يونس مجاهد: مجالس الصحافة وضعت للجمهور وليست تنظيمات بين-مهنية    رغم القطيعة الدبلوماسية.. وفد برلماني مغربي يحل بالجزائر    مخاريق: لا يأتي من بنكيران سوى الشر.. وسينال "العقاب" في الانتخابات    الناظور ضمن خريطة أطول أنبوب غاز في العالم يربط إفريقيا بأوروبا    مواطنون إسبان يشيدون بالمساعدة المقدمة من المغرب إثر انقطاع الكهرباء    البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية بجهة الداخلة    الجامعة الملكية المغربية تكرم المنتخب الوطني النسوي المتوج بكأس الأمم الإفريقية للفوتسال    بسبب اختلالات رياضية.. الجامعة الملكية تصدر قرارات التوقيف والغرامة في حق عدد من المسؤولين    اتفاقية تلاقي السغروشني وحموشي    لبنان يحذر حماس من استخدام أراضيه للقيام بأي أعمال تمس بالأمن القومي    في الجلسة الافتتاحية للمنتدى الدولي الثالث للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين والديمقراطيين .. الكاتب الأول إدريس لشكر: الجيل الجديد من البرلمانيين الشباب مطالب بحمل مشعل الحرية والكرامة والتضامن في عالم مضطرب    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    مراكش.. إيقاف شخصين وحجز كمية كبيرة من الأقراص المخدرة من نوع "ريفوتريل"    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    حقوقيون يسجلون إخفاق الحوار الاجتماعي وينبهون إلى تآكل الحريات النقابية وتنامي القمع    بعد 25 سنة.. شركة "FRS" تُعلن رسمياً توقف نشاطها البحري بين طنجة وطريفة    اللاعب المغربي إلياس أخوماش يشارك في جنازة جدته بتطوان    وقفات الجمعة ال74.. المغاربة يجددون مطالبهم برفع الحصار وإنهاء "الإبادة" في غزة    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    « بين التاريخ والرواية» كتاب جماعي يرصد مسارات أحمد التوفيق    في كلمة حول جبر الأضرار الناجمة عن مآسي العبودية والاتجار في البشر والاستعمار والاستغلال بإفريقيا: آمنة بوعياش تترافع حول «عدالة تعويضية» شاملة ومستدامة    «غزة على الصليب: أخطر حروب الصراع في فلسطين وعليها»    حادثة سير مميتة تنهي حياة سبعيني بالفقيه بن صالح والسائق يفرّ هاربا    العرائش تسجل أعلى نسبة تملك.. وطنجة تتصدر الكراء بجهة الشمال    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    كلية الآداب بالجديدة وطلبتها يكرمون الدكتورة لطيفة الأزرق    عبد الله زريقة.. علامة مضيئة في الشعر المغربي تحتفي به "أنفاس" و"بيت الشعر"    مقاطعة مديري مؤسسات الريادة للعمليات المصيرية يربك مشروع الوزارة في الإصلاح التربوي    سوريا: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي "تصعيد خطير"    سفينة مساعدات لغزة تتعرض لهجوم بمسيرة في المياه الدولية قرب مالطا    نجاح "خامس مهمة نسائية" خارج المحطة الفضائية الدولية    تفاؤل تجاري ينعش أسعار النفط في الأسواق العالمية    رسالة مفتوحة إلى السيد محمد ربيع الخليع رئيس المكتب الوطني للسكك الحديدية    العلاقات التجارية بين المغرب ومصر.. وفد اقتصادي مغربي يزور القاهرة    "الكورفاتشي" تستعد للتنقل إلى مدينة الدار البيضاء لحضور "الكلاسيكو" أمام الوداد    كوريا: الرئيس المؤقت يقدم استقالته لدخول سباق الانتخابات الرئاسية    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    تفاصيل إحداث قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء يوفر أزيد من 20 ألف منصب شغل    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة: المغرب يستهل مشواره بفوز مثير على كينيا    الذهب يتعافى بعد بلوغ أدنى مستوى في أسبوعين    الصين تدرس دعوات أمريكية لاستئناف الحوار بشأن الرسوم الجمركية    كرة القدم.. توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    اللاعب المغربي الذي أبهر العالم بأدائه المجنون … !    احتراق شاحنة على الطريق السيار طنجة المتوسط    منتجو الفواكه الحمراء يخلقون أزمة في اليد العاملة لفلاحي إقليم العرائش    الزلزولي يساهم في فوز بيتيس    هل بدأت أمريكا تحفر "قبرها العلمي"؟.. مختبرات مغلقة وأبحاث مجمدة    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سوريا والباب المسدود
نشر في هسبريس يوم 14 - 02 - 2012

تأكّد اليوم بالملموس وليس كما تناهى إلى أبصارنا ومسامعنا من وسائل الإعلام التي يتحكّم بها اليوم خصوم سوريا وقوى الممانعة، أنّ سوريا ليست بلدا معزولا، لا في المنطقة ولا في المجال الدّولي. فالدّولة التي استطاعت بكل طمأنينة أن تحصد لصالحها اعتراضين على التّوالي وفي ظرف قياسي بطريقة غير مسبوقة في تاريخ مجلس الأمن، لا تعتبر دولة معزولة. لكن وبسبب هذه الحقيقة التي كشفت عن حجم التّزييف للحقائق، الذي بات رسالة مفضّلة للإعلام النفطي، بدأنا نسمع هزلية أخرى: أنّ الروس والصّين بخلاف إسرائيل باتا معزولين عربيّا أيضا. هناك ضعف كبير لإعلام الممانعة يقابله نجاح كبير لإعلام ما يعرف اليوم بدول الاعتدال. أيّا كانت التقنية التي يستند إليها إعلام الممانعة فهو مثل سائر منتجات الممانعة يعاني حصارا كبيرا. كان واضحا في أوربا وأمريكا أن لا طريق لتبرير الإصرار على إسقاط النّظام في دمشق غير الحديث اليومي عن عدد الضحايا المدنيين واستعمال صور عن مجازر وهمية يصعب على الرّأي العام التّأكد من مدى صحتها. الغرب يستعمل الصّورة لإقناع الرّأي العام والبرلمان بالسّماح له باتخاذ قرارات كبرى بحقّ سوريا.
لكن مثل هذا لا قيمة له عند العرب ، حيث لا أهمية لإقناع الرّأي العام ولا أهمية للحديث عن الضحايا المدنيين. أصبح التباكي الخليجي على الدّم السّوري مهزلة تثير القرف أكثر مما تثير السّخرية. ويكفي عبثا أن ينصح المسئولون في المنامة الرئيس السوري بأن يستجيب لمطالب الشّعب. ولا نقطة نظام عربية أو دولية تسائل قادة الخليج عن مصير حقوق الإنسان وعن تدابيرهم في القمع الممنهج لأي صوت ينادي بالإصلاحات ومتى ستفتح البيداء الخليجية نافذة على الربيع العرب؟ العرب اليوم واقعون تحت ضغط الرهان الأمريكي والابتزاز الخليجي. بينما يستمر الغرب في نفاقه السياسي وازدواجية المعايير. إذا كان الرّادع اليوم للغرب هو موقف البريكس وعلى رأسه الموقفان الروسي والصّيني وكذا القوى الحليفة لسوريا في المنطقة، فإنّه لا مانع للدول العربية المتحمّسة لاتخاذ قرارات كبرى بشأن سوريا سوى انتظار الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأمريكية. لكن ترى، هل واشنطن تملك اليوم اتخاذ قرارات كبرى بشأن سوريا؟ سيكون من قبيل التبسيط أن يقال أنّ مجلس الأمن فشل في اتخاذ قرار حاسم ضدّ سوريا. ذلك لأنّ مجلس الأمن ليس إلاّ صراع الإرادات الكبرى. كما سيكون من قبيل التغليط الحديث عن مؤتمر أصدقاء سوريا المزمع انعقاده في تونس التي خضعت للضّغوط القطرية من خلال حليفها الجديد، حزب النّهضة، لطرد السفير السوري من تونس. أي تونس التي يتذكّر آلاف التونسيون المضطهدون والمنفيون كم آوتهم سوريا بعد أن شكّلت ملاذا لهم من جحيم القمع والديكتاتورية في عهد زين العابدين بن علي، يومها وإلى اليوم كانت عواصم دولالخليجمغلقة في وجه التونسيين. فالحقيقة التي تخفيها لعبة الألفاظ هو أن المؤتمر المذكور لن يكون سوى مؤتمرا لأعداء وخصوم سوريا. فكل القرارات التي يطمح إليها المؤتمرون تذهب بالأوضاع في سوريا إلى حافة الهاوية. ليس متوقّعا من أصدقاء سوريا الافتراضيين إلاّ أن يكونوا أصدقاء لحفنة من المسلّحين يشرف عليهم روحيا أيمن الظواهري الذي تزامنت إطلالته من على الجزيرة مع مساعي قطر لدعم المسلّحين المتطرّفين، في مواجهة ملايين من الشّعب السوري ترفض كل أشكال التّدخّل في الشّأن السوري. وسوف يجد أصدقاء سوريا الافتراضيين أنفسهم يدوسون على دماء ضحايا الإرهاب والقتل والتخريب الذي تقوم به المجموعات المسلّحة في مناطق التّوتّر في المدن والقرى السورية. هؤلاء الأصدقاء المفترضون لن يحرّروا الجولان ولن يجلبوا الإصلاح إلى سوريا. لكنهم سيضعون أيديهم مع فلول من القاعدة الذين وضعوا أنفسهم في خدمة المخطّط ضدّ سوريا.
ما يلفت النّظر أن الدّيمقراطية في سوريا باتت مطلبا إجماعيا يشمل حتى الدّول غير الديمقراطية. فالديمقراطية السورية وحّدت بين واشنطن والخليج، كما وحّدت القاعدة وإسرائيل والنيوليبراليين. أي كرنفال ديمقراطي هذا الذي يجب أن تحسد عليه سوريا؟ فالأسد عدو ليبرمان هو نفسه اليوم عدوا الظواهري وأوردوغان. قبل أيّام اجتمع العرب تحت ضغوط غربية كبرى وابتزاز خليجي لبحث الملف السوري مجدّدا. وهذا من أوضح المفارقات التي تلفت نظر الرأي العام العربي. ذلك لأنّ هذا الأخير يدرك أن العرب عاجزون عن اتخاذ قرارات حقيقية إلاّ إذا كان ذلك ضمن الرعاية الأمريكية. وهم يدركون أيضا أن أنهارا من دماء الفلسطينيين في الضّفة وغزّة والقدس وكذا في لبنان قوبلت بصمت عربي كبير. فالجامعة العربية لا يمكنها أن تقدم على قرار يربك الاستراتيجيا الأمريكية. وحدها هذه الأخيرة تراقب تطور الأحداث وتمسك بالفرامل. فالمنطقة وإن كان يقيم عليها العرب، فهم يقيمون فوقها بسيادة منقوصة. وليسوا هم من يتحكّم في استراتيجيتها ومصيرها. وكلّ هذا الضّوضاء العربي ليس إلاّ تسخينات ضاغطة لكومبارس في تمثيلية غير مطلوب منه أن يحفظ كامل فصول السيناريو. ففي الجامعة العربية اهتدت المجموعة الخليجية إلى التلويح بمشروع جيش عربي أممي مشترك لمراقبة وقف إطلاق النّار، قوبل بالرّفض من طرف دمشق. وهذا يعني أن هذا القرار اتخذ داخل الجامعة العربية في غياب دمشق كعضو أساسي في الجامعة العربية ناهيك عن أنه يناقض البند الثامن وكذا القانون الأساسي للجامعة العربية القاضيين بعدم التّدخل في شؤون الدول الأعضاء. إرسال جنود لحفظ السلام يفترض وجود جيشين. بينما بدأنا اليوم نتحدّث عن مسلحين تسعى أطراف عديدة إلى منحهم شرعية من خارج الوطن. وكان يكفي أن يتوقّف النشاط الدّاعم للمسلحين للوصول إلى تهدئة بدل الحديث عن مشروع مراقبة عربية أممية، كان أولى أن تراقب نشاط دعم المسلّحين. مشروع إرسال جنود عرب وأمميين تدخّل سافر في الشّؤون السورية ومحاولة اختراق مناعتها وسيادتها الوطنية . وهو يفترض وجود منطقة عازلة بالضرورة حتى وإن كان المشروع لا يتضمّن ذلك. وليس إلاّ إسرائيل من يهمّها اختراق هذه المناعة التي ظلّت حتى اليوم تشكّل إحدى أهم مصادر القوة لدى الجيش السّوري. أزيد من عشرة أشهر هو العمر الذي استكثرته أطراف عربية تفتعل حرصها على استقرار سوريا. بينما عشرة أشهر من الصمود السوري في وجه التّحدّي السياسي والعسكري يؤكّد على أنّ ما من محاولة جديدة ستكلّل بالنّجاح. فالمطالب اليوم بالرّضوخ إلى حقائق الواقع هي الأطراف العربية الخليجية التي تقود الحملة ضدّ سوريا بطرق فاقت المعقول وسقطت في الكيدية والهواجسية. وعلى هذا الأساس باتت نتائج المساعي العربية القادمة بما فيها مؤتمر (أعداء) سوريا، محسومة؛ إنه الفشل والهزيمة. لم يبق أمام المجموعة التي تقود الفتنة من داخل الجامعة العربية إلاّ العودة إلى اللعبة التقليدية التي تتقنها، ألا وهي الحرب القذرة ضدّ سوريا من خلال التّواصل مع المعارضة وتقديم الدّعم المادي والمعنوي لها. ومع أنّ وزير الخارجية الإماراتي حاول في المؤتمر الصحفي مع نظيره الروسي لافروف أن ينفي أن يكون الدعم المادي يشمل الدعم العسكري للمعارضة، فإنّ ما لا يخفى هو أن المنطقة تشهد بدايات فعليّة لتهيئ المناخ لأفغنة سوريا. ففي أجندة هؤلاء أنّ وقف الدّم في سوريا يعني تحويلها إلى رماد.
وبينما بات الحديث يتّجه نحو تشجيع الحوار الوطني بتنا أمام تفجير مبيّت للمنطقة. قد تصبح دعوة مثل هذه دعوى للإرهاب إن هي ترجمت على الأرض في شكل دعم للمجموعات المسلّحة داخل سوريا. اليوم تتحوّل تركيا أوردوغان التي أخرجتها القضية السورية من حالة الالتباس إلى الفضيحة، إلى كاراتشي لاستقبال المرتزقة والمتطرفين من البلدان العربية وبقايا الأفغان العرب قصد التدريب والتنسيق والالتحاق بالمجموعات المسلحة داخل الحدود السورية. وليس من قبيل الصّدف أن كلّ القضايا الملتبسة ستنكشف فضيحتها في الملف السوري. اليوم يخرج الظواهري ليعيدنا إلى حكاية القاعدة والإرهاب في العراق، في تكامل أدوار واضح الملامح. هناك معلومات تؤكّد عن تسرّب مجموعات مسلّحة من العراق داخل الحدود السورية. وسيكون العراق من بين الدّول التي تجد نفسها معنية بالحدث السوري. قبل فترة وتحديدا يوم إمضاء المبعوث الأمريكي بايدن على وثيقة انسحاب الجنود الأمريكيين من العراق، كان همّه أن يستدرج القيادة العراقية للإمضاء على حصانة ما تبقى من الجنود الأمريكيين المحدد دورهم في مهام تدريبية في ظلّ السيادة العراقية. جاء الرّفض قاطعا من قبل رئيس الوزراء المالكي. وكان تبريره واضحا. لقد أدرك أنّ الأمر يتعلّق بتدريب مرتزقة في العراق وإرسالهم إلى سوريا. وكان المالكي قد رفض مرور الطائرات الحربية القطرية من الأجواء العراقية للتّوجّه إلى ليبيا. فعل ذلك لأسباب تتعلّق بقرار سيادي عراقي يقضي بالحفاظ على العراق خارج لعبة التّدخل والتّدخّل المضاد، لا سيما في الظروف التي يمرّ منها، وفي مقدّمتها تحدّيات الاستقرار وإعادة بناء البنية التحتية للدّولة. قبل الهجوم الذي تعرّض له المالكي من قبل أوردوغان وتفجّر قضية طارق الهاشمي، سألت المالكي سؤال بعيدا عن الرسميات، عمن هي الدّولة المزعجة اليوم للعراق. قال وهو يضحك : وهل توجد دولة حتى الآن لم تزعجنا؟ سألته مرّت أخرى عن الدولة الأكثر إزعاجا. قال: تركيا. أثناء الحديث شرح أن تركيا أوردوغان طبعا هي مصدر الكثير من المشكلات. قلت : والبنسبة لدول الخليج. قال: مهما كان الأمر فدول الخليج أهون. بعد أسابيع من هذا الحديث تفجّر موضوع طارق الهاشمي الذي تمّ الكشف عن مخطّط تركي أوردوغاني لتفجير الوضع في بغداد عن طريق الهاشمي ومجموعته. وهو ما أثار حفيظة أوردوغان الذي أفرغ جام غضبه على المالكي واصفا أيّاه بالديكتاتور. مع أن المالكي الذي رفض منح الحصانة للأمريكيين في وضعية العراق والاحتلال هو أكثر شعبية في العراق من أوردوغان الذي يستقوي على منافسيه بقوة الاستجابة للإملاءات الأمريكية. ويبدو لي أنّ المالكي بات يشكّل عقدة كبيرة لأوردوغان. ولا أحد حتى الآن استطاع أن يقارع أوردوغان والمشادّاة السياسية معه غير المالكي. فشلت تركيا الأوردوغانية في العراق ، وهي اليوم قد تحوّلت إلى منطقة عبور لأنصار القاعدة باتجاه معسكرات تدريب على الحدود التركية السورية، مما يهدّد أمن تركيا نفسها. في الداخل يبدو اليوم أوردوغان أضعف من أيامه السابقة. فعلى الركح السوري انكشفت الهزلية الأوردوغانية. يدرك هذا الأخير أن اللاعب السوري قادر على السيطرة على الأوضاع. فقبل أيام قليلة تم القبض على مسؤولين في الاستخبارات والأمن التركي بعد اتهامهم بتسليم ضابط سوري هارب إلى دمشق. ويسعى اوردوغان إلى أن يحافظ على لهجته تجاه سوريا فيما هو يطرق الباب الخلفي لدمشق لغرض التنسيق والتفاوض. دمشق ترفض اللعبة واوردوغان بات محاصرا. فبكل سهولة تستطيع سوريا أن تقلب الطاولة استراتيجيا ليس ضد تركيا فحسب بل ضد واشنطن أيضا.
إن درعا صاروخيا روسيا في سوريا من شأنه أن يبطل ميزة الدرع الصاروخي للناتو في تركيا. حتى قبيل الأحداث السّورية، لا شيء كان يفوق القيمة الاستراتيجية للموقف التركي. يبدو أن سياسة أوردوغان تجاه سوريا قد جلبت أضرارا كبيرة على تركيا لن تسعفه في كسب رهان الانتخابات المقبلة. إن عقدة أوردوغان الكبرى التي تفوق كلّ اعتبار هي الانتخابات. وقد اتضّح أنّ نتائجها باتت محسومة من الآن. يبقى السؤال الآخر: ترى ، هل بالإمكان نجاح مخطط دعم الإرهاب ضدّ سوريا؟ الجواب هنا على السؤال الأول والسؤال الثّاني، نظرا لعلاقتهما الموضوعية. فمنذ الصّفعة التي تلقّتها المجموعة النفطية في مجلس الأمن من خلال الفيتو الروسي والصيني، كان واضحا أن هناك محاولة أخيرة تقضي بتجييش الإسلاميين المنقادين للمشروع الأمريكي المحتقنين ضدّ بشّار الأسد. هؤلاء الذين بقدر ما قدّموا من الولاء لواشنطن باتوا يتحدّون روسيا والصّين. وبقدر ما اجتهدوا كما فعل الغنوشي لتبرير موقفهم السياسي باعتبار أنّ مواجهة المشروع الصهيوني ليس أولويتهم، هم اليوم مستعدّون لاستقبال مؤتمر أعداء سوريا وجعل سوريا من أولوياتهم الكبرى؟ لقد جاءت زيارة لافروف بمعية رئيس المخابرات الروسي إلى دمشق بمثابة رسالة لكل الأطراف، بمعنى أنّ عهد إشغال روسيا ضمن حدودها الطبيعية قد ولّى. فتفجير الشيشان وتحريك متطرفي المنطقة ضدّ روسيا لم يعد ينفع. فسوريا اليوم تملك أوراقا كثيرة تستطيع أن تدخل بها على خطّ أي لعبة تستهدف الأمن القومي الروسي. فسوريا خبيرة بالقاعدة والتنظيمات المتطرفة. وأنّ أي تنسيق بين الأطراف الكبرى في المنطقة من شأنه أن يحبط هذه اللعبة ويحوّلها إلى المجال الحيوي للخصم. فكما هزم النظام السّوري خصومه في المعركة السياسية والاستراتيجية في المجال الإقليمي والدّولي، فهو قادر على مواجهتهم في أي حرب قذرة يمكن أن تتورّط فيها بعض الأطراف الخليجية ضدّ سوريا. فالمنتظر في مثل هذه الحرب أن تردّ دمشق بالمثل وتنقل الأزمة داخل هذه الدّول.
ما لا يدركه أو لا يريد أن يدركه العرب هو أنّ المعركة اليوم هي بين واشنطن وروسيا. وأنّ سوريا استطاعت أن تستعمل هذه المعركة لصالح أمنها القومي. فالموقف الروسي لا يخضع للمساومة والصفقات النفطية، لأنّ له علاقة بالأمن القومي الروسي. وهذا الأمن لا يباع ولا يشترى كما أكدنا مرارا. إنّ دعوى بريجينسكي لقيام جيوستراتيجيا أوراسية هي مسألة أساسية ونهائية لواشنطن. وتتأثر مناطق كثيرة من العالم باستحقاقات هذا الصراع. لكن المستهدف هو هذا المجال الجغرافي الذي ظلّ مجالا لصراع النفوذ بين روسيا وأمريكا وسيظلّ كذلك إلى حين. فالذي يسيطر على المجال الأوراسي يسيطر على العالم كلّه. واليوم بعد أن كان الصراع روسيّا_ أمريكيّا بعد عزوف الصين عن دعم روسيا في هذا النفوذ، بتنا اليوم أمام تراجع في النفوذ الأمريكي يقابله انبعاث روسي وصيني وتنسيق بينهما. في عهد الاتحاد السوفياتي السابق استطاعت واشنطن أن تهزم الاتحاد السوفياتي بسبب توريطه في المستنقع الأفغاني وكذا قطع الطريق عنه في منطقة الشرق الأوسط والخليج عبر إنشاء قواعد عسكرية في المنطقة. أمريكا لا تنسى دروسها الاستراتيجية ، بل إنّها تدرك أنّ تراجع نفوذها في المجال الأوراسي لا يعني سوى عزلتها ما قبل حربها مع الإسبان في القرن التاسع عشر الميلادي وإلى حدّ ما قبل الحرب العالمية الثانية في بدايات القرن العشرين. كما أن الروس لم ينسوا دروسهم الاستراتيجية، لا سيما بعد أن واجهوا التحدي الأمريكي والإسرائيلي على حدودهما في أحداث جورجيا. لا يمكن أن تفرض العزلة على روسيا. ولذا فالمعركة اليوم التي تتخذ من دمشق قاعدتها الرئيسية بالنسبة إلى روسيا هي قضية نكون أو لا نكون. روسيا اليوم ليست وحدها التي تناصر سوريا في المنطقة، بل هناك إيران وقوى الممانعة، أي القوة العسكرية الضاربة في المنطقة. ربما سينحصر دور الكومبارس العربي في إدخال المنطقة في الاستنزاف. لكن هذا الأسلوب يمكن أن يرتدّ على تلك الدّول التي تعاني الهشاشة السياسية والاجتماعية وحتى العسكرية. فالخليج يعاني من احتقانات سياسية ومشكلات اجتماعية قابلة للتفجّر. كما أنّ تركيا تعتبر المجال المعرّض لأكثر أشكال الاحتراق فيما لو انفرط عقد الاستقرار في المنطقة.
روسيا تعتبر المعركة معركتها القومية. والصين مقتنعة تماما بأن اللحظة الراهنة هي لحظة تغيير النظام الدّولي والقضاء على هيمنة القطب الواحد، وهي متحكّمة اليوم بالتوازنات الاقتصادية والمالية العالمية. وإيران مستعدّة لأسوأ الاحتمالات وهي تملك وسائل دفاع متقدّمة لا زالت مصدر قلق لواشنطن وإسرائيل. والممانعة اليوم في منتهى جهوزيتها. وسوريا مستعدّة أكثر من أي وقت مضى للحرب بعد أن لم يعد من شيء تخسره بل وبعد أن بات لا مخرج لهذه الأزمة إلاّ بالحرب. كل المؤشّرات تؤكّد على بؤس المراهنة على إسقاط النظام السوري. بتعبير آخر، إنّ سقوط سوريا يعني سقوط روسيا والصين وإيران وسائر قوى المقاومة، وهو أمر غير وارد. فحتّى إسرائيل تعدّ نفسها للتعامل مع إيران نووية، فيما فرنسا التي لوّحت مرارا بالتّدخّل العسكري انتدبت نفسها ناصحا لإسرائيل بعدم الإقدام على أي مغامرة ضد إيران. عودتنا إسرائيل على المفاجأة. فهي أعجز من أن تقوم بضربة تؤرّخ لها في الشّتاء القادم. فالنّار هنا من شأنها أن تشلّ عصب الطاقة العالمي فيما ستكشف سماء إسرائيل لسيل من الصواريخ الإيرانية ولضرب من الحروب المقدّسة تلاشت صورتها من العالم غير أنّها تحتفظ بكل عنفوانها داخل إيران. على ضوء هذه المعطيات التي تدخل في اعتبار المخطّط الغربي للمنطقة، ستشهد المنطقة تصعيدا في التّوتّر الذي ستعقبه تسويات وصفقات لن تكون إلاّ في صالح سوريا وقوى الممانعة. هذه الأخيرة التي استطاعت أن تحقق إنجازات كثيرة في وقت لم تكن جبهتها متينة مثلما هي عليه اليوم، ولم يكن الموقف الروسي والصيني أوضح مما هو عليه اليوم. سنشهد قليلا من الاستنزاف قبل طيّ ملفّ لا يحتمل أن يظلّ مفتوحا أكثر مما هو عليه اليوم. فليس بعد أي خطأ في تقدير الموقف من سوريا إلاّ الطوفان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.