أظهرت دراسة أكاديمية حديثة اتساع الفجوة بين وتيرة توسع المجال الحضري في طنجة وتوزيع الخدمات الأساسية داخله، مسجلة تفاوتا كبيرا في مؤشرات الولوج إلى المرافق، ومحدودية العدالة المجالية بين الأحياء. جاء ذلك في دراسة منشورة في المجلة الدولية للتجارة والتسيير، أعدها الخبيران في مجال التخطيط الترابي والتنمية المجالية، عبد الرحمن الصديقي ووفاء يحيى. واعتمدت الوثيقة على استبيان شمل 200 مشارك وتحليل نوعي لتصورات الجاذبية الحضرية كما يختبرها السكان والزوار والمقيمون داخل مدينة طنجة. وبحسب نتائج الدراسة، منح المشاركون الموقع الجغرافي للمدينة أعلى معدل (5 من 5)، تليه البنية التحتية (4 من 5)، ما يعكس إدراكا إيجابيا للدينامية العامة للمدينة، خاصة من حيث الربط الطرقي، وتكامل المدينة مع المحاور الوطنية والدولية، وتموقعها الاقتصادي. لكن هذه الانطباعات لا تنسحب، بحسب الوثيقة، على جودة الخدمات اليومية أو عدالة توزيعها، حيث أبرزت نتائج الاستبيان تباينات واضحة في تقييم مؤشرات العيش. فقد صرح 51.7 في المئة من المشاركين بأن كلفة اقتناء السكن تشكل عائقا كبيرا، بينما عبر 40 في المئة عن صعوبة في أسعار الإيجار. واشتكى 70.2 في المئة من بعد المسافة بين مقر السكن ومكان العمل أو الدراسة، في حين أشار 60.4 في المئة إلى صعوبات في الولوج إلى الإدارات. وعلى مستوى المرافق الاجتماعية، أكد 77.7 في المئة من المستجوبين غياب مدارس قريبة، وصرح 68.6 في المئة بانعدام مراكز لرعاية المسنين في محيطهم، بينما لاحظ 57.9 في المئة غياب تجهيزات موجهة للأشخاص في وضعية إعاقة. بينما سجل 48.6 في المئة من المشاركين عدم توفر مساحات خضراء قريبة. أما في الجانب الثقافي، فقد أفاد 100 في المئة من المستجوبين بعدم وجود قاعات سينما أو مسرح أو مرافق مشابهة داخل أحيائهم، بينما رأى 75 في المئة أن البنيات الرياضية غير متوفرة أو غير مهيأة بالشكل الكافي. وتعكس هذه الأرقام، حسب الدراسة، تمركزا شديدا للمرافق والخدمات في المحاور المركزية، مقابل تهميش واضح للأحياء الهامشية والناقصة التجهيز والمجالات السكنية الجديدة. وتسائل هذه الهوة جدوى السياسات الحضرية في مواكبة التوسع العمراني بعدد كاف من المرافق العمومية. كما لاحظ الباحثان وجود تفاوتات إضافية مرتبطة بالجنس والفئة العمرية. فقد عبرت النساء عن درجة أعلى من عدم الرضا في ما يتعلق بالأمان والمرافق الترفيهية للأطفال، بينما ركز الشباب على غياب الفضاءات الثقافية وضعف التجهيزات الموجهة للأنشطة الرياضية. وأظهرت الدراسة أن فئة من المشاركين عبرت عن اعتزازها بالتحولات العامة التي تعرفها طنجة، خاصة على صعيد بنيتها التحتية، لكنها ترى أن هذه الدينامية لا تترجم بما يكفي في واقع الخدمات اليومية، ما يرسخ شعورا بوجود "مدينتين داخل نفس المجال"، واحدة متصلة بمؤشرات النمو، وأخرى غائبة عن برامج التجهيز. وخلصت الوثيقة إلى أن الجاذبية الحضرية لا تقاس فقط بمؤشرات الربط والتوسع العمراني، بل أيضا بمستوى الاندماج الاجتماعي، وعدالة توزيع المرافق، وشروط العيش في الأحياء الطرفية. ودعا القائمان على الدراسة إلى تجاوز منطق التمركز في التخطيط، واعتماد مقاربات مجالية تدمج البعد المعيشي ضمن مقاييس الجاذبية الترابية.