مونت-لا-جولي.. مغاربة فرنسا يحتفلون في أجواء من البهجة بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    طقس الأحد: كتل ضبابية بعدد من الجهات    طقس الأحد: ضباب وسحب منخفضة بعدة مناطق بالمملكة    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    عائلة سيون أسيدون تقرر جنازة عائلية وتدعو إلى احترام خصوصية التشييع    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    طنجة.. وفاة شاب صدمته سيارة على محج محمد السادس والسائق يلوذ بالفرار    "جيل زد" توجه نداء لجمع الأدلة حول "أحداث القليعة" لكشف الحقيقة    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    لقاء تشاوري بعمالة المضيق-الفنيدق حول إعداد الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    تتويج مغربي في اختتام المسابقة الدولية للصيد السياحي والرياضي بالداخلة    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    فضيحة كروية في تركيا.. إيقاف 17 حكما متهما بالمراهنة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نُكافح انتشار السيدا أم نُشجعه بالمغرب؟
نشر في هسبريس يوم 04 - 02 - 2008


كاريكاتير حسن عين الحياة من أسبوعية المشعل
السيدا، داء فتاك انتشر بين ظهرانينا في صمت ومن وراء حجاب، حتى أضحى يراكم خلفه عددا كبيرا من الضحايا بوتيرة جد متسارعة ومسترسلة سنة تلو أخرى. ""
أناس تملّكهم هاجس الموت منذ أن علموا بإصابتهم بالسيدا الذي مازال لا ينفع معه علاج، ما عدا الوقاية منه والاحتراز الشديد لدرء شروره.
داء السيدا يتفاقم بالمغرب في صمت رهيب، في واضحة النهار وتحت جنح الليل، ولا من يحرك ساكنا، فكيف يتم السكوت عن ذلك؟ ولماذا؟ من طرف من؟ ولأي غرض؟
إن المساعدات المرتبطة بالسيدا أضحت "مشاريع" مربحة إلى درجة بدأ معها البعض يتساءل، هل هناك من يشجع، بشكل أو بآخر، على انتشار السيدا؟
إنها أسئلة مفزعة حقا، لكنها مبرّرة بفعل ما لاحظناه في طريقة التعامل مع حالات مصابين بالسيدا ينشرون الداء بعلم القائمين على جمعيات مكافحة السيدا، ينشرونه بحرية يوميا دون القيام بأي إجراء لتوقيف هذه الممارسة الخطيرة.
كم عدد المصابين بالسيدا في المغرب؟
إحصائيات متضاربة لا تعكس الحقيقة
تم اكتشاف أول حالة إصابة بالسيدا بالمغرب سنة 1986، وهي حالة وردت عليه من الخارج (الولايات المتحدة الأمريكية). ومنذئذ ظلت الأرقام المعلن عنها متضاربة وتثير أكثر من تساؤل، ولا داعي للقول إنه يجب التعامل بحذر شديد جدا مع إحصائيات وزارة الصحة بخصوص هذا الفيروس القاتل، باعتبار أن الأرقام المعلنة، ما هي إلا حالات تم التعرف عليها بمناسبة إجراء التحاليل، إذ لا علم لأحد حتى الآن بعدد الحالات المصابة التي لم تكشف عن نفسها أو لم تعرف أصلا أنها حاملة للفيروس، ناهيك عن أن ثقافة إجراء التحاليل للتأكد من الإصابة أو عدمها، مازالت لم تنتشر بعد بما فيه الكفاية بمجتمعنا الذي يخشى كلام الناس أكثر مما يخشى انعكاسات التستر على هذا المرض العضال.
حسب آخر المعطيات المعلن عنها يتجاوز عدد المصابين والحاملين للفيروس 20 ألف شخص، مع العلم أن واقع انتشار السيدا بالبادية والسجون المغربية ما زال يلفه الغموض الكثيف.
اعتمادا على الإحصائيات الرسمية، على علتها، يتبين بجلاء أن عدد المصابين والحاملين للفيروس عرف تصاعدا ملحوظا منذ نهاية التسعينات، ليبلغ 5 ألف حالة سنة 2005، وتمثل الفئة العمرية ما بين 15 و25 سنة ما نسبته 25 بالمائة من حاملي الفيروس، في حين قدرت نسبة الفئة العمرية المتراوحة ما بين 30 و39 سنة ب 43 بالمائة من مجموع الحالات.
وفي سنة 2002، تم إحصاء 1187 حالة معلن عنها، من طرف وزارة الصحة، التي سبق لها وأن صرحت سنة 2001 أن عدد الحاملين للفيروس بالمغرب يقدرون ما بين 15 و20 ألف، وهؤلاء قد ساهموا في ظهور 5000 حالة إصابة جديدة بالسيدا على الأقل كل سنة.
وحسب التقرير السنوي المشترك لبرنامج الأمم المتحدة حول داء السيدا، إن عدد المصابين والحاملين للفيروس بالمغرب ارتفع من 18 ألف سنة 2006 إلى 22 ألف سنة 2007، وأكد هذا التقرير أن من بين أكثر الطرق نقلا للمرض، الاتصال الجنسي، وهنا مكمن الخطر المطروح إثارته جماهيريا، لاسيما وأن عدد الإصابات بالأمراض المتنقلة جنسيا تتصاعد كل سنة بما مقداره 350 ألف حالة جديدة على الأقل، وهذا رقم مخيف. كما أن المعلومات المتوفرة تفيد أن 40 بالمائة من المصابين بالسيدا أو الحاملين للفيروس هم نساء وأكثر من 24 بالمائة منهن يمتهن الدعارة، وهذا أمر مرعب، علما أن نسبة المصابين بسبب العلاقات الجنسية تمثل 74 بالمائة من مجموع مصابي المغرب المعلن عنهم.
مما لا شك فيه أن عدد المصابين مازال في تزايد مستمر، رغم أن وزارة الصحة أعلنت عن تسجيل 137 حالة إصابة جديدة بالسيدا برسم سنة 2007، مقابل 291 حالة إصابة جديدة سنة 2006، منهم 61 بالمائة ذكور و39 بالمائة إناث، وفيما يخص التوزيع الجغرافي والمجالي، إن 83 بالمائة من الحالات توجد بالوسط الحضري و12 بالمائة، بالوسط القروي، واحتلت جهة سوس ماسة المكانة الأولى باحتضانها لأكبر نسبة من المصابين بالسيدا والحاملين للفيروس ب 21 بالمائة تلتها الدار البيضاء وجهة مراكش ب 15 بالمائة لكل واحدة منهما، ثم جهة الرباط سلا زعير بنسبة 9 بالمائة.
لكن بالاعتماد على المعايير الإحصائية، المستخدمة من طرف مختلف دول العالم، يمكن تقدير المصابين بالسيدا والحاملين للفيروس ما بين 20 و30 ألف، ينتجون كل سنة ما يفوق 5000 حالة إصابة جديدة منذ سنة 2001، الشيء الذي يؤدي إلى تصاعد مستمر لعدد الحاملين للفيروس الفتاك مع صيرورة إنتاج وإعادة إنتاج حالات جديدة سنويا. مما يؤدي اقتراب العدد الإجمالي حاليا إلى ما يناهز 50 ألف، وقد يفوقه بخصوص المصابين بالسيدا والحاملين للفيروس، ومازال المنحى سائرا نحو الصعود وليس العكس، والسؤال المطروح حاليا ما هو عدد المصابين والحاملين للفيروس غير المعروفين؟
أموال السيدا
تناسلت جمعيات مكافحة السيدا في مختلف أرجاء المغرب خلال وقت وجيز جدا، ورغم ذلك فهناك مرضى متروكون لحالهم، منهم ممتهنات للدعارة ينشرن، يمينا وشمالا، السيدا في كل مكان يقضي به بعض الوقت، وبمناسبة كل لقاء بأحد الزبناء.
وهذا ما دفع بعض الأصوات إلى التنديد بما نعتوه ب "بيزنيس السيدا المربح"، إذ إن هناك أموالا طائلة تصرف باسم مكافحة السيدا.
وقصد تكوين فكرة بخصوص الأموال المرتبطة بالسيدا والجمعيات التي أخذت على عاتقها محاربتها نعرض مثال برنامج خاص لدعم جهود مكافحة هذا الداء الفتاك بالمغرب على امتداد أربع سنوات، من مارس 2003 إلى فبراير 2007، خصص له مبلغ 9.23 مليون دولار أمريكي (ما يناهز 92 مليون درهم، أكثر من 9 مليارات سنتيم)، صرف منها فيما بين مارس 2003 ومارس 2005، 4.73 مليون دولار أمريكي (47 مليون درهم، ما يقارب 5 ملايير سنتيم)، استفادت منها، بالإضافة للدولة، 6 جمعيات لمكافحة السيدا.
فإلى متى سيظل جمع الأموال باسم محاربة السيدا يكتنفه الغموض وتشوبه الشكوك، في وقت هناك نساء حاملات للفيروس، لا مورد لهن للعيش، مما اضطرهن للاستمرار في امتهان الدعارة، وبذلك يعملن على نشر الفيروس؟ فهل من وراء ذلك رغبة في أن تبقى السيدا منتشرة إلى حد ما حتى تظل ظروف نجاح "بيزنس السيدا" قائمة؟
السيدا تتفاقم بين ظهرانينا من حيث لا ندري
ظهرت أول حالة إصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة (السيدا) سنة 1981 في كاليفورنيا بأمريكا، وهو داء عضال انتشر بسرعة في مختلف البلدان دون احترام أية حدود، ليضعف الدفاعات المناعية ويعرض الجسم لكل الأمراض الانتهازية، إلى أن ناهز عدد المصابين 50 مليون شخصا.
وفي نفس السنة تأكد أنه معد وأنه ينتقل عن طريق ممارسة الجنس وتلوث الدم، ولم يتم اكتشاف الفيروس المسبب للسيدا إلا في سنة 1983 في معهد "لويس باستور" بالديار الفرنسية. وحاليا يتم تسجيل ما نسبته أكثر من 16 ألف إصابة يوميا، بمعدل إصابة واحدة كل 5 ثوان.
في المغرب منذ أول ظهور لفيروس السيدا سنة 1986 إلى غاية نهاية سنة 2007، وصل عدد المصابين إلى 20 ألف حالية، فيما سجلت مدينة الدار البيضاء وحدها 148 حالة جديدة السنة الماضية.
السيدا تعرف انتشارا مقلقا منذ منتصف التسعينات، علما أن أولى حالات الإصابة قادمة من وراء البحر، من الديار الأوروبية، التي سمح تحرير العلاقات الجنسية فيها بانتشار للفيروس القاتل، وذلك قبل دق ناقوس الخطر ولجوء الحكومات والمجتمعات المدنية هناك إلى إرساء سياسات صحية وقائية فعالة لمواجهة السيدا.
هذا الفيروس يشهد تفاقما كبيرا داخل جو من الصمت الرهيب بالمغرب وباعتراف الجميع، حيث اتضح بجلاء أن السيدا تنتشر على نحو واسع بأكبر المدن المغربية: أكادير، الدار البيضاء، مراكش وطنجة...
وكشف أكثر من مصدر أن مختلف الإحصائيات لا تعكس الواقع الفعلي، لاسيما في البادية والسجون، هذا علاوة على أن مجموعة من بائعات الهوى مصابات بالسيدا لا تزلن تمارسن الدعارة إلى حد الآن، في واضحة النهار وبعلم القائمين على الأمور، بحيث ينشرن الفيروس الفتاك في كل مكان بالدار البيضاء وغيرها، ورغم كل هذا يقر المسؤولون أن نسبة انتشار الداء تظل ضعيفة، وأن المنحى الذي بلغه الداء بالمغرب ليس بالمقلق.
إن الأرقام المتداولة حول أعداد المصابين تفيد أن الرقم الذي يعتد به أكثر هو 0.07 بالمائة من الإصابة قياسا بعدد الساكنة الإجمالي، وهذا ما يعني وجود 700 مصابة ومصاب مقابل كل مليون مواطن. وبخصوص إصابة الأطفال ما زال عدد الإصابات غير معروف بدقة.
ويظل الشباب الشريحة الأكثر عرضة لخطر السيدا وهم الذين يمثلون أكبر نسبة في صفوف المصابين والحاملين للفيروس، لاسيما الفئة العمرية المتراوحة بين 22 و35 سنة.
يضم المغرب مجموعة من المراكز للكشف السري والمجاني عن داء السيدا، أما عن الأدوية الخاصة بهذا المرض العضال، فإن أسعارها مازالت مرتفعة جدا ولا تتناسب قطعا والوضع الاجتماعي للأغلبية الساحقة للمصابين والحاملين للفيروس.
أما بخصوص الطرق المعتمدة في إحصاء المصابين والحاملين للفيروس الفتاك والجهات الأكثر تضررا، وبالنسبة لحصر العوامل المسببة في انتشار المرض والإجراءات المتخذة للوقاية، وتحصيل المعلومات المتعلقة بمراقبة انتشار السيدا ببلادنا، فإنها تتم بالأساس من خلال المعطيات الصادرة عن مختبرات التحليل ومراقبة تحويل الدم إثر عمليات التبرع أو بمناسبة إجراء تحليلات ونتائج مختلف مخططات الفحص والمتابعة الطبية، وكلها إجراءات لا تخضع لها سوى فئات قليلة من ساكنة المغرب.
وكل المعطيات المتوفر عليها عبر هذه المسارات تفيد بما لا يدع أي مجال للشك أن العوامل الأكثر تسببا في انتشار داء السيدا بالمغرب، تتمحور حول العلاقات الجنسية، لاسيما غير المشروعة، بدون استعمال الوسائل الوقائية، يليها استخدام الحقن الملوثة عند تعاطي المخدرات داخل الأوساط الفقيرة والمهمشة، إضافة إلى انتقال المرض من الأم إلى الجنين أثناء الحمل.
وتستفيد مجموعة من جمعيات مكافحة السيدا بالمغرب من دعم مالي من هيئة الأمم المتحدة ومن الخارج يقدر بملايين الدولارات، وهو نشاط أضحى يتخذ طابع "بيزنس" خاص لا مناص من الكشف عن آلياته وتداعياته، مادامت سبل نشر السيدا غير متحكم فيها تسقط يوميا مزيدا من الضحايا بدون حسيب ولا رقيب، عوض العمل على توظيف تلك الملايين قصد التقليل من حجم الإصابة بهذا الداء الفتاك، وذلك عبر احتواء المصابين وتوعيتهم بالكفّ عن نشره خصوصا بالنسبة للعاهرات والشواذ الجنسيين).
ومن ضمن الأسباب التي تساهم كذلك في انتشار السيدا بمجتمعنا، الهجرة غير الشرعية التي باتت في الوقت الراهن تغزو بلادنا في انتظار فرصة التمكن من الإفلات إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، فهناك عدد هام من الأفارقة متواجدون بالتراب المغربي بشكل غير شرعي، وطبعا في غياب أي إحصاء لعددهم الحقيقي، عدد المصابين منهم، لاسيما بين أوساط النساء، اللائي تفرض عليهن ظروف العيش ممارسة الجنس مع كل من رغب في ذلك مقابل أجر زهيد، وهذا أمر لم ينل بعد حقه من الاهتمام الواجب اعتبارا لكونه سبيلا من سبل انتشار داء السيدا بين ظهرانينا بصمت.
ورغم كل ما يقال حاليا حول السيدا هي مازالت من الطابوهات، إذ يعتبر الكثير من المغاربة أن الإصابة بهذا الداء الفتاك هي في حد ذاتها عقاب رباني، لذا بدأت مجموعة من الأصوات هنا وهناك تطالب بإقرار قانون يحمي المصابين والحاملين للفيروس الفتاك.
والحالة هاته، تظل القاعدة الذهبية بخصوص داء السيدا هي الحكمة الأزلية القائلة: الوقاية خير من العلاج.
الوضع يدعو للقلق حقا
حسب الإحصائيات والمعطيات المتوفرة، يبدو أن منطقة سوس (أكادير) هي الأكثر تضررا فيما يخص الإصابات بالسيدا، إذ سجلت سنة 2007، 137 حالة جديدة حسب وزارة الصحة، انضافت إلى أكثر من 290 حالة تم الإقرار بها سابقا بالمنطقة، منها ما نسبته 61 بالمائة ذكورا و39 بالمائة إناثا. وتحتل أكادير حاليا المرتبة الأولى بالمغرب من حيث عدد ونسبة المصابين بالسيدا ووتيرة انتشارها. وحسب أكثر من مصدر مطلع، إن المهددين والمعرضين لخطر الإصابة لا يلجؤون إلى جمعيات مكافحة السيدا إلا نادرا جدا.
ويقول أحد المهتمين بإشكالية السيدا بأكادير، إنه مع السرعة التي ينتشر بها هذا الداء الفتاك، لم تعد القضية إلا مسألة وقت لتبدأ جهة سوس ماسة تفقد أطفالها بفعل انتشار السياحة الجنسية التي أضحت تسبب الخراب وسط المنطقة عوض تنميتها. علما أن جملة من التقارير الأولية بدأت تصف أكادير بوكر من أوكار السياحة الجنسية.
ومن الفئات الأكثر عرضة للخطر بمدينة أكادير ونواحيها، المومسات المداومات والشواذ جنسيا، وحسب أحد القائمين على جمعية محاربة السيدا، من المحتمل جدا أن تكون نسبة 70 بالمائة من هذه الفئات مصابين أو حاملين للسيدا (أي 70 فرد من ضمن 100 من هذه الفئات مصابة أو حاملة لفيروس السيدا أو حاملون للفيروس).
ومن ضمن هذه الفئات العاملات الموسميات في معامل تصبير السمك وقطاع الصناعات الغذائية، اللواتي لا تستطعن مواجهة متطلبات العيش اليومي خلال فترات توقف العمل، إلا عن طريق امتهان الدعارة.
هذه الفئة تساهم في نشر داء السيدا أكثر مما يقوم به السياح الأجانب، لأن هؤلاء يحمون أنفسهم.
يرى الدكتور عبد الله يووانو أن السياحة الجنسية من الأسباب المساهمة في انتشار فيروس السيدا بالمغرب. كما يؤكد أن انفتاح المغرب على مصراعيه وتساهله مع السياح الباحثين عن المتعة الجنسية المؤدية إلى الموت المحقق، من العوامل التي تفسر ارتفاع الإصابات في المدن المغربية السياحية، مضيفا، أن الفقر والأمية الصحية، يزيدان من حدة ووتيرة انتشار السيدا.
وقد لاحظ أن تسارع وتيرة انتشار السيدا بأكادير تزامن مع بروز سياحة الشذوذ الجنسي وتكاثر تعاطي الأطفال لها بفعل انتشار الفقر والتهميش.
ومن الفضاءات التي من شأنها إنتاج حالات إصابات جديدة بالسيدا، السجون، إذ أكدت بعض التقارير أن نسبة الإصابة بالسيدا بين السجناء تفوق نسبة انتشاره على الصعيد الوطني. وقد قدرت جملة من الدراسات هذه النسبة ب 0.6 بالمائة، أي ضمن 1000 سجين هناك 6 مصابين بالسيدا أو حاملين لفيروسه، علما أن النسبة المعلن عنها على الصعيد الوطني لا تتجاوز 0.1 بالمائة.
ومن التساؤلات التي طرحت في هذا المضمار: لماذا لا يتم تخصيص جناح أو حي خاص للسجناء حاملي الفيروس، وذلك للتقليل من انتشاره؟ لكن الكثيرين رفضوا اقتراح عزل السجناء المصابين بالسيدا عن الآخرين في أحياء خاصة، وبرروا رفضهم هذا بعدم جواز تهميشهم ونبذهم وإنما وجب إدماجهم.
كما أن وضعية السيدا بالبادية والمناطق التي يتداخل فيها المجال الحضري بالمجال القروي، مازالت غامضة، إذ لا نتوفر بصددها على معطيات كافية لتوصيف الواقع الفعلي. فكل ما هناك بعض التقديرات المصرح بها. فالدكتور بنيحيى يقدر عدد المصابين والحاملين لفيروس السيدا بالعالم القروي، ما بين 5 و15 بالمائة من مجموع المصابين بالمغرب.
ومما يدعو للقلق كذلك إصابة مجموعة من الأطفال بالمغرب بالسيدا. وقد كشفت الدكتورة سمية بنشقرون، رئيسة جمعية "شمس" لمساندة الأطفال المصابين بالسيدا، أن عدد الإصابات بين القاصرين الخاضعين لمراقبة الجمعية قد يفوق عددهم 150 حالة.
وتقول الدكتورة بنشقرون، إن أكبر مشكل يواجه المصابين الصغار بالسيدا والأطباء المعالجين، يكمن في الأمية الصحية وسط أهاليهم والمخاوف الخيالية التي تستحوذ عليهم، علما أن مجموعة من المصابين يعانون من أوضاع اليتم أو الفقر أو التفكك الأسري وأوضاع التهميش عموما.
استراتيجية مثقوبة
إن نسبة الإصابة بفيروس السيدا نتيجة العلاقات الجنسية بخصوص الرجال تمثل 47 بالمائة من مجموع الإصابات المسجلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.