الحكم الذاتي في الصحراء.. من الحل السياسي إلى الخيار الأمني الاستراتيجي    توتر بين الصيادلة ووزارة الصحة بعد إعلان مراجعة تسعيرة الأدوية دون تشاور        الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية    السفير الصيني بالمغرب يكتب: صين واحدة فقط – العدالة التي ندافع عنها معًا    طبيب مغربي يروي فظائع الحرب في غزة: ما رأيته لا يخطر على بال بشر!    الهيئة العالمية للملاكمة تمنع إيمان خليف مؤقتا حتى إثبات هويتها البيولوجية    أشرف حكيمي بعد تتويجه بدوري الأبطال: لحظة استثنائية وفخور بحمل علم بلدي    المغرب الفاسي يعلن انفصاله عن المدرب توميسلاف ستيبيتش بالتراضي    لامين يامال: اللعب مع ريال مدريد "مستحيل"    القبض على "ذئب العملات الرقمية" في طنجة.. متهم بعمليات اختطاف وابتزاز دولية    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    عندما يخرج النص عن النص! أو وقفة أمام امتحان إشهادي غير موفق    الحجاج يتوافدون إلى مشعر منى لقضاء يوم التروية        تراجع معدل الخصوبة في اليابان إلى مستوى قياسي    بوغطاط المغربي | بنكيران... "المارق" الذي يتآمر على حماة الوطن والقائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية    وجدة.. وضع حد لنشاط شبكة إجرامية تنشط في تزوير وتزييف المعطيات التقنية للسيارات    كيوسك الأربعاء | الكونغرس البيروفي يحث حكومة بلاده على دعم مغربية الصحراء    أكثر من مليون مسلم يبدأون الحج    مقتل 12 فلسطينيا في قطاع غزة    الجيش المغربي يعزز ترسانته بمدرعات أميركية تستعملها جيوش نخبوية    "الخرف الحيواني" يصيب الكلاب والقطط مع التقدم في العمر    السبّاح الصيني تشن سووي يعبر مضيق جبل طارق بين طريفة وطنجة في إنجاز فريد بعمر 57 عامًا    مجد من المغرب يشارك في سباق قوارب التنين في نانتشانغ: تجربة مشوقة في قلب تقاليد مهرجان القوارب التنينية    احتجاج نقابي أمام المجلس الوطني للصحافة للمطالبة بإنصاف مناضلتين مطرودتين    تشييع جثمان الراحل عبد الحق المريني بحضور صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد    غياب دياز عن وديتي تونس وبنين والزلزولي يثير الشكوك    نائب رئيس جماعة الجديدة يُشرف على فتح أظرفة مشاريع تهيئة البنيات التحتية للمدينة    لقاء المغرب وتونس بشبابيك مغلقة    أجواء حماسية بتداريب أسود الأطلس    الوداد يعسكر في "مدرسة لاندون"    فيديو الاعتداء على سيارة نقل العمال بطنجة يقود إلى توقيف المتورط الرئيسي    قنينة غاز تتسبب في حريق داخل منزل بالمدينة القديمة لطنجة    لقاء دبلوماسي رفيع بين سفيري باكستان والصين في الرباط يؤكد على التعاون الاستراتيجي وتحذير بشأن اتفاقية المياه    ODT تقود وقفة الكرامة بالإذاعات الجهوية: وحدة الصف المهني في مواجهة التحديات    800 سنة من الصداقة .. المغرب وبريطانيا يرسمان ملامح شراكة مستقبلية واعدة    السبّاح الصيني تشن سووي يعبر مضيق جبل طارق بين طريفة وطنجة في إنجاز فريد بعمر 57 عامًا    تزامنا واقتراب عيد الأضحى.. الدجاج يصل ل40 درهماً بأسواق الناظور    البرلمان البيروفي يحتفي برئيس مجلس المستشارين ويجدد دعمه لمغربية الصحراء    من المغرب إلى المشاعر المقدسة.. "طريق مكة" ترسم رحلة الطمأنينة للحجاج المغاربة    يوميات حاج (4): السعي .. درب الخوف واليقين بين الصفا والمروة    عطلة استثنائية للبنوك بمناسبة عيد الأضحى    الناظور.. نفاد حقنة تحمي الرضع من أمراض الرئة    السكن.. التمويل التشاركي يصل إلى 26.2 مليار درهم في نهاية شهر أبريل (بنك المغرب)    قطارات بلا تكييف ومشروع جديد في سيدي البرنوصي يلوح في الأفق    الدكتورة إمان اضادي منسقة ومنظمة المؤتمر الدولي للغة العربية وتراثها المخطوط بفاس للاتحاد الاشتراكي    وداعا سميحة أيوب .. سيدة المسرح العربي ترحل واقفة    الفنانة سميحة أيوب تغادر بعد مسيرة فنية استثنائية    جامعة محمد الأول تنفي "الفضيحة البيداغوجية": مزاعم باطلة و"الحركية الدولية" خيار مشروع    مهرجان "أرواح غيوانية" يواصل فعالياته ببنسليمان بمشاركة أبرز رموز الأغنية الغيوانية    وفاة الفنانة سميحة أيوب "سيدة المسرح العربي" عن عمر 93 عاماً        السينما المغربية تتألق في مهرجان روتردام    السجائر الإلكترونية المستخدمة لمرة واحدة تهدد الصحة والبيئة!    معهد للسلامة يوصي بتدابير مفيدة لمواجهة حرارة الصيف في العمل    البرازيل تحقق في 12 إصابة جديدة مشتبه بها بإنفلونزا الطيور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من تشاوشيسكو إلى صدام ثم القذافي.. لقطة فيديو تثير رسالة استعطاف
نشر في هسبريس يوم 21 - 10 - 2011

أي شيء يمكن تزييفه في هذا العصر الرقمي لكن ذلك صعب بالنسبة لصورة التقطت بهذا القدر من السرعة
إذا كان ثمة ما قد يثير التعاطف تجاه القذافي، فربما يكون تلك المأساة التي سبقت وتلت مصرعه، والتي برزت عندما فاضت بصور الديكتاتور السابق مواقع شبكة الإنترنت والقنوات الإخبارية.
بدت المعلومة الأولية التي نقلت من سرت أشبه بصورة لشاشة هاتف جوال يعرض مقاطع فيديو مليئة بالشواهد التي توحي، لكنها لا تؤكد مصداقيتها، فلا يوجد تاريخ أو توقيت أو مؤشر مستوى البطارية أو شريط الوقت وزر التشغيل في الأسفل. كان القذافي في الصورة التي التقطت له بعد مقتله نصف مغمض العينين، وكأنه يحدق في الكاميرا، مغطى بالدماء لكنه شاحب اللون، يبدو مخيفا كما كان، لكن مع قناع مسرحي غريب ل«فتاة جيشا» بيضاء الوجه. بدت الصورة حقيقية، لكن كانت هناك عاطفة غريبة ملحة.
مهما كان الشخص بغيضا، فإن منظر شخص لا حول له ينظر مباشرة إلى الكاميرا يجعله لا محالة مثيرا للتعاطف. وقد ذكرتنا صور القذافي بالصور التي التقطت للديكتاتور الروماني نيكولا تشاوشيسكو، والتي أخذت له بعد إعدامه السريع عام 1989. فقد بدا الطاغية ذو الشعر الرمادي في الصورة التي التقطت له بعينين نصف مغمضتين، أنيقا، يرتدي رابطة عنق زرقاء، ووسيما بدرجة غريبة محت على الأغلب ذكريات عقود من الحكم الوحشي. كانت تلك رسالة استعطاف عرضية غريبة بعد الموت.
من كان يعلم القصة يوم الخميس للمرة الأولى، مشاهدا صورة وجه القذافي الخالي من الحياة، وذكريات الصور المزيفة لموت أسامة بن لادن التي غزت شبكات المعلومات نفسها وزيفها، كان لديه من الأسباب ما يجعله متشككا. لكن كان هناك فيديو أيضا لما بدا أنه جسد القذافي مغطى بالدماء، والذي تم تصويره بأسلوب بدائي وقدر كبير من العفوية، من الكاميرا المهتزة، والتركيز السيئ، والجهود المتسارعة لالتقاط الصورة في الوقت الذي تتدفق فيه الجموع حول الحدث.
تتلخص المصداقية الكاملة للصورة في العصر الرقمي في الشعور بالصورة، والظروف التي التقطت فيها هذه الصورة. فأي شيء يمكن تزييفه في هذا العصر الرقمي، لكن ذلك صعب بالنسبة لصورة التقطت بهذا القدر من السرعة. تبدو الصورة حقيقية لا لأنها تبدو حقيقية (وهو سهل القيام به) بل لأنها التقطت بطريقة تبدو واقعية.
وربما تكون حاجة العراقيين إلى رؤية إعدام صدام حسين وراء التشكك في الصور غير الواضحة للفيلم الذي بدا واضحا أنه التقط أثناء تنفيذ عملية الإعدام. لكنه بدا واقعيا لأنه صور بطريقة مختلسة.
وربما كان الوجه الدامي للإرهابي أبو مصعب الزرقاوي، التي عرضها الجيش الأميركي بعد مقتله عام 2006 مزهوا، تم إعداده بطريقة الفوتوشوب. لكن إدارة بوش الرعناء في الاحتفال بموت الزرقاوي كانتصار حربي، قامت بتكبير الصورة وصقلها وتأطيرها للمؤتمر الصحافي، مما جعلها تبدو أكثر مصداقية.
الكثرة والسرعة هما الأكثر أهمية في لعبة مصداقية الصورة الرقمية. فتزايد صور القذافي والفيديو أزاحا الشكوك لدى الكثيرين. وتحدثت المواقع الإخبارية والمحطات التلفزيونية عن تأكيد ذلك لمقتله، وخرجت عناوين الصفحات الأولى واثقة، فيما خلا شريط الأخبار من التشكيك في مصداقية الصورة.
لكن «الجزيرة» كانت تعرض القذافي حيا، في فيديو يبدو واضحا أنه التقط قبل مقتله أو مصرعه متأثرا بجراحه. ودائما ما كان طوفان المعلومات على شاشة التلفزيون يربك شعورنا بالتوتر، لكن هذا التزامن بين الموت والحياة قد غير كل شيء.
كانت لقطات مقتل القذافي دليلا على أن الرجل المتعطش للدماء قد قتل، ولم تعد هناك حاجة إلى استخدام الطب الشرعي، فصورة الجثة هي معطيات حقيقية. وصورة رجل حي ممتزجة بصورة جثته هي دراما، وكل ما بينهما ترك العنان للخيال. وفي هذه الفجوة الزمنية قد يبدو السفاح الذي دفعه هوسه إلى قتل أشخاص في أماكن نائية كقرية صغيرة في اسكوتلندا، وملهى ليلي في ألمانيا.. قد يبدو فجأة مثيرا للشفقة. ملأ تعدد الصور على شاشة التلفزيون هذه الفجوة، فتدافعت حشود الشباب تدفعهم نشوة الانتصار يمزقون العلم الأخضر للنظام الذي سقط بالسكين، ويلتقطون الصور ويطلقون النار في الهواء.
كيف مات القذافي؟ ليس من الصعب التخيل.
لكن الفجوة المتمثلة في الطريقة التي قتل بها القذافي ستشكل جزءا مضطربا في الأسطورة المؤسسة لليبيا الجديدة. هل ستكون دولة قانون أم دولة عاطفة؟ وهل ستكون دولة نظام أم دولة عقاب؟
السرعة التي كشف بها عن دراما مقتل القذافي، والسرعة التي عرضت بها صور الحياة والممات، وفوضى التقاط الصورة والسرعة الجامحة للحشود الغاضبة من الأفراد، عززت جميعها إحساسا دفينا بأن هناك حقيقة مفزعة لم نرها بعد. الحكم على الجموع الغاضبة التي أنهكها القمع وشهور من الثورة مثل الحكم على الطقس. فما حدث بين المشاهد التي عرضت القذافي حيا والقذافي ميتا حدث آلاف المرات في العالم، على مدار آلاف السنين. وري شجرة الحرية بدماء الطغاة جزء من تاريخ الولايات المتحدة بقدر ما هو جزء من دولة ليبيا الجديدة.
لقد تناسينا، على الأغلب، الكلمات القوية لجيفرسون، الذي كتب عن الطغاة والحرية في عصر سبق الصورة وقوتها، بشأن تغيير ماضي الرجل والحفاظ على أكثر لحظاته إثارة للشفقة إلى الأبد في الحاضر. لقد كانت تلك الأوقات، الفجوة في الذاكرة والآيديولوجية، هي التي ساعدت الدولة على نسيان الحكم الأقدم للسياسات، ففي البداية كان العنف، لكن ذلك كان قبل ديمومة وأبدية الصور الرقمية.
* خدمة "واشنطن بوست" ("الشرق الأوسط")


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.