الخدمة العسكرية .. الفوج ال40 يؤدي القسم بالمركز الثاني لتكوين المجندين بتادلة    كأس إفريقيا .. المنتخبان التنزاني والأوغندي يقتسمان نقاط المباراة    كأس إفريقيا .. لا غالب و لا مغلوب في مواجهة السنغال والكونغو الديموقراطية    كأس إفريقيا .. نيجيريا تفوز على تونس و تعبر إلى دور الثمن    مصرع عشريني في اصطدام مروّع بين دراجة نارية وسيارة بطنجة    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    أزيد من 2600 مستفيد من قافلة طبية متعددة التخصصات بخنيفرة    عدوان إسرائيلي على وحدة الصومال    زخات رعدية قوية وتساقطات ثلجية مرتقبة بعدد من مناطق المغرب حتى الاثنين    "نسور" نيجيريا تنقض على تونس    تعادل مثير بين السنغال والكونغو الديموقراطية يبقي الصراع مفتوحًا في المجموعة الرابعة    كُرةٌ تَدُورُ.. وقُلُوبٌ تلهثُ مَعَها    العرض الرقمي الأول لفيلم عباسي    علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام        اللجنة المحلية ل"كان 2025″ بأكادير تؤكد إلزامية التذاكر القانونية وتنبه إلى احترام القواعد التنظيمية    تعبئة استباقية وتدخلات ميدانية ناجعة بالجديدة لمواجهة التقلبات المناخية        أرض الصومال تعيش "حلم الاعتراف الإسرائيلي".. ودول إسلامية غاضبة    النيجر يعلن "التعبئة" ضد الجهاديين    "الجمعية الوطنية للمحامين بالمغرب" تطلب تدخّلًا أمميًا لحماية "استقلال المهنة وحصانة الدفاع"    لجنة الإشراف تراجع خطة العمل الوطنية للحكومة المنفتحة    القصر الكبير .. تنظيم ندوة فكرية هامة في موضوع "المدرسة المغربية وبناء القيم: الواقع والانتظارات"    ورزازات في الواجهة : العلامة الترابية "زوروا ورزازات" visit OUARZAZATE تتصدر مؤلَّفًا دوليًا مرجعيًا في إدارة العلامات التجارية بين الشركات    الخدمة العسكرية.. الفوج ال40 يؤدي القسم بالمركز الثاني لتكوين المجندين بتادلة في ختام تكوينه الأساسي    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    بنين تحقق انتصاراً ثميناً على بوتسوانا بهدف نظيف    أمطار رعدية وثلوج مرتقبة بعدد من مناطق المغرب    بورصة البيضاء .. ملخص الأداء الأسبوعي    انطلاق فعاليات مهرجان نسائم التراث في نسخته الثانية بالحسيمة    المسيحيون المغاربة يقيمون صلوات لدوام الاستقرار وتألق "أسود الأطلس"    الطقس يعلق الدراسة بإقليم تارودانت    فيضانات آسفي تكشف وضعية الهشاشة التي تعيشها النساء وسط مطالب بإدماج مقاربة النوع في تدبير الكوارث    أوامر بمغادرة الاتحاد الأوروبي تطال 6670 مغربياً خلال الربع الثالث من السنة    نسبة الملء 83% بسد وادي المخازن    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    مقتل إسرائيليين في هجوم شمال إسرائيل والجيش يستعد لعملية في الضفة الغربية    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    من جلد الحيوان إلى قميص الفريق: كرة القدم بوصفها طوطمية ناعمة    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    إخلاء عشرات المنازل في بلدة هولندية بعد العثور على متفجرات داخل منزل    جبهة دعم فلسطين تطالب شركة "ميرسك" بوقف استخدام موانئ المغرب في نقل مواد عسكرية لإسرائيل    الأمطار تعزز مخزون السدود ومنشآت صغرى تصل إلى الامتلاء الكامل    التهمة تعاطي الكوكايين.. إطلاق سراح رئيس فنربخشة    انعقاد مجلس إدارة مؤسسة دار الصانع: قطاع الصناعة التقليدية يواصل ديناميته الإيجابية    الشاعر «محمد عنيبة الحمري»: ظل وقبس    تريليون يوان..حصاد الابتكار الصناعي في الصين    «كتابة المحو» عند محمد بنيس ميتافيزيقيا النص وتجربة المحو: من السؤال إلى الشظيّة    روسيا تبدأ أولى التجارب السريرية للقاح واعد ضد السرطان    الحق في المعلومة حق في القدسية!    إلى ساكنة الحوز في هذا الصقيع القاسي .. إلى ذلك الربع المنسي المكلوم من مغربنا    أسعار الفضة تتجاوز 75 دولاراً للمرة الأولى    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جمعية تكافل للاطفال مرضى الصرع والإعاقة تقدم البرنامج التحسيسي الخاص بمرض الصرع    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البعثة النبوية تعليم وتزكية
نشر في هوية بريس يوم 17 - 12 - 2016

جاء الإسلام ليخرج الناس من ظلمات الجهل والظلال إلى نور العلم والهداية، وبُعث رسولنا الخاتم -صلوات ربي وسلامه عليه- على فترة من الرسل برسالة التعليم والتزكية والحكمة، {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2]، والناس وقتذاك باطلة تصوراتهم العقدية عن الخالق والمخلوقات، وعن الغاية الأسمى من وجودهم، مضطربة مفاهيمهم للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي تربطهم فيما بينهم، والقيم الأخلاقية التي ينبغي أن تحكم تلك العلاقات.
وقد كان ولا زال للشريعة الإسلامية -قرآنا وسنة- خصوصية في الاستعمالات اللغوية للألفاظ والمفاهيم والتصورات، حيث نقلت عددا من الألفاظ من معانيها اللغوية المتداولة إلى معاني وحقائق شرعية، كالآذان والصلاة والصوم والإيمان والكفر والنفاق والفسق وغيرها من الألفاظ، وغيرت كثيرا من المفاهيم والتصورات عن الإله والكون والحياة التي كانت منطبعة في أذهان الناس، مقصدها في ذلك تغيير السلوكيات السائدة عن طريق إعادة تشكيل العقل في مفاهيمه وتصوراته، وتوجيهه نحو الوجهة الصحيحة ألا وهي توحيد الله عز وجل وعبادته.
ولقد استطاع كلام الله المعجز (القرآن الكريم)، وكلام نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم (السنة النبوية) {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3،4]، أن يحدثا تحولات كبرى في فترة زمنية قياسية، وأن يشكلا معا عقلا إيمانيا وأخلاقيا، "فاعلا، متألقا، متوهجا، قديرا على الفعل والتحقق والإبداع… لقد تم -بإعجاز مذهل- تجاوز صيغ المعادلات القديمة، وكُسِرت الأرقام القياسية، وبُعِث عقل جديد عرف كيف يعيد صياغة العالم…"[1].
كان القرآن الكريم يتنزل منجما، ومع كل نجم منه سبب خاص لواقعة أو حادثة، يتقصد بذلك تعليم الصحابة – ومن يجيء بعدهم باعتبار أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب- وتزكيتهم، وإعادة تشكيل تفكيرهم بخلق التوازن بين المادة والروح، والحياة الدنيا والآخرة {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77] مع إعطاء الخيرية والأفضلية للحياة الآخرة، {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} [الضحى:4].
فكان أول خطاب قرآني للمؤمنين تأديبهم وتوجيه منطقهم في اختيارهم أحسن الألفاظ، ونهي عن التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:104] و(راعنا) "هي كلمة كانت اليهود تقولها على وجه الاستهزاء والمسبة، فنهى الله تعالى ذكره المؤمنين أن يقولوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم"[2].
فكان التوجيه القرآني الداعي إلى نبذ استعمال المصطلحات التي تفيد عند الآخر معنى قدحيا، فكلمة راعنا أمر من راعى الشيء إذا حفظه وترقبه. أو انظر إليه، والنهي عن مخاطبة النبي "براعنا" واستخدام "انظرنا" تجنبا لمعنى قبيح كان يقصده اليهود بكلمة "راعنا" فراعنا في العبرية تفيد معنى "شريرنا"[3].
قال ابن العربي رحمه الله: "وهذا دليل على تجنب الألفاظ المحتملة التي فيها التعرض للتنقيص والغض"[4].
وإلى جانب توجيه المنطق، كان أيضا التوجيه إلى المعنى الصحيح للألفاظ، قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177]، فأبان عز وجل في هذه الآية المعنى الحقيقي للبر، ردا وتعريضا "على أهل الكتاب في تهويلهم على المسلمين إبطال القبلة التي كانوا يصلون إليها… والمراد به [أي البر] هنا بر العبد ربه بحسن المعاملة في تلقي شرائعه وأوامره"[5].
وهذه الآية في سياقاها "بيان عن حقيقة البر يتضمن قواعد الإيمان والعمل الصالح، يصحح به التصور الإيماني فليس هو شكليات ظاهرية، وتقليباً للوجوه قبل المشرق والمغرب، ولكنه شعور وعمل وارتباط بالله في الشعور والعمل.."[6].
وعلى هذا الارتباط بالله في الشعور والعمل كانت "التربية التي أخذ الله بها الصف المسلم ليعده ذلك الإعداد العجيب، وهذا هو المنهج الإلهي في التربية لمن يريد استخلاصهم لنفسه ودعوته ودينه من بين البشر أجمعين"[7].
ورسولنا الخاتم صلى الله عليه وسلم، المبعوث من ربه بهذه الرسالة العظيمة، والذي قال فيه رب العزة: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النِّسَاءِ:113] وهو القائل صلى الله عليه وسلم: (أدبني ربي فأحسن تأديبي)، وقالت عنه عائشة رضي الله عنها لما سألت عن خلقه (كان خلقه القرآن)، كان يمشي بنوره بين الناس يعلمهم إياه ويتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الحكمة، والمتتبع لسيرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام يلمس هذا بدون عناء.
وعلى نهج القرآن في توجيه المنطق، والتوجيه إلى المعاني الأخروية للألفاظ المرادة لله عز وجل سار المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأول ما بدأ به تغيير أسماء أصحابه رضوان الله عليهم، ثم تغيير مفاهيمهم للألفاظ من المعاني العرفية المتداولة إلى المعاني الشرعية الأخروية.
يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله في هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ المنطق واختيار الألفاظ: "كان يتخير في خطابه ويختار لأمته أحسن الألفاظ وأجملها، وألطفها، وأبعدها من ألفاظ أهل الجفاء والغلظة والفحش، فلم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا ولا فظا. وكان يكره أن يستعمل اللفظ الشريف المصون في حق من ليس كذلك، وأن يستعمل اللفظ المهين المكروه في حق من ليس من أهله"[8]. وقد فصل في ذلك رحمه الله بما يغني عن تكراره فلينظر في موضعه.
مع ما أوتي صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم الشاهدة على بلاغته وفصاحته وأنه أفصح من نطق بالضاد، فقد كانت لغته صلى الله عليه وسلم "لغة الواضع بالفطرة القوية المستحكمة، والمنصرف معها بالإحاطة والاستيعاب، وأما البيان فبيان أفصح الناس نشأة، وأقواهم مذهباً، وأبلغهم من الذكاء والإلهام، وأما الحكمة فتلك حكمة النبوة، وتبصير الوحي وتأديب الله، وأمر في الإنسان من فوق الإنسانية"[9].
لا يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مع أصحابه في يومه وليله، في حربه وسلمه، في منشطه ومكرهه، أن يوجهه أفكارهم وتصوراتهم نحو البعد الأخروي الذي هو خير وأبقى {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:17]، يأخذ من ألفاظهم ولغتهم المتداولة فيضفي عليها بعدا شرعيا يكون له ارتباط بالبعد الأخروي..
من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «ما تعدون الرقوب فيكم؟ قالوا: من لم يولد له، قال: الرقوب من لم يقدم من ولده شيئا»[10].
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «فما تعدون الصرعة فيكم؟" قلنا: الذي لا تصرعه الرجال. قال: ليس بذلك، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب»[11].
قال ابن الجوزي رحمه الله: "دلهم بهذا الحديث على النظر إلى المعاني دون الصور، لأنهم ألفوا في كلامهم أن الرقوب الذي يفقد أولاده، فأخبرهم أنه الذي يفقد ثواب أولاده في الآخرة. ولما عرفوا أن الصرعة الذي لا يصرعه الرجال أخبرهم أن الشدة في ملكة النفس"[12].
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس ولا يتفطن له. فيتصدق عليه»"[13].
يقول ابن تيمية رحمه الله: "فهم كانوا يعرفون المسكين وأنه المحتاج، وكان ذلك مشهوراً عندهم فيمن يظهر حاجته بالسؤال، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يظهر حاجته بالسؤال والناس يعطونه، تزول مسكنته بإعطاء الناس له، والسؤال له بمنزلة الحرفة، وهو وإن كان مسكيناً يستحق من الزكاة إذا لم يعط من غيرها كفايته، فهو إذا وجد من يعطيه كفايته لم يبق مسكيناً، وإنما المسكين المحتاج الذي لا يسأل ولا يعرف فيعطى. فهذا هو الذي يجب أن يقدم في العطاء، فإنه مسكين قطعاً، وذاك مسكنته تندفع بعطاء من يسأله"[14].
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم «ما تعدون المفلس فيكم؟ قالوا: من لا درهم له ولا متاع. قال المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، ويأتي وقد لطم هذا، وضرب هذا وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار»[15].
يقول أبو الحسن الهروي القاري رحمه الله: "والحاصل أنهم أجابوا بما عندهم من العلم بحسب عرف أهل الدنيا كما يدل عليه قولهم فينا وغفلوا عن أمر الآخرة… قال النووي: يعني حقيقة المفلس هذا الذي ذكرت، وأما من ليس له مال ومن قل ماله، فالناس يسمونه مفلسا، وليس هذا حقيقة المفلس، لأن هذا أمر يزول وينقطع بموته وربما انقطع بيسار يحصل له بعد ذلك في حياته بخلاف ذلك المفلس، فإنه يهلك من الهلاك التام"[16].
يقول الأمير الصنعاني رحمه الله: "ونظائر لهذه الأحاديث كثيرة، يراد بها إيقاظ السامعين وتنبيههم على أن هذه الأسماء وغيرها قد وضعت لمسميات باعتبار معانيها، وهي بهذه المعاني أجدر وأحق وأكثر مناسبة، لأن المعاني هذه بها أحق وأوفق وأليق وليس هذا قادحًا في حكمة الواضع؛ لأنه قد وضعها لمعان هي فيها صحيحه ما خلت عن الحكمة، هذا ويحتمل أن هذه حقائق شرعية نقلها إليها الشارع في عرفه، مع بقائها باعتبار معناها اللغوي غير مهجورة أيضاً، ويحتمل أن المراد أن عنده تعالى هذه الألفاظ لهذه المعاني أي أنكم تسمون مثلاً المفلس من وجد فيه تلك الصفة، والمفلس عنده تعالى من ذكر"[17].
هكذا ربى النبي صلى الله عليه أصحابه بنور القرآن وبسنته العطرة فاستطاع بذلك أن يرتقي بأفكارهم وتصوراتهم ومنطقهم من الارتباطات الدنيوية المادية إلى العالم الروحي الأخروي، وعلى هذا النهج ينبغي أن تسير تربيتنا وتعليمنا للأجيال، أن نقتفي القرآن الكريم في مفاهيمه وتصوراته ومصطلحاته، والسنة النبوية في كشفها عن مرادات الله عز وجل إذ فيها" من التوجيهات المشرقة، والحجج الدامغة، والحكم البالغة، والكلم الجامعة، والمواعظ المؤثرة، والأمثال المعبرة، والقصص الهادفة، وألوان الأمر والنهي، الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، ما يلين القلوب الجامدة، ويحرك العزائم الهامدة، وينبه العقول الغافلة، فهي تسير في خط القرآن في مخاطبة كيان الإنسان كله: عقله وقلبه، وهي تعمل على تكوين الشخصية المسلمة المتكاملة، ذات العقل الذكي، والقلب النقي، والجسم القوي"[18].
الهوامش:
1. حول إعادة تشكيل العقل المسلم، للدكتور عماد الدين خليل، سلسلة كتاب الأمة (4)، ص:24 الطبعة الأولى، رمضان 1403ه، تصدر عن رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية في دولة قطر
2. جامع البيان في تأويل القرآن، لمحمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310ه)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420ه – 2000 م (2/460)
3. معجم ألفاظ القرآن الكريم ،جمهورية مصر العربية مجمع اللغة العربية. الإدارة العامة للمعجمات وإحياء التراث 1409ه – 1988م، (1/506).
4. أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (1/49)
5. التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»، لمحمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى:1393ه)، الدار التونسية للنشر – تونس (2/128).
6. في ظلال القرآن، سيد قطب إبراهيم حسين الشاربي (المتوفى: 1385ه)، دار الشروق – بيروت- القاهرة، الطبعة: السابعة عشر – 1412 ه، (1/146).
7. في ظلال القرآن، (1/146).
8. زاد المعاد في هدي خير العباد، لمحمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751ه، مؤسسة الرسالة، بيروت – مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، الطبعة: السابعة والعشرون , 1415ه /1994م (2/321).
9. إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، لمصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر الرافعي (المتوفى: 1356ه)، دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة الثامنة – 1425 ه – 2005 م (ص:221).
10. مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب، برقم 2608.
11. مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب، برقم 2608
12. كشف المشكل من حديث الصحيحين، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597ه) المحقق: علي حسين البواب الناشر: دار الوطن – الرياض (1/332-333).
13. صحيح البخاري 3/109، 2/258، سنن أبي داود 1/379، سنن النسائي 6/85-86. وانظر : زاد المعاد في هدي خير العباد (1/383).
14. الإيمان، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى:728ه) تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، عمان، الأردن، الطبعة: الخامسة، 1416ه/1996م (ص:236).
15. رواه مسلم (2581)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، والترمذي (2418)، كتاب: صفة القيامة والرقائق والورع، باب: ما جاء في شأن الحساب والقصاص.
16. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014ه)، دار الفكر، بيروتلبنان الطبعة: الأولى، 1422ه – 2002م (8/3202).
17. التنوير شرح الجامع الصغير، لمحمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، أبو إبراهيم، عز الدين، المعروف كأسلافه بالأمير (المتوفى: 1182ه)، تحقيق: د. محمَّد إسحاق محمَّد إبراهيم، مكتبة دار السلام، الرياض، الطبعة: الأولى، 1432 ه – 2011م، (1/ 287).
18. كيف نتعامل مع السنة النبوية، معالم وضوابط، الدكتور يوسف القرضاوي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي سلسلة قضايا الفكر الإسلامي (4) الطبعة الخامسة، 1413ه – 1992م، ص:61.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.