يكتظ عادة الدرج الضيق المؤدي إلى كنيسة سيستينا الشهيرة في مدينة الفاتيكان بالبشر، حيث إن حشود الزائرين من جميع أنحاء العالم والطوابير الطويلة هي أمور معروفة بين السياح، شأنها شأن اللوحات الجدارية الخاصة بالفنانين الإيطاليين من أمثال مايكل أنجلو أو رافائيل. ولكن مع إعادة فتح المتاحف الإيطالية بصورة تدريجية، أدى فيروس كورونا المستجد إلى تغير كل ذلك؛ فقد بدأ السياح في العودة ولكن بأعداد ضئيلة جدا، بعد أن رفعت السلطات الحظر الذي كانت تفرضه في البلاد منذ مارس 2020، عندما كانت أعداد الوفيات في الشمال كبيرة جدا إلى درجة أدت إلى نفاد أماكن دفن الموتى. وبعد نحو ثلاثة أشهر من الإغلاق، أعادت المؤسسات الثقافية فتح أبوابها من جديد، حيث أصبح من الممكن لاثنتين من أشهر مناطق الجذب السياحي في العالم - وهما متاحف الفاتيكان والكولوسيوم - استقبال عدد قليل نسبيا من الزائرين. ومن جانبها، تقول باربرا جاتا، مديرة متاحف الفاتيكان، خلال زيارة خاصة: "إنه أفضل وقت للمجيء إلى هنا على الأرجح". وكان العام الماضي قد شهد زيارة 6.7 ملايين شخص إلى المتحف، مما يجعله واحدا من أكثر الأماكن شعبية في العالم، حيث يزور نحو 27 ألف شخص قاعاته الرائعة يوميا. وتقول جاتا إنها لم تكن تتوقع التعجل في إعادة الفتح، مع الأخذ في الاعتبار أن الحدود الإيطالية تم فتحها بعد ذلك ببضعة أيام. وحتى الآن، سوف يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تتعافى السياحة. وفي الوقت نفسه، جرى فرض بعض القيود على زيارة متاحف الفاتيكان حاليا، حيث تقتصر الزيارة على نحو 4000 شخص فقط يوميا بسبب القواعد التي تم فرضها لاحتواء انتشار فيروس كورونا. وفي الماضي، كان من الممكن أن يقوم 20 ألف شخص بزيارة تلك الاماكن في اليوم العادي. وفي "جاليريا بورجيزي"، وهو أحد أهم المتاحف في روما، تقول جاتا إن هناك 100 شخص فقط زاروا المكان خلال الأيام الثلاثة الأولى من إعادة فتحه. كما جاء عدد قليل من الزائرين إلى موقع بومبيي الأثري، بعد إعادة فتحه. ويفد نحو 90 في المائة من زائري متاحف الفاتيكان من الخارج؛ ولكن الآن مع هدوء الأمور، أصبحت هناك فرصة لسكان روما وللإيطاليين عامة لإعادة اكتشاف جمال بلادهم، حسب ما تقوله جاتا. وفي الوقت الحالي، سيتعين على الزوار المرور عبر جهاز كشف حراري قبل دخول المتاحف، بالإضافة إلى استخدام أقنعة طبية، كما أن معقم اليدين متاح في تلك الأماكن. وقد أصبح حجز تذاكر الدخول إلزاميا، كما أن عدد الأفراد في المجموعات يجب ألا يزيد عن 10. وقد انخفضت أسعار رسوم الدخول من 21 إلى 17 يورو. وبينما قد تكون إمكانية الاستمتاع بالكنوز الثقافية بدون ازدحام أمرا جذابا بالنسبة للزائرين، إلا أنه مقلق بالنسبة للفاتيكان، حيث تعتمد الدولة بصورة رئيسية على الدخل الذي تدره المتاحف، وما زال يتعين دفع رواتب 800 من الموظفين، سواء تم بيع التذاكر أم لا. وقال خوان أنطونيو جيريرو ألفيس، وهو المسؤول عن إدارة الشؤون المالية للفاتيكان، في مقابلة أجريت معه مؤخرا، إنه يتوقع أن يكون التعافي بطيئا. ومع ذلك، فإنه لا يرغب في مناقشة احتمالية إفلاس الفاتيكان في ظل الأزمة الحالية، في حال تقلص حجم التبرعات أيضا. كما أن حجم المشكلة الناتجة عن غياب السياح في روما وفينيسيا وفلورنسا وغيرها من المدن التي تعتمد على الفن تتجلى واضحة في لافتة صغيرة تم وضعها خارج متاحف الفاتيكان، حيث يوجد هناك مقهى عادة ما يعج بالزائرين؛ ولكنه مغلق الآن. وقد جرى وضع لافتة عند النافذة تقول: "لا يمكننا إعادة فتح أبوابنا بدون مساعدة الحكومة. هناك آلاف الوظائف المهددة". وما زال هناك في منطقة وسط روما التاريخية، الكثير من المطاعم المغلقة، أو التي أعيد فتحها؛ ولكن بعدد أقل من العاملين. ولو لم تكن الكثير من المؤسسات تواجه خرابا ماليا، الآن، لكنا سنقول إن المدينة لم تكن أبدا بمثل هذا الجمال. فمن الملاحظ عدم وجود زائرين يصطفون أمام الكولوسيوم - على سبيل المثال - من الصباح إلى المساء. وقد أصبح من الممكن إعادة فتح المدرج الأثري بعد أشهر عديدة من الإغلاق الذي اتسم بالصعوبة، حيث يقول مسؤولو المكان: "إنه من الصعب تقبّل الصمت الغريب". أما الآن، فقد تم تخفيض أسعار التذاكر للزائرين خلال فترة ما بعد الظهيرة، أملا في جذب سكان روما الذين قد يأتون لزيارة المكان بعد انتهاء يوم العمل. ومن المرجح أن يستغرق الأمر وقتا أطول لكي تعود مجموعات السياح الأجانب الكبيرة. في الوقت نفسه، دعا داريو فرانسيشيني، وزير الثقافة الإيطالي، مرارا، إلى التضامن الأوروبي. كما وعد بأن يتم توجيه أموال صندوق إعادة الإعمار في الاتحاد الأوروبي إلى المؤسسات الثقافية بجميع أنواعها. وقد نالت هذه الوعود ترحيب الكثيرين. وعلى الرغم من أنه ربما قد تكون فترة صعبة مرت على المؤسسات الثقافية في إيطاليا، فإن المستقبل ما زال يحمل في جعبته فترة صعبة أخرى. *د .ب .أ