تنادي أصوات في كوبا بحوار وطني بعد تظاهرات غير مسبوقة كشفت عن مجتمع مدني منقسم جدا، إلا أن هذا الاحتمال لا يزال صعب التصور بالنسبة للجناح المتطرف في الحزب الشيوعي الحاكم، وفق إفادة خبراء. في مواجهة هتافات "الحرية" و"نحن جائعون" و"لتسقط الديكتاتورية" التي أطلقها المتظاهرون، أقر الرئيس ميغيل دياز كانيل بحاجة الحكومة الكوبية إلى "النقد الذاتي"، ودعا إلى "مراجعة عميقة لأساليب عملنا". لم يحظ تصريحه بتأييد المتظاهرين رغم الإجراءات المؤقتة التي اتخذت للاستجابة لمطالب الحصول على الغذاء والدواء. وجرت اشتباكات بين المتظاهرين وأنصار الحكومة إثر دعوة دياز كانيل للدفاع عن الشوارع. اعتبر الكاتب المسرحي يونيور غارسيا، الذي اعتقل خلال الاحتجاجات التي خلفت قتيلا وعشرات الجرحى، أن "الحكومة قطعت الحوار" عبر قيامها بمئات الاعتقالات. وقال لوكالة فرانس برس: "حان الوقت لكي يعترف بالتنوع الموجود في كوبا". لمعالجة هذا الانقسام المفتوح في المجتمع، يضغط جامعيون وخبراء سياسيون كوبيون من أجل حوار فعلي في البلاد. وهم يعتبرون أن الأطراف المشاركين في الحوار يجب أن يكونوا من أعضاء الحزب الشيوعي الكوبي والمعارضة وممثلي الشتات، لكن بدون تدخل من الولاياتالمتحدة. وقالت ايفيت غارسيا، من جامعة هافانا، لوكالة فرانس برس، إنه "باستثناء شريحة شديدة التطرف من الشتات، فإن هذا التمثيل سيكون مقبولا من جانب غالبية الكوبيين في داخل وخارج البلاد". ورأت أن هذا الحوار "ضروري وممكن" لأن القاسم المشترك هو "المصلحة في الخروج من الأزمة المنهجية التي تحولت إلى أزمة حكم والحفاظ على السيادة والسلام الداخلي" بهدف تجنب "مخرج دموي". حتى الآن، لا تتجاوب الحكومة وتتمسك، بحسب غارسيا، "بالخطاب التقليدي، مبدية قلة ذكاء ورؤية سياسية". وتتوقع الأكاديمية في حال قبلت السلطة بالحوار أن تفرض عدة شروط مسبقة. وكتب عازف الغيتار الكوبي سيلفيو رودريغيز على مدونته أن "الحوار لا يكلف البلد شيئا، حتى مع أولئك الذين ليس لديهم برنامج". جو الثقة هناك العديد من الصعوبات على طريق الحوار، مع تجاهل وسائل الإعلام الحكومية وجهات النظر غير الرسمية وعدم وجود مساحة للتنسيق بين المعارضة والحزب الشيوعي المعترف به في الدستور على أنه المحاور الوحيد. قال الخبير السياسي والدبلوماسي السابق خيسوس أربوليا إن "التطرف يعيق الحوار عندما يتمسك بمواقفه ويستبعد أي شكل من أشكال النقد باسم الدفاع عن الثورة"، في إشارة إلى الشريحة المتشددة في الحزب الشيوعي. كما استثنى خيسوس أربوليا وإيفيت غارسيا اليمين الراديكالي في المنفى في ميامي الذي لا يزال يعارض أي شكل من أشكال الحوار مع السلطة الكوبية. سبق أن صدرت مثل هذه الدعوات للحوار في 27 نونبر 2020 عندما تظاهر 300 فنان شاب بشكل غير مسبوق أمام وزارة الثقافة للمطالبة بمزيد من حرية التعبير، أو مع ورود دعوات لتغييرات سياسية جذرية عن معارضين آخرين مثل المجلس من أجل الانتقال الديمقراطي برئاسة السياسي السابق خوسيه دانيال فيرير. يعتبر مانويل كويستا موروا، نائب رئيس هذا المجلس، أنه من "الممكن" حصول "حوار داخل المجتمع بين مختلف الشرائح انطلاقا من التعددية التي ظهرت في الفضاء العام"، لكنه يعتقد أن الشروط لم تتوافر بعد من أجل "حوار سياسي بين الدولة والمجتمع". وقال كويستا موروا إن هيكلية الدولة الصارمة المدعومة من الحزب الشيوعي وموقفها المتصلب، "لا يخلقا النسيج ومناخ الثقة الضروريين للمضي قدما في هذا الاتجاه". وتتمنى إيفيت غارسيا أن يكون تردد الحزب حيال الحوار الوطني ناجما عن "توتر آنيّ وتراكم الجروح وعدم وجود خبرة في مثل هذا النوع من الحوار" في كوبا.