وهبي يكشف ملامح الخلاف مع المحامين ويرحب بالحوار بشأن قانون المهنة    السجن النافذ لنائب برلماني بتهمة التشهير والمساس بحق المرأة    جهة الدار البيضاء–سطات.. التساقطات المطرية الأخيرة تبعث الأمل في موسم فلاحي واعد        كأس إفريقيا للأمم.. الكعبي يؤكد مكانته كلاعب أساسي في صفوف أسود الأطلس (لوفيغارو)    أحكام قضائية في حق 25 متهماً على خلفية أحداث شغب رافقت احتجاجات "جيل زد" بمراكش    " حلاق درب الفقراء" في ضيافة جمعية إشعاع للثقافات والفنون بالعرائش    المكتب الوطني للمطارات .. حماس كأس إفريقيا للأمم يغمر مطارات المملكة    كأس إفريقيا للأمم 2025 .. نجاح كبير للمنتخبات المغاربية    العام الجديد 2026 يحل بنيوزيلندا    المديرية العامة للضرائب تصدر نسخة 2026 من المدونة العامة للضرائب    نقابة نتقد تعطيل مخرجات المجلس الإداري لوكالة التنمية الاجتماعية وتحذر من تقليص دورها    المغرب يستقبل سنة 2026 بأمطار وزخات رعدية وثلوج على المرتفعات    نمو الاقتصاد المغربي يسجل التباطؤ    رحم الله زمنا جميلا لم ينقض بالهم والحزن    وفاة الممثل "أيزيا ويتلوك جونيور" عن 71 عاما    ارتفاع "الكوليسترول الضار" يحمل مخاطر عديدة    التهراوي: نموذج المجموعات الصحية الترابية سجل مؤشرات إيجابية على العديد من المستويات    شغيلة جماعة أولاد أكناو تحتج ببني ملال وتلوّح بالتصعيد بسبب تجميد المستحقات    حصيلة نظام الدعم الاجتماعي المباشر بلغت 49 مليار درهم (فتاح)    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    الدنمارك أول دولة أوروبية تتوقف عن توصيل الرسائل الورقية    "المعاملة بالمثل".. مالي وبوركينا فاسو تفرضان حظرا على سفر مواطني الولايات المتحدة    تقرير: تراجع وفيات الأطفال وارتفاع الالتحاق بالتعليم المبكر في الصين    سعيّد يمدد حالة الطوارئ في تونس            ثمن نهائي كأس إفريقيا.. اختبارات صعبة للجزائر وتونس والسودان وفي المتناول للمغرب ومصر    كأس إفريقيا للأمم تغير "صناعة اللعب"    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    سرقة القرن في ألمانيا.. 30 مليون يورو تختفي من خزائن بنك    وقف تنفيذ حكم إرجاع 38 مطروداً ومطرودة إلى عملهم بفندق أفانتي    المغرب يترأس مجلس إدارة معهد اليونسكو للتعلم مدى الحياة    دياز يخطف أنظار الإعلام الإسباني ويقود أسود الأطلس للتألق في كان المغرب    الجديدة 10 أشهر حبسا نافذا في حق يوتوبر بالجديدة    ارتفاع أسعار الإنتاج الصناعي بالمغرب خلال نونبر 2025 رغم تراجع بعض القطاعات    كأس الأمم الأفريقية.. مباراة شكلية للجزائر ضد غينيا الإستوائية ومواجهة مصيرية للسودان    أنفوغرافيك | لأول مرة تتجاوز حاجز 300 مليون دولار.. مداخيل المغرب من صادرات الأفوكادو    ألمانيا وفرنسا تؤجلان القتال الجوي    إسرائيل تهدّد بتعليق عمل منظمات    صنع في المغرب .. من شعار رمزي إلى قوة اقتصادية عالمية    إطلاق حملة واسعة لتشجير المؤسسات التعليمية بإقليم الفحص-أنجرة    قتيل وثلاثة جرحى في حادث إطلاق نار وسط كندا    قانون التعليم العالي الجديد: بين فقدان الاستقلالية، وتهميش الأستاذ، وتسليع المعرفة    ‬السيادة الديموقراطية…. ‬بين التدخل الخارجي ‬والفساد الداخلي!‬‬‬‬‬    باحثون فلسطينيون ومغاربة يقاربون الأبعاد الروحية والإنسانية لأوقاف أهل المغرب في القدس    الاستهلاك المعتدل للقهوة والشاي يحسن وظائف الرئة ويقلل خطر الأمراض التنفسية    فعاليات برنامج مسرح رياض السلطان لشهر يناير تجمع بين الجرأة الإبداعية ونزعة الاكتشاف    المعرض الوطني الكبير 60 سنة من الفن التشكيلي بالمغرب    المغنية الأمريكية بيونسي على قائمة المليارديرات        علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    الحق في المعلومة حق في القدسية!    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موقف القضاء الإيطالي من تطبيق أحكام "قانون الأسرة المغربي"
نشر في هسبريس يوم 01 - 02 - 2020


تقديم
إن نجاعة القانون بوجه عام تقاس بمدى قدرته على معالجة المشاكل وفض الخصومات بين مواطني الدولة التي يسري ذلك القانون فوق ترابها ابتداء بإصدار الأحكام وانتهاء بتنفيذها؛ وهو ما يؤدي بالنتيجة إلى إحلال الأمن بنوعيه، القانوني والقضائي. ولا شك في أن مقياس تلك النجاعة، حينما يتعلق الأمر بمقتضيات القانون الأسري، يكون رهينا بمدى إمكانية تطبيق تلك المقتضيات على مواطني الدولة المذكورة ولو وجدوا خارج حدودها، من طرف المحاكم الأجنبية استنادا لضابط الجنسية.
ولعل قابلية القاضي الأجنبي لتطبيق القانون المذكور تتأثر سلبا أو إيجابا مع الحمولة التي يعطيها تشريعه الوطني لمقولة النظام العام، كما تتأثر أيضا بمدى وجود اتفاقيات ثنائية تسعى إلى إرساء أرضية للتعاون القضائي بهدف الحد أو التقليل من الآثار السلبية التي قد تنجم عن إشكالية تنازع القوانين.
وعلاقة بالقانون الأسري المغربي، يمكن القول إنه فضلا عن بعض مقتضيات القانون الدولي الخاص التي تضمنتها مدونة الأسرة في إشارة واضحة تعكس حرص المشرع على إيلاء العناية اللازمة لقضايا الجالية المغربية المقيمة بالخارج عموما وبالديار الأوروبية على وجه الخصوص، فقد عملت المملكة المغربية منذ عقود خلت على إبرام اتفاقيات ثنائية تهم التعاون القضائي في مجموعة من القضايا كالزواج والطلاق والحضانة، كما هو الحال مثلا بالنسبة للاتفاقية المتعلقة بحالة الأشخاص والأسرة وبالتعاون القضائي المبرمة مع الجمهورية الفرنسية والتي نصت صراحة في فصلها الأول على أنه "تطبق على حالة الأشخاص الذاتيين وأهليتهم مقتضيات قانون إحدى الدولتين التي ينتمون إليها''.
وفي غياب اتفاقية مماثلة، بين المملكة المغربية والجمهورية الإيطالية التي تحتضن جالية مغربية مهمة، يكون من المفيد مقاربة موقف القضاء الإيطالي من مسألة تطبيق بعض أحكام القانون الأسري المغربي وهو ينظر في النزاعات المعروضة عليه بين متقاضين يحملون الجنسية المغربية.
إن تتبع عدد من الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم الإيطالية، سواء على مستوى محاكم الموضوع أو على مستوى محكمة النقض، يفضي بنا إلى الوقوف على تعامل إيجابي مع بعض مقتضيات القانون الأسري المغربي. ويقصد بالقانون المذكور مدونة الأسرة وكذا بعض النصوص الخاصة المطبقة أمام أقسام قضاء الأسرة كالقانون 15.01 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين؛ وهو ما سنحاول التدليل عليه من خلال استعراض موقف القضاء المذكور من تطبيق أحكام مدونة الأسرة بخصوص مؤسستي الطلاق الاتفاقي والتطليق للشقاق (أ) وكذا استعراض موقفه إزاء مؤسسة كفالة الأطفال(ب).
تطبيق الأحكام المتعلقة بمؤسستي الطلاق الاتفاقي والتطليق للشقاق
لقد شكل تطبيق أحكام مدونة الأسرة من طرف القضاء الإيطالي بخصوص مؤسسة الطلاق الاتفاقي حدثا إعلاميا أثار الكثير من الاهتمام بالنسبة للمشتغلين بالشأن القانوني والقضائي في الساحة الإيطالية، وهو الاهتمام الذي يمكن أن يلمس من خلال بعض العناوين التي صدرت المقالات ذات الصلة على صفحات بعض الجرائد من قبيل: "المحكمة، حكم تاريخي: زوجان يطلقان بإيطاليا طبقا للقانون المغربي". ويتعلق الأمر بالنسبة لهذا الحدث القانوني الذي استرعى الاهتمام من طرف الصحافة الإيطالية، بالحكم عدد 2019/300 الصادر بتاريخ 07/02/2019 عن المحكمة العادية ببركامو (Tribunale ordinario di Bergamo).
وبالرجوع إلى وقائع هذا الحكم، يتضح أن الأمر يتعلق بزوجين مغربيين مقيمين بالديار الإيطالية، كانا قد أبرما زواجهما أمام القنصلية العامة للمملكة المغربية بميلانو وأنجبا أبناء. وبعد استفحال المشاكل العائلية بينهما، تقدما أمام المحكمة المذكورة، بطلب مشترك بواسطة نائبهما من أجل إنهاء العلاقة الزوجية بينهما طبقا للمادة 114 من مدونة الأسرة المغربية؛ وهو الأمر الذي استجابت له المحكمة وقضت بإنهاء العلاقة الزوجية مع إعمال باقي مقتضيات الاتفاق المبرم بينهما.
وفي نازلة أخرى، قضت المحكمة العادية ببادوفا (Tribunale ordinario di Padova)، بتاريخ 08/09/2017 في الحكم عدد 2102/2017 بإنهاء الزواج بين مغربيين كانا قد أبرماه طبقا للقانون الإيطالي، مستجيبة لطلبهما الرامي إلى تطبيق المادة 14 من مدونة الأسرة مستندة كذلك إلى مقتضيات المادة الثانية من نفس المدونة، موضحة أن هذه الأخيرة تطبق على المغاربة وإن كانوا يحملون جنسية أخرى.
وباستقراء حيثيات الحكم المذكور، نجد المحكمة قد أحالت حرفيا على مقتضيات المادة 114 المذكورة كما نصت على فشل محاولة الصلح بين الزوجين التي تم إجراؤها من طرف رئيس المحكمة، وقضت للمطلقة بمبلغ مالي من قبل متعتها وفق ما تضمنه الاتفاق المبرم بين الطرفين دون أن تجد في ذلك ما يخالف النظام العام الإيطالي ببعديه؛ الدولي أو الوطني، مؤكدة أن "المبلغ المتفق عليه مناسب أخذا بين الاعتبار مدة الزواج وكون الزوجين يتوفران على الاكتفاء الذاتي من الناحية الاقتصادية".
وإلى جانب التطبيق المباشر للأحكام المذكورة وفق ما تم بيانه، نجد القاضي الإيطالي يعمد كذلك إلى الاعتراف بحجية الحكم المغربي الصادر بالتطليق للشقاق بعدما سبق لضابط الحالة المدنية الإيطالي أن أمر بتقييده طبقا لمقتضيات الفصلين 64 و65 من القانون رقم 218 الصادر بتاريخ 31/05/1995 المتعلق بالقانون الدولي الخاص الإيطالي. وفي هذا الإطار، قضت المحكمة العادية لريجيو إيميليا مثلا، بتاريخ 22/03/2014، في الحكم عدد 10234 بأن:" إصدار حكم بالطلاق من طرف محكمة مغربية، يكون قابلا للتقييد بإيطاليا وينتج كافة آثاره القانونية لأنه مبني على قواعد قانونية لا تعارض النظام العام".
وتتلخص وقائع هذه القضية في كون الزوجة، التي تحمل الجنسية المغربية، تقدمت أمام القضاء الإيطالي بطلب يهدف إلى إنهاء علاقتها الزوجية من المدعى عليه الذي يحمل أيضا نفس الجنسية، طبقا للقانون الإيطالي؛ غير أن الزوج دفع بكون الطلب لم يعد له موضوع لصدور الحكم النهائي عدد 168/2011 عن قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بكلميم بتاريخ 26/04/2012 القاضي بتطليق الطرفين للشقاق. وقد استجابت المحكمة المذكورة للدفع المثار، واعتمدت في حيثياتها على القول بأن مدونة الأسرة التي استند إليها الحكم المحتج به تكرس المبادئ التالية:
- إلغاء قاعدة طاعة الزوج لزوجها؛
- عدم إلزامية الولاية في الزواج وكون هذه الأخيرة أصبحت حقا للمرأة؛
- تحديد سن الزواج بالنسبة للجنسين في 18 سنة؛
- تقييد مسطرة التعدد بشروط جوهرية وأخرى مسطرية؛
- لا يمكن الطلاق إلا وفق مساطر قضائية محددة؛
- حماية حق الطفل المحضون في السكن والنفقة والتربية والتوجيه الديني؛
- إمكانية لجوء الزوجة للتطليق دون حاجة لإثبات الضرر؛
- لحوق نسب الطفل المولود خلال فترة الخطبة؛
- إمكانية الاتفاق على تدبير الممتلكات بين الزوجين؛
- وأخيرا، وخلافا للقانون السابق (وتقصد مدونة الأحوال الشخصية الملغاة)، اعتبار النيابة العامة طرفا أصيلا في جميع الدعاوى الأسرية.
وانطلاقا من هذه المبادئ، خلصت المحكمة في تعليلها إلى "أن هذا القانون (أي مدونة الأسرة) مطابق تماما للمبادئ الأساسية للنظام العام (أي الإيطالي)، لا سيما مبدأ المساواة، المناصفة وعدم التمييز بين الزوجين." وقضت في منطوقها بانتهاء الدعوى.
وإذا كان إطار التعاون القضائي المغربي الإيطالي لا يتضمن كما أسلفنا اتفاقية ثنائية تنص على مقتضيات مماثلة للاتفاقية المغربية الفرنسية المشار إليها آنفا، فإنه من المشروع التساؤل حول طبيعة الأساس القانوني الذي يستند إليه القضاء الإيطالي لتطبيق أحكام الطلاق أو التطليق المستمدة من القانون المغربي.
بالرجوع مثلا إلى حيثيات الحكم عدد 2017/2102 الصادر عن المحكمة العادية لبادوفا المشار إليه آنفا، نجد المحكمة وهي تأخذ بعين الاعتبار الجنسية الأجنبية للطالبين، تبدأ تعليلها بالمسوغات المسطرية التي استندت إليها للقول بانعقاد الاختصاص لها للبت في النازلة. كما أوردت أيضا في التعليل ذاته تلك المبررات التي استندت إليها لإعمال القانون الوطني للطالبين والمتمثل في مقتضيات المادة 114 من مدونة الأسرة المنظمة للطلاق الاتفاقي وكذا باقي المواد ذات الصلة.
فبالنسبة للمسألة الأولى، نجد المحكمة تؤصل اختصاصها للبت في النازلة المذكورة استنادا إلى مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 3 من القانون رقم 2003/2201 لمجلس الاتحاد الأوروبي المؤرخ في 27/11/2003 المعروف بلائحة بروكسيل II مكرر (Règlement Bruxelles II Bis) والمتعلقة بالاختصاص والاعتراف وتنفيذ الأحكام الصادر في مادة المسؤولية الأبوية.
واستنادا إلى الفقرة المذكورة، نجدها تنص على أنه في حالة تقديم طلب مشترك من طرف الزوجين، فإن الاختصاص ينعقد لمحاكم الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي والتي يوجد فوق ترابها محل الإقامة الاعتيادية لأحد الزوجين الطالبين.
أما بالنسبة لتقعيد إمكانية تطبيق القانون المغربي، فيتضح من حيثيات الحكم نفسه المشار إليه آنفا أن القضاة مصدريه استندوا إلى مقتضيات الفصل الخامس من قانون مجلس الاتحاد الأوروبي عدد 1259/2010 الصادر بتاريخ 20/12/2010 والمتعلق بتفعيل التعاون المكثف في مجال القانون الواجب التطبيق في قضايا الطلاق والانفصال الجسماني؛ وهو القانون المعروف بلائحة روما III .(Règlement Rome III)
وقد نص الفصل الخامس المذكور على أنه يمكن للزوجين أن يتفقا على تعيين القانون المطبق على الطلاق أو الانفصال الجسماني على أن يقصد بذلك القانون أحد القوانين التي نص عليها الفصل المذكور؛ ومن ضمنها:
ت - قانون الدولة التي يحمل أحد الزوجين جنسيتها وقت إبرام الاتفاق.
كما نص الفصل 12 من اللائحة نفسها (روما ( IIIعلى أن تطبيق أحد مقتضيات الفصل الخامس أعلاه، لا يمكن استبعاده إلا في الحالة التي يكون ذلك التطبيق مخالفا بشكل واضح للنظام العام لبلد القاضي الذي ينظر في النازلة.
وفضلا عن التنصيص على عدم مخالفة مقتضيات المادة 14 من المدونة للنظام العام الداخلي، فقد عمل القضاء الإيطالي كذلك على التأكيد في بعض أحكامه على أن مؤسسة الطلاق الاتفاقي التي نظمتها المادة المذكورة لها ما يقابلها في القانون المدني الإيطالي. في هذا الإطار، نجد مثلا المحكمة العادية لفلورانسا تنص في حيثيات حكمها الصادر بتاريخ 09/05/2014 على ''أن هذا النوع من الطلاق (أي الاتفاقي) الذي يستوجب اتفاقا مشتركا من طرف الزوجين تحت مراقبة القضاء، يشبه الطلاق الاتفاقي الإيطالي المصطلح عليه بمسمى ''الطلاق المشترك''(Divorzio congiunto).
بعد استعرضا لبعض جوانب التعامل الإيجابي للقضاء الإيطالي مع أحكام مدونة الاسرة ذات الصلة بإنهاء العلاقة الزوجية، حري بنا أن نتعرض في المبحث التالي لتعامله مع مؤسسة الكفالة.
ب) في موقف القضاء الإيطالي من مؤسسة كفالة الأطفال
من المعلوم أن كفالة الأطفال تجد سندها في أحكام الفقه الإسلامي وهي تروم تمكين الطفل المكفول من أسرة بديلة في حالة تعذر وجود الوالدين أو أحدهما أو في حالة وجودهما وعدم تمكنهما من القيام بحاجيات الطفل لسبب من الأسباب.
ويعرف القانون المغربي نوعين من الكفالة: كفالة الأطفال المهملين التي ينظمها القانون 15.01، وكفالة الأطفال غير المهملين المنظمة بمقتضى ببعض المناشير الصادرة عن وزارة العدل.
واعتبارا لهذه الوظيفة الاجتماعية لمؤسسة الكفالة من جهة، واعتمادها من طرف الكثير من الدول العربية التي تستند إلى المرجعية الإسلامية في سن قوانينها المتعلقة بتنظيم العلاقات الأسرية من جهة ثانية، فقد استطاعت المؤسسة بنوعيها أن تحظى باعتراف المنتظم الدولي. ويتجلى ذلك الاعتراف في تبنيها من طرف الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل الصادرة بتاريخ 28/11/1989 وكذا من طرف اتفاقية لاهاي الصادرة بتاريخ 19/10/1996 والمتعلقة بالاختصاص والقانون المطبق والاعتراف والتنفيذ والتعاون في مجال المسؤولية الأبوية وإجراءات حماية الأطفال، كآلية من الآليات المرصودة لحماية الطفولة من خلال تمكين الطفل المكفول من الجو العائلي الذي حرم منه ووضعه وسط أسرة حاضنة بديلة، تقع عليها التزامات قانونية للقيام بحاجياته المادية والمعنوية.
ويرى بعض الفقه أن التحول الاجتهادي الذي اعترى موقف محكمة النقض الإيطالية إزاء مؤسسة الكفالة ظهر ابتداء من سنة 2007، وأن هذا التفسير الذي تبنته المحكمة المذكورة جاء في ضوء الطعون المتكررة التي تقدم بها الأشخاص المستندون إلى تلك الكفالة لطلب تأشيرة الدخول إلى التراب الإيطالي لفائدة مكفوليهم.
كما يرى الفقه ذاته أيضا أن القانون الذي استندت إليه المحكمة بالأساس لتدعيم موقفها الإيجابي إزاء الكفالة يكمن في القانون رقم 286 لسنة 1998 المتضمن للمقتضيات المتعلقة بالهجرة ووضعية الأجانب، والذي تضمن الحق في وحدة العائلة وحماية القاصرين.
وقد نص الفصل 28 من القانون المذكور على أن كل المساطر الإدارية والقضائية، التي تهدف إلى حماية حق وحدة العائلة والمتعلقة بالقاصرين، يجب اتخاذها مع مراعاة المصلحة الفضلى للطفل، طبقا لمقتضيات الفصل 3 من اتفاقية حقوق الطفل.
من جهة أخرى، فصلت الفقرة الأولى من الفصل 29 من القانون نفسه في الأقرباء الذين يمكن لمواطن من بلد غير بلدان الاتحاد الأوروبي أن يطلب بشأنهم التجمع العائلي فوق التراب الإيطالي، وهؤلاء الأشخاص/الأقرباء هم الأبناء القاصرون ولو كانوا مولودين خارج مؤسسة الزواج، شريطة أن يوافق الوالد الآخر. كما نصت الفقرة الثانية من الفصل ذاته على أنه من أجل الحصول على التجمع العائلي يؤخذ بعين الاعتبار القاصرون الذين لم يبلغوا سن 18 سنة وقت تقديم طلب التجمع العائلي، وأن القاصرين الخاضعين لنظام التبني أو الحضانة أو الحماية، يعتبرون في حكم الأبناء.
والظاهر مما ذكر أن الباعث القوي لتغيير موقف محكمة النقض الإيطالية إيجابا من مؤسسة الكفالة هو إعمالها لمفهوم المصلحة الفضلى للطفل المكفول، فقد أكدت في العديد من قراراتها أن الإخلال باحترام المصلحة المذكورة برفض تأشيرة الدخول والتجمع العائلي ''يعني معاقبة كل القاصرين الموجودين في وضعية الإهمال بمختلف البلدان العربية، والتي تبقى مؤسسة الكفالة بالنسبة لها، المؤسسة الوحيدة للحماية المعترف بها طبقا للشريعة الإسلامية''.
ويمكن الوقوف على بعض ملامح هذا التحول الاجتهادي في توجه محكمة النقض الإيطالية من خلال قرار لهذه الأخيرة، قضت بموجبه برفض الطعن بالنقض الذي كانت وزارة الشؤون الخارجية الإيطالية أن تقدمت به ضد قرار محكمة الاستئناف بالبندقية عدد 2014/2292. وبالرجوع إلى هذا القرار، نجده قد قضى برفض استئناف الوزارة المذكورة ضد حكم المحكمة الابتدائية بتريفيزو Treviso القاضي بإلغاء قرار السفارة الإيطالية بالرباط الذي رفضت بموجبه هذه الأخيرة طلب تسليم تأشيرة التجمع العائلي لفائدة مواطنة إيطالية تحمل أيضا الجنسية المغربية، عن مكفولتها بمقتضى كفالة عدلية. وقد عابت الطاعنة بالنقض (وزارة الشؤون الخارجية الإيطالية) على القرار الاستئنافي المذكور خرقه القانون لكون الطفلة سلمت للمطلوبة في النقض بمقتضى عقد كفالة اتفاقية وليس قضائية؛ غير أن المحكمة ردت طعنها المذكور بحيثيات ساوت فيها بين الكفالة الاتفاقية وتلك القضائية وأكدت في تلك الحيثيات "أن الثابت من وقائع النازلة أن المطلوبة في النقض كانت قد تكفلت بالطفلة ''ل'' بمقتضى عقد كفالة اتفاقية تمت المصادقة عليه من طرف قضاء التوثيق بالرباط، وأن الأمر يتعلق بمؤسسة مستمدة من الفقه الإسلامي تروم حماية الأطفال الموجودين في حالة الإهمال، وتقوم غايتها على قيام الكافل بشؤون المكفول ورعايته وتربيته والإنفاق عليه تماما كما لو كان ابنه من صلبه إلى أن يبلغ سن الرشد دون أن ترتب بينهما علاقة النسب''. وأضافت المحكمة موضحة في تعليلها أنه ''يمكن التمييز بين نوعين من الكفالة: الأولى لها طابع قضائي، حيث يصدر بشأنها حكم قضائي بالتصريح بالإهمال ثم بإسناد الكفالة؛ بينما النوع الثاني ينصرف إلى الكفالة الاتفاقية. وهذا النوع يقتضي وجود عقد عدلي بين والد المكفول وطالب الكفالة؛ وهو عقد يخضع لمراقبة ومصادقة السلطة القضائية، وأنه لما كان الفقه الإسلامي يحرم التبني من جهة ويحظ في المقابل على مساعدة المحتاجين والأيتام من جهة أخرى، فإن الكفالة تبقى الوسيلة الوحيدة التي تكرس الحماية للأطفال الموجودين في حالة من حالات الإهمال، وهذه الوسيلة معترف بها في مصادر القانون الدولي وعلى وجه الخصوص الفصل 20 من الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل والفصل 33 من اتفاقية لاهاي الصادرة بتاريخ 19/10/1996 المتعلقة بالاختصاص والقانون المطبق والاعتراف والتنفيذ والتعاون في مجال المسؤولية الأبوية وإجراءات حماية الأطفال''.
وحرصا منها على مزيد من الإيضاح، أحالت محكمة النقض الإيطالية على ما استقر عليه اجتهادها في قرارات سابقة، مؤكدة أنه سبق لها أن ''قضت بموجب قرارها عدد 1843 الصادر بتاريخ 02/02/2015 بأن الكفالة الاتفاقية تشكل أيضا على غرار الكفالة القضائية وسيلة قانونية تخول للكافل الحق في طلب التجمع العائلي تطبيقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل الثالث من القانون رقم 30/2007 التي تنص على أنه من بين المستفيدين من حق التجمع العائلي والإقامة فوق التراب الوطني''كل واحد من أفراد العائلة كيفما كانت جنسيته، إذا كان تحت كفالة أو يعيش في البلد الأصلي مع مواطن ينتمي لأحد بلدان الاتحاد الأوروبي يتمتع فيه بحق الإقامة بشكل رئيسي، أو إذا كانت هناك أسباب صحية خطيرة تستلزم مساعدة المواطن المذكور للمكفول بصفة شخصية. وأن هذا التفسير الواسع لفائدة مصلحة القاصر، علاقة بتقييم إمكانية منح حق الدخول إلى التراب الإيطالي والتجمع العائلي مع الكافل، لا يمكن أن يتم استبعاده اعتبارا لطبيعة مؤسسة الكفالة الاتفاقية، وأن التقييم المذكور يجب إعماله حسب كل نازلة مع الأخذ بعين الاعتبار المصلحة الفضلى للطفل المكفول. وتبعا لذلك، فإنه لا مجال لمشاطرة الإدارة؛ طالبة النقض في رأيها ما دام أن محكمة الاستئناف مصدرة القرار المطعون فيه قد تأكدت من علاقة التمريض والعلاج بين المطلوبة في النقض والقاصر والتي تكفلت بها بمقتضى كفالة - وبصرف النظر عن طبيعتها الاتفاقية - تم تقييمها بشكل إيجابي من طرف السلطة العمومية التي قامت بالمصادقة عليها مراعية في ذلك المصلحة الفضلى للمكفولة".
وبعد هذا التأصيل لتعليل دحض وسائل الطعن بالنقض، خلصت المحكمة إلى تبني قاعدة أساسية مفادها أن ''القاصر الأجنبية المكفولة لمواطن إيطالي بمقتضى عقد كفالة اتفاقية مصادق عليها من طرف سلطة عمومية، يمكنها أن تندرج في مفهوم ''باقي أفراد العائلة'' المنصوص عليها بمقتضى الفصل الثالث من القانون 30/2007 السالف ذكره'' وقضت في الأخير برفض طلب النقض.
وجدير بالذكر أن هذا الموقف الإيجابي من مؤسسة الكفالة نجده حاضرا كذلك في قرارات محكمة العدل الأوروبية التي سبق لها أن قضت في قرار لها بأن ''القاصر الخاضع لنظام الكفالة، وبالرغم من كونه لا يعتبر ضمن الفروع المباشرين بمفهوم الفصل الثاني من اللائحة التوجيهية رقم 38/2004 لأنها لا تخلق رابطة النسب بين المكفول ومواطن الاتحاد الأوروبي، إلا أنها تخول ذلك المكفول الحق في التجمع العائلي باعتباره يدخل في زمرة الأقرباء بمفهوم الفصل الثالث من نفس اللائحة التوجيهية".
وفضلا عما تم بسطه من تفسيرات محتملة للأسباب والدواعي التي ساهمت بشكل أو بآخر في إفراز هذا الموقف الجديد الذي عبرت عنه المحكمة العليا للنقض الإيطالية إزاء مؤسسة الكفالة بنوعيها؛ العدلية والقضائية، فإنه يجمل بنا الإشارة أيضا إلى ما فتئت تضطلع به محكمة النقض المغربية من دور رائد وفعال في مجال الدبلوماسية القضائية، والذي يروم التعريف بالنظام القانوني المغربي والاجتهاد القضائي للمحكمة المذكورة باعتبارها محكمة قانون أنيطت بها مهمة السهر على تفسير القاعدة القانونية وتوحيد عمل محاكم الموضوع. وبهذا الخصوص، حري بنا التذكير بمشاركة الوفد القضائي عن المحكمة المذكورة ضمن فعاليات اللقاء الإيطالي المغربي الثاني للقانون المقارن والذي احتضنته العاصمة الإيطالية يومي 26 و27 أكتوبر 2017 في موضوع الكفالة وحماية القصر في إيطاليا والمغرب، إلى جانب قضاة من محكمة النقض الإيطالية وأساتذة جامعيين من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي ونظرائهم من شعبة العلوم السياسية جون موني التابعة لجامعة الدراسات لويجي فانتيلي بالإضافة إلى بعض أطياف المجتمع المدني المهتمين بقضايا الطفولة والأسرة. وقد كان اللقاء بحق فرصة مهمة للتعريف بأحكام الكفالة، سواء تلك المتعلق بالأطفال المهملين أو بالأطفال غير المهملين، وبالقواعد القانونية والمساطر القضائية ذات الصلة وكذا بالاجتهاد القضائي الصادر عن محكمة النقض المغربية تطبيقا لتلك القواعد. ويبقى الأمل معقودا لتكثيف هذا النوع من اللقاءات بهدف التعريف، وتسليط الضوء على جوانب أخرى من النظامين؛ القانوني والقضائي في كلا البلدين.
*قاضي الاتصال بسفارة المغرب بروما


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.