بدأ المغاربة المعتنقون للمسيحية يطالبون بحق عيش إيمانهم علنا في مجتمع مسلم بأكثريته، وذلك بعد مواجهة التمييز وممارسة إيمانهم في السر. الأرقام الرسمية المتعلقة بعدد معتنقي المسيحية في المملكة غير متوفرة؛ لكن وزارة الخارجية الأمريكية تقدر عددهم بين ألفين وستة آلاف. وأشارت شهادات جمعتها وكالة الأنباء الفرنسية إلى أن أغلبهم بروتستانتيون (معمدانيون وإنجيليون) ويتركزون بين مراكشوأكادير. السلطات المغربية، حيث الإسلام دين الدولة والملك محمد السادس "أمير المؤمنين"، تفتخر بتسامحها الديني والإجازة للمسيحيين الأجانب ولليهود ممارسة معتقداتهم بحرية؛ لكن فيما يتعلق بالمغاربة الذين يعتبرون تلقائيا مسلمين إن لم ينتموا إلى الأقلية اليهودية، فالردة مرفوضة اجتماعيا فيما يجرم القانون المغربي التبشير. وبالرغم من عدم ذكر الارتداد عن الإسلام بالتحديد في القانون الجنائي، فإن معتنقي المسيحية مهددون بالسجن في حال الاشتباه باستخدامهم "وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى". وفي السنوات الأخيرة، برزت عدة حالات توقيف بتهمة التبشير. وأوضح خبير في اجتماعيات الأديان أن "هذا الموضوع شديد الحساسية؛ لأنه يحيل إلى تاريخ الاستعمار وفكرة أن المسيحية تهدد وحدة المغرب". وبحي شعبي في مدينة أكادير، انبثقت تراتيل من جهاز راديو علق على الجدار أعلاه صليب فضي. وقال رشيد، الأربعيني الذي يستضيف في داره حوالى 10 من معتنقي المسيحية لإمضاء "بعد ظهر صلاة": "أنا مغربي قبل كوني مسيحيا". ولد الرجل لعائلة من أتباع الصوفية، واعتنق المسيحية سنة 2004 قبل أن يصبح قسا بروتستانتيا. وروى الوالد لاثنين: "أثناء طفولتي، أجبرني والدي على ارتياد الزاوية الصوفية؛ لكنني لم أجد نفسي هناك". أثناء المراهقة نما اهتمام رشيد بالمسيحية. واتصل من مقهى إنترنيت بموقع "يبشر بكلمة الرب" أرسل إليه نسخة من الكتاب المقدس. وقال: "قرأته كاملا، ودرست كلمة الرب وتابعت دورات تدريب. (...) في سن ال24 تعمدت في شقة بالدار البيضاء". إلى جانب رشيد جلس مصطفى، الموظف البالغ 46 عاما والذي اعتنق المسيحية في 1994 "لملء فراغ روحي". ومصطفى حفيد لأحد العلماء المنحدرين من تارودانت، وكان في شبابه عنصرا ناشطا في جماعة العدل والإحسان. وقال مصطفى: "تعبت من تناقضات الإسلام، فتحول اهتمامي إلى المسيحية عبر تبادل مكثف للرسائل مع مركز ديني في إسبانيا". ثم "خطوت تلك الخطوة"، على ما أتذكر، هو أيضا الذي حصل على شهادة قس "بالمراسلة من الولاياتالمتحدة". ومارس المتحدث معتقداته سرا، إلى أن قرر قبل عام ونصف العام نشر فيديو على الإنترنيت تحدث فيه عن اعتناقه المسيحية من دون إخفاء وجهه؛ لكن سرعان ما توالت ردود الفعل. وقال إن بعض "الأقارب أداروا ظهرهم لي، وتم عزلي في العمل. كما تعرض أطفالي للمضايقة في المدرسة". سعى مصطفى ورشيد، وغيرهما ضمن "تنسيقية وطنية"، إلى عيش إيمانهم على الملأ؛ فتوجهوا إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان طلبا ل"وقف الاضطهاد" بحق مجموعتهم الصغيرة. وقال مصطفى، المتحدث باسم التنسيقية: "نطالب بحقنا في اختيار أسماء مسيحية لأطفالنا، والصلاة في الكنائس، وأن ندفن في مدافن مسيحية والاقتران بحسب ديانتنا". لكن الأمور تتحرك. وقال رشيد إن "التوقيفات انقطعت تقريبا، وهذه خطوة كبرى! كما باتت المضايقات نادرة، وتبقى من واقع المجتمع"، مضيفا إنه يعيش إيمانه منذ إشهاره "بشكل طبيعي في حي شعبي أمام أنظار جيرانه المسلمين وبعلمهم". واعتبر مصطفى أن "البلد شهد اختراقات كثيرة على مستوى حقوق الإنسان"، مشيدا بعمل الملك محمد السادس في سبيل "العيش المشترك"؛ لكنه آسف "لعدم مواكبة القانون الجنائي والمجتمع" هذا التقدم متحدثا عن مجتمع "يعاني الفصام والتناقضات الكثيفة، حيث يتبنى كثيرون نمط حياة علمانيا؛ لكنهم يشعرون بالانقباض ما إن يأتي ذكر اعتناق ديانة أخرى".