نموذج لأثر الأنشطة الثقافية في معيش الساكنة، تمثله مؤسسة "دار الصباح للتضامن"، التي تقدم خدمات ثقافية وإنسانية وتكوينية، منذ أنشئت قبل تسع سنوات، بتضافر مع جهود صندوق الكويت للتنمية الاقتصادية العربية ومؤسسة منتدى أصيلة ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وبلدية أصيلة. هذه المؤسسة غير الربحيّة، التي أنشئت في البداية لإيواء العجزة المعوزين، امتدت أنشطتها إلى مجالات التكوين في مجالات النسيج والإعلاميات واللغات وفنون كناوة، وتوفير فضاء للمطالعة والنقاش، واستقبال الأنشطة التضامنية. واستمرارا لسُنّتها السنوية، استقبلت مؤسسة "دار الصباح"، خلال الأيام القليلة الماضية، حفل "إعذار جماعي" استفاد منه أطفال عشرات العائلات. وفي أجواء احتفالية، امتزجت في هذا الموعد أنغام كناوة وحمادشة وطرب الآلة، مع توزيع مساعدات طبية وغذائية على عائلات الأطفال المعنيين. وفي ظروف الاستثناء المحلي والعالمي المرتبط بجائحة "كورونا" الراهنة، تعود الحياة إلى جنبات هذه المؤسسة، التي تسعى إلى العودة إلى عدد المستفيدين من أنشطتها قبل انتشار "الفيروس". وتستقبل زائر "دار الصباح" ملصقات استعمالات زمن ورشات المؤسسة؛ من محو للأمية، وتعليم للخياطة والتطريز، وتعليم للإنجليزية والفرنسية، وتدريس للإعلاميات، مع توفير قسم خاص بالمصابين بالتوحد. كما يضم مبنى المؤسسة قسما خاصا بفن كناوة، تجرى فيه تدريبات وتكوينات في هذا الصنف الإبداعي الحاضر بقوة في مدينة الصويرة الشمالية الأطلسية. محمد البغدادي المعروف ب"سعيد كويو"، وهو فنان وأستاذ للتراث الكناوي، قال إن مجموعة كناوة التي لها مقر بالمؤسسة تعمل من أجل "التعريف بالتراث الكناوي والحفاظ عليه". وأضاف في تصريح لهسبريس "عندما فتح لنا هذا الفضاء، قبل أربع سنوات، بدأنا نشتغل على أساس التعرف حق المعرفة على هذا التراث، كما كان في أصله، بالبحث، واللجوء إلى المعهد الموسيقي، من أجل الاستيعاب الأكاديمي لهذا الفن". وتابع قائلا: "الآن نجري التكوينات بطريقة عصرية عبر "الصولفيج". وفضلا عن مشاركاتنا داخل الوطن وخارجه، نستقبل مستفيدين، نساء ورجالا وأطفالا وطفلات، منهم من يتكون بتواز مع دراسته، ومنهم من يتعلم للممارسة معنا في الميدان". من جهته، قال توفيق لزاري، نائب الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، إن مؤسسة "دار الصباح للتضامن" تأسست سنة 2012 بتمويل من الشيخ الصباح من دولة الكويت الشقيقة". وتابع لزاري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، "تعمل المؤسسة على تأهيل النساء خاصة، بالتكوين في الخياطة، والتصميم، والطرز، وبدروس لمحو الأمية"، كما تتيح "تعلّم اللغات الحية مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية"، مع التكوين في مجال الإعلاميات بقاعة خاصة مجهزة. وواصل المصرح قائلا: "تضم المؤسسة قسما خاصا بمرضى التوحد، ومكتبة للحي يستفيد منها خاصة تلاميذ الإعدادية والثانوية القريبتين من المركز، إضافة إلى فضاء خاص بموسيقى كناوة". وعلى مدار السنة، يزيد لزاري، "يعمل فضاء مخصص للأطفال على تقديم ورشات في مجالات الكتابة الإبداعية والشعر وكتابة القصة". ويظل مبنى المؤسسة "مفتوحا مجانا لأنشطة الجمعيات، طيلة السنة، فضلا عن الموعدين السنويين للختان الجماعي وتوزيع قفة رمضان". وبخصوص حفل الإعذار الجماعي، ذكر المتحدث ذاته أن المؤسسة توفر جلابيب تقليدية للأطفال، وتجري فحوصات قبل الختان، وتقدم مؤونة وأدوية للعائلات بعدها، علما أن "العملية تجرى تحت إشراف طاقم طبي متخصص". ورغم الطابع غير الربحي للمؤسسة، سجل المصرح أن بعض أنشطتها غير مجانية، بل تتطلب أداء "مقابل تحفيزي بسيط". وحول سبب التحول في هوية المؤسسة، التي أنشئت من أجل إيواء المعوزين من الكهول، وضّح نائب الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة أن هذا الدور "يقتضي إحصاء الحالات وتتبعها، وتوفّر تمويل قار يؤمّن الإقامة والتغذية والتطبيب والمراقبة والسعادة الاجتماعية، مما يقتضي توظيف ممرضين ومساعدين اجتماعيين لضمان استمرارية الخدمات، وهو ما لا يتوفر الآن، رغم توفر جناح خاص بالإقامة، حيث مازلنا نبحث عن الموارد". قبل أن يستدرك قائلا: "علما أن هناك أشخاصا قلائل يحتاجون الإيواء من هذه الفئة، ولم تستقبل خيرية أصيلة أي طلبات من هذا القبيل". وعن استئناف مؤسسة "دار الصباح" أدوارها، ذكر المتحدث ذاته أنه "بعد الاضطرار للإغلاق بفعل الجائحة، نستعيد الآن وتيرة العمل، حيث نستقبل شهريا 180 مستفيدة ومستفيدا، بعدما كنا نستقبل قبل هذا المستجد الصحي ما يتراوح بين 200 و250 مستفيدا كل شهر". وفي ختام تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، قال لزاري إن مؤسسة "دار الصباح للتضامن" لا تزال تحمل "طموح الانفتاح على محيطها القريب" من الأحياء السكنية، قبل أن يجدد دعوة "المواطنين إلى تنظيم أنشطتهم داخل المؤسسة دون مقابل".