تحت عنوان "مستقبل الإسلام السياسي في محيط مضطرب" عقدت مؤخرا منظمة فريدريش إيبيرت الألمانية في العاصمة الأردنية عمان مؤتمرها الإقليمي، شارك فيه نخبة من المفكرين والباحثين العرب والأجانب. وقدمت خلال المؤتمر ثلاثة أوراق حول ثلاث تجارب عربية، لكل من الدكتور إدريس الكنبوري عن التجربة المغربية، والدكتور عبد اللطيف الحناشي عن التجربة التونسية، والدكتور خليل العناني عن التجربة المصرية. وقال الكنبوري إن الدولة في المغرب، خلافا لبلدان عربية كثيرة تميزت فيها العلاقة بين الدين والدولة بالتوتر والتشنج كالبلدان التي رفعت لواء القومية العربية أو الاشتراكية، نشأت في إطار الارتباط بين الإسلام ونظام الحكم، فالملك هو أمير المؤمنين وهو يجد امتداده في شجرة النسب النبوي، ما يمنحه موقعا استراتيجيا في البلاد. وأوضح المتحدث أن الحركة الإسلامية المغربية تطورت خلال العقود الماضية في سياق وطني مختلف، يمنح للأعراف السياسية قيمة أكبر من الإيديولوجيا، ويتقاسم الخطاب الديني مع العديد من المكونات السياسية التي كانت تعلن الإسلام مرجعية لها، مع تباين بينها في التصورات، وهو ما قلص من نزعة المواجهة بين العلمانيين والإسلاميين على نحو ما حصل في بلدان عربية أخرى. وتابع بأن احتكار الدولة للدين، والصفة الدينية للملك بوصفه أميرا للمؤمنين، مكنا من رسم مجال عمل الإسلاميين في نطاق لا يتعدونه، على أساس معادلة "إسلامية الدولة علمانية الإسلاميين"؛ ففي الوقت الذي ربط النظام بين الدين والسياسة على مستوى الدولة، نجح في الفصل بينهما على مستوى الحركة الإسلامية، فهناك إسلامية الدولة وعلمانية الإسلاميين. وقال الباحث إن الإصلاحات الدينية التي قام بها الحسن الثاني خلال الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي عملت على تقليص المجال الذي يتحرك فيه العلماء بهدف تدجينهم والحد من نفوذهم، وهي الإصلاحات التي مكنته من تلافي المواجهة مع الإسلاميين عندما نشأت الحركة الإسلامية، مضيفا بأن الإصلاحات الهيكلية في المجال الديني التي قام بها محمد السادس بعد تفجيرات 2003 زادت في بسط هيمنة الدولة على الشأن الديني. وأكد الكنبوري على أن حزب العدالة والتنمية بعد الربيع العربي وحراك الشارع المغربي تعامل مع الأحداث من منطلق تغليب الحكمة وتوظيف الخلفية التاريخية للمؤسسة الملكية لتجنب إدخال البلاد في الأزمة، وهو ما قامت به أيضا جماعة العدل والإحسان التي كانت ترفع شعار القومة في الماضي، لكنها تعاملت مع الأحداث بطريقة تعطي الأولوية للتدافع السياسي مع الدولة دون رفع شعارات تنادي بإسقاط النظام، كما حصل في بلدان عربية أخرى. وقال الباحث المغربي إن حزب العدالة والتنمية أظهر خلال السنوات الماضية التي أدار فيها التحالف الحكومي أنه حزب سياسي لا حزب ديني، فقد أخرج الدين من مجال الدبير؛ كما لم تكن له سلطة مباشرة على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي تظل دائما من وزارات السيادة التي تكون فيها السلطة الأولى للملك، لأن تدبير المجال الديني من صلاحيات إمارة المؤمنين، وهو ما جعل الباحث يصوغ مفهوم"التدبير خارج الدين"، حيث أكد أن الإسلاميين يدبرون الشأن العام دون المساس بالقضايا المتعلقة بالإسلام. وأوضح الكنبوري في هذا السياق أن حزب العدالة والتنمية يقتصر على توظيف المرجعية الدينية خلال مواسم الانتخابات والصراع مع خصومه السياسيين، لكنه سرعان ما يتخلى عن تلك المرجعية عندما يصل إلى السلطة، كما يوظف تلك المرجعية في مرحلة المعارضة فقط، مستدلا بمعارك الحزب السابقة حول الجوانب الأخلاقية في المجتمع ومهرجان موازين الشهير وبعض مظاهر الفساد السياسي، لكنه في مرحلة الحكم سحب تلك القضايا من مجال اهتمامه وصار أكثر براغماتية في التعاطي مع الدولة. وقال إن الحزب يسير تدريجيا نحو سياسة أكثر علمنة وبراغماتية، فهو لا يخضع تحالفاته للعوامل الإيديولوجية، ويغلب الواقعية على المبادئ التقليدية التي ارتبط بها، ويفسح المجال أكثر فأكثر للاستفادة من المردود المادي للحكم، ويغلب منطق المصلحة الحزبية على حساب المصالح العامة التي كان ينادي بها.