هذا المقال كنت قد بدأت كتابته قبل أزيد من شهر و بعد ذلك تناسيته و لم أشأ إكماله، لكن بعد خطاب الملك قبل أيام في الخليج و لطبيعة هذا الخطاب الذي لم يحمل جديدا فيما يخص طبيعة السياسة الخارجية المغربية كان لا بد من كتابة المقال إلى النهاية. الخطاب الملكي هو انعكاس للتخبط التي تشهده السياسة الخارجية المغربية في معالجة الملفات الحساسة التي تخص مستقبل المغرب ومن بين هذه الملفات قضية الصحراء، و بعيدا عن تحليلات "العام زين" و أن "المغرب أصبح فاعلا استراتيجيا إقليميا ودوليا" يجب أن نطرح على أنفسنا بعض الأسئلة المهمة تتعلق بمدى وجود استراتيجية واضحة لصنع القرار على مستوى السياسة الخارجية للمغرب وكيف يتم صنع هذا القرار ومن المسؤول عن صنع هذا القرار و هل هناك من نتائج ملموسة تخدم قضايا المغرب؟ أسئلة لا يمكن الإجابة عنها في هذا المقال، لكن فيما يلي بعض الأفكار كمساهمة من اجل نقاش جاد حول مستقبل السياسة الخارجية المغربية. I - معنى السياسة الخارجية يشير مصطلح السياسة الخارجية إلى الطريقة التي تعالج بها الدولة السيادية مجموع مصالحها السياسية، الاقتصادية، العسكرية والسوسيوثقافية داخل محيطها الدولي. ويدخل في هذا الإطار أيضا مختلف ردود الأفعال على التأثيرات البنيوية الخارجية إضافة كذلك إلى التفاعلات المتراوحة بين التأثير والتأثر مع سلوك الفاعلين حول هيكلة مجموع المصالح داخل البيئة الدولية (زايدلمان 2000) كيفية معالجة مختلف الملفات ذات الصِّلة بمصالح الدولة مرتبطة في جوهرها بالطريقة التي يتم بها بلورة مسلسل القرار على المستوى الخارجي. يعتبر مصطلح اتخاذ القرار ذو طبيعة مسطرية حيث أن القرارات يتم فهمها باعتبارها سلسلة مترابطة لمجموع التحاليل المتعلقة بالوضعيات والأفعال وتقييماتها المختلفة، ومسلسل اتخاذ القرار يتم عادة على أساس بيروقراطي هرمي داخل مختلف المؤسسات المختصة بهذا المجال (زايدلمان 2008). وعلى العموم فمسلسل اتخاذ القرار كما هو متعارف عليه يتم في ست خطوات: - أولا: تحديد المشاكل و التحديات، - ثانيا: تحديد المصالح و الأهداف، - ثالثا: تقييم مدى القدرة على التحرك و اتخاذ قرارات معينة داخل المجال المحدد في النظام الدولي، - رابعا: مراجعة مختلف الحلول و الاستراتيجيات الممكنة، - خامسا: اختيار إجراءات محددة من بين مختلف الحلول و الاستراتيجيات المتاحة، - سادسا: تطبيق هذه الإجراءات مع ضرورة متابعتها و مراجعتها إن اقتضى الامر ذلك، في أغلب دول العالم ومنها على الخصوص الدول الديمقراطية تعتبر السياسة الخارجية ومسلسل اتخاذ القرار المرتبط بها من اختصاص السلطة التنفيذية والتي تعتبر المحرك الرئيس في هذا المجال. لكن تاريخيا لم يكن الأمر دائما كذلك، فبالرجوع إلى الصراع الطويل حول السلطة بين البورجوازية والملكيات المطلقة في أوربا حيث فقدت هذه الأخيرة تدريجيا اختصاصاتها لصالح الأولى، لكن بقي الاستثناء واحتفاظ الملك بسلطاته في مجال السياسة العسكرية و الخارجية وهو الأمر الذي تغير مع الموجة الأولى للديمقراطية والقضاء على النظم السياسة المطلقة في أوربا خلال القرن التاسع عشر (مع استثناء كوارث النظم الفاشية بداية القرن العشرين) حيث أصبحت أيضا السياسة الخارجية فعليا من اختصاص السلطة التنفيذية II - ملاحظات حول سياستنا الخارجية غياب استراتيجية واضحة هو ما يميز السياسة الخارجية المغربية وهذا ما يلاحظ جليا من خلال طريقة التعامل مع مجموعة من الملفات الحساسة المرتبطة بمستقبل المغرب، وهذا راجع في جزء منه إلى عدم القدرة على التفاعل مع متغيرات النظام الدولي حيث ينعدم فعل المبادرة الفعالة وتغيب القوة الاقتراحية للمسؤولين عن مختلف الملفات منها ملف الصحراء. هذا العجز يمكن فهمه أيضا من طريقة الاشتغال على السياسة الخارجية حيث الاعتماد على التنطع (الفعفعة) وردود الفعل العاطفية غير المحسوبة العواقب إضافة إلى انتهاج سياسة الهروب إلى الأمام (ماذا يريدون منا) وعدم التعلم من أخطاء الماضي. تضاف إلى النقطة الأولى نقطة ثانية و هي مرتبطة بشكل أو بآخر بالأولى وتتعلق بتعدد المتدخلين في مسلسل صنع القرار الخارجي وهنا أقصد وزارة الخارجية إضافة إلى مستشاري الملك في الخارجية. من هنا تتضح صبغة الهواية لدى مسؤولي السياسة الخارجية ينضاف إلى ذلك وضعيتها، فهي من جهة تابعة شكليا للجهاز التنفيذي الذي "يرأسه" رئيس الحكومة، ومن جهة أخرى فهو يأتمر بأوامر القصر، لأنه في العرف المغربي تعتبر السياسة الخارجية ضمنيا من المجالات المحفوظة للمؤسسة الملكية ومن يدور في فلكها من مستشارين، هذه الازدواجية تجعلنا أمام إشكالية تقييم السياسات الخارجية حيث لا يمكن لوم الحكومة عن فشل سياساتنا الخارجية و التي هي خارج مجال فعلها. والأهم فيما سبق هو الغياب الواضح لرئيس الدولة الذي يعتبر المسؤول فعليا عن مسلسل صنع القرار الخارجي في الملتقيات الدولية ما عدا حضوره حين يتعلق الأمر بحلفائه في الخليج مقاربة مع الحضور البارز للملك الراحل، وجزء من هذا الاختلاف يمكن فهمه من خلال الشخصية الكاريزمية للحسن الثاني مقارنة مع محمد السادس وهذا واقع لا يمكن نكرانه سواء كنّا متفقين أو مختلفين مع الطريقة السلطوية لممارسة الحكم في المغرب III - خلاصة يمكن إجمال خلاصة ما سبق في النقاط التالية: النقطة الاولى تتمحور حول ضرورة إعادة النظر في فهمنا لكيفية سير السياسة الخارجية، حيث التحول من النظرة التقليدية التي كانت تنتظر إلى السياسة الخارجية كمجال منفصل عما يقع داخل الدولة، إلى نظرة حديثة تراعي التغيرات الطارئة على النظام الدولي، إذ لا يمكن الحديث عن فصل بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية ذلك أن الأولى تعتبر انعكاسا للثانية. السياسة الدولية في مفهومها تاريخيا هي مرادفة للدفاع على المصلحة الوطنية مقابل مصالح الدول الأخرى، و هذا لا يكون إلا مع فهم تَغير معايير الاشتغال على السياسة الخارجية حيث أصبحت قيم جديدة (منها الديمقراطية وحقوق الانسان وتجاوز القيم التقليدية مثل القوة العسكرية) تلعب دورا مهما في تحديد كيفية اتخاذ القرار السياسي الخارجي و مدى نجاعته. أما النقطة الثانية فتتعلق بإعادة النظر في مسلسل صنع القرار السياسي الخارجي، فحصر هذا المسلسل في المؤسسة الملكية ومحيطها يؤثر على فعالية اتخاذ القرار حيث يكون الاشتغال أحاديا و غير شفاف مع تهميش للحكومة. كما هو معروف فمسلسل اتخاذ القرار السياسي سواء كان داخليا أو خارجيا يخضع لمعايير، أهمها ضرورة مأسسة مسلسل صنع القرار الخارجي من خلال وزارة خارجية قوية ذات صلاحيات واضحة وتكون تحت إشراف رئيس الحكومة الذي سيكون مسؤولا أمام المواطنين عن نجاح أو فشل سياسته الخارجية النقطتان الأوليان لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال وجود نظام ديمقراطي مع كل ما تعنيه الديمقراطية من فصل للسلط ومراقبتها لبعضها وربط المسؤولية بالمحاسبة الذي يعطي معنى للانتخابات، وهذه الأخيرة هي ما يعطي مشروعية لصاحب القرار. هذا إذن هو الضامن الرئيسي لنجاح أي دولة في سياساتها سواء الداخلية أو الخارجية.