صاروخ يقتل أطفالا يجلبون الماء في غزة وإسرائيل تعزو السبب لعطل    طنجة.. مكبرات صوت وDJ في الهواء الطلق تثيران استياء المصلين وسكان كورنيش مالاباطا    "السيبة" في أصيلة.. فوضى في الشوارع وغياب للسلطات    تشلسي يصعق باريس سان جيرمان ويتوج بلقب مونديال الأندية الموسع بثلاثية تاريخية    الفنانة الهولندية من أصول ناظورية "نوميديا" تتوَّج بلقب Stars on Stage    كرة القدم.. "فيفا" يكشف عن قرارات جديدة بخصوص صحة وفترات راحة اللاعبين واللاعبات    من عاصمة سوس.. حزب "الحمامة" يطلق دينامية شبابية جديدة للتواصل مع الشباب وتقريبهم من العمل السياسي    "كان" السيدات .. تأهل نيجيريا والجزائر    رفاق حكيمي يسقطون بثلاثية أمام تشيلسي في نهائي كأس العالم للأندية    اليمين المتطرف في بلدة إسبانية يستغل حادثة للعنف لربط الهجرة بالجريمة    وفاة رئيس نيجيريا السابق محمد بخاري    بناني والحاجي والمرنيسي يحسمون لقب "بطل المغرب" في الفروسية    أطروحة دكتوراه تكشف محدودية تفاعل المواطنين مع الخدمات الرقمية بالمغرب: فقط 40% راضون    الوزيرة بنعلي تعلن الشروع رسميا في إنجاز مشروع أنبوب الغاز المغرب- نيجيريا        دونالد ترامب يحضر مباراة نهائي كأس العالم للأندية لكرة القدم    منظمة الصحة العالمية تحذر: تلوث الهواء يهدد أدمغة الأطفال ويعيق نموهم    نشرة إنذارية: موجة حر من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المغرب    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    عودة العيطة إلى مسرح محمد الخامس.. حجيب نجم النسخة الثالثة    لطيفة تطرح الدفعة الأولى من ألبوم "قلبي ارتاح".. أول ألبوم عربي بتقنية "Dolby Atmos"    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يتفاعل مع فاجعة 'خزان أولاد يوسف'    الكوكب يراهن على خبرة الطاوسي في رحلة التحدي الكبير    تيزنيت: للسنة الثانية على التوالي..نسبة النجاح بالبكالوريا تُلامس 80%    إصابة أربعة أشخاص في سقوط أرجوحة بمرتيل    « البسطيلة بالدجاج» تحصد المركز الثالث في مسابقة «تحدي طهاة السفارات» بواشنطن    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية مونتينيغرو بمناسبة احتفال بلاده بعيدها الوطني    متحدية الحصار الإسرائيلي.. سفينة "حنظلة" تنطلق من إيطاليا باتجاه غزة    "فيفا" يُنصف حكيمي: أفضل مدافع في مونديال الأندية بأرقام دفاعية وهجومية مذهلة    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يأسف لتطورات اعتصام قصبة تادلة ويحذر من نشر مشاهد صادمة دون ضوابط    الشاعرة نبيلة بيادي تجمع بتطوان الأدباء بالقراء في برنامج "ضوء على القصيدة"    "نوستالجيا 2025": مسرح يحفر في الذاكرة... ويستشرف الغد    بملتقى فكري مفتوح حول «السؤال الثقافي: التحديات والرهانات»، بالمقر المركزي للحزب بالرباط .. الاتحاد الاشتراكي يفتح نقاشاً ثقافياً استعداداً لمؤتمره الثاني عشر    دلالات خفقان القلب بعد تناول المشروبات المثلجة        "عدالة" تنبه إلى التدهور المقلق للوضع الحقوقي بالمغرب وتدعو لإصلاح يضمن الحقوق والحريات    الاتحاد الأوروبي يؤجل "رسوم أمريكا"    انتهاك صارخ لقدسية الأقصى.. مستوطنون يقتحمون قبة الصخرة ويؤدون طقوسًا تلمودية في ذكرى خراب الهيكل    مراكش تنادي إفريقيا: إصلاح التقاعد لضمان كرامة الأجيال المقبلة    سبعيني ينهي حياته شنقًا بجماعة بني بوشيبت    الرابطة المغربية للشباب والطلبة تختتم مخيم "الحق في الماء" بمركب ليكسوس بالعرائش    "بوحمرون" يسلب حياة طفل في مدينة ليفربول    يديعوت أحرونوت: موجة هجرة إسرائيلية غير رسمية نحو المغرب في خضم الحرب    أقدم مكتبة في دولة المجر تكافح "غزو الخنافس"    صحافي أمريكي: الملياردير جيفري إبستين صاحب فضيحة شبكة الدعارة بالقاصرات كان يعمل لصالح إسرائيل    صدور كتاب عن قبيلة "إبقوين" الريفية يفكك الأساطير المؤسسة لقضية "القرصنة" عند الريفيين    تقرير: المغرب ضمن 3 دول أطلقت سياسات جديدة لدعم الزراعة الشمسية خلال 2024    أسعار الذهب تتجاوز 3350 دولارا للأوقية في ظل التوترات التجارية العالمية    تقرير دولي يضع المغرب في مرتبة متأخرة من حيث جودة الحياة        بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي إيجابي    نحو طب دقيق للتوحد .. اكتشاف أنماط جينية مختلفة يغيّر مسار العلاج    علماء ينجحون في تطوير دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لعدة سنوات    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الميثاق الغليظ بين مفهومي الزواج والنكاح في القرآن
نشر في هوية بريس يوم 28 - 03 - 2021


تقديم
أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم ليكون معجزة الإسلام إلى قيام السّاعة، وقد كانت وجوه الإعجاز في هذا الكتاب العظيم مُتعدّدة وأهمّها الإعجاز البيانيّ، فالتعبير القرآني تعبير فني مقصود، و كل كلمة وُضعت وضعا دقيقا متقنا معجزا، للدلالة على صورة خاصة وفق سياق معين مقصود، مع مراعاة النظُم العامة للآية و السورة، فلكلّ كلمة أو آيةٍ معناها وبلاغتها ودلالاتها بما يناسب التكاليف الشرعية والطبائع الإنسانية، قال تعالى: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} ،(النساء:82)، ومن ذلك مسميات ومفاهيم تتعلق بالميثاق الغليظ الذي فسره الإمام الطبري في الآية : {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } (النساء: 21) بقوله : الميثاق الذي عُني به في هذه الآية: هو ما أخذ للمرأة على زوجها عند عُقْدة النكاح من عهدٍ على إمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان، فأقرَّ به الرجل. لأن الله جل ثناؤه بذلك أوصى الرجالَ في نسائهم.(أنظر تفسير الطبري 8/130).
ومن هذه المسميات القرآنية للميثاق الغليظ : الزواج والنكاح، ولقب الزوجة والمرأة والصاحبة، فلماذا استعمل القرآن هذه الألفاظ كاملة دون الاقتصار على لفظ واحد؟ ومادلالة كل واحد منهم ؟، انطلاقا من هذه الإشكالية سنتطرق في هذه المقالة إلى مصطلحي الزواج والنكاح من الجانب اللغوي، ثم بيان دلالة هذه الألفاظ مع مراعاة السياق القرآني.
الدلالة اللغوية
الزواج : التزاوج والمُزاوجة والازدواج في اللغة لا يدل على الزواج، إنما يدل على الاقتران والالتصاق الذي لا يوجد فيه انفصال، يقال ( زوّج ) الأشياء تزويجا وزواجا قرن بعضها ببعض. ( أنظر المعجم الوسيط، باب الزاي )، فكل شيئين اقترن أحدهما بالآخر فهما زوجان، والدليل على ذلك قوله تعالى في إنجاب الرجل للبنين والبنات بلفظ التزويج : { أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } (الشورى:50)، ويعبر عنه أيضا بخروج أزواج من أصناف النباتات كقوله تعالى : { وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى } (طه:53).
النكاح : نكَحَ يَنكَح ويُنكِح، نِكاحًا، فهو ناكِح، والمفعول مَنْكوح، تزوَّجها (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ [حديث]، وقال الله تعالى {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ}(النور)، نكَح المطرُ الأرضَ: اختلط في ثراها- نكَح النُّعاسُ عينيه: غالبهما. جامعَها، باشرها. (أنظر العربية المعاصرة، (نكح)).
وَالنِّكَاح: كِنَايَة عَن الجِمَاع، نَكَحَهَا وأنكحها غَيره، يُقَال: نكح ينْكح نكحاً ونكاحاً وأنكح فلَان فلَاناً إنكاحاً إِذا زوَّجه، وأنكح فلَانا فِي بني فلَان مَاله إِذا زوّجوه من أَجله. (أنظر لسان العرب (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الفكر، صفحة 60، جزء 2. بتصرّف).
ومن خلال هذين التعريفين اللغويين نستنتج أنه لو استخدم القرآن لفظ الزواج بدلا من النكاح لكان هذا معناه أن كل من يتزوج لا يمكن أن ينفصل عن زوجته بطلاق أو بغيره، وأن الالتصاق والاقتران الذي حدث بينهما شيء كوني لا يمكن فصله.
الدلالات السياقية للنص القرآني للفظتي: الزواج والنكاح
فقد ورد في دلالات النصوص القرآنية فروقٌ واضحة بين لفظي الزواج والنكاح، وكأن اللفظين ساقهما القرآن الكريم لمعنيين مختلفين للميثاق الغليظ، وبالتمعن في لفظ الزواج وبالتحديد في القرآن الكريم والذي هو بالأصل المصدر الأساسي للغة السليمة نجد أن الزواج لا يطلق أبدًا على العلاقة أو الرباط الذي يجمع الرجل والمرأة لتكوين أسرة بما نصطلحه نحن زواج، لأن عقد القِران مفتوح فيه المجال للانفصال والطلاق.
فكلمة :الزواج، لا تستعمل إلا بعد تمام العقد والدخول واستقرار الحياة الزوجية، وهو أعلى مرتبة من مفهوم النكاح، فنجد السياق القرآني للفظ الزواج باستعمال فعل : زوّج بصيغة الماضي الذي يدل على وقوع الحدث، كما في قوله: {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} ( الدخان: 54)، فاستخدم الله تعالى لفظ الزواج وليس النكاح، لأنه زواج دائم، وهو ما وعد الله المؤمنين بالزواج من الحور العين في الجنة وهي طبعًا دار خلود والزواج فيها سيكون أبديًّا وخالدًا بخلودها، والمتأمل في كلام رب العالمين يجد أيضا أن القرآن استخدم لفظ الزواج عندما تحدث عن زواج الرسول من زينب بنت جحش بعد أن طلقها زيد رضي الله عنهما، كما في قوله: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} (الأحزاب: 37)، إشارة منه تعالى إلى زواج مثالي وهو زواج دائم دون انفصال، فما حدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين زينب بنت جحش ليس نكاحا كالمعروف بين الناس، إنما هو زواج في أرفع معانيه، وروى البخاري في صحيحه عن أنس قال: جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اتق الله وأمسك عليك زوجك، قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً لكتم هذه الآية، قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات.
فكلمة الزواج تستخدم بأوسع معانيها الروحية، وهو الاتحاد الدائم السعيد بين روحين وجسدين متآلفين، وهذا ما يدفعنا أيضا للتأمل والنظر في ألفاظ الزوجة والمرأة والصاحبة في القرآن الكريم، حيث وجد فرق بين هذه الألفاظ بحسب السياق القرآني، فلفظ الزوجة المشتق من لفظ الزواج والأزواج يشير إلى علاقة جسدية مع انسجام فكري وتوافق ومحبة واقتران، من ذلك قوله تعالى مخاطبا نبينا آدم عليه السلام : { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا } (البقرة : 35)، فهذه العلاقة الزوجية المتطابقة والمتكاملة بين الذكر و الأنثى قد وصفها الله تعالى بالرحمة والمودة نحو قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (الروم : 21)، كما أن لفظ الزوجة والأزواج يشير إلى مدى استحسانه من الله عز وجل من خلال السياق القرآني بدلالات توحي إلى الرضى والطمأنينة التي ينعم بها المؤمنون في الآخرة ثوابا وجزاء وفاقا من الله تعالى حيث قال تعالى : {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}( البقرة : 25)، كما أن لفظ الزواج أو الأزواج لا يختص بشخصين فقط، وإنما يصف الجماد والحيوان والعديد من الأشياء، ولهذا فالزواج من الممكن ألا يتضمن عقد نكاح، من ذلك قوله تعالى : { وَمِنْ كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ} (الذاريات:49)، لكن على العموم يبقى لفظ الزوج والأزواج دائما مرتبطا بالكرم والباعث على البهجة والسرور من ذلك قوله تعالى : {أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} (الشعراء : 7)، وقوله تعالى : {وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } (ق : 7)، فهذه أمثلة مقتضبة لما تحمله لفظة الزوجة والزواج والأزواج في القرآن الكريم من رسائل المودة والرحمة والألفة والوفاء بين الزوجين.
أما بالنسبة للفظ المرأة فيرد عند انعدام التوافق والانسجام بين طرفي الميثاق الغليظ بشكله التطابقي التام إما لوجود اختلاف ديني أو نفسي أو جنسي، من ذلك قوله تعالى : {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا}(التحريم:10)، فلم يقل الله تعالى : زوج نوح أو زوج لوط، لأنهما كافرتان، فكفرهما كان الفاصل و المانع من تحقّق الانسجام والتوافق بينهما وبين بعليهما، فهو اقتران كامل بمعناه الاجتماعي لكنه ناقص بمضمونه العقائدي، وأيضا قصة فرعون وزوجه حينما ذكرها القرآن : بلفظ امرأة فرعون، في قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} (التحريم:11)، لأن بينها وبين فرعون مانع من الزوجية، فهي مؤمنة وهو كافر، ولذلك لم يتحقق الانسجام بينهما، فهي (امرأته) وليست (زوجه).
كما أن من أسباب إطلاق المرأة دون الزوجة ضعف الاقتران الزوجي الذي لم يكتمل بسبب عدم إنجاب زوج سيدنا زكرياء، ومناجاة ربه بأن يهبه ذرية طيبة ترثه، حيث قال الله تعالى حاكيا عن عبده زكرياء : {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا }(مريم/5)، فسماها امرأة لعدم التوافق والانسجام التامّ بينهما، بسبب عقم زوجه، لكن مالبث أن جاءت الرحمة الربانية مستجيبة ملبية لدعائه بأن بشره الله تعالى بغلام اسمه يحيى عليه السلام، مما أثار استغراب سيدنا زكرياء حمل زوجته وهي عاقر بقوله تعالى حاكيا عن عبده زكرياء : {قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء}(آل عمران/40)، مؤكدا لفظ المرأة للمرة الثانية وذلك راجع لعدم تحقق الهدف النسلي من الزواج بسبب ذلك المانع البيولوجي عند الزوجة على الرغم من كونه نبيا، و زوجه كانت مؤمنة، فبمجرد زوال المانع وولادة سيدنا يحيى عليه السلام وتحقق الوئام بين الزوجين وقدرة زوجة سيدنا زكرياء على الولادة والحمل تغير اللفظ من امرأة إلى زوجة حيث تحقّقت الزوجية بينهما على أتمّ صورة، في قوله تعالى : {وَزَكَرِيَّاء إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ}(الأنبياء/8990).
أما لفظ الصاحبة فيستخدم عند انقطاع العلاقة الفكرية والجسدية بين الزوجين، ودليل ذلك عِظم مشهد يوم القيامة وأهوالها حيث يصبح المرء مشغولا بحاله شاخصا بصره لمصيره ولسان حاله :"نفسي، نفسي،" فينكر وينفي أي علاقة مر بها في الدنيا سواء من قريب أوبعيد، قال تعالى : {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (سورة عبس)، وتأكيداً لذلك قال الله تعالى صراحة :{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ} ( الأنعام: 101 )، فلم يقل (زوجة ) أو ( امرأة )، إشارة منه تعالى لنفي أي علاقة جسدية أو فكرية مع الطرف الآخر نفياً قاطعاً، جملةَ وتفصيلا.
ومن هنا يتضح لنا وجود فرق واضح بين المرأة والزوجة والصاحبة من حيث المعنى فكل منهم لديه الدلائل الخاصة به والتي قد أوضحها لنا الله عز وجل من خلال القرآن الكريم وفق السياق الذي وردت فيه هذه الكلمات وحتى لا تختلط علينا هذه الألفاظ ونستشعر البلاغة القرآنية التي هي المرجع الأساس للغة العربية.
ومن بديع الإشارات أن سبب تحول لفظ الزوجة إلى المرأة يرجع إلى وجود خلل فكري أو عقدي عند أحد طرفي الميثاق، عكس ما نعيشه اليوم في مجتمعنا من تفرق ونفور سببه الأساس انعدام الثقة وكثرة المحاسبة المادية والمعنوية.
أما لفظ النكاح فيشير إلى بيان الرغبة في الزواج أو إرادة وقوعه، أي قبل أن يتحقق الزواج فهو نكاح، لذلك نجد أن الأفعال التي تؤدي هذا المعنى في القرآن الكريم جميعها دالة على المستقبل، من ذلك قوله تعالى : {قَالَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ}.. ( القصص: 27)، وكما في قوله: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ} (النساء).
والنكاح أضيق وأدق في وصف علاقة الارتباط الشرعي بين الرجل والمرأة، فهذا الرباط لا يتصف بالأبدية ولا بالمثالية، لأن الطلاق أو الانفصال فيه مباح وشرعي في حال وجود أسباب موجبة له، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}(الأحزاب:49)، كما أن النكاح لا يطلق على كل ارتباط، هو فقط يدل على ارتباط الرجل بالمرأة بالرباط الشرعي الذي يرتكز على الإيجاب والقبول.
فكلمة النكاح ليست بمعنى الوطء فقط، كما قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} فدل ذلك على الفرق بين المساس والنكاح، فهو إرادة وعزم وفق شروط وضوابط شرعية لبناء الميثاق الغليظ والدلالة على الزواج التام، فالنكاح مخالطة بين شيئين قد يحدث بينهما انفصال وقد أشرنا إلى ذلك في الدلالة اللغوية.
ومنه نستخلص أن لفظ الزواج، لفظ شامل للحياة الأسرية سواء المادية أو المعنوية منها، مما ينمي بين طرفي الميثاق الجانب الروحي المتكامل في الأخذ والعطاء والمتمثل في المودة والرحمة والطمأنينة النفسية والثقة المتبادلة بينهما بعيدا عن ما يكدر صفوهما، نتيجة الخوف العاطفي والمادي بينهما ما يفتح للشيطان بابا يرسي فيه عرشه للتفرقة بينهما، ولن يتأتى ذلك إلا بالتزام أوامر ونواهي شرعية تجنبهما أجواء الكدر والنشوز، في حين نجد أن لفظ النكاح متضمَّن في الزواج وموصل إليه من خلال ضوابط شرعية تحفظ كلية النسل والنسب مما يقوي وحدة المجتمع وتماسكه بعيدا عن الموبقات.
فالميثاق الغليظ نظام يجمع بين المفهومين النكاح والزواج ، ولا غنى لأحدهما عن الآخر، غير أن الزواج يهم الجانب الروحي المعنوي، والنكاح يهم الجانب المادي، ويكمل أحدهما الآخر وبهما يستقيم ويتأسس نظام الميثاق الغليظ.
وما نعيشه اليوم من أخبار وضعية وضيعة تحاول النيل من هذا الميثاق بين الفينة والأخرى بشعارات جوفاء ومطالب هاوية تسعى إلى تنفير الشباب من هذا الميثاق الذي يصون عرضهم ويحفظ كرامتهم بتضخيم المسؤوليات دون التفريق بين ماهو حاجي وضروري، ونزع روح مفهوم الزواج وجعله حبيس الماديات الواهية الفانية، بإرساء قوانين تنفر الشباب منه، وتجعل الزوجين في تخوف دائم من الغدر والخيانة، والحرص المادي الفاجع بينهما، وحصر مفهوم الزواج في الغريزة الجنسية، وحتى لو استحال استمرار الحياة الزوجية بينهما، تنهال على الزوج قوانين ترهقه وتقهر كاهله مما يؤدي إلى الشتات الأسري وإنشاء جيل يعود على المجتمع ككل بالبأساء والضراء.
وبهذه الأخبار والمواثيق والشعارات البائسة تزداد نسب العنوسة والطلاق، وتترسخ لدى الشباب صورة سلبية تقف حاجزا بينهم وبين الحلال، وتعسّر ولوج هذا الباب، وتُيَسّر لضعاف النفوس ولوج باب الرذيلة لسهولتها دون تحفظٍ ووازعٍ ديني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.