بعد أزيد من أربعين سنة من صدور كتاب الاقتصاديّ المغربيّ البارز عزيز بْلال "التنمية والعوامل غير الاقتصادية"، أولى ترجماته إلى اللغة العربية ترى النور. أشرف على هذه الترجمة المنتظَرة مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال، ونقله إلى العربية من اللغة الفرنسية نور الدين سعودي، وراجعه محمد شيكر، بتنسيق مِن أحمد أوبلة. ومن المرتقب أن يصل هذا المنشور الجديد إلى مكتبات الرباط الأسبوع المقبل، ومن ثمّ إلى باقي المكتبات بالبلاد، "رغم صعوبات التّوزيع". في هذا السياق، قال محمد شيكر، رئيس مركز الدراسات والأبحاث "عزيز بلال"، إنّ "هذا الكتاب ما تزال له مكانته في ما يخصّ تحليل واقع المغرب، والمغرب العربي بصفة عامّة، لأنّه تحليل للهياكِل المجتمعيّة المغاربيّة في تونس والجزائر والمغرب لأسباب تخلّف هذه الدول، كما يقدّم توجّهات فيما يخصّ المغرب الكبير". وأضاف شيكر في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونيّة مفسّرا أهمية هذه الترجمة بِكون "مضمون الكتاب ما يزال راهنا، ولَم يطّلع عليه القراء باللغة العربية بعد، لأنّه كُتِبَ بالفرنسيّة، وهو ما جعلهم يتغاضون عنه حتى عند الحديث عن الفكر المغربيّ، لحديثهم في أغلب الأحيان عمّا كُتِبَ بالعربيّة، مع تناسي الاقتصاديين خاصة لأنّهم يكتبون بالفرنسية". وبالتالي، يواصل المتحدّث: "هذه الترجمة تتيح للقارئ المغربي خاصّة، والقارئ العربي بصفة عامّة، الاطلاع على مضامين هذا الكتاب التي ما تزال راهنية من الجانب التحليلي، وتغطّي المغرب الكبير في وقت نعيش فيه إشكال الصحراء المغربية، وتصبّ في نفس الاتجاه الذي عبّر عنه الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي حول هذا الأمر، ولكن من منظور التحليل العلميّ". ووضّح شيكر أنّ إصدار هذه الترجمة جزء من الأدوار الأساسية لمركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال، الذي يقصد التعريف بالفكر المغربيّ بصفة عامّة، وفكر بْلال بصفة خاصّة. وعن سبب تأخر صدور أولى ترجمات هذا الكتاب لأزيد من أربعين سنة، قال شيكر: "باستثناء المفكّرين المغاربة الذين استطاعوا أن ينشروا أعمالهم خارج المغرب وعُرِفوا بسبب ذلك، لدينا إشكال كبير في المغرب، ألّا صدى للكتب مهما كانت مضامينها"، لأنّ "هناك حصارا على الفكر الجاد، لا من طرف الدولة، بل مِن ثقافة المجتمع بصفة عامّة". وأضاف المصرّح: "يجد الفكر الجادّ نفسه أمام اللامبالاة في المغرب، فلا تحرِم الدولة من الكتابة والنشر، ولكن لا وجود أيضا لبرامج تلفزيّة تعرّف بالفكر. والمثقّفون نواد وقبائل وعشائر، فإذا كنت مِن عشيرتي نكتب عن بعضنا، ولا وجود لمصاحبة نقديّة". وعاد شيكر إلى كتاب عزيز بلال ليقول: "كان له صدى في نهاية السبعينات، لأنّه كتب بالفرنسية، لكن لم يعد طبعه، ولَم يُفكّر أحد في ترجمته، ولو أنّي سبق أن ترجمت بعض فصوله". ورغم أهمية هذه الترجمة الجديدة، يتخوّف رئيس مركز الدراسات والأبحاث "عزيز بلال" من إشكال التوزيع، لأنّه حتى في الأوقات التي سبقت الجائحة الرّاهنة، لَم يكن بالإمكان توزيع الكتب في المغرب بكامله. وفي سياق إصدار هذا العمل الجديد، ذكّر المتحدّث بأطروحة عزيز بلال عن الاستثمار في المغرب من سنة 1912 إلى سنة 1964، قائلا: "منذ سنتين، كان النقاش حول الاستثمار في المغرب، وكان من بين ملاحظات البنك الدولي أنّه رغم نسبته المرتفعة فلا فعالية له، ولا انعكاس على مستويات التشغيل، وهي فكرة قالها عزيز بْلال في 1964، كما أنّه قد كان أوّل مغربي تطرّق للرّأسمال اللاماديّ في أطروحته هذه التي نالَت جائزة الأطاريح في جامعة غرونوبل بفرنسا، لكنها لَم تترجم بعد مِن اللغة الفرنسية". مصير مثل هذه الأعمال، دفع الاقتصادي محمد شيكر إلى التّذكير ب"أطاريح أخرى فيها أفكار ممتازة وما تزال في الرفوف"، لأنّ "في المغرب لا نُرسمل التجربة، وليس لنا تراكم ثقافيّ، وآخر هذا حديث وزير عن إنتاج مجموعة من المواد التي كان يستوردها المغرب... علما أنّ هذا هو ما كان عندنا في السبعينات؛ أي الصناعة المبنية على تصنيع ما نستورده"، لكن "مُشكِلنا هو عدم رسملَة التجربة، والتراكم".