اعتبرت ورقة تحليلية أن المقصِدَ الرئيسَ ل"الدينامية الجديدة في الدبلوماسية الجزائرية" هو "ملء الفراغ الدبلوماسي والسياسي" الذي عرفته السياسة الخارجية الجزائرية خلال الفترة الممتدّة بين سنوات 2013 حتى 2019، منذ مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وصولا إلى تنحيه تحت ضغط "الحراك" الشعبي. وقدّرت ورقة للباحث إسماعيل حمودي نشرَها المعهد المغربي لتحليل السياسات أن "هذه الدينامية الجديدة قد تنفلت عن هدفها نحو صدام محدود مع المغرب، قد تستعمل فيه جبهة البوليساريو للتحرش به في الصحراء"، مستبعدة أن يؤدي ذلك إلى "الإخلال الشامل بنظام التوازن القائم بين البلدين منذ عقود". وسجّلت ورقة إسماعيل حمودي، الأستاذ بكلية الحقوق بسطات، أنّه رغم ما شكّله "وصول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى الرئاسة في دجنبر 2019 مِن فرصة لضخ دماء جديدة في العلاقات المغربية-الجزائرية، التي تعرف جفاء منذ عقود"، فإنّ هذه العلاقة "في الحقيقة لم تتحسن"، بل "يُلاحَظ تزايد مؤشرات التوتر والتصعيد تجاه المغرب". وقدّم الباحث مثالا بارتفاع نبرة وحدة انتقاد السلطات الجزائرية للمغرب، كما تظهر ذلك تصريحات للرئيس الجزائري، علاوة على رفض الجزائر المتكرر للاستجابة لأي حوار سياسي يفضي إلى تسوية الخلافات بين البلدين، رغم الإلحاح المغربي، علما أنّ "الدعم الجزائري لجبهة البوليساريو يزيد من درجة التوتر، وهو ما ظهر من خلال الاحتضان الرسمي والإعلامي للتصعيد القائم منذ 21 أكتوبر 2020 من لدن جبهة البوليساريو في معبر الكركرات على الحدود المغربية الموريتانية". وجاء في الورقة أنّ مؤشرات التصعيد الجديدة "تعزز التوتر بين البلدين حول الملفات القديمة"، وأبرزها: "استمرار غلق الحدود البرية، وتغذية الانفصال في الصحراء، والتنافس حول الزعامة الإقليمية"، ما يجعل البلدين يعيشان على وقع "حرب باردة طويلة الأمد، تفيد أن النزاع بنيويٌّ في العلاقات بينهما". الورقة قدّرت أنّه من غيرِ المرجح أن تؤدي عناصر التوتر الجديدة، والتّصعيدات الإعلاميّة والسياسيّة، إلى "الإخلال بنظام التوازن بين البلدين"؛ بسبب "قدرة الطرفين، طيلة عقود ماضية، على ضبط التوتر في حده الأدنى، بالمقارنة مع مناطق أخرى من الشرق الأوسط على سبيل المثال". وفسّر حمودي هذا الاستنتاج بما يعانيه النظام الجزائري من "شرعية ناقصة" بسبب الضغط الشعبي القائم منذ فبراير 2019، الذي "لا يبدو أنه قد يتوقف قريبا، رغم التراجع الذي فرضته القيود على الحريات المدنية والسياسية خلال جائحة كورونا"، مستشهدا في هذا السياق بمؤشّر "المشاركة الهزيلة في الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد"، يوم فاتح نونبر 2020، التي لَم تتجاوز نسبة 23,8 في المائة، وهو ما يعني، بحسبه، "استجابة واسعة وسط الرأي العام الجزائري للحراك الشعبي وللقوى الرافضة للدستور الجديد"، وبالتالي "شرعية منقوصة للنظام السياسي القائم برئاسة عبد المجيد تبون". كما استحضرت الورقة ما تبدو عليه النخب الحاكمة في الجزائر مِن انقسام على نفسها؛ حيث "تقود النخب الموجودة حاليا في مركز السلطة حملة لتصفية تركة النخب التي حكمت إلى جانب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة"، أسفرت عن اعتقال رؤساء حكومات ووزراء سابقين وأمنيين ورجال أعمال. كما استشهد المصدر ذاته بتقارير إعلامية تتحدّث عن "تنافس شرس بين مؤسستي الجيش والرئاسة"؛ حيث تسعى القيادة الجديدة للدولة إلى استعادة السلطة كاملة، بينما تستمّر المؤسسة العسكرية في اعتبار نفسها المدافع الأول عن الدولة الجزائرية. ومن بين الكوابح التي تدفع الورقة إلى ترجيح عدم حدوث "انفلات الأوضاع نحو مواجهة شاملة بين البلدين"، التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا على البلدين، التي يمكنها الإسهام في تعزيز التوترات بين المجتمع والسلطة في كل دولة، بسبب ارتفاع البطالة إلى 15 في المائة، وإغلاق آلاف المقاولات الصغرى والمتوسطة، وانخفاض الناتج الوطني الإجمالي بنسبة 3,9 في المائة. وذكر الورقة التحليلية أنّ المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المذكورة، تفصح عمّا تمرّ به الجزائر مِن "أزمة مركبة"، يبدو أنها "وراء اندفاع القيادة الجديدة نحو تصعيد التوتر مع المغرب، من خلال اختلاق مناوشات لصرف أنظار الرأي العام الجزائري بعيدا عن أزماته الداخلية المعقدة، كما يحصل حاليا بواسطة ميليشيات البوليساريو في الكركرات وعلى طول الجدار الأمني". لكن الوثيقة جدّدت التأكيد، رغم هذا المعطى، أنّه لا مصلحة للدولة الجزائرية في الإخلال الجوهري بنظام التوازن القائم في المنطقة، الذي جرى تطويعه من لدن الدولتين عبر عقود وترعاه قوى دولية وإقليمية، و"من غير المرجح أن تسمح بانهياره، حتى ولو سعت إلى ذلك أطراف داخل النظام الجزائري".