إعفاء رئيس المجلس العلمي المحلي لفجيج..بن حمزة يوضح    الجزائر تروج لوثيقة وهمية للطعن في اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء    قتيلان في تحطم طائرة قبالة مايوركا    حريمات أفضل لاعب في لقاء أنغولا    الشركات الرياضية تختبر حدود التمويل والحكامة في كرة القدم المغربية    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية النيجر بمناسبة العيد الوطني لبلاده    شخصيات مقدسية تشيد بمبادرة الملك محمد السادس إرسال مساعدة إنسانية وطبية عاجلة لسكان قطاع غزة    السكيتيوي يكشف عن تشكيلة المنتخب أمام أنغولا    الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يجدد التأكيد على اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء    لفتيت يقدم خطة الدولة من 7 أهداف لتعزير المسار الديمقراطي والأحزاب ملزمة بتقديم ردها قبل نهاية غشت    كأس أمم إفريقيا للاعبين المحليين 2024: المغرب يفتتح مشواره بالفوز على أنغولا بهدفين مقابل صفر    "3 لاءات" نقابية تواجه خطط الإصلاح الحكومية لأنظمة التقاعد المغربية    بنغفير يجدد اقتحامه للمسجد الأقصى وسط حشد من المستوطنين المتطرفين ويؤدون طقوسا تلمودية    130 مليون طن حجم الرواج المينائي المغربي.. المسافنة تسيطر بنسبة 49.4%    مبابي يشهد.. حكيمي يحترم النساء حتى وهو في حالة سُكر    كأس إفريقيا للمحليين.. هذا التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب وأنغولا    موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بتساقط البرد وبهبات رياح من الأحد إلى الجمعة بعدد من مناطق المغرب    وزارة الداخلية الإسبانية: 361 مهاجرا يعبرون إلى سبتة في 15 يوما    الناظور..مالك كشك "شارع 80" يعلن نيته الطعن قضائياً بعد إغلاق محله        الجامعة و"الشيخات"    الجديدة.. جريمة قتل مروعة تهز حي سيدي موسى بوسط المدينة .    نازهي يسائل وزير الثقافة حول اختلالات مسرح محمد عفيفي بمدينة الجديدة    الستاتي والرحماني يُسدلان الستار على مهرجان العيطة المرساوية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    الشيبي وبنتايك الأفضل بدوري مصر    4 أحواض مائية لا تتجاوز 30 بالمائة.. وملء السدود يلامس "مستويات حرجة"        جمعية أنزا الهجرة والتنمية تنظم الدورة الرابعة لمهرجان المهاجر    استياء واسع بسبب ضعف صبيب الأنترنيت باقليم الحسيمة    الدبلوماسية البيئية في مواجهة خصوم الوحدة الترابية للمغرب.. الوكالة الوطنية للمياه والغابات نموذجا    اختتام معرض الصناعة التقليدية بالعرائش    دراسة تحذر: هل يكون عام 2027 بداية نهاية البشرية بسبب الذكاء الاصطناعي؟    أنفوغرافيك | جهة سوس ماسة.. تتصدر حالات إفلاس الشركات    كتاب طبطبة الأحزاب /3من5    تدشين فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بالعرائش    "عرش المحبة حين يغني المغرب في قلب تونس"    النجمة أصالة تغني شارة "القيصر" دراما جريئة من قلب المعتقلات    المركز السوسيوثقافي أبي القناديل يحتظن حفلا مميزا تخايدا لذكرى 26 لعيد العرش المجيد    السياسة وصناعتُها البئيسة !        ثوران بركان في روسيا للمرة الأولى منذ أكثر من 450 عاما    حملة دولية للمطالبة بالإفراج الإنساني عن ناصر الزفزافي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    مطالبًا بالحقيقة والعدالة.. شقيق مروان المقدم يشرع في إضراب مفتوح بالحسيمة    قلق داخل الجيش الإسرائيلي من ارتفاع معدلات انتحار الجنود بسبب المشاهد الصعبة في غزة    قافلة طبية تخفف معاناة مرضى القلب بجرسيف    تهديدات جهادية تستنفر درك السنغال    تقرير: أكثر من 12 ألف رأس نووي في العالم .. 87 بالمائة منها بيد دولتين فقط    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    دراسة: مشروب غازي "دايت" واحد يوميا يرفع خطر الإصابة بالسكري بنسبة 38%    دراسة تُظهِر أن البطاطا متحدرة من الطماطم    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    بعد فصيلة "الريف" اكتشاف فصيلة دم جديدة تُسجّل لأول مرة في العالم    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجم الزاني: أكبر جريمة في حق الدين والانسان
نشر في هسبريس يوم 16 - 07 - 2012

بداية وقبل أن نتهم بأننا نناقش بعض الأمور التافهة أو غير الآنية أو أننا نكتب من أجل الاصطياد في الماء العكر، أو نكتب في أشياء لم تعد موجودة أو عسيرة التطبيق في عصرنا هذا، نقول قبل أن تكال لنا تلك الاتهامات، نورد الخبر التالي الذي خلق ضجة في بلاد السودان " قالت مصادر قضائية في السودان إن محكمة أوقعت عقوبة الحد بالإعدام رجماً حتى الموت بحق "امرأة محصنة"، أي متزوجة، عقب تمسكها بجريمة الزنا بعد أعطائها فرصتين للتراجع عن اعترافاتها، في حكم استنكره بشدة ناشطون ومنظمات حقوقية دولية". في الوقت الذي تتداول فيه مواقع الانترنت عشرات المقاطع التي تظهر إقامة ما يسمى " حد رجم الزاني" من قبل حركات أو دول كحركة طالبان و الحركات المالية والصومالية. وآخر تلك المقطع ظهر في أفغانستان حيث رميت امرأة بالرصاص حتى الموت بتهمة الزنى.
وثاليا، وحتى لا تطلق علينا تلك البدعة المشهورة المتضمنة لسؤال: وهل هذا تخصصك؟، أقول نعم هو تخصصي من عدة نواحي، أولا لأنني مسلم ومن حقي أن أعرف ديني وأن أتدبره وأن أفكر في مضامينه، وثانيا لأن الموضوع ينتمي إلى حقل العلوم الإنسانية وهو الحقل الذي أشتغل عليه، وثالثا لأن الموضوع يتعلق بالشأن العام والقانون وهو تخصص الدراسة، وخامسا من لديه العلم عليه أن يعقب ويعلق على الموضوع بعلمه لا بشتمه، وأن يرد على الحجة بأختها ويتجنب الشخصنة أو العبارات المكررة من قبيل "الاسلام قوي ولا تقووا على هزيمته"، لأننا نعلم أن الإسلام قوي ولن يقوى المبتدعة والعرافون ووعاظ السلاطين وحفاظ المتون ودارسو الهوامش ومقلدو السلف أن ينالوا منه. فمن قل علمه أدعن وطاع واتبع وقلد ، ومن توفر له بعض العلم فإنه يطرح الأسئلة ويحاول أن يفهم، فالله سبحانه سيسألنا عن كتابه الذي انزله وليس عن أقوال البشر.
بعد هذه التوطئة نلج سنحاول تناول هذا الموضوع من مختلف جوانبه، ونبدأ بما ورد في القرآن، لكي نصل إلى القصص الواردة في الحديث. ( ولأنني على علم بان هناك من سيكتفي بالتقديم لكي ينتقل إلى الشتم دون قراءة باقي الدراسة، فإنني مضطر إلى ذكر بعض العلماء الذين أنكروا حد رجم الزاني: كالشيخ محمد أبو زهرة، أحد كبار علماء الأزهر، الشيخ يوسف القرضاوي، طه جابر العلواني، حاج حمد، الترابي، الريسوني، والغنوشي وغيرهم).
لقد قال الفقه أن الجلد الوارد في سورة النور "مائة جلدة" لا يعني الزاني المحصن أي المتزوج بل يعني فقط العازب، رغم انه كان من باب أولى أن يورد الله الحكم الأقوى(القتل) في القرآن، بينما تتكفل السنة بباقي التعازير كما يسميها معشر الفقهاء. كما نسب الفقه لعمر بن الخطاب قوله "كانت هناك آية قرأناها وقرأها رسول الله حذفت من القرآن وهي آية : الشيخ والشيخة إذا زنيا ارجموهما البتة" لكن المصاحف لم تذكرها وهذا يتناقض مع آية (إنا أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
ونفس الأمر حصل مع السيدة عائشة زوجة الرسول عليهما السلام، عندما قالوا بأنها قالت أن آية رجم الزاني أكلتها دويبة، وهذا تخريف ما بعده تخريف، ولا يمكن أن يصدر عن عائشة التي علمها الرسول (ص) أن القرآن محفوظ.
لقد نسي الفقه أن آخر ما أوصى به النبي في حجة الوداع هو النساء " لكم عليهن أن لا يطئن فراشكم أحدا تكرهونه، وعليهن أن لا ياتين بفاحشة بينة، فإن فعلن فإن الله أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع" ولم يقل فاقتلوهن، وهو نفس ما أكدت عليه الآية التي كذب الفقه على الله وقال إنها نسخت ( واللاتي ياتين الفاحشة من نسائكم فاشهدوا عليهن أربعة منكم فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا، واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فان تابا وأصلحا فاعرضوا عنهما أن الله كان توابا رحيما).
لقد استعصى على الفقه تفسير الآية الواردة في الأمة ( للمرأة غير الحرة) المحصنة ( فإذا أحصن فان آتين بفاحشة فعليهن ما على المحصنات من العذاب) فإذ كان الحكم على المرأة الحرة المحصنة هو رجمها حتى الموت فما هو نصف هذا العذاب الذي فرضه القرآن على الأمة المحصنة هل هو نصف القتل؟
فعندما يواجه الفقهاء بهذه الأدلة، يستنجدون بالمرويات الموجودة في كتب الحديث، فيقدمون الحديث على القرآن ويجعلون السنة قاضية على القرآن وناسخة لأحكامه أو مناقضة لها، وهو ما لا يليق لا في حق القرآن ولا في حق السنة الصحيحة، لأن القرآن هو من يعرض عليه الحديث وليس العكس، ولأن أن النبي بعثه الله لكي يبين للناس ما هو موجود في القرآن، لا أن يضيف إليه. وهذا ما تدلنا عليها الكثير من الآيات وأهمها : (يستفتونك قل الله يفتيكم) و (ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين) و(وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) و (ما فرطنا في الكتاب من شيء).
إذن لماذا لم يذكر الرجم في القرآن بينما ذكر الجلد، ولماذا قال الرسول في حجة الوداع امسكوهن ولم يقل اقتلوهن ولماذا حكم الأمة المحصنة في القرآن هو نصف ما على الحرة، هل هو نصف القتل، ثم أين هي تلك الآية التي قالوا بوجودها " الشيخ والشيخة...." لماذا لا نجدها في القرآن، او ليس القرآن محفوظا؟؟؟ أرجو ألا نواجه بمقولة "نسخ لفظه وبقي حكمه" لأنه تبرير تافه ولا يستقيم بل لم يقنع حتى مجموعة من فقهاء القرن الرابع الهجري.
هذا فيما يخص ما نسب إلى القرآن، وأما المرويات التي يحاول البعض فرضها واعتبارها سنة عن الرسول (ص) فإنها كلها مردودة على أصحابها سندا ومتنا، عقلا وشرعا، وإليكم بيان ذلك.
قصة رجم الزاني:
حَدَّثَنَا مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ جَاءَتْ الْيَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ فَقَالُوا نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ ثُمَّ قَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَابَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَقَالُوا صَدَقَت يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ قَالَ مَالِك يَعْنِي يَحْنِي يُكِبُّ عَلَيْهَا حَتَّى تَقَعَ الْحِجَارَةُ. نلاحظ من خلال هذه القصة أن الرسول لم يكن على علم بعقوبة الزنا، ولم يسأل اليهود عن هوية المرأة أو الرجل هل هما متزوجان أم لا. فكيف اكتشف الفقه أن عقوبة الجلد تعود على غير المحصن بينما عقوبة الرجم تعود على المحصن؟ هل استنتجوا ذلك من الآية التي أكلتها دويبة ولم تعد في القرآن؟ فهذه الآية نفسها، وعلى افتراض أن قولهم صحيح ، لم تقل "المتزوج والمتزوجة إذا زنيا ارجموهما"، وإنما قالت: "الشيخ والشيخة " فهل مصطلح الشيخ يعني، دائما، أن صاحبه متزوج، ألا يمكن أن يصل الانسان إلى سن الشيخوخة أن يكون متزوجا؟
قصة الغامدية
نجد البداية بسيطة في الحديث رقم 696 في موطأ مالك يرويه مالك عن يعقوب بن يزيد عن أبيه عن عبد الله بن أبي مليكة ، أن امرأة أتت إلي النبي فأخبرته أنها زنت وهي حامل ، فقال لها اذهبي حتي تضعي فلما وضعت أتته فقال لها : اذهبي حتي ترضعيه ، فلما أرضعته أتته فقال لها ": اذهبي حتي تستودعيه فاستودعته ، ثم جاءته فأمر بها فأقيم عليها الحد . هذه القصة غير موجودة في كتاب البخاري بينما حفل بها كتاب مسلم حيث سميت في رواية ب" الغامدية" أي أنها من غامد، وقيل في رواية أخرى أنها من جهينة.
نجد في القصة امرأة تعترف بالزنا وتريد من الرسول أن يطهرها في الدنيا - رغم أن فكرة الطهارة الدنيوية غير موجودة في الإسلام، وإنما يؤجل الإسلام العقاب إلى الآخرة، بينما فكرة الطهارة الدنيوية معروفة لدى المسيحية- فلما جاءت إلى النبي أمهلها أن تلد ابنها ثم ترضعه، فأمر بحفر حفرة لها الي صدرها ، وأمر الناس فرجموها ، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمي به رأسها فتطايرت دماؤها علي وجه خالد فشتمها خالد ، فقال النبي " انها تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " . نلاحظ هنا، أيضا، أن مصطلح "صاحب المكس"- وهو من يجمع الضرائب عند المنافذ التجارية أو بتعبير عصرنا هو رجل الجمارك - قد ورد في الانجيل مقترنا بالظلم " المكاسون " او " العشارون ". كما يظهر من القصة أن الرسول حاول تجنب إقامة الحد على هذه المرأة لولا إصرارها وهو ما يتناقض مع ما عرف عن النبي أنه كان شديد الحرص على إقامة الحدود أو ليس هو القائل: "ألا إن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها".هذا من حيث المتن أما من حيث السند، فالقصة تعتبر من خبر الآحاد ، حسب تعبير الفقهاء، أي أنها لم تكن متواثرة عن الرسول، رغم أنها من المفروض أن تتواثر، لأن فعل الرجم شارك فيه جمع من الناس وشاهده جمع من الناس، فكيف يروي القصة واحد من الناس؟.
قصة من أسموه "ماعز"
يقول البخاري ( حدثني عبد الله بن محمد الجعفي ، حدثنا وهيب بن جرير ، حدثنا ابي قال : سمعت يعلي بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما أتي ماعز بن مالك النبي ( ص) قال له : لعلك قبلت او غمزت او نظرت ، قال : لا يا رسول الله : قال : انكتها ؟ لا يكني ، قال فعند ذلك امر برجمه ) هذا الحديث، وروايات أخرى نجدها في كتب الحديث، هو خبر الواحد، الذي لا يمكن أن تقام به الحدود حسب إجماع الفقهاء. كما تفيدنا تلك الروايات أن الرجل (ماعز) هو من طلب رجمه وليس الرسول، وأن ماعز هرب وتبعه بعض الناس يرشقونه بالحجر حتى مات، ولما رجعوا إلى الرسول قال لهم لماذا لم تتركوه وشانه. فإذا كان رجم الزاني من الدين لماذا لم يصر الرسول على إتيانه واستكماله، ولماذا تمنى على الناس ألا يحرصوا على إتمامه؟
ربما أن هذه الأدلة لم تقنع البعض لذلك سنذهب إلى حجج أخرى وردت في كتاب البخاري حيث (سئل عبد الله بن أبي أوفى عن الرجم : أكان قبل سورة النور أو بعدها؟ ( يريد السائل بذلك أن تكون آية سورة النور منسوخة بحديث الرجم أو العكس ، أي أن الرجم منسوخ بالجلد ) فقال ابن أبي أوفى : لا أدري)، وجاء مسلم بنفس الرواية في اسنادين مختلفين ، والمستفاد من الرواية أن إصرار منكري الرجم علي الاكتفاء بعقوبة الجلد للزاني المحصن وغير المحصن، حملت رواة الحديث على صناعة تلك الرواية لتمنع التعارض بين عقوبتي الرجم والجلد .
وحتى العلماء الذين لم ينكروا قصص الرجم، اعتبروا حد الرجم من المنسوخات وأن الرسول رجم قبل نزول آية الجلد، ومن هنا أقروا التسلسل التاريخي الذي يقودنا إلى ترتيب الأمور على هذه الصورة :
1 - عقوبة الزناة كانت بالحبس للمرأة والتشهير بحق الرجل ، 2 - ثم جاءت أدلة تفصل الأحكام ( البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ،والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ) وكل الأحاديث الواردة في المسألة نسبة للعقوبة الثابتة في عقيدة اليهود.3 - ثم جاء الحكم القطعي الذي لم يثبت مخصصاً له على وجه الفور ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة ..)
كما أرجو من القارئ التمعن في هذا الحديث الوارد في كتاب البخاري - باب إذا أقر بالحد ولم يبين هل للإمام أن يستر عليه- "حدثني عبد القدوس بن محمد: حدثني عروة بن عاصم الكلابي: حدثنا همَّام بن يحيى: حدثنا إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً فأقمه علي، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قام إليه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً، فأقم فيَّ كتاب الله، قال: (أليس قد صليت معنا). قال: نعم، قال: (فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدَّك)". أي أن الصلاة تغفر الذنب و تمحو عقوبة الرجم، وهذا ما يتناقض مع الأحاديث الاخري التي تنضخ بدماء الضحايا من المرجومين حسب زعم الفقهاء .
إضافة إلى ذلك أدعو، كل من لم تقنعه كل تلك الحجج، إلى تدبر التناقض الحاصل بين ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أن الله كتب الإحسان في كل شئ حتى في الذبح يجب أن نحد الشفرة ونريح الذبيحة، وحتى في القصاص يجب ألا يتم تعذيب المقتص منه بل إراحته بقتلة سريعة، وبين مطالب البعض بالقتل بالحجر، إذ فكيف لدين يدعو إلى الذبح الرحيم للذبيحة، أن يسمح بقتل رجل أو امرأة بالحجر، فالذي يرجم بالحجر لا يموت بسرعة بل يتعذب قبل أن يفقد روحه، فلا يستقيم ان يكون هذا دينا وإنما هو محظ افتراء على الله وعلى الدين. والله أعلم.
تأسيسا على ما سبق، أتمنى على علماء الاستنارة الخروج إلى العلن والاعلان عن مواقفهم الصريحة المناهضة لمثل هذه العقوبات المناقضة للدين والمنتهكة لحقوق الانسان. إننا نعلم أن هناك مجموعة من العلماء يخفون ما الله مبديه، ويخشون معاكسة الرأي العام ومصادمة التقاليد المرعية, وهو ما ساهم في بقاء تلك العقوبات إلى يومنا هذا منتشرة. إذ في هذا الصدد ذكر القرضاوي أن الشيخ محمد أبو زهرة، أحد كبار علماء الأزهر الراحلين، أخفى رأيه في حد رجم الزاني المحصن 20 عاما، ثم أعلنه أمام علماء مختصين، منهم الشيخ مصطفى الزرقا، والدكتور صبحي الصالح، والدكتور حسين حامد حسان في ندوة عن «التشريع الإسلامي» في ليبيا عام 1972. وكان الشيخ أبو زهرة يرى أن رجم الزاني المحصن كان شريعة يهودية، أقرها الرسول في أول الأمر، ثم نسخت بحد الجلد في سورة النور لقد قال الشيخ "إني كتمت رأيًا فقهيًّا في نفسي من عشرين سنة، وكنت قد بحت به للدكتور عبد العزيز عامر، وآن لي أن أبوح بما كتمته، قبل أن ألقى الله تعالى، ويسألني: لماذا كتمت ما لديك من علم، ولم تبينه للناس؟".
فهل يعقل أن لا يأتي القرآن بأي عقوبة للقتل – ماعدا مسألة القصاص- في الوقت الذي "يجتهد فيه" الفقه من أجل المزيد من عقوبات القتل. ربي اشرح صدري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. والله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.