قال جمال مشروح، الأستاذ الجامعي والباحث في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، إن الصراعات الجيوسياسية الصينيةالأمريكية وصلت في الآونة الأخيرة مستوى خطيراً من المرجح أن تدفع العالم نحو حرب باردة عالمية ثانية. وذكر مشروح، المتخصص في العلاقات الدولية، في مقال نُشر على موقع المركز البحثي، أنه من الخطأ ربط تدهور العلاقات بين البلدين بسبب وباء فيروس كورونا؛ لكن هذا الأخير يبدو كعنصر كشف وعامل تسريع لهذا التدهور. وحسب الأستاذ الجامعي بجامعة ابن طفيل والمُحاضر بالكلية الملكية للدراسات العسكرية العليا بالقنيطرة، فإن وباء كورونا فضح التوترات الجيوسياسية الوجودية بين أمريكاوالصين، كما أبرز أيضاً التناقضات العميقة بين القوتين ودفعهم إلى دوامة من التوترات والاستفزازات. أميركا / الصين.. فخ ثوسيديديس الحتمي يوضح مقال مشروح أنه قبل ظهور وباء فيروس كورونا، كان هناك نوع من الإجماع لدى النخبة السياسية الأمريكية حول "التهديد الإستراتيجي" الذي يشكله الصعود السريع للصين على الريادة الأمريكية. ومن جهة أخرى، لم تكن الصين قادرة على إخفاء قواها أو أخذ وقت من أجل ذلك،؛ وهو ما جعل الوضع مثل فخ ثوسيديديس، نسبة إلى مؤرخ إغريقي، وهو مفهوم صاغه غراهام أليسون يصف فيها قوة مهيمنة تدخل في حرب مع قوة صاعدة. وحسب المقال، فإن السيادة على النظام الدولي التي ضمنتها الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وخلافها المتنازع عليها خلال نصف قرن تقريباً من قبل الاتحاد السوفياتي، أصبحت مُهددة بشكل خطير اليوم من قبل هذا المنافس الإستراتيجي العالمي المتمثل في الصين. وفي الواقع، فقد حققت الصين، في جميع المجالات تقريباً، على مدار العقد الماضي، تقدماً إستراتيجياً سريعاً مكنها من اللحاق بالقوة الأولى عالمياً، ويتعلق الأمر هنا بالتجارة الدولية إضافة إلى تكنولوجيا الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي وحتى القوة البحرية. وكان تقرير صادر عن مصلحة البحث في الكونغرس الأمريكي، بتاريخ 2 أكتوبر 2019، قد أكد أن البحرية الصينية تشكل اليوم "تحدياً كبيراً لقدرة البحرية الأمريكية على تحقيق السيطرة في المحيط الهادي والحفاظ عليها". وفي ضوء هذه العناصر، فإن التوترات التي تمر بها العلاقات الصينيةالأمريكية يجب أخذها بعين الاعتبار في المدى الطويل وليس اعتبارها كنتيجة لعامل ظرفي أو حساب انتخابي. أوروبا – إفريقيا.. القوة الأساسية لتحقيق التوازن في مواجهة هذه "الحرب الباردة العالمية الثانية" التي تلوح في الأفق، يقول مشروح إن صانعي السياسة الإستراتيجيين سيستفيدون من طرح ثلاثة أسئلة أساسية لمستقبل مصالحهم الوطنية: أولاً: ما هي ساحة المعركة لهذه الحرب الباردة العالمية الثانية؟ بالتأكيد ليست أيديولوجية. ثانياً: ما هي وسائل عمل القوتين المتنافستين؟ بالتأكيد ليست عناصر عسكرية بالأساس. ثالثاً: ما هو تكوين كتل الحلفاء؟ من الواضح أن اختيار الدول لن يكون سهلاً كما كان في الماضي، بما في ذلك أقرب حلفاء الحرب الباردة العالمية الأولى. ومهما كانت الإجابات عن الأسئلة الثلاثة سالفة الذكر، فإن المقال يُشدد على أن تأثير الحرب الباردة العالمية الثانية سيكون ثقيلاً على نظام متعدد الأطراف يوجد على شفا الانهيار. ويرى مشروح أنه "أصبح من الضروري أن تنشأ مسارات متوسطة وتحتل مساحة في النقاش الإستراتيجي الدولي اليوم، المختزلة للأسف، في طاولة بينغ بونغ يتنافس حولها الأمريكيون والصينيون". ويعتبر الأستاذ الجامعي المغربي أنه يمكن لأوروبا، مُدركة لنقاط قوتها الإستراتيجية وبشراكة عادلة مع إفريقيا تُوحد بذكاء منطقة البحر المتوسط مهد الحضارات، أن تُحدث تأثيراً إيجابياً في هذا الصدد. ويدعو مشروح إلى أن "تعمل أوروبا وإفريقيا من أجل ظهور قيادة جماعية وشاملة وبناءة على المستوى العالمي، حيث لا تكون القيادة بوسائل قوة صلبة أو ناعمة أو قوة أو قوة بشرية". ويكمن التحدي، في نظر الباحث المغربي، من جهة في تجنيب العالم ضرر حرب باردة جديدة، ومن جهة أخرى في تركيز الموارد والطاقات لمواجهة التحديات العالمية التي تظهر في آفاق ليست بعيدة؛ منها فيروس كورونا وتغير المناخ التي تبقى أمثلة فقط.