85 على التالي : «يتداول مجلس المستشارين في مشاريع القوانين التنظيمية المودعة لديه بالأسبقية، وفي مقترحات القوانين التنظيمية المقدمة بمبادرة من أعضائه، خاصة تلك المقدمة من طرف المعارضة، طبقا للفصل 82 من الدستور». وتضيف الفقرة الرابعة من ذات المادة : «ولا يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية المودعة لدى مجلس المستشارين بالأسبقية، إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه، واحترام المسطرة المشار إليها في الفصل 84 من الدستور». وهو ما يعني أن مجلس المستشارين بمقتضى النظام الداخلي يملك الحق في التداول بالأسبقية بخصوص مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية.
ورغم الخطل الواضح فيما تم التنصيص عليه في المادة 85 من النظام الداخلي، فإن الأغرب من ذلك، هو أن المجلس الدستوري في قراره رقم 938-14 لم ير غضاضة بشأن ما ورد في الفقرة الثانية والرابعة من المادة 85، وقرر المطابقة مع الدستور من غير تعليل أو تبرير، مخالفا بذلك ما هو منصوص عليه في الفقرة الرابعة من المادة 16 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الدستوري، التي تلزم أعضاء المجلس بتعليل القرارات التي يوقعون عليها.
إن أعضاء لجنة وضع الدستور لم يكونوا موفقين في صياغة مقتضيات الفصل 85 من الدستور بسبب ما يتضمنه النص الدستوري من إحالة إلى المسطرة المنصوص عليها في الفصل 84، التي قلنا بشأنها إن مجلس المستشارين لا يملك الحق في التداول بالأسبقية بشأن مشاريع القوانين الخاضعة لمقتضيات الفقرة الأولى من ذات النص الدستوري. لذلك يتعين فهم المقطع الأول من الفصل 85، على أساس أنه يتعلق بمشاريع ومقترحات أعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين التي تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب بمفرده.
وتأسيسا على ما سبق، فإن الأسبقية في التداول بخصوص جميع مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية، مقررة لمجلس النواب بمفرده. أما مجلس المستشارين، فإنه لا يملك في إطار ما ورد في الفقرة الأولى من الفصل 85 سوى قراءة وحيدة تتم بعد أن تحال عليه مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية التي بت فيه مجلس النواب. وهو ما يعني في نهاية المطاف أن مجلس المستشارين محروم من حق التداول بالأسبقية فيما يخص جميع مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية، بما في ذلك المقترحات التي هي من مبادرة أعضائه؛ بدليل أن المقطع الأول من الفقرة الأولى من الفصل 85، ورد بصيغة «الإطلاق»، الذي ينجر عنه وجوب إيداع جميع مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية أمام مجلس النواب بمفرده. والنص العام كما هو معلوم، يؤخذ على عمومه وإطلاقه، إلا إذا وجد ما يخصصه أو يقيده؛ ولا تخصيص أو تقييد في المجال الذي نحن بصدده. ولهذا لا يجوز القول بإمكانية مجلس المستشارين من التداول بالأسبقية في بعض المجالات، وخاصة تلك التي لها علاقة بالجماعات الترابية، لأن مثل هذا القول واضح الخطل والسرف، ولا يتسق مع منطوق المقتضى الدستوري الذي لا يشوبه إبهام أو غموض؛ وحينما يكون النص واضحا، فلا مجال للاجتهاد.
ثانيا : مسطرة التداول بين المجلسين
إذا كان مجلس النواب هو المجلس الذي تودع لديه بالأسبقية جميع مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية، تبعا لما يستخلص من المقطع الأول من الفقرة الأولى من الفصل 85؛ فإن هذا المجلس لا يحق له الشروع في دراسة النصوص المودعة لديه في نطاق القراءة الأولى، إلا بعد انصرام عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه. وعندما ينتقل النص إلى مجلس المستشارين، فإن هذا الأخير لا يتقيد بوجوب انصرام أي أجل.
والسؤال الذي يطرح بشأن التداول الأول لمجلسي البرلمان، هو معرفة ما ورد في المقطع الثاني من الفقرة الأولى من الفصل 85 الذي يقرر بأن التداول يتم : «وفق المسطرة المشار إليها في الفصل 84». فما هي هذه المسطرة؟
إن الإحالة الواردة في الفقرة الأولى من الفصل 85، بالرغم ما يحيط بها من إبهام وغموض؛ فإن الذي يمكن قوله بخصوص المسطرة المحال بشأنها إلى ما ورد في الفصل 84 من الدستور، هو أن النص (مشروع – مقترح) يعرض على مجلس النواب للتداول فيه بالأسبقية (المقطع الثاني من الفقرة الأولى من الفصل 84)؛ ثم يحال بعد ذلك على مجلس المستشارين ليتداول فيه بالصيغة التي أحيل بها إليه (المقطع الأول والرابع من الفقرة الأولى من الفصل 84). أي أن المسطرة تتحدد على وجه الخصوص في وجوب انتقال النص من مجلس إلى آخر، خلال القراءة الأولى فقط؛ لأن مسطرة التداول في نطاق القراءة الثانية، تخص مجلس النواب بمفرده.
ثالثا : مجلس النواب وانفراده بالمصادقة النهائية
على خلاف التصويت النهائي الذي يعود لمجلس النواب في نطاق المجالات الثلاثة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 84 على الوجه السابق بيانه؛ فإن المصادقة النهائية على جميع مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية في نطاق الفقرة الأولى من الفصل 85، تنعقد لمجلس النواب مباشرة بعد تصويت مجلس المستشارين. وهو ما يعني أنه خلال القراءة الثانية للنص، يقتصر حق التداول على مجلس النواب الذي يقرر بمفرده وبصفة نهائية.
وترتيبا على ما سبق، فإن مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية يصوت عليها مجلس المستشارين مرة واحدة بمناسبة القراءة الأولى للنص، عكس ما هو متاح له في نطاق الفقرة الثانية من الفصل 84، حيث يمكن له أن يصوت على مقترحات القوانين العادية للمرة الثانية.
رابعا : الأغلبية المطلوبة لإقرار النص
الأّغلبية المطلوبة لإقرار القوانين التنظيمية في نطاق الفقرة الأولى من الفصل 85، تختلف باختلاف القراءة الأولى عما هو مقرر في نطاق القراءة الثانية التي ينفرد بها مجلس النواب.
ففي نطاق القراءة الأولى، يحال النص الذي أقره مجلس النواب على مجلس المستشارين للتداول فيه؛ فإذا صوت عليه هذا الأخير من غير تغيير أو تبديل، فإن البرلمان بمجلسيه يكون بذلك قد صادق على النص. وخلال هذه القراءة الأولى يكتفى بتحقق الأغلبية من الأصوات المعبر عنها في كل مجلس على حدة.
أما إذا تم اللجوء إلى القراءة الثانية، بسبب تصويت مجلس المستشارين على النص بشكل مغاير لما أقره مجلس النواب؛ فإن الأغلبية تتحدد في إطار مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 85 تبعا للوضعين التاليين :
1 – الأصل في القوانين التنظيمية المتعلقة بما ورد في الفقرة الأولى، هو أن إقرار النص بمصادقة نهائية من طرف مجلس النواب، يستوجب تحقق الأغلبية المطلقة من أعضائه الحاضرين في الجلسة العامة. فإذا حضر 200 عضوا في جلسة التصويت على النص، فإن الأغلبية تتحقق بتصويت 101 عضوا بالموافقة على مشروع أو مقترح القانون التنظيمي.
2 – لا يستثنى من الأصل السابق، سوى القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين والقانون التنظيمي الخاص بالجماعات الترابية؛ حيث يتم التصويت على كل واحد منهما بأغلبية الأعضاء الذين يتكون منهم مجلس النواب، أي 198 عضوا من أصل 395 عضوا، وهو العدد الذي يتكون منه مجلس النواب.
البند الثاني : مسطرة التداول في نطاق الفقرة الثانية من الفصل 85
خلال القراءة الثانية للنص، ينفرد مجلس النواب بالمصادقة النهائية على جميع مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية الخاضعة لمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 85؛ ولا يستثنى من هذا الأصل سوى ما ورد في الفقرة الثانية من ذات الفصل الدستوري التي تنص على التالي : «يجب أن يتم إقرار القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلس المستشارين، باتفاق بين مجلسي البرلمان، على نص موحد». وهو ما يعني أن إجراءات التصويت على هذه القوانين، تختلف عن تلك المتبعة بشأن باقي القوانين التنظيمية الأخرى.
والجدير بالملاحظة بداية، هو أن الصيغة التي وردت بها الفقرة الثانية من الفصل 85 من دستور 2011، هي ذاتها التي كانت مقررة في دستور 1996، حيث تم التنصيص على ذلك في الفقرة السادسة من الفصل 58 الذي كان يشمل الإجراءات المتعلقة بالقوانين العادية، وتلك الخاصة بالقوانين التنظيمية؛ على خلاف الوضع في نطاق الدستور الحالي؛ الذي في إطاره تم تخصيص الفصل 84 للقوانين العادية، وتم إفراد الفصل 85 للقوانين التنظيمية.
ورغم التطابق في الصياغة في المجال الذي نحن بصدده، فإنه في ظل دستور 1996 كان في المقدور تأويل هذه القوانين التنظيمية التي وردت بصيغة الجمع، على أساس أن المقصود بها هو القانون التنظيمي الوحيد المتعلق بمجلس المستشارين الذي كان يحمل رقم 32-97 مع ما أدخل عليه من تعديلات. بيد أن هذا التأويل الواسع لم يعد الأخذ به ممكنا في ظل الدستور الحالي لسنة 2011، جراء تنصيص هذا الأخير في الفقرة الأولى من الفصل 85 على قانون تنظيمي يخص مجلس المستشارين، ويكون محل تصويت في القراءة الثانية بالأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب؛ ونص في الفقرة الثانية من ذات الفصل الدستوري على قوانين تنظيمية تخص مجلس المستشارين يتوجب إقرارها من طرف المجلسين بصيغة موحدة؛ وهو ما جعل التمييز بين القانون التنظيمي الوارد في الفقرة الأولى والقوانين التنظيمية المنصوص عليها في الفقرة الثانية على درجة من الصعوبة والتعقيد.
فبداية، ما هو وجه التغاير من حيث الفحوى بين ما ورد في الفقرة الأولى والثانية؟ ثم، كم عدد هذه القوانين التنظيمية في نطاق الفقرة الثانية، هل هي ثلاثة أم سبعة أم ماذا؟ إن المتعارف عليه هو أن مجلس النواب له قانون تنظيمي واحد يحمل رقم 27-11، كما أن لمجلس المستشارين قانون تنظيمي واحد يحمل رقم 28-11، فأين باقي القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلس المستشارين؟ ويجب عدم نسيان أن مجموع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية، محدد في عشرين قانونا تنظيميا.
إن الجواب على التداخل والتعارض والغموض الذي يكتنف الوثيقة الدستورية، متروك لفقهاء وعلماء وخبراء لجنة صياغة الدستور؛ علما أن عددا من أعضاء اللجنة لا علاقة لهم بالقانون الدستوري، ويعتبرون غرباء على ميدان التحليل القانوني والتأصيل الدستوري، وفاقد الشيء لا يعطيه، ومن لا يملك يستحيل عليه أن يمنح !؟
وبعودتنا إلى مسطرة إقرار القوانين التنظيمية، على الوجه المحدد في الفقرة الثانية من الفصل 85؛ نجد أن جميع مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية توضع بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، وبعد التداول بشأنها وإقرارها، تحال على مجلس المستشارين لدراستها والتصويت عليها. فإذا أقرها بالصيغة التي أحيل بها إليه، فإن البرلمان بمجلسيه يكون بذلك قد صادق على القانون التنظيمي. وفي إطار هذه القراءة الأولى، يشترط تحقق أغلبية الأصوات المعبر عنها في كل مجلس على حدة.
وفي حالة حدوث الخلاف بين المجلسين، جراء تصويت مجلس المستشارين بشكل مخالف لما تم البت فيه من طرف المجلس الآخر؛ فإن النص الذي تعذر إقراره بصيغة موحدة في القراءة الأولى، يحال من جديد على مجلس النواب. ويظل النص محل انتقال من مجلس إلى آخر، إلى أن يتم التوصل إلى المصادقة على نص واحد. والأغلبية المطلوبة طيلة انتقال النص من مجلس إلى آخر، سواء في القراءة الأولى أو القراءة الثانية أو خلال القراءات الموالية، هي دائما الأغلبية من الأصوات المعبر عنها.
ومرد ذلك أن المجلسين في نطاق القوانين التنظيمية المشار إليها في الفقرة الثانية من الفصل 85، يتماثلان من ناحية وجوب إقرار القوانين التنظيمية من طرف المجلسين بصيغة موحدة؛ من غير هيمنة مجلس على آخر؛ على خلاف ما هو مقرر في الفقرة الأولى من الفصل 85، حيث التفوق في القراءة الثانية، مقرر لصالح مجلس النواب على حساب مجلس المستشارين الذي يعتبر كأنه غير موجود.
وخلاصة القول فيما يخص الضوابط الدستورية المتعلقة بالمسطرة التشريعية، هو أن النصوص الدستورية، فيها الكثير من العوار والدخن، بسبب عدم الدقة في الصياغة من الناحية القانونية؛ علاوة إلى الغموض الذي يكتنف مقتضياتها، والتناقض الحاصل بين أحكامها. وسبق للأمين العام للحكومة أن قال في هذا المضمار : «إن الدستور يتضمن كثيرا من المقتضيات الغامضة وغير الواضحة، وأنه يحتوي على بعض الأخطاء التي تستدعي تعديله».
وللعلة السابقة، ينسب إلى الدستور بأنه صيغ من طرف لجنة، جل أعضائها تكوينهم ضحل في مجال الصياغة القانونية، بدليل أن علمهم الغزير في مجال القانون الدستوري لا يزال إلى يومنا هذا طي الكتمان. وقد انتبه إلى هذه المثلبة الأستاذ الداودي الذي قال وهو على صواب بأن : «اللجنة المكلفة بإعداد الدستور، تتضمن أسماء لا صلة لها بالدستور على غرار بعض الأسماء التي تتضمنها اللجنة التي أعدت مشروع الجهوية الموسعة». وقريب من هذا المعنى ما ذكره الباحث عبد الله الجباري في مقال له بعنوان : «إصلاح لجنة الإصلاح».
وعطفا على ما سلف، هل في مقدور أساتذة القانون الأعضاء في لجنة صياغة الدستور، أن يتفضلوا جراء غياب الأعمال التحضيرية، ببيان وجه التغاير بين القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين المذكور في الفقرة الأولى من الفصل 85 وبين القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلس المستشارين المنصوص عليها في الفقرة الثانية من ذات الفصل الدستوري؟
وتأسيسا على كل ما سبق، فإنه إذا كان المعنيون بصياغة المقتضيات الدستورية غير واعين بما تتضمنه النصوص من نقائص ومثالب ودخن وعطن، وذلك من ناحية التأصيل الفقهي والدستوري، فإنه والحالة هذه لا لوم على أعضاء الهيئة التشريعية إن تساءلوا واختلفوا بشأن المجلس التشريعي الذي له حق الأسبقية في التداول، حينما يكون الأمر متعلقا بقانون تنظيمي يخص الجماعات الترابية. كما أنه لا تثريب على جهاز المراقبة إذا حاد عن الصواب، واعتبر أن القوانين التنظيمية عددها يربو على العشرين؟ وعلى سبيل المثال، ألم يقل كبار قضاة المجلس الدستوري في قرارهم 912-13 بأن قانون المالية للسنة المالية 2013 ليس فيه ما يشينه من ناحية المسطرة التشريعية المتبعة في إقراره؟ ومثل هذه القاصمة بمفردها تحول دون اكتساب العضوية في المحكمة الدستورية، جراء عدم استيفاء الشروط المنصوص عليها في الفقرة الخامسة من الفصل 129 من الدستور.
وكخاتمة أقول : إن الكثير مما تضمنته هذه المقالة لم يرد على ذهن أعضاء لجنة صياغة الوثيقة الدستورية ! ولذلك وجب التذكير بالقاعدة التي تقول : « لا ينسب لساكت قول». كما أنه ليس كل من تولى تدريس مادة القانون الدستوري، أو انتسب إلى جمعية القانون الدستوري، فقيه !؟
الجزء الأول: http://www.hespress.com/writers/266163.html


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.