في سنة 2001 جرى الإعلان، رسميا، عن فتح ورش النهوض بالأمازيغية، لغة وثقافة، وطي صفحة "التهميش" الذي طالها لعقود من الزمن، وذلك في خطاب ملكي ألقي من بلدة "أجدير" نواحي مدينة الناظور، أُعلن من خلاله عن تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. اليوم، وبعد مرور عشرين عاما على خطاب أجدير، وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مازال مسار النهوض بالأمازيغية متعثرا، وإن كانت قد تحققت إنجازات ومكتسبات، لكنها لا ترقى إلى مستوى الطموحات؛ بل إن مناحيَ في هذا المسار، وخاصة مجال تعميم تدريس الأمازيغية، سجّلت تراجعات. في هذا الحوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، يعزو عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أحمد بوكوس، سبب تعثر تعميم تدريس الأمازيغية إلى "المواقف الإيديولوجية" لبعض المسؤولين من أصحاب القرار بوزارة التربية الوطنية، كما يتحدث عن رأيه في وعود الحكومة الجديدة للنهوض بالأمازيغية، وحصيلة عمل عقْدين من عمر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. ما تقييمكم لحصيلة عمل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بعد مضي عقدين على تأسيسه؟ وهل تحقق للأمازيغية كل ما كنتم تطمحون إليه؟. مقارنة مع الوضعية التي كانت تعيشها اللغة والثقافة الأمازيغية قبل إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، لا يمكن إلا أن نَعتبر ما تحقّق إلى الآن إيجابيا، ولكن لا يمكن أن أقول إننا حققنا كل ما كان منتظرا، ولبّينا جميع انتظارات وحاجيات الفاعلين في مجال الأمازيغية. لقد حققنا نجاحا في الشق الأكاديمي من مهام المؤسسة، ذلك أن الأعمال التي أنجزناها في مجال التهيئة اللغوية أمر أساسي ويشكل قيمة مضافة بمعنى الكلمة، وكذلك الأبحاث حول التعبيرات الأدبية والثقافية... هذا لم يكن موجودا في السابق في حقل الأمازيغية. ما يمكن أن نفتخر بتحقيقه أيضا هو ما أنجز في مجال التكنولوجيات الحديثة للتواصل والإعلام؛ اليوم لدينا تطبيقات لم تكن موجودة نهائيا قبل سنوات، من قبيل التطبيق الخاص بصرف الأفعال الأمازيغية (Conjuguer)، وهو أداة مهمة جدا تساهم في تيسير عملية تدريس الأمازيغية، وتساعد الأساتذة. من الإنجازات التي حققناها أيضا، ولم تكن موجودة في السابق، الدعم الذي تقدمه المؤسسة لعدد كبير من الجمعيات. أكيد أن هذا الدعم غير كافٍ، ولن يمكّن الجمعيات الثقافية الأمازيغية من إنجاز مخططاتها وبرامج عملها، ولكن لا توجد مؤسسة أخرى تدعم هذه الجمعيات سوى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. على مستوى التواصل استطاع المعهد أن يساهم في إنشاء القناة التلفزيونية الثامنة (قناة تمزيغت)، فلولا العمل الذي قام به واستِجابة الدوائر الرسمية ما كانت هذه القناة لتخرج إلى حيز الوجود. ما هي الطموحات التي لم تتمكنوا من تحقيقها؟ ما لم نستطع أن نحققه هو تذليل جميع المشاكل التي تعترض تعميم تدريس الأمازيغية؛ ويرجع السبب إلى أن الأمر موكول إلى وزارة التربية الوطنية، لأنها هي الجهة التي تتحمل المسؤولية السياسية لتدبير القطاع، وهي التي تشرف على تطبيق السياسات العمومية في مجال التربية والتكوين، بما في ذلك توظيف الأساتذة وتكوينهم، وإعداد مناهج الدراسة وإعداد الكتب. لقد سبق لنا منذ سنوات أن شكّلنا لجنة مشتركة عبارة عن إطار يجتمع فيه باحثو المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ومسؤولي بعض المديريات المركزية، للتداول حول قضايا ومشاكل ومعيقات تدريس الأمازيغية، ووضع مخططات عمل. استطعنا بفضل هذا المخطط تيسير عملية تدريس الأمازيغية، لكن هذه الخلية المشتركة بين المعهد ووزارة التربية الوطنية جرى تجميدها بقرار من الوزارة. وفي السنوات الأخيرة تشتغل مديرية المناهج بمفردها، وتوقف التنسيق مع المعهد، فلا تستعين به إلا حين تجد نفسها أمام قضايا تتجاوز خبْرتها أو عند عدم توفرها على الدراية الكافية لتجاوز المشاكل المطروحة على مستوى الكتاب المدرسي والمنهاج وتدريس الأمازيغية... إلخ. مديرية المناهج بوزارة التربية الوطنية لا تتوجه إلى المعهد للتشاور في المهام والقرارات الكبرى، مثل التفكير وطرح الحلول البديلة، ومناقشة كيفيات الاشتغال المشترك.. إنها لا تهتم بهذا الجانب، بل تراسل المعهد بشكل استعجالي، لتطلب منا، مثلا، إنجاز الكتاب المدرسي، أو القيام بتنقيح البرامج، وتكييف المناهج الجديدة.. إلخ، ويضعون لنا آجالا ضيقة جدا، حتى تصير هذه العملية برمّتها من قبيل التعجيز. وكيف تتعاملون مع هذه الوضعية؟ نضطر إلى توضيح موقفنا، وأن هناك قانونا يؤطر الكتاب المدرسي، وأن هذا الكتاب تم تحريره منذ حكومة عباس الفاسي. ووزارة التربية الوطنية خلال السنة الفارطة قبل العطلة الصيفية فقط بقليل طلبت منا أن نعدّ الكتاب المدرسي للسنة الأولى والثانية والثالثة، وهذا غير معقول إطلاقا، لأن فيه ضربا للقانون، وتوريط للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، لأن هناك مؤلفين وذوي الحقوق الذين ساهموا في إعداد الكتب، ولديهم عقود مع دور النشر. في هذه الحالة لا يمكن للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أن ينجز الكتاب المدرسي بمفرده، وإلا فإننا سنجد أنفسنا متورطين في مشاكل وفي مواجهة المؤلفين وذوي الحقوق أمام المحاكم، لذلك وضعنا الوزارة أمام مسؤوليتها، وقدمنا لها وجهة نظرنا في الموضوع، ولم تتفاعل معنا؛ لكن مسؤوليها وجدوا أنفسهم في ورطة، ذلك أن كتب السنة الأولى والسنة الثانية والثالثة ابتدائي غير متوفرة الآن، والتلاميذ يدرسون فقط في الكتب القديمة، لأن مسؤولي مديرية المناهج في وزارة التربية الوطنية اصطدموا مع المشاكل التي أحطناهم علما بها ولم يبادروا إلى حلّها. هذه إذن هي مجمل المشاكل التي نواجهها في مجال تعميم تدريس الأمازيغية، ونؤكد أن الجهة التي تتحمل المسؤولية في تعثر هذا الورش هي وزارة التربية الوطنية. وزير التربية الوطنية السابق صرّح بأن الوزارة ستوظف خمسة آلاف مدرس للأمازيغية في أفق سنة 2030.. هل هذا العدد من المدرسين كاف ليتقدم ورش تعميم تدريس الأمازيغية؟. في تقديري الشخصي، ما قامت به وزارة التربية الوطنية – أتحدث عن حصيلة الولاية السابقة- لا يرقى إلى طموحنا وطموح العاملين في مجال تدريس الأمازيغية. لا يُعقل أن الوزارة لم تُقدم هذه الوعود المتعلقة بتكوين وتوظيف الأساتذة، وإعداد الكتاب المدرسي، إلا في الشهور الأخيرة من صلاحياتها. وبالنسبة لتوفير ما يكفي من الأساتذة لتلبية حاجيات تعميم تدريس الأمازيغية، أعتقد أن ما جرى التعبير عنه لا يبشر بخير، لأن القانون 26.16 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية فيه آماد: الأمد القريب والمتوسط والبعيد، والسؤال البسيط المطروح الآن هو من أي تاريخ سنبدأ تفعيل الآماد المنصوص عليها في القانون المذكور. مبدئيا يجب أن ننطلق من تاريخ صدور دستور 2011 والبرنامج الحكومي بعد الدستور الجديد، ولكن الحاصل هو أننا الآن على أبواب سنة 2022 ومازال هذا الورش متعثرا، أي إن عشر سنوات ضاعت من عمر ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وهذا إشكال. ما قدمته وزارة التربية الوطنية بخصوص توفير المناصب المالية لتوظيف أساتذة الأمازيغية ليس فيه أي جديد. الوزارة تحدثت عن 200 منصب وظيفي جديد في 2021، و400 منصب وظيفي سنويا ابتداء من سنة 2022، وهذا صعب جدا، لأنه إذا لم يكن هناك مجهود استثنائي فما سيتضمنه القانون المالي لسنة 2022 لا أعتقد أنه سيلبي حاجيات تعميم تدريس الأمازيغية. غير أنه يمكن الاستفادة من موارد مالية أخرى، فإلى جانب قانون المالية، يمكن الاستفادة من صندوق دعم الأمازيغية، لكن هذا الأمر غير واضح إلى حد الآن، لأن التوجه المعبّر عنه في التصريح الحكومي يصب في استثمار الميزانية المرصودة لهذا الصندوق في مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ولا يوجد حديث عن تمويل اللغة والثقافة الأمازيغية، حسب مفهومنا ومفهوم اليونسكو. هناك مَن يقول إن مسألة التقرير في شؤون الأمازيغية تتجاوز الحكومة، برأيكم من يتحمّل مسؤولية هذه الوضعية؟. نحن في الغالب نحمّل المسؤولية للوزراء، باعتبارهم المسؤولين عن تدبير القطاعات الحكومية، لكن من خلال تجربتنا في المعهد مع الوزارات التي نتعامل معها على أساس اتفاقيات شراكة إطار، استخلصنا درسا مفاده أن الزمن السياسي ليس هو الزمن الثقافي والاجتماعي، ذلك أن الزمن السياسي محدود، إذ يغادر الوزير منصبه بعد انتهاء ولايته، ويأتي وزير آخر بسياسة أخرى وبمقاربة مختلفة. لكن العمل في دواليب الوزارة يستمر من طرف المدراء المركزيين، الذين بيدهم القرار. هؤلاء المدراء تكون لديهم أحيانا قناعة إيديولوجية أو قناعة سياسية ليست في صالح الأمازيغية، فيعملون كل ما في وسعهم من أجل عرقلة مسيرة إدماج الأمازيغية، وهذا هو الحاصل على مستوى وزارة التربية الوطنية، إذ إن هناك أشخاصا لديهم مواقف إيديولوجية ضد الأمازيغية، ولا يعترفون حتى بترسيمها، رغم أن هذا الأمر حُسم منذ عشر سنوات بموجب مقتضيات الدستور الذي صوتت عليه الأغلبية الساحقة من المغاربة. ما موقفكم من الوعود التي قدمتها الحكومة الحالية للنهوض بالقضية الأمازيغية؟. نحن نستبشر خيرا بما ورد في التصريح الحكومي للحكومة الحالية، كما استبشرنا خيرا بمضامين التصريح الحكومي للحكومتين السابقتين بعد دسترة الأمازيغية، ولكن في الوقت نفسه أكدنا أننا سنكون حذرين ويقظين لنرى ماذا سيجري على أرض الواقع، وهذا هو موقفنا من الحكومة الحالية. الجديد الذي حمله البرنامج الحكومي للحكومة الجديدة هو الحديث عن إنشاء صندوق لدعم الأمازيغية، وهذه مبادرة جيدة، ولكنها تطرح جملة التساؤلات، من قبيل: هل سيتم رصد ميزانية الصندوق للتنمية القروية في المجال الأمازيغي، أم سيُرصد لدعم الجمعيات الثقافية العاملة في حقل الأمازيغية، أم سيرصد لتقوية قدرات الفاعلين الجمعويين المنتمين إلى الجمعيات المدنية والمهنية، مثل جمعيات الأساتذة وجمعيات الفنانين والمبدعين، أم سيرصد للاستثمار في تنفيذ مخططات عمل المؤسسات الحكومية؟. هذه الأسئلة كلها مطروحة ولا نتوفر على أجوبة مقنعة حولها، على أساسها يمكن من مساءلة الحكومة في ما بعد. عموما، نحن في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية نعتبر، من الناحية المبدئية، أن سَنّ سياسة التمييز الإيجابي لصالح الأمازيغية وارد، لأن الحاجيات كثيرة جدا، والأمازيغية راكمت جملة من السلبيات التي تعود إلى عشرات السنين، ولهذا إذا كان هناك صندوق لمساعدة المؤسسات التي تعمل في مجال الأمازيغية فهذا سيكون جيدا جدا. إحداث صندوق دعم الأمازيغية يطرح أيضا أسئلة تتعلق بمن سيدبّره، وعلى أي أساس، وهل هناك مساطر وقوانين لصرف الدعم، لكي تكون على التمويل مراقبة مالية حسب المعايير المعتمدة في مجال المراقبة المالية. ما هو مصير المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بعد إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية؟ هل سيحتفظ بصلاحياته أم سينصهر في المؤسسة الجديدة؟. إذا رجعنا إلى القانون التنظيمي 04.16 المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية فإن الصورة تبدو واضحة. المجلس، وفق ما ينص عليه القانون المحدث له سيضم مجموع المؤسسات التي لها صلة باللغتين الرسميتين والتعابير الأخرى المتعددة والمختلفة لبلادنا؛ ومن ضمن هذه المؤسسات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي هو المؤسسة الوحيدة الموجودة على أرض الواقع التي لديها قوانينها، ومقر، وموارد بشرية ولوجستيكية، ولديها ميزانية ورصيد في المجال العلمي والأكاديمي، ولا توجد مؤسسة أخرى في هذا المجال. بالنسبة للعربية هناك النص القانوني المتعلق بإحداث أكاديمية محمد السادس للعربية، ولكن هذه المؤسسة لا تشتغل، لأنها لا تتوفر على هياكل. المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية هو الذي سيلعب دور القاطرة، وسيجرّ المؤسسات الأخرى بفضل ما راكمه من تجربة ومنجزات وخبرة، وقد تم التنصيص عليه في القانون الإطار المحدث للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، بل إن المعهد أعطيت له المهام والصلاحيات نفسها التي فُوضت له في ظهير 17 أكتوبر 2001. الصلاحية التي فقدها المعهد هي القدرة على إبداء الرأي. ألا ترون أن فقدان صلاحية إبداء الرأي يشكل ضربة قوية للمعهد، على اعتبار أن الآراء التي يقدمها هي التي تُبنى عليها السياسيات العمومية والقرارات الكبرى المتعلقة بالأمازيغية؟. هذا ما نعتقده، لأن المعهد فقد، بموجب القانون المتعلق بإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، القدرة القانونية على المبادرة بتقديم رأيه في شكل وثائق، مثل التي سبق لنا أن تقدمنا بها منذ سنة 2006، حيث كنا المؤسسة الأولى التي تقدمت بمذكرة حول ترسيم الأمازيغية، وكان لهذا الرأي وقع إيجابي. أيضا هناك أوراش كبرى تمثل تحولات تاريخية بالنسبة للمغرب قدم بشأنها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية رأيه، مثل ورش الجهوية المتقدمة، والنموذج التنموي الجديد. النص القانوني المحدث للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية لا يتحدث عن احتفاظ المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بآلية إبداء الرأي، ولكن هذه الصلاحية موكولة للمجلس العلمي والإداري للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والجهة التي تسهر على تنفيذ هذا الأمر هي رئيس المجلس، أما المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ففعلا من الناحية القانونية سيكون مديرية، على رأسه مدير وليس عميد، كما هو الأمر حاليا. هذه الوضعية الجديدة فيها نوع من التقليص من أهمية وصلاحيات وقدرة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية على القيام بمبادرات لمساءلة المؤسسات، ولتقديم رأيه في المجالات التي يُستشار فيها أو بمبادرة منه.