لنقلها بصراحة: ما يقع في المشهد السياسي بعد الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة يبعث على الغثيان واليأس..كيف نقنع مواطنا في أقاصي الجبال أنهكته صروف الدهر، وذهب يوم الاقتراع للتصويت ضد من يطلب منه بقرة مقابل الحصول على رخصة البناء، وضد من رفض ست سنوات أن يمنحه شهادة بسيطة بسبب خلاف عائلي تافه، ثم يجد صوته بعد أيام قليلة، بعد ذلك، قد ذهب إلى نفس الشخص؟ كيف نقنع موظفا ينتمي إلى الطبقة الوسطى، ويفهم الحد الأدنى من اللعبة السياسية، أن المصباح يستحيل إلى جرار والوردة تصير، بقدرة القوى الخفية والظاهرة، سنبلة رائعة، والكتاب يتحول إلى ميزان؟ كيف نعيد للبرجوازية المغربية الثقة في قدرة الأحزاب السياسية على إحداث تغيير جوهري دون الحاجة إلى قرارات فوقية وتحكم في الأحزاب السياسية، بعد أن رأت كيف يتصرف الناخبون الكبار في أصواتهم؟ ماذا سيقول المحللون السياسيون وعلماء الاجتماع حول ما جرى ويجري في الساحة السياسية؟ أين هي التقاطبات السياسية، أين يبدأ اليسار وأين ينتهي اليمين، متى يبدأ الخيار الحداثي وأين ينتهي الخيار المحافظ؟ في أي خانة نصنف الاستقلال: هل هو استقلال طنجة الذي صوت على العماري أم استقلال فاس الذي صوت على الآزمي؟ وما الذي يعنيه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في بيانه بإفساد العملية الانتخابية من طرف الأغلبية الحكومية والمعارضة؟ ألم يظهر لشكر مع بكوري وشباط والعماري في أول اجتماع بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات؟ ثم أين نصنف حزب الأصالة والمعاصرة الذي قال إن البيجيدي خط أحمر ثم صار "ماشي حمورية" في الناظور ومدن أخرى..؟ وفي أي تيار سياسي سنصنف حزب العدالة والتنمية الذي خاض حرب استنزاف طويلة مع البام، ثم تحالف معه في تطوان وبركان؟ ما الذي يمكن أن يفهمه المرء من أن حزب التقدم والاشتراكية اعتصم في جماعة بني بوعياش احتجاجا على تزوير اللوائح من طرف السلطة بالتواطؤ مع الجرار ثم يتحالف معه في المجلس البلدي بعد الانتخابات؟ الذي ابتدع عبارة "السياسية فن الممكن"، لم يكن يعرف هذه الشخصيات السياسية المغربية الباعثة على الضحك وعلى اليأس أيضا. فن الممكن هي أن تعرف متى تصمت ومتى تتكلم وفوق ذلك متى تتنازل كما قال تشرشل يوما لا أن تتخلى عن الحد الأدنى من المنطق السياسي مقابل مكاسب لحظية. عند السياسيين المغاربة بات كل شيء ممكنا باسم السياسة والفن: واحد يقول إن السياسة مجالا للملائكة وواحد آخر يقول إن حزبه لا يمارس السياسة بالعواطف وواحد أكثر ذكاء من هؤلاء يقول إن هذا "الحيص بيص" من مستلزمات السياسة...فعلا هزلت. نحن متجهون نحو الفراغ السياسي لا محال، ذلك الفراغ الذي يقتل السياسة وينفر المواطن من الانتخابات، ويفقد الفقير والغني الثقة في كل شيء، ويجهز على المنافسة السياسية، ويجعل الصحافيين مثلنا يكرهون أخبار السياسة والسياسيين، ونتمنى عشرات المرات أن نغير الاتجاه نحو وصفات الطبخ وأخبار الموضة. منذ الآن، يجب لنظرية عبد الله العروي في دور الأم أو التربية الأولى في التنشئة السياسية التي دافع عنها في كتابه"من ديوان السياسة" أن تسقط سقوطا مدويا وأن تنسى تماما بل ويجب على العروي أن يتراجع فورا عن هذا "الدجل" و"التخريف" غير القابل للتصديق، وإذا أراد صاحب الأدلوجة أن نصدقه بعد اليوم عليه أن يقنعنا أن السياسيين المغاربة، بكل أصنافهم وألوانهم وأطيافهم وأحجامهم وأفكارهم، رضعوا من ثدي واحد، وينتمون لفصيلة واحدة وينحدرون من دوار واحد ومن حي واحد وربتهم أم واحدة.. [email protected]