السكتيوي يعلن لائحة المنتخب الرديف المشاركة في كأس العرب    الحسيمة.. الغموض يلف حادثة إطلاق نار ببني بوعياش    مندوبية بنموسى.. معدلات التضخم تواصل منحاها التراجعي    تحت شعار "مشاركة الأطفال في تنمية إفريقيا".. افتتاح المنتدى الافريقي لبرلمان الطفل بالرباط    المنتخب المغربي للسيدات داخل القاعة ينهزم أمام نظيره الأرجنتيني    صحف إسبانية .. المغرب يؤكد مكانته على قمة كرة القدم العالمية    حظر جمع وتسويق الصدفيات بتارغة-الشماعلة وجنان النيش-أمتار الغرب    وفاة رضيع في الطرامواي تولد في العراء الطبي بسلا تهز الرأي العام    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت        تسريب منسوب ل "المجلس الوطني للصحافة" يثير جدلاً واسعاً حول طريقة تدبير الملفات التأديبية واستقلال القضاء    الاتحاد العام للفلاحين يتدارس ملف إعادة تشكيل القطيع الوطني    المطر يُعرّي أخطاء البشر !    النفط يواصل التراجع وسط ضغط أمريكي لإبرام اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا    حكيمي وبن صغير في القوائم النهائية لجوائز "غلوب سوكر"    بعد الهدنة في لبنان.. حصيلة دموية ثقيلة إثر استهدافات الإسرائيلية    أطباء مغاربة يهبون للتطوع في قطاع غزة.. وتنسيقية تتوصل بأزيد من 130 طلبا    من 28 نقطة… النص الحرفي لخطة ترامب لوقف الحرب في أوكرانيا    ولد الرشيد: الأوراش المهيكلة التي تعرفها مدن الصحراء المغربية تفتح آفاقا واسعة للتنمية المستدامة    بوانو: من العار الإبقاء على القاسم الانتخابي والمقاربة العقابية في القوانين الانتخابية غير مقبولة    لوحة بورتريه لفريدا كاهلو تصبح أغلى عمل فني من إنجاز امرأة    اختتام مهرجان سينما الذاكرة المشتركة بالناظور وتتويج أبرز الأعمال    القوة الجوية المغربية تقتني 10 مروحيات "إتش 225 إم" من إيرباص    التجمع الوطني للأحرار يصادق على تصوره لمقترح الحكم الذاتي استعداداً لرفعه إلى الملك    "الأول يكشف تفاصيل استنطاق "بوز فلو".. الرابور أمام القضاء بسبب اتهامات مرتبطة بمضامين أغانيه    أمل موكادور لكرة القدم الشاطئية بطلا للمغرب لسنة 2025    المجلس الأعلى للسلطة القضائية ينظم دورات تكوينية للقاضيات الراغبات في تولي مناصب المسؤولية    تتويج سفير المغرب لدى الأرجنتين ضمن "قادة التحول في أمريكا اللاتينية"    مدرب مارسيليا: أكرد لاعب لا يعوض.. وعلينا التأقلم مع غيابه    30 دولة تعارض مسودة اتفاق "كوب30"    خطف 52 تلميذا من مدرسة بنيجيريا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    سيراليون تجدد دعمها للوحدة الترابية للمغرب وتعبر عن ارتياح بالغ باعتماد القرار التاريخي 2797    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يفتتح فعالياته معززاً مكانة قطر في المشهد السينمائي العالمي    مراكش: استئناف هدم مساكن العسكريين وقدماء المحاربين... وتعويضات تشمل بقعاً أرضية ومساعدات للبناء    اعتداء خطير بمستعجلات مستشفى بني ملال يخرج النقابة الوطنية للصحة للاحتجاج والتصعيد    كيوسك الجمعة | المنظومة المؤطرة للانتخابات تهدف إلى تخليق العملية الانتخابية والسياسية    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم يتعلق بتطبيق الضريبة على القيمة المضافة    المغرب يرتقي إلى المرتبة السادسة عالميا في مؤشر الأداء المناخي 2026    المغرب يرأس المجلس الدولي للزيتون لعام 2026    المغربي إدريس علواني يحصد الميدالية البرونزية في بطولة إفريقيا للدراجات    وسام حمادة والدة "هند رجب" في افتتاح الدوحة السينمائي:    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    اليوم.. فتيان الأطلس يواجهون البرازيل بأمل المرور إلى نصف نهائي المونديال    زلزال بقوة 5,5 درجات يضرب بنغلادش    المكسيكية فاطمة بوش تتوَّج ملكة جمال الكون بعد جدل واسع    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    ( الحب المر)... فيلم يكشف الوجه الخفي للنرجسية داخل الأسرة المغربية    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    الفنان المغربي إِلياه والنجم المصري محمد رمضان يجتمعان في أغنية جديدة    في الحاجة إلى فلسفة "لا"    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إفشال توغل حزب الله يجنّب المغرب "السيناريو اليمني" في الصحراء
نشر في هسبريس يوم 05 - 05 - 2018

أعلنت المملكة المغربية مؤخرا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية على خلفية اتهامها حسب معطيات بيان وزارة الخارجية المغربية بتقديم دعم عسكري سري بطريقة مباشرة للبوليساريو عبر توفير الغطاء الدبلوماسي لكوادر بحزب الله اللبناني، حتى يتمكنوا من ولوج بوابات الحدود الجزائرية، وكذا الانتقال إلى مدينة تندوف لعقد لقاءات عمل مشتركة وبطريقة غير مباشرة من خلال تدريب عناصر الجبهة الانفصالية على أساليب حرب العصابات وتكوين فرق كوماندوز وتحضير عمليات عدائية ضد المغرب، وتأييد الجبهة الانفصالية ضمنيا في طرحها الانفصالي لقيام جمهورية صحراوية والعمل على دعمها في استهداف المغرب في أمنه واستقراره.
وانبرت العديد من المنابر الإعلامية مستعينة برهط غير يسير من المحللين والخبراء، والذين أجمعوا على أن تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية كاف لتأييد ما جاء في البلاغ الرسمي المغربي، وأن الأخير كان جامعا مانعا لما وجب قوله وملخصا لمسطرة سلكتها الدبلوماسية المغربية في إعلان موقفها السيادي الرافض لكل تدخل أجنبي في ملف وحدتها الترابية؛ وعليه فتقييمنا للحدث سيتضمن ثلاث نقط، أولها الجهد الدبلوماسي، ثانيها تفاعلات الدول المعنية، وثالثها تحليل نوعية التهديد الذي قطع العلاقات.
الجهد الدبلوماسي
أظهر البلاغ المغربي أن القرار السيادي المغربي يعيد تقديم تحذير ليس فقط على المستوى الثنائي بين الدولة المغربية ودولة أخرى، وإنما رسالة موجهة لأي دولة تضع يدها داخل الملف المغربي للوحدة الترابية. ولم تعتمد الخارجية المغربية فقط على ما تداوله الإعلام حول اجتماع بين بعض موفدي البوليساريو وبعض المحسوبين على حزب الله في بيروت، وإنما أيضا على ما رصدته الخارجية المغربية عبر مصادرها من تحركات السفارة الإيرانية وتواصلها مع مخيمات تندوف، في استعراض واضح لتتبع المغرب لما يحدث داخل المخيمات بدقة، وما يجري أيضا على مستوى السفارة الإيرانية؛ وبالتالي يمكن تخمين أن التتبع المغربي لما يجري سيكون بكل تأكيد شاملا لتحرك البعثات الأجنبية داخل الجزائر. هذا الترصد والتتبع وضع على طاولة اجتماع السيد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف، معززا التأكيد المغربي على وجود تنسيق ودعم أيراني لمليشيات البوليساريو بشريا ولوجيستيا.
هذا الملف الذي انتقل من أجله السيد وزير الخارجية، ليس فقط عمل مراكز بحث علمية أو استنتاج دوائر الإعلام الحكومية التي تتابع ما ينشر على صفحات الجرائد والمواقع الإعلامية، وإنما ملفا معززا بمعطيات نعتها السيد الوزير ب"الدامغة". ويحيلنا هذا النعت على اعتبار أن ما قدم معلومات استخباراتية موثوقة ومعززة بأدلة مادية قد تكون صورا ووثائق جمعت من مصدرها؛ وهذا ما أربك الخارجية الإيرانية وجعلها تخرج بتصريح ضعيف، إذ اعتبر بهرام قاسمي، المتحدث باسم الخارجية الإيراني، التصريحات المنسوبة إلى وزير الخارجية المغربي بشأن تعاون أحد دبلوماسيي إيران مع جبهة البوليساريو "غير صحيحة، وتتنافي مع الواقع"؛ في حين استقبل السفير المغربي بالجزائر من طرف الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية الذي أطلعه على "استنكار السلطات الجزائرية للتصريحات غير المؤسسة كليا والمقحمة للجزائر بطريقة غير مباشرة التي أدلى بها وزير الخارجية المغربي بمناسبة إعلان قطع علاقات بلده الدبلوماسية مع جمهورية إيران الإسلامية"، حسب ما أكده الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية، السيد عبد العزيز بن علي شريف.
المملكة المغربية احترمت الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها في ما يخص العلاقات الدبلوماسية بين الدول، فمعاهدة فيينا لسنة 1815 أسست لتبادل البعثات الدبلوماسية، ليتم تتميمها ببروتوكول ايسك لاشابيل سنة 1818 وبعدها الاتفاقية الدولية الموقعة بفيينا سنة 1961، والتي تحمل عنوان "الاتفاقية حول العلاقات الدبلوماسية"، وتعتبر قيام العلاقات وتبادل البعثات الدبلوماسية لا يتم إلا بعد اتفاق ثنائي بين الدول. هذه العلاقات تقطع في حالة وجود اختلاف حاد حول ملف أو قضية ما، وتقطع أيضا في حالة الحرب. ويتم قطع العلاقات إذا كان استدعاء سفير الدولة للتشاور غير كاف للتعبير عن موقف الدولة من نظيرتها بخصوص موقف ما كما حدث في هذه الحالة، إذ إن وزير الخارجية المغربي وبعد تقديمه للأدلة التي تثبت تورط إيران في تدعم وتسليح البوليساريو استقدم سفير المغرب بطهران معه في رحلة عودته إلى البلاد؛ وهو بذلك وبمجرد التحاقه بالوزارة أعلن قطع المغرب لعلاقاته بإيران كتحرك سيادي مغربي لإيقاف العبث الإيراني وحشر نفسها في نزاع بعيد كل البعد عنها.
وعليه كان اللقاء بين الوزيرين أول خطوات إعلان القطيعة، بعدها استقدام السفير المغربي وتقديم تصريح صحفي للرأي العام الوطني والدولي حول خلاصات الزيارة وقرارات المغرب، ليعلن الوزير أن السفير الإيراني صار شخصا غير مرغوب فيه ولم يعد له مبرر للبقاء. وهنا يجب إيضاح أن قطع العلاقات الدبلوماسية، وإن كانت تعني مغادرة السفير وكل الدبلوماسيين، إلا أن مصالح الدولتين في كل منهما قد تستمر تحت حماية سفارة أجنبية أخرى وتستمر مقرات السفارة والإقامة بالتمتع بالحصانة الدبلوماسية اللازمة.
كما يمكن للمصالح القنصلية البقاء رغم ذلك، لكنها لا ترتبط بعلاقات مصلحية مع السلطات السياسية لبلد الاستقبال، إذ تعنى بالحفاظ على المصالح المدنية والتجارية للرعايا الأجانب التابعين لتلك الدولة كما هو مبين في فصول معاهدة فينا لسنة 1963.
تفاعلات الدول المعنية
إعلان القطيعة بين الرباط وطهران مس في جوهره الدور المتآمر لدولة الجزائر وأبرز للمجتمع الدولي أن ما كان المغرب يحذر منه صار واقعا تترامى أطرافه على المنطقة ويجرها نحو عدم استقرار شامل كفيل بفتح جبهات جديدة للنفوذ الإيراني بالمنطقة عبر تسهيل بناء جسر جيواستراتيجي بين المشرق، الخليج وشمال إفريقيا؛ هذا الأخير لن يكون إلا بوابة الجحيم التي ستشعل الصحراء الكبرى وتبعثر أوراق دول الساحل وجنوب الصحراء.
الرباط انطلاقا من دورها المتميز في بناء منظومة أمنية استباقية للتهديدات الإرهابية وبحكم تعاملها مع شبكات التجنيد والخلايا النائمة والحديثة التشكيل بالمغرب والدول المجاورة، صارت على دراية كافية بتحركات التهديدات الإرهابية وخبيرة بالإشارات الضمنية للتوجهات الأمنية في إطار محاربة الجريمة المنظمة وغسيل الأموال. وما إطلاق المغرب لأقمار صناعية فضائية إلا دليل على أن جمع المعلومات الأرضية صار غير كاف بحضور جار شرقي يصرف الملايير من الدولارات لتطوير منظومات أسلحة، أجهزة تشويش وتسليح مليشيات من المرتزقة بجميع بؤر التوتر. وهذا وان كان يذكرنا بالدور الفرنسي والأمريكي في السبعينيات في القارة الإفريقية فهو الآن صار يمارس من طرف الجزائر لضمان وجودها كقوة إقليمية تستعمل هياكل الاتحاد الإفريقي لضمان وجودها كوسيط لتفتي إملاءاتها وتعد توافقات على مقاس مصالحها الغامضة وأجندتها الضبابية. وليس من دليل خير مما قامت الجزائر به من اختطاف الحوار الوطني الليلي ومحاولة تحويره خارج اتفاق الصخيرات، وما قامت به من نسف اتفاق فصائل شمال مالي وفشلها في عقد تنسيق عسكري مع تونس كفيل بالقضاء على الإرهاب الليبي على جبال الشعانبي.
هذا دفع بالجزائر إلى إنكار علاقتها بإيران وحزب الله أيضا وإنكار دورها السلبي في احتضان البوليساريو ودعمه بشتى السبل، وهو ما تكذبه الوقائع، والتي لا تحتاج إلى تأكيد مغربي بقدر ما تأتي من الجزائر نفسها، وخير دليل هو وجود 29 قتيلا من البوليساريو من بينهم أطر تصنف بالعليا في التنظيم المرتزق ضمن ضحايا الطائرة العسكرية الجزائية، والتي كانت متجهة لتندوف لتوصل هؤلاء المرتزقة بعد أن استكملوا تداريبهم العسكرية بثكناتها العسكرية، قبل إعلان البوليساريو الحرب على المغرب بعد تسللهم للمنطقة العازلة وإقامتهم منشآت عليها، قبل أن يطالبهم السيد الأمين العام للأمم المتحدة باحترام اتفاق إطلاق النار والانسحاب. هذا الإنكار كان قليل الحجة ضعيف البيان أمام الميزانية الضخمة التي ترصدها الجزائر لهؤلاء المرتزقة، والذين لا دخل لهم غير المساعدات الإنسانية التي يتلقونها من المجتمع الدولي، والتي إن كانت دخلهم الوحيد كما يدعون فهذا معناه أنها توجه للتسليح وليس للأهالي المحتجزة بتيندوف، وهو ما يعني سرقة المساعدات وتحويلها إلى تجار الأسلحة بالسوق السوداء على اعتبارهم عصابة وليس دولة ستتمكن من عقد صفقات سلاح وفق مقتضيات القانون؛ هذا الأخير الذي يجد نفسه معطلا من طرف الجزائر، والتي تستمر في التستر على إيواء تلك العناصر المرتبطة بتنظيمات وتشكيلات إرهابية تسبح في الصحراء الكبرى، بما لها من تبعات متعددة وخطيرة.
على صعيد آخر كان قطع العلاقات الدبلوماسية الخبر الذي أثلج صدر دول الخليج العربي، لما تعانيه من صعوبات جيوستراتيجية نتيجة ارتفاع المد الشيعي داخلها وفشلها في احتوائه بالعراق، سوريا واليمن، هذه الأخيرة التي صارت مستنقعا يضم فصائل تدربها عناصر الحرس الثوري الإيراني وتزودها بالمعدات العسكرية المتطورة. وصارت إيران قوة إقليمية تتقمص أدوار القوى العظمى أيام الحرب الباردة لتبرع في اندلاع حروب بالوكالة تتنصل منها بالبلاغات الصحفية التي تنكر أشد الإنكار أي دور لها فيها.
دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، أكدت وقوف المملكة إلى جانب المغرب في حمايته وحدته الترابية، وهو ما حدت حدوه عدة دول أخرى لتؤكد أن حدود المغرب مع الجزائر، خاصة منطقة تندوف، لا يجب أن تتحول إلى يمن جديد، خاصة أن المغرب شارك بشكل فعال في عاصفة الحزم ويستمر في إطار عملية ما يعرف بإعادة الأمل لليمن. كما يساهم المغرب بشكل فعال في أمن وحماية الإمارات والسعودية ويقيم رفقة الأردن مخيما للاجئين السوريين يسهر على إرسال المساعدات إليه.
على المستوى الأوروبي لم تصدر تصريحات حول الموضوع لانشغال الجميع بملف إيران النووي، والذي صار مثيرا للجدل بعد إعلان الرئيس الإسرائيلي نجاح الموساد في سرقة عشرات الآلاف من الوثائق السرية، والتي دفعت بالرئيس الأمريكي إلى إعلان 12 ماي تاريخ القرار الأمريكي بخصوص استمراره من عدمه في الاتفاق النووي الإيراني، ما خلق مواقف متباينة بين الاتحاد الأوروبي المتمسك به وبين إيران المهددة بإطلاق برنامجها النووي، وبين الولايات المتحدة وإسرائيل، والقاضية بالانسحاب.
تحليل نوعية التهديد الذي قطع العلاقات
تصريح وزير الخارجية المغربي قدم مفاتيح ثلاثة لنوعية التهديد المؤدي إلى قطع العلاقات؛ أولها تنسيق عسكري بين حزب الله والبوليساريو، والمفتاح الثاني تزويد البوليساريو بصواريخ ستريلا وسام-9 وسام-11، والثالث خيوط إيران غير المباشرة في الصحراء المغربية.
المفتاح الأول: تنسيق عسكري بين حزب الله والبوليساريو
إن حزب الله اللبناني، والذي يملك عناصر وكوادر مدربة وذات حنكة، تستفيد بشكل مستمر من التأطير والدعم المباشر من الحرس الثوري الإيراني، والذي يملك مصادر تمويل لا يستهان بها، إضافة إلى ترسانة أسلحة متجددة ومتطورة، منها صواريخ باليستية طويلة المدى، منها ما هي في أنفاق الإطلاق تنتظر، وما سربت للحوثيين باليمن وما يوجد قيد التطوير.
وجود عناصر حزب الله ينذر بنقل التجارب المعتمدة لمحاربة الجماعات الإرهابية التابعة لداعش وجبهة النصرة وتنظيم أهل الشام وكذا الجيش السوري الحر إلى الصحراء، باعتماد أساليب بناء الأنفاق والكمائن وقدرات الترصد والمناورة، إضافة إلى الاستدراج والاستنزاف. ولا يستبعد هنا نقل تقنيات وتكنولوجيا متطورة للمساعدة على القيام بذلك.
فتواجد حزب الله بلبنان إبان الحرب الأهلية، وما قام به من دور في تأجيج الصراع بين مختلف الكتائب اللبنانية في الثمانينات، أسوة بحركة أمل، وتحول بيروت إلى معترك لحرب العصابات والقتل والدمار، لكفيل بتخيل مدى خطورة هذا الزواج الغريب بين البوليساريو وحزب الله، بما يمكن من نقل عناصر التنظيم إلى داخل المدن المغربية أو التجمعات المغربية بالمدن الغربية لإحداث الكثير من الأذى والدمار وزرع الرعب في نفوس المواطنين كوسيلة لخلق البلبلة وتأجيج الصراعات الداخلية وتحويل مجهودات المغرب لحل الأزمة إلى تبني موقف الحرب على المرتزقة وانطلاق أعمال عسكرية تحول تندوف والمنطقة العازلة إلى يمن جديد؛ فخطة الجزائر ومعها حزب الله في نقل البوليساريو شرق الحزام الأمني لإرباك المغرب ودفعه إلى استعمال القصف الجوي، وبالتالي خلق بؤرة توتر إيرانية جديدة تدفع الحرس الثوري للزحف نحو الصحراء، لإقامة قواعد واستقدام معدات بمباركة من الجزائر، والتي ستترك المرتزقة لإيران وتتفرغ لحشد الإدانة وطلب عقد جلسة عاجلة بمجلس الأمن لاتهام المغرب بخرق اتفاق إطلاق النار وضرب المدنيين وإبادة الشعب الصحراوي حسب منطقها.
المفتاح الثاني: تزويد البوليساريو بصواريخ ستريلا وسام-9 وسام-11
ولكون الحرب تحتاج بعض العتاد التقليدي، زودت إيران المرتزقة بصواريخ ستريلا الروسية الصنع، والتي تعتبر من الصواريخ المحمولة والسهلة الاستعمال، والتي أظهرت فعاليتها في ضرب الطائرات المدنية والعسكرية.
هذا الصاروخ يختلف في مميزاته عن صواريخ ستينجر، إذ يبقى محدود الأهداف وغير دقيق في تتبع هدفه، فمجساته الحرارية ليست دقيقة بالشكل الذي يجعلها تصل الهدف المحدد، إذ لا يتمكن إلا من إصابة أهدافه الحرارية التي توجد في حالة توهج شديد، وقدر ثمنه بين 500 و5000 دولار سنة 2003. غير أن الذي يعرفه حلف شمال الأطلسي تحت رمز SA-14 " Gremlin " هو نسخته الثالثة ستريلا 3، وهو الصاروخ الأكثر انتشارا في العالم منذ بداية صنعه في السبعينيات، إذ يستعمل من طرف حوالي 56 دولة وميليشيا أو جماعة إرهابية. وهذا الأخير يقدر ثمنه بما بين 10000 و20000 دولار، ويتميز بمجسات اف ام التي لا تتأثر بالتشويش والمتوهجات الوهمية.
بوزن يبلغ 10 كيلوغرامات وطول قدره متر ونصف تقريبا، يتميز بسرعة 1476 كلم في الساعة، ومدى يصل إلى 4.1 كلم، على ارتفاع يتراوح ما بين 30 و2300 متر، يتمكن هذا الصاروخ من ضرب أهدافه بدقة، وهو بوجوده ضمن الترسانة العسكرية، وهذا معناه استهداف طائرات القوات المسلحة من الأرض ومحاولة النجاح في تجارب حزب الله في إسقاط طائرات التحالف بسوريا الفاشلة، ما يمكنها من دراسة إمكانية تطوير قدراتها وخلق جيل جديد من صواريخ ستريلا المعدلة وإعطاءها أحد الأسماء التي دأبت إيرن على إطلاقها على مشاريع صواريخها الباليستية.
وقد جاء في صحيفة البيان بتاريخ 30 شتنبر 2002 أن حزب الله تمكن من استبدال ترسانته من صواريخ ستريلا 2 SA-7 بصواريخ متطورة من فئة ستريلا 3 SA-18 والمزودة بمجسات حرارية جد دقيقة تمكن من مواجهة الهدف بدل تعقب مصادره الحرارية، الأمر الذي أصبح تهديدا خطيرا للمغرب وخلق جوا من الاندفاع لدى البوليساريو حتى صارت تلوح بالحرب كل حين.
أما بخصوص الصواريخ سام 9 وسام 11، وهي صواريخ ذاتية الإطلاق من منصة متحركة تتكون من بطارية تطلق 6 صواريخ في آن واحد على أهداف مختلفة، وهي الجيل الأول من صواريخ ستريلا، طورت سنة 1972 من طرف الاتحاد السوفياتي آنذاك، وتتميز الجزائر بامتلاك ترسانة هامة منه وطوله متران، ويزن 30 كيلوغراما، على مدى 8000 متر وسرعة تعادل سرعة الصوت ونصف، ويستعمل عادة في المعارك القصيرة المدى، والتي تعتمد على الإصابة المباشرة للهدف في جو صحو بالنسبة لسام 9، أما سام 11 فهو من الصواريخ الموجهة بواسطة الرادار. غير أن صيغة مطورة من هذين الصاروخين تم طرحها تحت مسمى ستريلا 10.
ورغم شح المعلومات حول صواريخ سام وقلة المصادر التي تعنى بتقديمها للمحللين والمتتبعين إلا أن ما يثير الانتباه هو تاريخها الأسود في سجلات القارة الإفريقية، والتي اعتبرت المجال الخصب الذي عرف استعمالها في حروبه وانقلاباته منذ 1978..وتجدر الإشارة إلى أن جبهة البوليساريو استعملتها يوم 8 من دجنبر سنة 1988 ضد طائرة مساعدات DC-7 تابعة لوكالة التعاون الأمريكيةUSAID وفق إحصائيات موقع globalterrorwatch ما أسفر عن مصرع 5 أشخاص.
المفتاح الثالث: خيوط إيران غير المباشرة في الصحراء المغربية
مع انطلاق الثورات العربية واختلاط أوراقها بتحول بعضها إلى نزاعات مسلحة بين أطراف متناحرة حول السلطة، كل يدعي الشرعية من جهته، صار لزاما البحث عن مصادر أسلحة وعتاد، وكذا أطر عسكرية تمكن من مواجهات آلات القمع، والتي تبرر استعمالها للقوة بضرورة مكافحة الإرهاب، صار لإيران حلفاء متعددون يحتاجون ما لديها من إمكانيات؛ والمقابل سيكون لزاما عليهم تكثيف التعاون العسكري باقتناء الصواريخ الباليستية محلية الصنع، وتأهيل الجيوش العسكرية وتبني المقاربة الإيرانية في ما يخص العلاقات الدولية وتخويلها السبق الاقتصادي في مجال البحث عن اليورانيوم، النفط والغاز، وفتح أسواقها للمنتجات الإيرانية مع غض الطرف عن نشر التشيع والقبول بالفوارق المذهبية في إطار الانحراف عن مذهب المالكية الوسطية، وبطبيعة الحال القبول بولاية الفقيه والتسامح مع قيام مرجعيات قد تصبح مستقبلا الموجه للبلاد كما هو الشأن لمقتدى الصدر، السيستاني وآية الله.
إشعال فتيل حرب مع المغرب سيرمي بالجزائر في أحضان إيران التي لم تدن المجازر اليومية لنظام بشار الأسد، ولم تسجل موقفا إيجابيا من عاصفة الحزم، بل ساهمت في توغل حزب الله في رمال الصحراء، ما يعني ضمنيا تواصله ليس فقط مع البوليساريو ولكن ربما مع الجماعات المسلحة الدائرة في فلك المرتزقة، والتي عبرها تتمكن إيران من ضبط إيقاعها لتصبح شيئا فشيئا تخدم بعض مصالحها وترفع ضغطها لتشدد الخناق حول المغرب، والذي تمكن بفضل زيارات ملكه من فسح آفاق اقتصادية وسياسية واعدة في القارة الإفريقية، وهو ما لم تنظر إليه بعين الرضى وجعلت من مواجهة المغرب على لسان وزير خارجيتها باعتباره تابعا للولايات المتحدة وتل أبيب، وهو عنوان على مدى احتدام الصراع هو الكعكة الإفريقية حتى تحشر إيران أنفها في رمال الصحراء لإغاظة المغرب، وهو خطا إستراتيجي قامت به طهران وفضح أطماعها التوسعية، كما أحرج النظام الجزائري الذي حشر في الزاوية وظهر بمظهر المشاغب الذي يلعب بالنار قرب برميل البارود، في بلاهة لا يدرك تبعاتها الخطيرة على أمن واستقرار المنطقة.
*باحث في الدراسات الدولية والدبلوماسية
جامعة محمد الخامس - الرباط - المملكة المغربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.