إيران تطلق صواريخ فرط صوتية على إسرائيل    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    الطوب يترافع في البرلمان بقوة لدعم الفلاحين الصغار ومنحهم القروض بعيدا عن الضمانات المعقدة    بنعلي وقيوح يبحثان فرص تعزيز الربط القاري وتطوير الصناعات المرتبطة بالطاقات المتجددة والنقل البحري    المغرب يراجع اتفاقه التجاري مع تركيا لتعويض العجز التجاري    نشرة إنذارية.. طقس حار وزخات رعدية مصحوبة ببرد وهبات رياح    فطيمة بن عزة: برامج السياحة تقصي الجهة الشرقية وتكرس معضلة البطالة    الأحمر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    الوداد البيضاوي يستهل كأس العالم للأندية بالخسارة أمام مانشستر سيتي    مباحثات رئيس مجلس النواب و"سيماك"    المملكة المتحدة تجدد التزامها بشراكة معززة مع المغرب    معرض باريس الجوي.. مزور: 150 شركة طيران تتوفر على وحدة إنتاج واحدة على الأقل بالمغرب    المغرب ملتزم بجعل كأس العالم 2030 نموذجا للاندماج والاستدامة البيئية (لقجع)    تفكيك شبكة دولية لتهريب السيارات المسروقة نحو المغرب عبر ميناء طنجة المتوسط    ندوة بالرباط تثمن "الكد والسعاية"    التوصية بتسريع التقنين وتيسيير التمويل تتوج "مناظرة الاقتصاد التضامني"    مشاكل تقنية منعت شبابا من إيداع عريضة ضد إقصائهم من مباراة التعليم بتسقيف سن الترشيح في 30 سنة    ثلاثة مغاربة ضمن قائمة أغلى عشرة لاعبين عرب بمونديال الأندية    مونديال الأندية.. الوداد يكشف عن التشكيلة الرسمية لمواجهة مانشستر سيتي    السعودية تُعلن فتح باب التقديم لتأشيرات العمرة لموسم 2025 بشروط جديدة وتسهيلات موسعة    السيّد يُهندس مسلسل شارع الأعشى في كتاب    النقابة الوطنية لموظفي التعليم العالي تفقد الثقة في إصلاح النظام الأساسي    طقس حار وزخات رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    الدرك الملكي يحجز 8 أطنان من الشيرا    وهبي: آن الأوان للاعتراف القانوني بمساهمة المرأة في تنمية الثروة الأسرية    إيران: سيطرنا على أجواء الأرض المحتلة اليوم وبداية نهاية أسطورة الدفاع للجيش الصهيوني    أفلام قصيرة تتبارى على ثلاث جوائز بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    خامنئي: إيران "لن تستسلم أبدا" للضغوط    التصعيد الاسرائيلي – الإيراني.. تأكيد خليجي على ضرورة وقف إطلاق النار ودعم جهود السلام في المنطقة    فجيج بين ازيزا النادرة والتربية العزيزة.. حكاية واحة لا تموت    دورة تكوينية وورشات فنية لفائدة الأطفال والشباب بالمركز الثقافي لمدينة طانطان    مسرح رياض السلطان يحتضن أمسيات شعرية موسيقية من الضفتين وقراءة ممسرحة لرواية طنجيرينا وأغاني عربية بإيقاعات الفلامينغو والجاز والروك    جلالة الملك يهنئ رئيس السيشل بمناسبة العيد الوطني لبلاده    لقجع: الدعم الاجتماعي المباشر حلقة جديدة ضمن المبادرات الملكية الهادفة إلى صون كرامة المواطن    اعمارة: أنماط التشغيل الجديدة تواجه تحديات غياب التأطير القانوني والحرمان من الحماية الاجتماعية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    أردوغان: "نتنياهو تجاوز هتلر في جرائم الإبادة"        الرباط.. المحكمة الإدارية تنظر في طلب افتحاص صندوق تقاعد المحامين بمراكش    كأس العالم للأندية 2025.. تعادل فلومننزي البرازيلي وبوروسيا دورتموند الألماني دون أهداف    "واتساب" ينفي نقل بيانات مستخدمين إلى إسرائيل    فياريال الإسباني يتعاقد مع لاعب الوسط موليرو لخمس سنوات    تحول "OpenAI" إلى الربحية يشعل الخلاف مع "مايكروسوفت"    مشروع سكني بالغرب يجلب انتقادات    كأس العالم للأندية .. قمة إنجليزية مغربية وصدام إسباني سعودي    تأجيل محاكمة محمد بودريقة إلى الأسبوع المقبل بطلب نافيا "أكل الشيك"    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    نصائح ذهبية لحماية المسنين من ارتفاع الحرارة    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجم الزاني: أكبر جريمة في حق الدين والانسان
نشر في هسبريس يوم 16 - 07 - 2012

بداية وقبل أن نتهم بأننا نناقش بعض الأمور التافهة أو غير الآنية أو أننا نكتب من أجل الاصطياد في الماء العكر، أو نكتب في أشياء لم تعد موجودة أو عسيرة التطبيق في عصرنا هذا، نقول قبل أن تكال لنا تلك الاتهامات، نورد الخبر التالي الذي خلق ضجة في بلاد السودان " قالت مصادر قضائية في السودان إن محكمة أوقعت عقوبة الحد بالإعدام رجماً حتى الموت بحق "امرأة محصنة"، أي متزوجة، عقب تمسكها بجريمة الزنا بعد أعطائها فرصتين للتراجع عن اعترافاتها، في حكم استنكره بشدة ناشطون ومنظمات حقوقية دولية". في الوقت الذي تتداول فيه مواقع الانترنت عشرات المقاطع التي تظهر إقامة ما يسمى " حد رجم الزاني" من قبل حركات أو دول كحركة طالبان و الحركات المالية والصومالية. وآخر تلك المقطع ظهر في أفغانستان حيث رميت امرأة بالرصاص حتى الموت بتهمة الزنى.
وثاليا، وحتى لا تطلق علينا تلك البدعة المشهورة المتضمنة لسؤال: وهل هذا تخصصك؟، أقول نعم هو تخصصي من عدة نواحي، أولا لأنني مسلم ومن حقي أن أعرف ديني وأن أتدبره وأن أفكر في مضامينه، وثانيا لأن الموضوع ينتمي إلى حقل العلوم الإنسانية وهو الحقل الذي أشتغل عليه، وثالثا لأن الموضوع يتعلق بالشأن العام والقانون وهو تخصص الدراسة، وخامسا من لديه العلم عليه أن يعقب ويعلق على الموضوع بعلمه لا بشتمه، وأن يرد على الحجة بأختها ويتجنب الشخصنة أو العبارات المكررة من قبيل "الاسلام قوي ولا تقووا على هزيمته"، لأننا نعلم أن الإسلام قوي ولن يقوى المبتدعة والعرافون ووعاظ السلاطين وحفاظ المتون ودارسو الهوامش ومقلدو السلف أن ينالوا منه. فمن قل علمه أدعن وطاع واتبع وقلد ، ومن توفر له بعض العلم فإنه يطرح الأسئلة ويحاول أن يفهم، فالله سبحانه سيسألنا عن كتابه الذي انزله وليس عن أقوال البشر.
بعد هذه التوطئة نلج سنحاول تناول هذا الموضوع من مختلف جوانبه، ونبدأ بما ورد في القرآن، لكي نصل إلى القصص الواردة في الحديث. ( ولأنني على علم بان هناك من سيكتفي بالتقديم لكي ينتقل إلى الشتم دون قراءة باقي الدراسة، فإنني مضطر إلى ذكر بعض العلماء الذين أنكروا حد رجم الزاني: كالشيخ محمد أبو زهرة، أحد كبار علماء الأزهر، الشيخ يوسف القرضاوي، طه جابر العلواني، حاج حمد، الترابي، الريسوني، والغنوشي وغيرهم).
لقد قال الفقه أن الجلد الوارد في سورة النور "مائة جلدة" لا يعني الزاني المحصن أي المتزوج بل يعني فقط العازب، رغم انه كان من باب أولى أن يورد الله الحكم الأقوى(القتل) في القرآن، بينما تتكفل السنة بباقي التعازير كما يسميها معشر الفقهاء. كما نسب الفقه لعمر بن الخطاب قوله "كانت هناك آية قرأناها وقرأها رسول الله حذفت من القرآن وهي آية : الشيخ والشيخة إذا زنيا ارجموهما البتة" لكن المصاحف لم تذكرها وهذا يتناقض مع آية (إنا أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
ونفس الأمر حصل مع السيدة عائشة زوجة الرسول عليهما السلام، عندما قالوا بأنها قالت أن آية رجم الزاني أكلتها دويبة، وهذا تخريف ما بعده تخريف، ولا يمكن أن يصدر عن عائشة التي علمها الرسول (ص) أن القرآن محفوظ.
لقد نسي الفقه أن آخر ما أوصى به النبي في حجة الوداع هو النساء " لكم عليهن أن لا يطئن فراشكم أحدا تكرهونه، وعليهن أن لا ياتين بفاحشة بينة، فإن فعلن فإن الله أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع" ولم يقل فاقتلوهن، وهو نفس ما أكدت عليه الآية التي كذب الفقه على الله وقال إنها نسخت ( واللاتي ياتين الفاحشة من نسائكم فاشهدوا عليهن أربعة منكم فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا، واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فان تابا وأصلحا فاعرضوا عنهما أن الله كان توابا رحيما).
لقد استعصى على الفقه تفسير الآية الواردة في الأمة ( للمرأة غير الحرة) المحصنة ( فإذا أحصن فان آتين بفاحشة فعليهن ما على المحصنات من العذاب) فإذ كان الحكم على المرأة الحرة المحصنة هو رجمها حتى الموت فما هو نصف هذا العذاب الذي فرضه القرآن على الأمة المحصنة هل هو نصف القتل؟
فعندما يواجه الفقهاء بهذه الأدلة، يستنجدون بالمرويات الموجودة في كتب الحديث، فيقدمون الحديث على القرآن ويجعلون السنة قاضية على القرآن وناسخة لأحكامه أو مناقضة لها، وهو ما لا يليق لا في حق القرآن ولا في حق السنة الصحيحة، لأن القرآن هو من يعرض عليه الحديث وليس العكس، ولأن أن النبي بعثه الله لكي يبين للناس ما هو موجود في القرآن، لا أن يضيف إليه. وهذا ما تدلنا عليها الكثير من الآيات وأهمها : (يستفتونك قل الله يفتيكم) و (ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين) و(وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) و (ما فرطنا في الكتاب من شيء).
إذن لماذا لم يذكر الرجم في القرآن بينما ذكر الجلد، ولماذا قال الرسول في حجة الوداع امسكوهن ولم يقل اقتلوهن ولماذا حكم الأمة المحصنة في القرآن هو نصف ما على الحرة، هل هو نصف القتل، ثم أين هي تلك الآية التي قالوا بوجودها " الشيخ والشيخة...." لماذا لا نجدها في القرآن، او ليس القرآن محفوظا؟؟؟ أرجو ألا نواجه بمقولة "نسخ لفظه وبقي حكمه" لأنه تبرير تافه ولا يستقيم بل لم يقنع حتى مجموعة من فقهاء القرن الرابع الهجري.
هذا فيما يخص ما نسب إلى القرآن، وأما المرويات التي يحاول البعض فرضها واعتبارها سنة عن الرسول (ص) فإنها كلها مردودة على أصحابها سندا ومتنا، عقلا وشرعا، وإليكم بيان ذلك.
قصة رجم الزاني:
حَدَّثَنَا مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ جَاءَتْ الْيَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ فَقَالُوا نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ ثُمَّ قَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَابَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَقَالُوا صَدَقَت يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ قَالَ مَالِك يَعْنِي يَحْنِي يُكِبُّ عَلَيْهَا حَتَّى تَقَعَ الْحِجَارَةُ. نلاحظ من خلال هذه القصة أن الرسول لم يكن على علم بعقوبة الزنا، ولم يسأل اليهود عن هوية المرأة أو الرجل هل هما متزوجان أم لا. فكيف اكتشف الفقه أن عقوبة الجلد تعود على غير المحصن بينما عقوبة الرجم تعود على المحصن؟ هل استنتجوا ذلك من الآية التي أكلتها دويبة ولم تعد في القرآن؟ فهذه الآية نفسها، وعلى افتراض أن قولهم صحيح ، لم تقل "المتزوج والمتزوجة إذا زنيا ارجموهما"، وإنما قالت: "الشيخ والشيخة " فهل مصطلح الشيخ يعني، دائما، أن صاحبه متزوج، ألا يمكن أن يصل الانسان إلى سن الشيخوخة أن يكون متزوجا؟
قصة الغامدية
نجد البداية بسيطة في الحديث رقم 696 في موطأ مالك يرويه مالك عن يعقوب بن يزيد عن أبيه عن عبد الله بن أبي مليكة ، أن امرأة أتت إلي النبي فأخبرته أنها زنت وهي حامل ، فقال لها اذهبي حتي تضعي فلما وضعت أتته فقال لها : اذهبي حتي ترضعيه ، فلما أرضعته أتته فقال لها ": اذهبي حتي تستودعيه فاستودعته ، ثم جاءته فأمر بها فأقيم عليها الحد . هذه القصة غير موجودة في كتاب البخاري بينما حفل بها كتاب مسلم حيث سميت في رواية ب" الغامدية" أي أنها من غامد، وقيل في رواية أخرى أنها من جهينة.
نجد في القصة امرأة تعترف بالزنا وتريد من الرسول أن يطهرها في الدنيا - رغم أن فكرة الطهارة الدنيوية غير موجودة في الإسلام، وإنما يؤجل الإسلام العقاب إلى الآخرة، بينما فكرة الطهارة الدنيوية معروفة لدى المسيحية- فلما جاءت إلى النبي أمهلها أن تلد ابنها ثم ترضعه، فأمر بحفر حفرة لها الي صدرها ، وأمر الناس فرجموها ، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمي به رأسها فتطايرت دماؤها علي وجه خالد فشتمها خالد ، فقال النبي " انها تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " . نلاحظ هنا، أيضا، أن مصطلح "صاحب المكس"- وهو من يجمع الضرائب عند المنافذ التجارية أو بتعبير عصرنا هو رجل الجمارك - قد ورد في الانجيل مقترنا بالظلم " المكاسون " او " العشارون ". كما يظهر من القصة أن الرسول حاول تجنب إقامة الحد على هذه المرأة لولا إصرارها وهو ما يتناقض مع ما عرف عن النبي أنه كان شديد الحرص على إقامة الحدود أو ليس هو القائل: "ألا إن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها".هذا من حيث المتن أما من حيث السند، فالقصة تعتبر من خبر الآحاد ، حسب تعبير الفقهاء، أي أنها لم تكن متواثرة عن الرسول، رغم أنها من المفروض أن تتواثر، لأن فعل الرجم شارك فيه جمع من الناس وشاهده جمع من الناس، فكيف يروي القصة واحد من الناس؟.
قصة من أسموه "ماعز"
يقول البخاري ( حدثني عبد الله بن محمد الجعفي ، حدثنا وهيب بن جرير ، حدثنا ابي قال : سمعت يعلي بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما أتي ماعز بن مالك النبي ( ص) قال له : لعلك قبلت او غمزت او نظرت ، قال : لا يا رسول الله : قال : انكتها ؟ لا يكني ، قال فعند ذلك امر برجمه ) هذا الحديث، وروايات أخرى نجدها في كتب الحديث، هو خبر الواحد، الذي لا يمكن أن تقام به الحدود حسب إجماع الفقهاء. كما تفيدنا تلك الروايات أن الرجل (ماعز) هو من طلب رجمه وليس الرسول، وأن ماعز هرب وتبعه بعض الناس يرشقونه بالحجر حتى مات، ولما رجعوا إلى الرسول قال لهم لماذا لم تتركوه وشانه. فإذا كان رجم الزاني من الدين لماذا لم يصر الرسول على إتيانه واستكماله، ولماذا تمنى على الناس ألا يحرصوا على إتمامه؟
ربما أن هذه الأدلة لم تقنع البعض لذلك سنذهب إلى حجج أخرى وردت في كتاب البخاري حيث (سئل عبد الله بن أبي أوفى عن الرجم : أكان قبل سورة النور أو بعدها؟ ( يريد السائل بذلك أن تكون آية سورة النور منسوخة بحديث الرجم أو العكس ، أي أن الرجم منسوخ بالجلد ) فقال ابن أبي أوفى : لا أدري)، وجاء مسلم بنفس الرواية في اسنادين مختلفين ، والمستفاد من الرواية أن إصرار منكري الرجم علي الاكتفاء بعقوبة الجلد للزاني المحصن وغير المحصن، حملت رواة الحديث على صناعة تلك الرواية لتمنع التعارض بين عقوبتي الرجم والجلد .
وحتى العلماء الذين لم ينكروا قصص الرجم، اعتبروا حد الرجم من المنسوخات وأن الرسول رجم قبل نزول آية الجلد، ومن هنا أقروا التسلسل التاريخي الذي يقودنا إلى ترتيب الأمور على هذه الصورة :
1 - عقوبة الزناة كانت بالحبس للمرأة والتشهير بحق الرجل ، 2 - ثم جاءت أدلة تفصل الأحكام ( البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ،والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ) وكل الأحاديث الواردة في المسألة نسبة للعقوبة الثابتة في عقيدة اليهود.3 - ثم جاء الحكم القطعي الذي لم يثبت مخصصاً له على وجه الفور ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة ..)
كما أرجو من القارئ التمعن في هذا الحديث الوارد في كتاب البخاري - باب إذا أقر بالحد ولم يبين هل للإمام أن يستر عليه- "حدثني عبد القدوس بن محمد: حدثني عروة بن عاصم الكلابي: حدثنا همَّام بن يحيى: حدثنا إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً فأقمه علي، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قام إليه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً، فأقم فيَّ كتاب الله، قال: (أليس قد صليت معنا). قال: نعم، قال: (فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدَّك)". أي أن الصلاة تغفر الذنب و تمحو عقوبة الرجم، وهذا ما يتناقض مع الأحاديث الاخري التي تنضخ بدماء الضحايا من المرجومين حسب زعم الفقهاء .
إضافة إلى ذلك أدعو، كل من لم تقنعه كل تلك الحجج، إلى تدبر التناقض الحاصل بين ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أن الله كتب الإحسان في كل شئ حتى في الذبح يجب أن نحد الشفرة ونريح الذبيحة، وحتى في القصاص يجب ألا يتم تعذيب المقتص منه بل إراحته بقتلة سريعة، وبين مطالب البعض بالقتل بالحجر، إذ فكيف لدين يدعو إلى الذبح الرحيم للذبيحة، أن يسمح بقتل رجل أو امرأة بالحجر، فالذي يرجم بالحجر لا يموت بسرعة بل يتعذب قبل أن يفقد روحه، فلا يستقيم ان يكون هذا دينا وإنما هو محظ افتراء على الله وعلى الدين. والله أعلم.
تأسيسا على ما سبق، أتمنى على علماء الاستنارة الخروج إلى العلن والاعلان عن مواقفهم الصريحة المناهضة لمثل هذه العقوبات المناقضة للدين والمنتهكة لحقوق الانسان. إننا نعلم أن هناك مجموعة من العلماء يخفون ما الله مبديه، ويخشون معاكسة الرأي العام ومصادمة التقاليد المرعية, وهو ما ساهم في بقاء تلك العقوبات إلى يومنا هذا منتشرة. إذ في هذا الصدد ذكر القرضاوي أن الشيخ محمد أبو زهرة، أحد كبار علماء الأزهر الراحلين، أخفى رأيه في حد رجم الزاني المحصن 20 عاما، ثم أعلنه أمام علماء مختصين، منهم الشيخ مصطفى الزرقا، والدكتور صبحي الصالح، والدكتور حسين حامد حسان في ندوة عن «التشريع الإسلامي» في ليبيا عام 1972. وكان الشيخ أبو زهرة يرى أن رجم الزاني المحصن كان شريعة يهودية، أقرها الرسول في أول الأمر، ثم نسخت بحد الجلد في سورة النور لقد قال الشيخ "إني كتمت رأيًا فقهيًّا في نفسي من عشرين سنة، وكنت قد بحت به للدكتور عبد العزيز عامر، وآن لي أن أبوح بما كتمته، قبل أن ألقى الله تعالى، ويسألني: لماذا كتمت ما لديك من علم، ولم تبينه للناس؟".
فهل يعقل أن لا يأتي القرآن بأي عقوبة للقتل – ماعدا مسألة القصاص- في الوقت الذي "يجتهد فيه" الفقه من أجل المزيد من عقوبات القتل. ربي اشرح صدري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. والله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.