بنكيران: "البيجيدي" هو سبب خروج احتجاجات "جيل زد" ودعم الشباب للانتخابات كمستقلين "ريع ورشوة"    الأقاليم الجنوبية، نموذج مُلهم للتنمية المستدامة في إفريقيا (محلل سياسي سنغالي)    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    اتحاد طنجة يفوز على نهضة بركان    مجلس الشيوخ الفرنسي يحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحامي: واجباته.. مسؤولياته.. دفاعه
نشر في هسبريس يوم 30 - 01 - 2020


مقدمة
إن موضوعنا الّذي سنتناوله بالدّراسة والتّحليل والمناقشة هو موضوع متشعب، إذ يتداخل مع مجموعة من المواضيع المختلفة، منها ما هو قانوني وأخلاقي ومجتمعي ومؤسساتي... ولا غرابة في ذلك، لكون حجر الزاوية في الموضوع هو المحامي الّذي لا يمكن اعتباره مجرّد مهني عاد، وإنّما هو رجل قانون يؤثر في مجتمعه أيّما تأثير، ويلعب دوراً بارزاً في منظومة العدالة. ومن هنا، فإن تطرقنا لواجبات المحامي القانونيّة والأخلاقيّة ومسؤولياته تجاه مختلف المؤسّسات والمجتمع وأدواره في الدّفاع عن الحقوق والحرّيّات، يتطلب منا الكثير من الاجتهاد والبحث. غير أن منهجية المقال لن تسعفنا بالحديث عن الموضوع من كل جوانبه. لكن، رغم ذلك فإننا سنحاول أن نعالجه بالدقة المطلوبة، إعمالاً للقاعدة الفقهية القائلة: ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه. ولذلك، فإننا سنحاول تأطير موضوعنا من خلال محاولة الإجابة عن الأسئلة التّاليّة: ما هي واجبات المحامي القانونيّة والأخلاقيّة؟ وهل له مسؤوليات تجاه المؤسّسات والمجتمع؟ وكيف يدافع عن الحقوق والحرّيّات؟
للإجابة عن هذه الأسئلة سنقسم موضوعنا على الشكل التّالي:
1 واجبات المحامي القانونيّة والأخلاقيّة.
2 مسؤوليّة المحامي المؤسساتيّة والاجتماعيّة.
3 دفاع المحامي عن الحقوق والحرّيّات.
وعليه؛ وكما هو واضح من خلال تقسيمنا فإننا سنتطرق للموضوع واجبات المحامي القانونيّة والأخلاقيّة، ثم سنتحدث عن مسؤوليّة المحامي المؤسساتيّة والاجتماعيّة، وأخيراً سنتناول دور المحامي في الدّفاع عن الحقوق والحرّيّات. وسننهي بحثنا بخاتمة تركيبية نعبر في آخرها عن رأينا حول أهمية التكوين المستمر للمحامين.
وجدير بالذكر أننا حاولنا في مقالنا أن نعتمد على نصوص قانونيّة مستمدة من المواثيق الدّولية والوطنيّة.
1 واجبات المحامي القانونيّة والأخلاقيّة
لا شكّ أن للمحامي واجبات، ولسنا نجانب الصواب إذا قلنا إن المحاماة هي مهنة الواجب، الّذي ينبغي أن نقوم به لأنّه واجب، فهو غاية في ذاته حسب تصور الفيلسوف الألماني إيمانويل كانطImmanuel kant (1724 1804). ومن هنا فإننا يمكن أن نفكر في بعد أخلاقي متعال يحيط بهذه المهنة. لكن هذا البعد نجده أيضاً مؤطراً في القانون وفي الأعراف والتقاليد المهنيّة للمحاماة. وهكذا فإننا نجد القانون رقم 28.08 المتعلق بمهنة المحاماة قد خصص الباب الرابع لواجبات المحامين، وقد حدد هذه الواجبات في أربع مسائل: الأولى تتعلق بالتشبث بالوقار والسرّ المهني، والثانيّة بالعلاقة مع المحاكم، والثالثة بالمساعدة القضائيّة، والرابعة بالعلاقة مع الموكلين، والخامسة بحسابات المحامي. وعند قراءة الفصول المتعلقة بواجبات المحامين نجد أنفسنا أمام واجبات تفرضها مهنة المحاماة بحكم طبيعتها وظروف اشتغال ممارسيها. ويمكن أن نجتهد ونحدد أهم واجبات المحامين انطلاقاً من فصول القانون رقم 28.08 في ما يلي:
1 عدم استمالة الأشخاص بأي طريقة بما فيها الإشهار.
2 المحافظة على السرّ المهني.
3 عدم التوقف عن تقديم المساعدة الواجبة للقضاء.
4 عدم الامتناع عن تقديم المساعدة القضائية لكل متقاض يتمتع بها.
5 استقبال الموكلين في المكتب المهني وحثهم على الصلح قبل اللجوء إلى القضاء.
6 إخبار الموكلين بمراحل سير الدعوى وإجراءاتها وما يصدر فيها من أحكام ومن طعون.
7 المحافظة على وثائق الموكلين طيلة خمس سنوات.
8 ضبط الحسابات.
هذه إذن أهم واجبات المحامين الّتي نظمها المشرع وأقرت بعضها أيضاً التشريعات الدوليّة. وأمام هذه الواجبات نجد واجبات أخرى تنظمها الأنظمة الداخلية للهيئات، والمتمثلة في علاقة المحامين بمؤسسة النقيب وبأعضاء المجلس، وكذا علاقة المحامي مع زملائه ومستخدميه. فمن واجب المحامي احترام مؤسسة النقيب، لأنّها تجسد استقلال المحاماة وهيبتها. كما على المحامي أن يحترم زملاءه الّذين يشكل بمعيتهم مجتمعاً صغيراً هو مجتمع المحاماة، هذا المجتمع التضامني الذي تؤطره، بالإضافة إلى القانون، الأعراف والتقاليد الّتي ينبغي أن يحترمها المحامون مثلما يحترمون القانون.
إن هذه الواجبات التي ذكرناها أكدتها النّصوص القانونيّة وألزمت المحامي بها، ومع هذه الواجبات الّتي يمكن أن نعتبرها واجبات قانونيّة شكليّة هناك واجبات أخرى معنويّة وأخلاقيّة. وأوّل هذه الواجبات هي الإيمان بالقضاء؛ فلا ينبغي للمحامي أن يعتقد أن العدالة لعبة حظ، بل عليه، كما يؤكد الفقيه الإيطالي بييرو كالمندرى Piero Calamandrei (1889-1956) أن يملأ نفسه ثقة وإيماناً بالعدالة. وفي عبارة دالة يقول الفقيه كالمندرى: "إن من يبحث عن العدالة ينبغي له حتماً أن يؤمن بالعدالة، فإنّها ككلّ المقدّسات الأخرى لا تكشف عن وجهها الوضاء إلا للمؤمنين" [1]. وإلى جانب فضيلة الإيمان بالقضاء وبالعدالة، هناك فضيلة أخرى يجب على المحامي أن يتحلى بها، وهي فضيلة الصبر، فالقضايا تأخذ وقتا طويلاَ، والإجراءات كثيرة تتطلب تحملاً. ومن واجبات المحامي أيضاً الصدق مع موكليه ومع المحكمة، وكذلك الاستقامة والحفاظ على سمعته وسمعة المهنة التي ينتمي إليها؛ ولكي يحافظ المحامي على سمعته وسمعة مهنته فإنّ عليه أن يتحلى بالمسؤوليّة تجاه المؤسّسات والمجتمع، فما هي هذه المسؤولية؟ سنخصص المحور الثاني من بحثنا لمناقشتها والتفكير فيها.
2 مسؤوليّة المحامي المؤسساتيّة والاجتماعيّة
إن مسؤولية [2] المحامي جسيمة وكبيرة، فهو منتمي إلى مؤسسة العدالة، هذه المؤسسة المحوريّة في كلّ دولة حديثة. وعمل المحامي في قطاع العدل يجعله مسؤولاً داخل المحاكم بجانب الموظفين التابعين لوزارة العدل. ولهذا فعلى المحامي أن يساهم بدوره في حسن سير المحكمة، وذلك بالالتزام بمواعيد الجلسات وعدم المماطلة في سير الدعوى حتى لا يقع تأخر وتراكم للملفات وللقضايا المعروضة أمام المحكمة.
ثم إن للمحامي مسؤوليّة تجاه الهيئة المهنيّة الّتي ينتمي إليها، فانتظام المحامين في هيئات، وتضامنهم في ما بينهم يساهم في تعزيز استقلالية هذه المهنة الّتي نصت عليها المادة الأولى من قانون المحاماة، ولهذا كانت مسؤولية المحامي تتمثل في الالتزام بما تقره الأنظمة الداخليّة للهيئات من حقوق وواجبات.
وإلى جانب مسؤوليّة المحامي المؤسساتية هناك مسؤولية مجتمعية أيضاً، فإذا كانت النيابة العامّة تمثل ضمير المجتمع والحق العام، فإن المحامي يراقب النيابة العامّة وينتبه إلى أي شطط في استعمال السلطة، أو أي اعتقال تعسفي، إذ يخول له القانون أن يطعن في كلّ قرار غير قانوني باشرته الجهات القضائيّة، وفي كلّ حكم خالف القانون؛ وبالتّالي فللمحامي مسؤولية كبيرة في الحفاظ على القانون وعلى الحقّ.
ثم إن للمحامي مسؤوليّة أمام موكليه، فعليه بذل العناية الكافية خدمة لهم وتحقيقاً للعدل المنشود [3]. فضلاً عن هذا، من مهام المحامي نشر الثقافة القانونيّة داخل مجتمعه، وذلك من خلال المناقشات العامّة المتعلقة بالقانون وبالنظام القضائي. علاوة على ذلك فالمحامي مسؤول أمام المجتمع، نظراً لكونه يمثل القانون وصوت حقوق الإنسان. وإذا قيل إن القاضي هو القانون تجسد رجلاً[4]، فإن المحامي لا يختلف عن القاضي في هذه المسألة، فهو أيضاً رجل قانون، وهو من أسرة القضاء، ومن هنا تقوم مسؤوليته في الحفاظ على هيبة العدالة داخل المجتمع، وذلك من خلال دفاعه عن الحقوق والحرّيّات بإخلاص ومهنيّة.
المحور الثالث: دفاع المحامي عن الحقوق والحرّيّات
ينص الدستور المغربي في الفصل 120 على أنّ لكلّ شخص الحقّ في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول، وفي كون حقوق الدّفاع مضمونة أمام جميع المحاكم. وجاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يجسد مبادئ المساواة أمام القانون في المادة 11 ما يلي: "كلّ شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه". ولا شكّ أن هذه الضمانة تتجسد في حصول جميع الأشخاص على خدمات قانونيّة ومساعدة المحامين في إطار من السرّيّة. ولهذا أكدت المواثيق الدّوليّة على أنّ من واجب الحكومات أن تضمن حصول الأشخاص على مساعدة المحامين بصورة فعالة ودون تمييز. كما على الحكومات أن تضمن المساعدة القضائيّة للمعوزين والفقراء[5].
ومن المعلوم أن أكبر وأشهر مهام المحامي هي مهمة الدفاع، ليس الدفاع عن المتهمين فحسب، بل والدفاع عن الحرّيّات والحقوق أيضاً؛ فقد عرف المحامي تاريخياً بدفاعه عن حقوق الإنسان. ولنا في العديد من الشخصيات التّاريخيّة أمثلة عن دفاع المحامي عن الحرّيّات، فقد سجل لنا التّاريخ أن مجموعة من قادة الثورة الفرنسيّة كانوا محامين مثل روبسبيير [6]Robespierre (1758- 1794). ومعلومٌ أنه نتجت عن الثورة الفرنسيّة مجموعة حقوق الإنسان والمواطنة الّتي صادقت عليها الجمعية الوطنيّة الفرنسيّة سنة 1789 ميلاديّة. ونجد أيضاً من الشخصيات التاريخية التي دافعت عن الحرّيّات المحامي أبراهام لينكون Abraham Lincoln(1809-1865) الّذي قاد ثورة داخل الولايات المتحدة الأمريكيّة من أجل إلغاء العبوديّة.
وقد نصّ الإعلان المتعلق بحقّ ومسؤوليّة الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحرّيّات الأساسيّة المعترف بها عالمياً، والّذي اعتمد ونشر بموجب قرار الجمعية العامّة للأمم المتحدة سنة 1998، في مادته التاسعة، على أنه يكون لكلّ شخص يدعي أن حقوقه أو حرّياته قد انتهكت الحقّ إمّا بنفسه أو عن طريق تمثيل معتمد قانونياً في تقديم شكوى إلى هيئة قضائيّة أو هيئة أخرى مستقلة ونزيهة ومختصة منشأة بموجب القانون. وهذا التمثيل القانوني المنصوص عليه في المادة يحيل على المحامين، فهم من يحملون الصفة القانونيّة لتمثيل الأشخاص، ومن هنا يظهر لنا دور المحامي في الدفاع عن حقوق الإنسان، إذ يمثل كل شخص يدعي أن حقوقه وحرّيته قد انتهكت.
على سبيل الختم:
إن أهمية المحاماة ترتبط بأهمية القانون في المجتمع، فكما لا يمكن تصور مجتمع بدون قانون، فإنّه لا يمكن تصور مؤسسات قضائيّة بدون محامين. وعند تأمّلنا للإحصائيات المتعلقة بالمهن الّتي تعتبر مساعدة للقضاء، فإننا نجد المحاماة على رأسها، من حيث عدد المنتسبين إليها ومن حيث أهميتها. مع العلم أن المحاماة ليست مساعدة للقضاء فحسب، بل إنّها جناح طائر العدالة الثاني، إذ يمكن أن نشبه العدالة بطائر ضخم جناحه الأوّل هو القضاء، وجناحه الثاني هو المحاماة.
لقد حاولنا في هذه المقالة المتواضعة الحديث عن جوانب من مهنة المحاماة، وهي الجوانب المتعلقة بواجبات المحامي ومسؤولياته وأدواره الحقوقيّة، وقد رأينا أن واجباته نظمها كلّ من القانون والهيئات الّتي ينتظم المحامون في ظلها، فضلاً عن واجبات أخلاقيّة تستمد مشروعيتها من أعراف وتقاليد المهنة وأدبياتها. ثم ذهبنا إلى اعتبار أن مسؤولية المحامي تُسْتَمد من مسؤولية القضاء، وأنّها مسؤولية جسيمة، إذ ترمي إلى الحفاظ على هيبة العدالة. وأخيراً أشرنا إلى الدور التّاريخي للمحامين في الدفاع عن الحقوق والحرّيّات. هذا الدور جعل المحامي مسؤولاً في المجتمع عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحرّيّات الأساسيّة المعترف بها عالمياً. ومن هنا تتجلى أهمية الدفاع الّتي تتطلب الكثير من الشجاعة في البلدان الّتي تشهد انتهاكات لحقوق الإنسان وتضيقاً على عمل المحامين.
وننهي مقالتنا بفكرة نراها ضرورية ولها علاقة بالموضوع، وتتلخص في كون ضعف التكوين وغياب الكفاءة المهنية يؤثران لا محالة على عمل المحامين وعلى تأدية واجباتهم وتحملهم مسؤولياتهم القانونيّة والاجتماعيّة، لهذا نجد أن الكثير من التوصيات الدّوليّة والوطنيّة تؤكد على ضرورة التكوين المستمر للمحامين، تعزيزاً لمهاراتهم القانونيّة، وكذلك زيادةً في وعيهم بقضايا حقوق الإنسان. وفي نظرنا أن التكوين المستمر للمحامين ضرورة ملحة، لأن مهنة المحاماة بلا كفاءة علميّة تصبح ضرباً من العبث الّذي يؤثر على منظومة العدالة بشكل يستحيل معه الحديث عن واجبات المحامين ومسؤولياتهم. وفكرة سيادة القانون الّتي تعدّ من أعظم الأفكار الّتي أنتجها العقل الإنساني، والّتي تعني أنّ جميع الأشخاص متساوون أمام القانون، تقتضي وجود محامين أكفاء ملمين بالقانون وبالفقه وبالاجتهادات وباللّغات الحية، حتّى يكون بمقدورهم الدفاع عن هذه الفكرة المقدّسة الّتي تمثل روح القانون وجوهره.
* محام متمرن بهيئة تطوان
الحواشي:
1 بييرو كالمندري، قضاة ومحامون، دار المعارف بمصر، ط 2، 1962، ص: 24.
2 تجدر الإشارة إلى أن إخلال المحامي بمسؤولياته القانونيّة يعرضه للمساءلة الجنائيّة والتأديبية. فالفصل 446 من القانون الجنائي، على سبيل المثال، يعاقب كل من أفشى سرّاً ألزمه القانون بالمحافظة عليه. ثم إن قانون المحاماة يعاقب المحامين ويؤدبهم إذا لم يحترموا القواعد الآمرة التي جاءت فيه. وعموماً، نحن نرى أن موضوع المسؤولية الجنائيّة والتأديبية للمحامي ليس هنا مجال الحديث عنها، لذا اكتفينا بمناقشة مسؤوليته المؤسساتية والمجتمعيّة.
3 يذهب الفقه إلى اعتبار مسؤولية المحامي كمسؤولية الطبيب، إذ إن التزامهما هو التزام ببذل العناية.
4 بييرو كالمندري، مرجع سابق، ص:33
http://hrlibrary.umn.edu/arab/b044.html
5 من الجدير بالذكر أن وروبسبيير اعتبر أيضاً من أهم رموز عهد الإرهاب بعد الثورة الفرنسية، إذ عمد إلى إعدام كل من اعتبرهم أعداء للثورة الفرنسية.
6 مبادئ أساسية بشأن دور المحامين اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في هافانا سنة 1990، انظر الرابط، تاريخ الزيارة 0601-2020:
لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:
المصادر:
1 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
1 دستور المملكة المغربيّة
2 قانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة
3 النظام الداخلي لهيئة المحامين بتطوان
4 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
المراجع:
1 المبادئ الدوليّة المتعلقة باستقلال ومسؤولية القضاء والمحامين وممثلي النيابة العامة دليل الممارسين، اللجنة الدولية للحقوقيين، الطبعة الأولى، جنيف،2007
2 بييرو كالمندري، قضاة ومحامون، دار المعارف، مصر، الطبعة الثانية، 1962.
مواقع إلكترونيّة:
1 مبادئ أساسية بشأن دور المحامين اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في هافانا سنة 1990، انظر الرابط، تاريخ الزيارة 0601-2020:
http://hrlibrary.umn.edu/arab/b044.html


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.