أكد عدد من المهتمين بمجال "الطب الشعبي" أن منطقة إكنيون، بإقليم تنغير، تزخر بالمئات من أنواع الأعشاب النباتية المستخدمة في مجال الطب الشعبي، أو ما يصطلح عليه بالطب البديل، خصوصا تلك الموجودة بكثرة في الجبال المحيطة بالمنطقة ذاتها، مضيفين أن على الجهات المسؤولة الاشتغال على إعداد دراسة مهنية على هذه الأعشاب لمعرفة تلك التي يمكن الاستفادة منها في التداوي من الأمراض، وكذا معرفة إيجابياتها وسلبياتها، ونشر نتائجها في كتب علمية للاستفادة منها مستقبلا. ويعتبر "الشيح"، أو "إزرك" بالأمازيغية، من بين هذه النباتات المهمة التي تزخر بها منطقة إكنيون، والتي تشكل مصدر رزق العشرات من نساء المنطقة، بالإضافة إلى كون "الشيح" له أهمية علاجية كبيرة، حسب تصريحات متطابقة لعدد من المختصين في صنع الأعشاب الطبية الطبيعية. منافع كثيرة والنساء هن المتضررات وتجمع عدد من الدراسات العلمية، وضمنها دراسة أنجزها الدكتور صفوت أحمد، الباحث بكلية الصيدلة بجامعة قناة السويس بمصر، على منافع "الشيح" الكثيرة، إذ ينصح به لعلاج الكثير من الأمراض المستعصية، خصوصا مرض السرطان، إذ يتوفر على مادة تقتل الخلايا السرطانية في جسم الإنسان، حيث تتكون هذه المادة من تسعة مركبات مختلفة، منها "أحادي وثنائي أسيتيل دايهيدرو أرتيميسينين"، وتم اختبارها كمضاد فعال ضد الطفيليات الأولية والسرطان والميكروبات، فأثبتت أنها أكثر نشاطا وفاعلية من استخدام مادة "الأرتيميسينين"، تؤكد دراسة صفوت أحمد. ورغم أهمية نبتة "الشيح" في المجال الطبي، يؤكد لحسن بيبيش، فاعل جمعوي بمنطقة إكنيون، أن تدبير هذه النبتة بالمنطقة يتم من طرف مصالح المندوبية السامية للمياه والغابات بالإقليم، مشيرا إلى أن المندوبية تحيل على مجلس الجماعة طلب تأشير لبيع المساحة التي توجد بها النبتة، فيتم الإعلان عن السمسرة بغلاف مالي قد يصل أحيانا إلى مليوني سنتيم، مقابل منع أي شركة أخرى من استغلال "الشيح" طيلة مدة العقد الموقع. وأكد بيبيش، في تصريح لهسبريس، أن الشركة التي ترسو عليها السمسرة، والتي تعطى رخصة الاستغلال، حسب دفتر التحملات المتعلق بهذه النبتة، تقوم بتسخير النساء من أجل قطع "الشيح" مقابل 4 أو 5 دراهم للكيلوغرام الواحد، مشيرا إلى أن المدة الزمنية من أجل جمع كيلوغرام واحد من "الشيح "اليابس يتطلب من النساء أسابيع عديدة. وأضاف أن الشركة التي تقتني النبتة من النساء هي الرابح، و"تسترزق" على ظهر النساء الفقيرات، وفق تعبيره. الأمر نفسه عبرت عنه مينة امريغ، التي قالت إن أغلب النساء يستيقظن كل صباح ويتجهن نحو الخلاء من أجل قطع "الشيح" ووضعه في مكان مقابل للشمس، مضيفة أنهن يقمن، بعد ذلك، بعزل حبيبات "الشيح" وحدها، ويذهبن بها إلى الشركة التي تقتنيها منهن. وأوضحت أن ثمن الكيلوغرام الواحد قليل جدا، ولا يسد حاجيات النساء. والتمست من الجهات المسؤولة تقنين هذه النبتة أو إحداث مصنع محلي ل"اقتناء النبتة من النساء بثمن مناسب ومشجع"، وفق تعبيرها. "الشيح" يقتل خلايا سرطانية وسبق للباحث صفوت أحمد أن أكد أن التركيبة الجديدة، التي تستخرج من نبات "الشيح"، تقاوم السلالات البكتيرية الحساسة والمقاومة للمضادات الحيوية "كلوروكين"، وزيادة النشاط المضاد للسرطان في عدد من خلايا الأورام مقارنة بعقار "دوكسوروبيسين"، بالإضافة إلى نشاطه المضاد للفطريات مثل الخميرة الكبسولية مقارنة بعقار "الأمفوتريسين بي". وأكد الباحث المصري أنه لم يتم إجراء تجارب لهذه المادة على الحيوانات أو الإنسان، مضيفا أنه تم استخلاص الخلايا السرطانية وتفعيل التجارب عليها، وتم اكتشاف نجاحها بفاعلية. وأشار إلى أن باحثا أمريكيا أجرى تجربة على مادة "الأرتيميسينين" المستخرجة من "الشيح"، فثبت بأنها تقتل خلايا سرطان الرئة والثدي بنسبة 98 بالمائة، وسرطان الدم بنسبة 100 بالمائة خلال 16 ساعة. علاقة "الشيح" بالبيئة مسؤول بالمديرية الإقليمية للمياه والغابات بتنغير أوضح أن "الشيح" له أهمية كبيرة في الحفاظ على البيئة من التصحر، مشيرا إلى أن المندوبية تعمل طوال أيام السنة على حماية "الشيح" وجميع النبتات الأخرى من الانقراض بفعل العوامل البشرية. وأضاف أن هذه النبتة تعتبر كنزا بالنسبة إلى المنطقة، ويمكن استغلالها في مجموعة من المنافع، إلى جانب أنها تحمي البيئة من التصحر، وتعطي للطبيعة جمالها، وفق تعبيره. ما قاله المسؤول ذاته، الذي فضل عدم الكشف عن هويته للعموم، بعد محاولة هسبريس التواصل مع المدير الإقليمي، الذي وجدناه في مهمة خارج مكتبه، نفاه داود أزمول، الباحث المهتم بالبيئة بقيادة إكنيون، الذي أكد أن خطر انقراض "الشيح" من المنطقة أصبح أمرا باعثا على القلق، بفعل ما سماه "غياب دور المندوبية السامية في حماية النبتة واستغلالها بطرق عشوائية من قبل العشرات من الأشخاص"، مضيفا أنه يجب المساهمة في الحفاظ عليه من الانقراض. وقال أزمول، في تصريح لجريدة هسبريس الالكترونية، إن المئات من النساء يقطعن "الشيح" بطريقة عشوائية، ويبعنه لبعض الأشخاص غير الحاصلين على رخصة الاستغلال من الجهات المسؤولة. وأوضح أن عددا من الإدارات العمومية متورطة ومسؤولة عن هذا الاستنزاف غير المشروع، مؤكدا أن الوضع يستوجب إعداد خطة جديدة لتقنين استغلال النبتة وفرض شروط جديدة في دفتر التحملات، بغية الحفاظ على ما تبقى من هذه النبتة فوق جبال صاغرو. أمل الساكنة في التعاونية تمثل نبتة "الشيح" أملا لسكان المنطقة، التي تعتبر من أفقر الجماعات، رغم مواردها الطبيعية والمجالية المتعددة، لكن غياب تعاونيات محلية تنظم السكان للمساهمة في التنمية كان من الأسباب التي أضاعت على دواوير الجماعة فرصا كبيرة، خصوصا أن أغلب الأسر تعيش بفضل العمل في قطفها، إضافة إلى الزراعات المعيشية البسيطة التي يقوم بها سكان المنطقة، يقول ميمون المرصيدي. "الإجراءات الكثيرة تقف عائقا أمام الساكنة الفقيرة لإحداث تعاونية"، هذا ما أكدته لوهو المستقيم، مشيرة إلى أن المنطقة في أمس الحاجة إلى تعاونية خاصة بصناعة الأعشاب الطبية، من أجل تثمين المنتوج والرفع من نسبة اليد العاملة في هذا المجال، وتحسين مدخول الساكنة المحلية، التي تعيش نسبة كبيرة منها حالة مزرية. وأضافت "أن معظم العائلات التي تقوم بقطف الشيح فقيرة جدا". وأوضحت المستقيم، في حديثها مع جريدة هسبريس الالكترونية، أن أغلب السكان لا يتفقون على بيع "الشيح" لشركات من خارج المنطقة لا تعير اهتماما لاستدامة هذه الثروة والحفاظ عليها والمساهمة في التنمية المحلية، مشيرا إلى أن الحل الوحيد من أجل الحفاظ على النبتة هو تدخل الجهات المسؤولة، وإحداث تعاونية لفائدة الشباب الحاصلين على شواهد دراسية عليا، من أجل انتشالهم من البطالة والعمل على الحفاظ وتثمين نبتة "الشيح". من جهته، ثمن لحسن بيبيش فكرة إحداث تعاونية خاصة بنبتة "الشيح"، موضحا أن التعاونية ستضع ضمن أهدافها محاربة القطف الجائر، والعمل على تقنين عمليات القطف الموسمية بإحداث لجنة تتبع لرصد الخروقات، خصوصا مراقبة المناطق التي لا ترخص مندوبية المياه والغابات بقطفها، فيما تخصص مناطق أخرى مساحة لتربية النحل الذي يفضل "الشيح" بشكل كبير.