في تحليله للتطوّرات التي يشهدها ملفّ قضية الصحراء في الآونة الأخيرة، ومواقفِ كلٍّ من الجزائروموريتانيا، وجبهة البوليساريو، خلال الشهور القليلة الماضية، قالَ منار السليمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إنَّ فهْم سلوكات هذه الأطراف الثلاثة، يقتضي وضعَ القضية في إطار التحوّلات الجارية في النظامين العالمي والإقليمي. وقدّم السليمي، الذي كانَ يتحدث في ندوة نظمتها كلية الحقوق أكدال بالرباط، حول مستجدّات قضية الصحراء المغربية في ضوء التطورات الإقليمية، أربعَ مُلاحظات أساسية لتشخيص الأوراق الثلاثة التي استعملتها الجزائر والبوليساريو وموريتانيا خلال الشهور الأخيرة؛ وهي ورقة بان كي مون، والمنطقة العازلة، والمحكمة الأوروبية في المساحات التي يجري فيها الصراع. التطوّرات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة المغاربية ومنطقة الساحل والصحراء، يقول السليمي، تنبُع من كوْن المنطقة أصبحت ذات أولوية في النظام الدولي، وباتت رقما مهمّا في أجَندات القوى الدولية والإقليمية، باعتبارها تضمّ بوابة توتُّر كبرى، بعد أنْ أضحتْ ليبيا تُستعمل كخلفيّة احتياطية لما يَجري في سورياوالعراق، مُتوقّعا أنْ تكون للمنطقة أولوية كبرى في السنوات القادمة، "لكونها تشكّل قوسا كبيرا لعدم الاستقرار، يمتد من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي"، يشرح المتحدث. واستطرد السليمي أنَّ هذا الوضع الجديد جعلَ المعلومات المتعلّقة بما يجري في المنطقة تتغيّر، ما جعلَ المعلومات القديمة التي كانتْ تروّجها الجزائر والبوليساريو في ما مضى غيرَ مُقنعة للقوى الدولية، ومنْها تلك التي استندت إليها الجبهة الانفصالية للاحتجاج، أمام الأمم المتحددة، على تشييد المغرب للطريق البرّي مع موريتانيا. وقال أستاذ العلوم السياسية في هذا السياق: "هذه المعلومات القديمة لم تُقبل، لأنَّ صعود المنطقة كأولوية لدى القوى الدولية جعل هذه القوى تبدأ في عملية تصحيح مجموعة من المعلومات، وهناك اليوم ضغط من أجل فتح مخيمات تندوف، والقيام بعملية إحصاء لسكانها، وثمّة تقاريرُ تتوقع أنَّ الجزائروموريتانيا من الدول المرشحة للانهيار خلال السنوات القادمة، وهذا ما يفسِّر سلوكات موريتانيا والبوليساريو والجزائر، التي دفع بها الضغط المحيق بها إلى مواجهة المغرب مباشرة". منطقة خطرة العاملُ الذي قال السليمي إنّه جعل أولوية المنطقة لدى القوى الدولية تتزايد، يتعلق بكون المنطقة المغاربية ومنطقة الساحل والصحراء، باتتْ منطقة خطرة، مستدلًّا بكون عشرين منظمة إرهابية، من بين الأربعين منظمة التي بايعتْ تنظيم "داعش"؛ أيْ نصفُها، توجد في هذه المنطقة، ومن بينها جماعة المرابطين التي يتزعمها الجزائري مختار بن المختار، كما أنّ آخر "مُبايعة" جاءت من أبي الوليد الصحراوي، المتحدّر من مخيمات تندوف. وأشار رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات إلى أنّ "خطورة هذا القوس من عدم الاستقرار هو أنّ المعلومات تشير إلى أنه في سيناء، الممتد إلى المحيط الأطلسي، هناك أكثر من 3800 مقاتل إرهابي ينتمون إلى 120 دولة، أغلبهم من العراقوسوريا، فيما يوجد بليبيا أزيد من 8000 آلاف"، معتبرا أنَّ هذه المعطيات تجعل المنطقة مُقبلة على إنتاج "خليطٍ جديد من الجماعات الإرهابية مشكَّل من القاعدة وداعش". الخطورة التي تشكّلها المنظمات الإرهابية المستوطنة بالمنطقة، يوضّح السليمي، تشتدُّ أكثر حينَ ربطها بمعطيات التقرير الأخير للمعهد الأمريكي "أنتر برايت"، الذي يُفيد بأنَّ الجنوب الجزائري فيه عجز مستديم ومُنفلت، خاصة الجنوب الغربي الذي يضم المخيّمات، حيث يتّخذه تنظيما "القاعدة" و"داعش" ملاذا لهما، فضلا عن ذلك، يُضيف المتحدث، فإنّ الجزائر تعيش أزمة اقتصادية، وغموضا حول من يحكم، وهو ما يجعلها دولة مقبلة على عدم الاستقرار. موريتانيا.. ملجأ للجماعات الإرهابية وبخصوص سلوكيات موريتانيا إزاء المغرب، قال السليمي إنَّ الإشارات السلبية التي أرسلها الرئيس الموريتاني إلى المغرب في الآونة الأخيرة تجدُ تفسيرها في تقاريرَ دولية تشير إلى أنّ محمد ولد عبد العزيز، متحالف مع تنظيم "القاعدة" الإرهابي، بالسماح لمقاتليه بالدخول من مالي، والاستفادة من الخدمات في المستشفيات الموريتانية، ومن المؤونة الغذائية، مقابل الحفاظ على الاستقرار. وأضاف السليمي: "مُوريتانيا تحوَّلت إلى مستودع كبير للمخدرات، وتجارة الأسلحة وملجأ للجماعات الإرهابية". واستطردَ المتحدث أنّ موريتانيا تتصدّر، إلى جانب الجزائر، عشْرَ دول مهددة بعدم الاستقرار والانهيار، متسائلا: "كيف يمكن للبوليساريو أن تكونَ وسط هذا الدمار؛ حيث الجنوب الجزائري منفلت تسود فيه الجماعات الإرهابية، وكذلك موريتانيا، وتُنكر (البوليساريو) أنها لا تأوي جماعات إرهابية وتجار المخدرات؟ وكيف يكون هناك استقرار في المخيمات والدولة الحاضنة لها (الجزائر) قريبة من الانهيار؟"، موضحا أنَّ المخدّرات التي جرى إحراقها في الآونة الأخيرة بمخيمات تندوف لم يتمّ حجزها بشكل عرضي، كما روّج لذلك "إعلام" البوليساريو، بل كانت مخزونة بمستودع للمخدرات. الخبير المغربي أردف أنَّ ما يُفاقم وضعية عدم الاستقرار في مخيمات تندوف، فضلا عن كونها ملاذا للإرهابيين وتجار المخدرات، وجودُ إشكال حول "الزعامة الجديدة"؛ حيث يعجز "زعيمها" الجديد إبراهيم غالي على ضبْط الأوضاع داخل المخيمات، نظرا للمدة الطويلة التي قضاها محمد عبد العزيز في "منصبه"، إضافة إلى كون غالي يعيش بين مطرقة وسندان صراعٍ بيْن معسكر في الجيش الجزائر يقوده القايد صالح، والذي يريد أن يدفع بالجبهة إلى الحرب مباشرة مع المغرب، ومعسكر آخر يريد استعمال حرب العصابات، في إطار صراع خفيّ بين التيّار العسكري المتشدد مع محيط بوتفليقة. غبار نَووي عدمُ الاستقرار الذي يسودُ مخيّمات تندوف، بحسب السليمي، يمتدُّ إلى وجود احتمال بنزوح سكّاني، مستندا إلى معلومات حول الملف النووي الفرنسي في الجزائر إبّان الاستعمار؛ حيث تقول المعلومات إنّ المنطقة التي وطّنتْ فيها الجزائر سكّان المخيمات على أراضيها كانت قريبة من المنطقة التي أُجريت فيها التجارب النووية، وتُسمّى "منطقة غبار نووي". واستطردَ المتحدّث أنَّ هذا الموضوع طفا بقوّة على الساحة، بعد وفاة "زعيم" جبهة البوليساريو السابق، محمد عبد العزيز؛ إذ طُرحتْ أسئلة حول وفاته، والتي قد تكون ناجمة عن مضاعفات سرطان بسبب "الغبار النووي"، مشيرا إلى أنّ هذا الملف يوجد بيد الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث توفي عبد العزيز، "والتي تضغط به على الجزائر، وقد يخرج في أي لحظة، وهو ما سيضعها في ورطة كبرى، بعدما وطّنت مجموعة من البشر في منطقة مهدّدة لا يُعرف إلى حدّ الآن عدد الوفيات في صفوف سكانها جرّاء تأثيرات الإشعاعات النووية".