حين يتحدث الانتماء.. رضا سليم يختار "الزعيم" ويرفض عروضا مغرية    تعيينات جديدة في صفوف الأمن الوطني بالإدارة المركزية واللاممركزة    المحكمة الدستورية تسقط الفقرة الأولى ومواد أخرى من قانون المسطرة المدنية        استيراد الأبقار بالمغرب يلامس سقف 150 ألف رأس والحكومة تتجه لإصدار قرار جديد    حقينة سدود المغرب تواصل الانخفاض رغم التحسن النسبي في معدل الملء    طيران مباشر يربط الأردن بالمغرب    فرنسا تعلق إعفاء جزائريين من التأشيرة    تحطم مروحية يقتل وزيرين في غانا    وفيات سوء التغذية تزيد بقطاع غزة    هل يُضفي الذكاء الاصطناعي الشفافية والمصداقية على الانتخابات المغربية؟    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بالأخضر    قرعة الأبطال و"الكاف" بدار السلام    "إعارة بلا شراء" للضحاك مع الرجاء    تنظيم جديد للسفر من "طنجة المتوسط"    تقلب الجو يوقف الصيد بمياه بوجدور    ضمنهم جزائريون وباكستانيون.. السلطات المغربية توقف "حراگة" بالشمال    دعم السينما يركز على 4 مهرجانات    خبيرة غذائية تبرز فوائد تناول بذور الفلفل الحلو    تكريم كفاءات مغربية في سهرة الجالية يوم 10 غشت بمسرح محمد الخامس    ماكرون يرفع سقف المواجهة مع الجزائر ويدعو حكومته لنهج أكثر صرامة    مصرع شخصين واصابة ثلاثة اخرين بجروح خطيرة في حادثة سير نواحي الناظور    بادس.. ذاكرة شاطئ يهمس بحكايا التاريخ        نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية قوية مصحوبة بالبرد وبهبات رياح مرتقبة من الأربعاء إلى الأحد بعدد من مناطق المملكة        رئيس الفيفا جياني إنفانتينو: دعم الملك محمد السادس جعل المغرب نموذجاً كروياً عالمياً    دقيقة صمت في هيروشيما إحياء لذكرى مرور 80 سنة على إلقاء القنبلة الذرية عليها    المغرب... تضامن مستمر ومتواصل مع فلسطين بقيادة الملك محمد السادس    حين ينطق التجريد بلغة الإنسان:رحلة في عالم الفنان التشكيلي أحمد الهواري    النجمة أصالة تغني شارة «القيصر» الدراما الجريئة    توقيف أفارقة متورطين في تزوير جوازات سفر وشهادات مدرسية أجنبية ووثائق تعريفية ورخص للسياقة    حزب الله يرفض قرار الحكومة اللبنانية تجريده من سلاحه    نشوب حريق في شقة سكنية بمدينة الفنيدق    قراءة ‬في ‬برقية ‬الرئيس ‬الأمريكي ‬دونالد ‬ترامب ‬إلى ‬جلالة ‬الملك ‬    نتنياهو يتجه نحو احتلال قطاع غزة بالكامل    أكلو : إلغاء مهرجان "التبوريدة أوكلو" هذا الصيف.. "شوقي"يكشف معطيات حول هذه التظاهرة    نقل جندي إسباني من جزيرة النكور بالحسيمة إلى مليلية بمروحية بعد إصابته في ظروف غامضة    عدد ضحايا حوادث السير يرتفع بالمدن فيما يسجل انخفاضا خارجها خلال شهر يوليوز    المديرية العامة للأمن الوطني تطلق حركية الانتقالات السنوية    طفل يرى النور بعد ثلاثين عامًا من التجميد    غزة.. انقلاب شاحنة مساعدات يخلف 20 قتيلا ومستوطنون يهاجمون قافلة معونات قرب مخيم النصيرات    الموثقون بالمغرب يلجأون للقضاء بعد تسريب معطيات رقمية حساسة    "وصل مرحلة التأزم البنيوي".. 3 مؤسسات رسمية تدق ناقوس الخطر بشأن أنظمة التقاعد    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تعقد اجتماعاً حاسماً لدراسة تعديلات قانونية وهيكلية    الذهب يتراجع متأثرا بصعود الدولار    بطولة فرنسا: لنس يتوصل لاتفاق لضم الفرنسي توفان من أودينيزي    «أكوا باور» السعودية تفوز بصفقة «مازن» لتطوير محطتي نور ميدلت 2 و3    بين يَدَيْ سيرتي .. علائم ذكريات ونوافذ على الذات نابضة بالحياة    بنما تعلن من جديد: الصحراء مغربية... ومبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي الحل النهائي    نحن والحجاج الجزائريون: من الجوار الجغرافي …إلى الجوار الرباني    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة العربية.. الانهيار من الداخل

اللغة مرآة الأمة ، عاكسة لشخصيتها، قوية كانت أو ضعيفة، ولسان حالها ناطق بأفراحها أوأرزائها ، ومعيار قوي يقاس به مدى متانتها أو رخاوتها ، وبرهان ساطع إن على سلامتها أو اعتلالها ،ورواية تقص من أنبائها ،وحينما يتعلق الأمر بالعربية فهي تعاني اليوم من أزمة ، ولم يعد هذا محل جدال، فقد طالها الوهن وعلاها الذبول ، وهذه الأزمة ، على مستوى المنظومة اللغوية ، تختزل أزمة أخرى عامة وعارمة نخرت وما فتئت تنخر الأمة ، ولن يكون ذلك إلا مؤشرا يدعو إلى القلق، ويستدعي مزيدا من السهاد والأرق، ويمنحنا شرعية السؤال : ما هي الملابسات والأسباب التي آلت بها ، أي بالعربية ، إلى هذا الوضع المَهُول؟
أولا : تحليل نمطي قاصر
يقول فرانثيسكودي غويا إي لوثيينتيس في كتابه الثاني (أهواء): " إن رقاد الفكر يولد الممسوخ " ، وقد راقني ما قاله أحد الكتاب ، وكأني به يزكي ما ذهب إليه هذا الأخير، بضرورة : " أن نخرج من الامتثالية الفكرية ، ولا بأس بقليل من الاستفزاز لتحريك المياه الراكدة ونتحاشى الخطاب العربي العقيم المكرور …" ولا يسعنا – ونحن نبحث في أسباب الأزمة التي تتردى فيها العربية – إلا أن نشايعه ونرتاض له ، ومن ثم فإننا نحبذ الرفع من سقف الجرأة ضد التحليل الكلاسيكي النمطي القاصر ، حيث يسافر بنا الخيال الجامح – وبانسياب فاضح -إلى خارج الحدود ، ولا سيما إلى الضفة الشمالية للمتوسط اعتقادا منا أنها " الجو الذي منه خرجت البوادر ، والعش الذي فيه درجت " ، دون الأبه بما يعج به " البيت الداخلي " من نقص وتقصير، وهذا من شأنه أن يفاقم الأزمة بدل حلها ، وبصراحة جريئة نقول ، إن ما بتنا نعاني منه هو صنف من أصناف " الجبرية السياسية " أو ما أسماه مالك بن نبي " القابلية للاستعمار" ، يقول – رحمه الله – : " إن الاستعمار قد جاء إلى العالم الإسلامي نتيجة مرض أساسي عندنا هو القابلية للاستعمار.." ، قابلية للاستعماراستمرأنا فيها كل ضروب الاستعباد ، وتعايشنا فيها مع كل أصناف الاستبداد والاستغفال ، بل وقدمنا للمستبد كل قرابين الولاء ، وأصبحنا كدودة الأرض التي لا تنشط إلا في حمأة الطين ، وتضيق ذرعا بالنور والهواء.. ، وكان من تداعيات ذلك أن علقنا كل المآسي (وضمنها أزمة العربية) على شماعة الأعداء للتهرب من تحمل المسؤولية ، ودخلنا – بالتالي- في دوامة من التواكل والتثاقل والخمول.!
ومؤكد أن ضلوع هؤلاء في تأجيج هذه الأزمة واضح وجلي ، ولكن ما لا ينبغي إغفاله البتة ، وينبغي أن نكون على يقين منه ، أن التطاول على اللغة من جانبهم ليس إلا " ثمرة مرة " أو " باكورة خبيثة " لشجرة خبيثة تتمثل في كرهنا للغتنا الأم ، وهي المطية التي ركبها الأعداء فصالوا وجالوا وعلوا وبغوا ، فلم يكن ليفلحوا في مسعاهم هذا لو أنهم آنسوا فينا مثقال ذرة من الحب لهذه اللغة ، وعطفا على هذا نخلص إلى القول : إنه- وللسير في طريق انفكاك هاته الأزمة- فالأمل معقود على تفعيل مجموعة من التدابير الإجرائية ويبقى أهمها تبديد هذه " الوحشة " وهذه " المجافاة " والتأسيس لعهد من "الألفة " و" المصافاة " ، وهذا خط أحمرفاصل ، كان ، ووارد جدا أن يكون، قوة ردع تقلص هامش حريتهم وتكبح جماحهم ، وتحد من تماديهم ، وهذه خطوة أولى على الطريق ،ونقطة بدء حاسمة ، مهمة واستراتيجية ، كما أنها مطلب ديموقراطي ، والمطالب لا تنال بالأماني ولكن تؤخذ " غلابا " ، وقبل ذلك لابد من مبادرة ، و " المبادرة " هي العادة الأولى ضمن " عادات النجاح السبع " كما يحددها د. أيمن أسعد عبده في كتابه : " التغيير من الداخل ، تأملات في عادات النجاح السبع " ، ولنكن أول المبادرين لإرساء دعائم هذه المصافاة ولنكن نحن التغيير الذي نريده في الناس حيال اللغة العربية ولنبدأ بأنفسنا ، فالنفس محور التغيير، وبغير هذه الحماسة ،وهذا الحسم والوضوح وهذا الإقدام ، فلن تحتسب لنا صفة المبادرين ، ولا منقبة المتغيرين ، المغيرين.
ثانيا : النفس محور التغيير
جاء في محكم التنزيل : " إن الله لا يغيرما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ".
يقول صاحب " الظلال " رحمه الله في معرض تفسيره لهذه الآية : "وواضح..أن مشيئة الله في تغيير حال قوم إنما تجري وتنفذ من خلال حركة هؤلاء القوم أنفسهم ، وتغيير اتجاهها وسلوكها تغييرا شعوريا وعمليا.فإذاغير القوم ما بأنفسهم اتجاها وعملا غير الله حالهم وفق ما غيروا هم من أنفسهم".
وفي شأن العربية وعلى نفس منوال الآية لكن بتنويع سياقي نقول : إن الله لا يغيرما بالعربية من أزمة حتى نغير ما بأنفسنا من مواقف متشنجة حيالها..، فالبدار ، البدار إلى هذا التغيير…
يقول أرسطو: " لكي نحرك العالم..علينا أولا أن نحرك أنفسنا " ، وفي نفس السياق يقول المهاتما غاندي (الرجل الذي كان بحجم أمة) ، يقول : " كن أنتَ التغيير الذي تريده في العالم " ، فالتغيير نحو الأفضل نقلة نوعية نروم منها تحرير العربية من شرنقة التخلف ، وهذا رهين بتبديد ذلك الجفاء ، وهذا بدوره يحتاج إلى طموح قوي ، والطموح " لهيب الحياة وروح الظفر " ، أجل هذا التبديد يحتاج إلى عزيمة قوية لاملالة فيها ولا فترة بغاية حلحلة النفس عساها تتخلص من كل الشوائب العالقة ، التي تعكر صفو العلاقة بينها وبين لغتها،والتدشين لمراجعة دقيقة وصارمة وحاسمة لمواقفها من اللغة ،وهذا في جوهره ورش ضخم لتحقيقه " نقترح " اقتفاء الخطوات الآتية :
أولا : مراجعة عملية لموقفنا من العربية للانتقال من الجفاء إلى الوصال والإئتلاف.
ثانيا : السعي الحثيث لتعلمها (إلى حد الحذاقة) والتعرف عليها معرفة كاملة إن كان ذلك ممكنا وميسرا.
ثالثا : الصدع والجهر بما تعلمناه فلا جدوى ولا حصاد لما يبقى حبيس الصدور، والزحف به حتى يغمركل الناس ، وتحبيبه إليهم في قوالب مغرية ، والرصد للأخطاء المرتكبة على جميع الأصعدة (البيت ، الشارع ، الفضاءات العمومية…) ، والعمل على تصحيحها بأساليب سلسة ولينة وفي حدود ما هو بالامكان ولنحذر التنفير.
رابعا : الإسهام في إحياء تراثها ونشره.
والآن نمرإلى جولة في رحاب التاريخ البشري وليس العربي وحسب، جولة نبتغي منها الوقوق على مجموعة من المواقف الشامخة من اللغة الأم ،مواقف باتت لدى هذه الأجيال(طلائع البعث اللغوي) " قاعدة مطردة " انتقلت من جيل إلى آخر ، وهي لعدد من الفعاليات على اختلاف مشاربها وأوطانها ، حفزها حب اللغة الأم ، وأغراها الشوق إلى التغييرواسترجاع المجد التليد ، وها نحن نسوقها ، كنماذج حية ،هي طبعا غيض من فيض ولكن في طياتها مجموعة من العبروالغاية المبتغاة : محاولة استقرائها بهدف الاحتذاء بها.
ثالثا: في رحاب التاريخ
*النموذج الأول:
رُوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرَّ بقوم يرمون ، فاستقبح رميهم .. فقال : " ما أسوأ رميكم " ، فقالوا :" نحن قوم متعلمين " (بجر كلمة متعلمين).. فقال عمر : " " للحنكم أشد عليَّ من فساد رميكم ".. وهذا إنما حصل من الموالي والمتعربين ولصعوبة تمييزهم أحوال المثنى والجمع في النطق .. كما يصعب ذلك على كثير منا الآن.
*النموذج الثاني:
يقال إن ابنة أبي الأسود الدؤلي(يلقب ملك النحو16ق ه /69ه) جاءت إلى والدها في ليلة قمراء صافية تقول: ما أجملُ السماء يا أبتي.. برفع حرف اللام في (أجمل) فقال لها نجومها المتلألئة أو قمرها المنير.. قالت ما أردت أن أسأل عن شيء جميل فيها.. ولكني أردت التعجب من صفاء السماء.قال لابنته : وا بنتاه.. إذا أردت أن تتعجبي فافتحي فاك وقولي.. (ما أجملَ) بفتح حرف اللام.وفي صباح اليوم التالي ذهب أبو الأسود الدؤلي إلى سيدنا علي رضي الله عنه وطلب منه السماح له بوضع قواعد أساسية تعين على ضبط الألفاظ.. فكتب سيدنا علي رضي الله عنه ورقة في النحو وقال لأبي الأسود الدؤلي (أنحُ) نحوها أي سر على هداها ومن تلك اللحظة أصبح هذا العلم يسمى ب (علم النحو).
*النموذج الثالث:
يقول د.محمود فهمي حجازي في مقال له تحت عنوان : " العربية في العصر الأموي " (المصدر: الشبكة العنكبوتية) : " كان سادة البيت الأموي يرسلون أبناءهم إلى البادية لينشئوا في جو عربي بدوي وحتى يدرجوا على استخدام العربية على النحو الذي كان معروفا عند البدو ، وكان سادة البيت الأموي يفزعون أشد الفزع عند ملاحظاتهم لبعض الأخطاء اللغوية عند الناشئة من أبنائهم ، فقد كانوا يعتزون بالعربية في صورتها البدوية اعتزازهم بأصلهم البدوي .وأقبل كثير من الأعاجم على العربية لا لمجرد التعبير بها تعبيرا يفي بمطالب الحياة اليومية ، بل كي يرتفع في المجتمع " ، وقد كان الشاعر " زياد الأعجم " خير نموذج لهذا، علما – وكما أشار د محمود فهمي حجازي – إلى ذلك في موضع آخر من المقال – أن العربية كانت هي اللغة الرسمية قولا وعملا في جميع مناحي الحياة الأموية.
*النموذج الرابع:
يقول سيديوأحد المؤرخين الفرنسيين المولود بباريس سنة 1808م في كتاب له اسمه (خلاصة تاريخ العرب) : " إن العباسيين رتبوا خمسة عشر ألف دينار لمدرسة يتعلم بها مجانا ستة آلاف تلميذ من الفقراء والأغنياء ، وأنشأوا مراكزللتعليم الحر رخصوا الدخول فيها لمن أراد ، فانتشرت اللغة العربية في سائر جهات آسيا ،حتى تكلموا بها بدلا عن لغتهم واعتاد المأمون ومن اقتدى به بعده حضور الدروس العامة التي يلقيها المدرسون " (اللغة العربية بين الماضي والحاضر2 دعوة الحق العدد 45: الموقع الإلكتروني).
*النموذج الخامس:
هذه مبادرة من المبادرات التي لاقت نجاحا منقطع النظير ، مبادرة (تحدي القراءة العربي) وهي أكبر مبادرة ل " رفع الوعي بأهمية اللغة العربية وإعادة إحياء عادة القراءة لدى الطلبة العرب، وتكريسها أسلوب حياة وخلق أجيال مثقفة " ، ومن أهم أهدافها : " تنمية مهارات اللغة العربية وتحسينها لتمكين الطلاب من التعبير بلغتهم بفصاحة وطلاقة " ، وقد أرسى قواعدها سنة 2015الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي …، وجدير بالإشارة أن التلميذة المغربية " مريم أمجون " قد شرفت المغرب بفوزها بجائزة هذه المبادرة في دورتها الثالثة سنة (2018) ، وقد صرحت ، في أكثر من مناسبة ، بأن المرشحين متساوون في كل شيء ، ولكنها تتفوق عليهم في شيء واحد يتمثل في فصاحتها وسلامة نطقها للعربية الفصحى ، وهذا منتهى االآمال.
*النموذج السادس:
هنا تحكي لنا قصاصات الأنباء الواردة من القارة العجوز أنه في إحدى قمم المجموعة الأوروبية ، بدأ رجل الأعمال الفرنسي إيرنيست انطوان سيلييه يلقي كلمة مخاطبا الحضور ، وقد اختار لذلك اللغة الإنجليزية ، فأثار هذا التصرف استغراب الرئيس الفرنسي الأسبق الراحل جاك شيراك مما جعله يستشيط غضبا ويغادر القاعة مع وزير ماليته تيري بريتون ووزير خارجيته فيليب دوزت بلازي ، سيما وأن رجل الأعمال أصر على استعمال الإنجليزية بدعوى أنها " لغة البزنيس ".
ولم يكن هذا الرفض الصارم من شيراك نابع من جهله للغة شكسبير ، وبالتالي من عدم استيعابه لفحوى الخطاب ، فهو يجيد هذه اللغة ، فقد درس في الولايات المتحدة الأمريكية .
ولقد بلغ الدهاء " اللغوي " بهذا الرئيس درجة أقصى من ذلك (وهي أقسى علينا نحن أهل الضاد !) ف " في الأمم المتحدة حيث الحوار باللغة الإنجليزية ، تظاهر بأنه لم يفهم بعض الأسئلة التي وجهت إليه باللغة الإنجليزية ، فقام توني بلير الذي يجيد الفرنسية كأحد أبنائها بالترجمة له " .
*النموذج السابع:
وإذا كان هذا " الشموخ اللغوي " علامة فارقة ميزت طبيعة التعاطي مع اللغة الأم لدى هذا الرئيس (وهو نبراس للآخرين) ، فأبدا ، لم يكن حكرا عليه أو على غيره من المسؤولين ، ولانيشان استحقاق استأثروا به ليوشحوا به صدورهم دون سائرالرعية ،وأكيد أن القوم هناك – قمما وقواعد ، رؤساء ومرؤوسين – على قلب رجل واحد ، وهم في خندق واحد – يتفانون ذبا و ذيادا عن حياض اللغة ، وإليكم بيان ذلك :
إذا كنت في زيارة لإحدى الدول الأوروبية ، وكنت مضطرا للإحتكاك بالمواطن هناك ، وكنت مجبرا لمخاطبته لأي سبب من الأسباب ، فلن يتم ذلك إلا بلغته المحلية ، وإذا اضطرهذا المواطن لاستعمال لغة أخرى غير لغته الأم ، فإنه يتظاهربعدم قدرته على استعمال كلماتها استعمالا صحيحا عساك أن تخلص إلى الإنطباع بأنها لغة ركيكة متخلفة عن ركب الحضارة ، وبالتالي فالأجدر بك هجرانها والإنسلاخ منها …
وانسجاما مع هذا المعطى، واستنادا إلى نفس القصاصات الإخبارية الواردة من " القارة الخضراء " وأعني بها أوروبا فإن القوم هناك – سيما في فرنسا وإسبانيا- قد طفقوا يؤسسون لمشروع ضخم يضاهي في أهميته " الثورة الصناعية " التي غيرت وجه أوروبا ، ويتعلق الأمر يتنقية اللغة الأم الفرنسية والإسبانية من كل الكلمات والمصطلحات الدخيلة…ومن كل الشوائب التي من شأنها أن تشين اللسان وتجعل الكلام يرك ركة (أوركاكة ) فتعلوه رتابة على مستوى الشكل والمبنى وتتداعى صياغته…
*النموذج الثامن:
ونفس الشيء ينسحب على جمهرة الأدباء والمفكرين الإنجليز والأمريكان حتى، فلم يقو هؤلاء على البقاء في معزل وفي منأى عن هذا " المناخ اللغوي " الضارب في أعماق الأنفة والإباء ، فإذا تعلق الأمر بإلقاء محاضرة أو إدارة ندوة أو أي نشاط من هذا القبيل ، فلسان الأحلام الذي يلوح متوهجا في الأفق و" لا يبغون عنه حولا " ،والذي يستلب الأفئدة ويستهوي العقول والألباب ويستأثربالإهتمام هو لغة شكسبيروميلتون وأوستون…وجيمس سلك بكنغهام…
*النموذج التاسع:
ثم نقف الوقفة الأخيرة مع قصة هي" عجب من العجب "، وهي قصة واقعية ، لكن عند قراءتها ، ونظرا إلى غرابتها يتهيأ لنا أننا إزاء قصة من الأساطير القديمة ، أو قصة من الخيال العلمي ، وقد استقيناها من محاضرة تحت عنوان : " أيها التائه قف " للشيخ العلامة المحدث " أبو إسحاق الحويني " حفظه الله ، وقد ألقاها في ألمانيا ، يقول الشيخ :
" أنا لقيت رجلا من علماء طجكستان في مكة سنة 1996 ، هذا الرجل كان سنه فوق التسعين ، وكان معه مجموعة من تلاميذه ، وجرى ذكر ما فعله الروس في المسلمين ، كانوا يقتلون علماءهم..، فأنا سألت بعض تلاميذه الذي كان يتكلم ، قلت له إذا كان الروس يقتلون علماء المسلمين كيف نجا هذا ، فسأله هذا السؤال فتكلم الرجل وكان كلامه عجبا من العجب ،هذا الرجل ، يا إخواني ، رضي بالحبس الإختياري ستين سنة ، لم يقبض عليه ولم يوضع في السجن ، كيف ذلك ? لما رأى هذه الهجمة على علماء المسلمين وخشي أن تجف منابع اللغة ، وهي المدخل إلى القرآن والسنة ، عزم بينه وبين نفسه أن يكون جنديا يحمل هم الإسلام ، فكان يتفق مع أهل قرية ما أنه سيدخل هذه القرية يستأجرون له بيتا ويظل فيه شهرا أو شهرين، سنة ، سنتين ، ثلاثة ، أربعة لايخرج من هذا البيت ولا يشعر به أحد ، وبالليل أهل القرية يسربون إليه الأطفال ، يعلمهم العربية ويحفظهم القرآن والسنة ، فإذا قضى مهمته في هذه القرية بعد سنة أو سنتين يتفق مع أهل قرية أخرى ، ويتخذ الليل جملا ويمشي بالليل ويدخل هذه القرية فيحبس نفسه اختيارا في بيت من هذه البيوت ، ويعلم أطفال القرية اللغة والقرآن والسنة ، فإذا قضى مهمته ، ذهب إلى قرية أخرى ، وهكذا قضى ستين سنة من عمره..، لو عندنا مائة من هذا لفتحنا الدنيا ، لأنه كان يحمل هما ، لم ينظر إلى مجده الشخصي ، إنما كان ينظر إلى محنة أمته ، لهذا هان عليه أن يحبس نفسه في حين يستمتع فيه الملايين بالحياة ، ولا يفعل هذا إلا الحب..، الحب هو الذي يفعل هذا ، والحب مركب لا يضل راكبه ، ولا يرى المرء مع الحب مشقة " صدقت ياشيخ ، وما أبلغ قول " سمنون المحب " وهو أحد المجيدين في الكلام عن الحب :
ولو قيل طأ في النار أعلم أنه رضى لك أو مدن لنا من وصالكا
لقدمت رجلي نحوها فوطئتها سرورا لأني قد خطرت ببالكا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.