إسرائيل تقتل ثلاثة عناصر من حزب الله    ترامب يوجه تحذيرا جديدا إلى مادورو    تراجع مستمر في معدلات الإصابة بسرطان عنق الرحم بالمغرب    ضوء النهار الطبيعي يساعد مرضى السكري على ضبط مستويات الجلوكوز    أجواء ممطرة في توقعات اليوم الثلاثاء بالمغرب    الصناعة التقليدية حاضرة بقوة ضمن فعاليات كأس إفريقيا للأمم 2025    تعزية ومواساة    كأس إفريقيا .. صلاح يقود مصر للفوز على زيمبابوي في الوقت بدل الضائع    لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين تصادق على مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة    افتتاح كأس الأمم الإفريقية بالمغرب: حدث قاري يكشف خلفيات العداء السياسي    بلاغ مشترك توقيع اتفاقية إطار للشراكة والتعاون بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ومؤسسة أرشيف المغرب تهم حفظ الذاكرة القضائية    ميسور: حملة واسعة لتوزيع المساعدات الإنسانية لفائدة الأسر بالمناطقة الأكثر هشاشة بجماعة سيدي بوطيب    ماذا تريد الدولة من اعتقال الأستاذة نزهة مجدي؟    تراجع عن الاستقالة يُشعل الجدل داخل ليكسوس العرائش لكرة السلة... وضغوط في انتظار خرجة إعلامية حاسمة        بصعوبة.. مصر تفوز على زيمبابوي 2_1 في أول ظهور بالكان    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    تحضيرات المنتخب المغربي تتواصل استعدادا لمباراة مالي    نيويورك.. زهران ممداني يفاجئ مشجعي أسود الأطلس في مطعم مغربي            موندو ديبورتيفو تشيد بحفل افتتاح كان 2025 بالمغرب    حموشي يقرّ صرف منحة مالية استثنائية لفائدة جميع موظفي الأمن الوطني برسم سنة 2025    الحسيمة.. حادثة سير خطيرة على الطريق الوطنية قرب بني عبد الله    بركة: دراسة ترسي حماية جديدة لآسفي.. ونراجع المناطق المهددة بالفيضانات    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    في ندوة وطنية بأزمور لمختبر السرديات: الخطاب والمرجع في النقد المغربي    «لماذا يخطئ المثقفون» صامويل فيتوسي الانحياز الفكري والأخلاقي أمام امتحان الحقيقة    مجموعة «فوضى مورفي» للكاتبة خولة العلوي .. شغف ووعي ورغبة في كتابة نص مختلف    نشرة انذارية جديدة تحذر من تساقطات ثلجية كثفة وامطار قوية    نبض بألوان الهوية المغربية والإفريقية: عرس كروي رفيع المستوى في افتتاح الكان        ختام السنة برياض السلطان تروبادور غيواني بادخ    تصنيف فيفا .. المغرب يحافظ على المركز 11 عالميا    يومية "آس" الرياضية الإسبانية: براهيم دياز.. قائد جديد لجيل واعد    انتقادات حقوقية لتراجع تصنيف المغرب في تنظيم الأدوية واللقاحات    ريدوان يطلق أولى أغاني ألبوم كأس أمم إفريقيا "ACHKID"    تحقيق ل"رويترز": في سوريا الجديدة.. سجون الأسد تفتح من جديد بمعتقلين جدد وتعذيب وابتزاز    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا مع توقع استمرار خفض الفائدة الأمريكية    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    رغم انخفاضها عالميا.. المحروقات بالمغرب تواصل الارتفاع والمستهلك يدفع الثمن    نهائيات كأس إفريقيا للأمم تعيد خلط أوراق العرض السينمائي بالمغرب    ارتفاع أسعار النفط    تيسة تحتضن إقامة فنية في الكتابة الدرامية والأداء لتعزيز الإبداع المسرحي لدى الشباب    تفاصيل جديدة بشأن "مجزرة بونداي"    وفاة الممثل الأمريكي جيمس رانسون انتحارا عن 46 عاما    إعلام إسرائيلي أمريكي: نتنياهو يسعى لتفويض من ترامب لمهاجمة إيران    سعر الذهب يسجّل مستوى قياسيا جديدا    الاستيطان يتسارع في الضفة الغربية ويقوّض فرص قيام دولة فلسطينية    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلنا الزفزافي.. كلنا المهدوي
نشر في هسبريس يوم 07 - 04 - 2019


عدالة كازا ساكسونيا
عُرِفت منطقة ساكسونيا الألمانية في القرن الخامس عشر بعدالة عجيبة، قانون واحد يطبق بطريقتين حسب الانتماء الاجتماعي، إذا كان الشخص من الطبقة الكادحة وحُكِمَ عليه بالإعدام يقطع السياف رأسه، وأما إن كان من النبلاء فيقطع السياف ظلَّ رأسه فقط، وإذا حكم القاضي على فقير في قضية بسنة سجنا فيقضيها البئيس كاملة في الأشغال الشاقة، في حين إن كان من الطبقة النبيلة فيدخل أمام الجماهير من باب السجن الرئيسي ويخرج مباشرة من الباب السري؛ وهذا ما جعل النبلاء يسخرون من هذه العدالة التي شرعوا قوانينها لتطبق فقط على الفقراء.
في المغرب تتجسد عدالة ساكسونيا في كون النافذين لا يدخلون أبدا باب السجن، ولو من باب تمويه وخداع الجماهير، كما كان الأمر في ساكسونيا الإقطاعية، وما أكثر الملفات التي أنجزها المجلس الأعلى للقضاء حول اختلالات كبيرة في الإخلال بالمسؤولية وخيانة الأمانة والاجتهاد في نهب المال العام، وانتهى بها المطاف إلى أن "المجتهد إذا أصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد".
حراك الريف فضح غابة الفساد
حين صدر كتاب "نار وغضب" في 5 يناير 2018 للمؤلف "مايكل وولف" ينتقد فيه بشدة الرئيس الأمريكي "ترامب" ويكشف الكثير من أسرار السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، لم يأمر القضاء الأمريكي باعتقال الكاتب بتهمة "المس بأمن الدولة" و"قذف رئيس الدولة". حرية التعبير وإبداء الرأي داخل الفضاء العمومي هي الضمانة الحقيقية للديمقراطية، بتعبير الفيلسوفة "حنا أرندت".
القمع المنتظم لحرية التعبير والتظاهر السلمي في الكثير من المدن المغربية، كالحسيمة وجرادة وزاكورة وغيرها من الاحتجاجات التي تندد بالفساد، حيث كشف حراك الريف حجم غابة الفساد التي تنخر الوطن، وهي غابة فساد سوداء عبثا حاولت مساحيق شعارات المسؤولين الفاسدين إخفاءها عبر خرجاتهم الإعلامية التضليلية، التي كانت تروّج لمُنجزات وهمية ومشاريع مشلولة، فضحها حراك الريف السلمي، بعدها حدث زلزال ملكي أسقط الكثير من الوزراء والمسؤولين، بعدما ثبت تورطهم في اختلالات كثيرة يعود الفضل في تحريك مياهها الراكدة لحراك الريف.
والمفارقة الخطيرة أن مناضلي حراك الريف الذين فضحوا الفساد ونهب المال العام والبيروقراطية الإدارية، وشلل المرافق العمومية وضعف الخدمات الاجتماعية، والشطط في استخدام السلطة، والاستخفاف بكرامة وحياة المواطنين (قتل الشهيد محسن فكري) (المفارقة) أن هؤلاء المناضلين الذين كان من الطبيعي أن يحصلوا على أوسمة ملكية لفضحهم للفساد، سيجدون أنفسهم خلف القضبان.
في الكثير من الخطب الملكية أمر الملك محمد السادس بمحاربة كل أشكال الفساد، وهنا أذكر بمقتطفات من خطاب العرش السابع عشر، يقول الملك: "عدم القيام بالواجب، هو نوع من أنواع الفساد"، بمعنى أن عدم فضح الفساد بالطرق القانونية بما فيها الاحتجاج السلمي هو نوع من أنواع الفساد، أيضا لم يستثن الملك أية مؤسسة أو شخص من إمكانية الانزلاق في الفساد، يضيف: "لا أحد معصوم من الفساد سوى الأنبياء والرسل والملائكة".
المحاكمة السوداء في الدار البيضاء
الخطاب الملكي واضح لم يستثن "القضاء" من الفساد، وقد ذكره الملك بالاسم في هذا المقطع: "مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله: في الانتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها"، ووظيفة القضاء هي تحقيق العدالة في إطار الاستقلالية التامة والحياد والنزاهة، وأن يشعر المواطن بالثقة في "القضاء" لا أن يتحول إلى فزّاعة تُرهِب المواطنين، وتُكمِّمُ الأفواه "اضْربْ المرْبوطْ يْخاف الْمطْلوقْ".
إن تأكيد محكمة الاستئناف بالبيضاء للأحكام الابتدائية الصادرة في حق معتقلي حراك الريف، سيما لقادة الحراك، 20 سنة سجنا نافذا لكل من ناصر الزفزافي، نبيل أحمجيق، وسيم البوستاتي، وسمير إغيد، وعقوبات سجنية أقلها عام لأشخاص لم يشاركوا في الحراك وقد تواجدوا حينذاك بالحسيمة لزيارة أسرهم فقط، وثلاث سنوات للصحفي حميد المهدوي بتهمة عدم التبليغ على جريمة تهدد أمن وسلامة الدولة، هي أحكام تعيد عقارب المغرب إلى سنوات "الجمر والرصاص"، وتذكرنا بقضاء ساكسونيا. والهدف نشر المخزن لثقافة الخوف ودفع المواطنين إلى الانسحاب من كل أشكال المشاركة في صناعة القرار، وجعل كل من أراد أن يناضل من أجل مصلحة الوطن والمواطنين يشعر بالندم فالسجن مصيره ولن يجد له وليا ولا نصيرا.
العفو الملكي ضرورة وطنية
التدخل الملكي لطي هذا الملف ضرورة وطنية حتى لا يعود المغرب إلى نسخة جديدة من سنوات الجمر والرصاص، وتثمينا للمبادرات الملكية البناءة من أجل مصلحة الوطن والمواطنين، يلتمِس الشعب المغربي بمختلف مكوناته ونخبه الفكرية والإعلامية والسياسية والدينية والفنية والرياضية وكل الهيآت الحقوقية وفعاليات المجتمع المدني من الملك محمد السادس تمتيع معتقلي حراك الريف من نشطاء وصحفيين بالسراح والحرية، سيما وأن احتجاجهم أزال ورقة التوت التي كانت تخفي غابة الفساد، وتُغطي المياه الآسِنة التي تجري تحت جسر الشعارات المزيفة التي كانت تُروج لأكاذيب تنموية استنزفت الملايير من المال العام بدعوى محاربة الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي، ليتضح أنها كانت أشبه بالدجاجة التي تبيض ذهبا في حسابات المفسدين، وهذا ما جعل الملك يطالب بمراجعة شاملة لنموذج المشروع التنموي وتشديد الرقابة على أموال المشاريع المخصصة للتنمية.
ولو أنجزت دراسة ميدانية، حول مسألتين: الأولى تتعلق بمدى ثقة المغاربة في مؤسسات الدولة، فسيعَبِّر غالبية المغاربة عن عدم ثقتهم في المؤسسات الرسمية، باستثناء المؤسسة الملكية، وهذا ما يجعل بعض الأشخاص الذين رفض المسؤولون الإصغاء لمشاكلهم ومساعدتهم على حلها يرغبون في لقاء الملك محمد السادس، ويغامرون أحيانا باختراق الموكب الملكي لإيصال شكواهم وآلامهم، بعدما ضاق عليهم المغرب بما رحب جرَّاء استشراء الفساد.
المسألة الثانية ترتبط بالأحكام الاستئنافية التي صدرت ليلة الجمعة 5 أبريل 2019 في حق نشطاء حراك الريف والصحفي المهدوي، طبعا معظم المغاربة يعتبرونها ظالمة ومتعسفة، وبعيدة عن المنطق والحكمة.
الوطن غفور رحيم
نحن المغاربة متشبثون بالمؤسسة الملكية التي نعتبرها من المكونات المركزية لهويتنا الوطنية، وهي صمام أمان وحدة المغرب، وما قيل عن مناضلي حراك الريف من كونهم يتآمرون على الوطن هي تُهم عارية من الصحة، يزرعها الحاقدون الذين يريدون زعزعة التماسك الاجتماعي بين المغاربة، وإطلاق سراح فاضحي الفساد هي بادرة ملكية ينتظرها كل المواطنين، وليس فقط أُسرُ المعتقلين، الذين أرهقتهم رحلة الذهاب والإياب من الحسيمة صوب سجن عكاشة بالبيضاء.
من أجل طفلة صغيرة اشتاقت والدها وهي تبكي غيابه زخات دموع لا تتوقف، ومن أجل أم عجوز مريضة، وأب شيخ عليل، لا يتحملان عناء السفر، وقد أصبحت حياة أسر المعتقلين نافورة تتدفق أحزانا نازفة، وفلذات الأكباد تتلظى داخل جدران السجون، وما حرّكهم للاحتجاج ضد الفساد سوى حبّ الوطن، لأن حب الوطن من الإيمان.
من أجل مغرب التسامح، مغرب العيش المشترك، نناشد المؤسسة الملكية إطلاق سراح معتقلي حراك الريف وكل معتقلي الرأي، الذين فضحوا الفساد، وما أفضى إليه من فتح الملفات السوداء وكشف فداحة الاختلالات، لذا فالعقل السياسي التنويري يقتضي التنويه بالرأي النقدي البناء من أجل مغرب الاستقرار والازدهار، لا التخويف والتخوين والاعتقال، وأخيرا أكرر ما قاله الملك الراحل الحسن الثاني "إن الوطن غفور رحيم".
بناء دولة الحق والقانون يبدأ بصيانة كرامة المواطن، وحرص القضاء المستقل على حماية الحقوق والحريات، وأهمها حرية التعبير، كي لا يسود جو الفساد والاستبداد.
التظاهر والاحتجاج السلمي حق دستوري.. والصحافة ليست جريمة..
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.