نعيش دائما في سباق مع الزمن. وعبر التاريخ، فان الأمم تتقدم وتزدهر بفضل ضبطها الجيد للوقت واستغلاله الدقيق دونما تساهل أو إهمال. وكل تهاون يؤدي حتما إلى العودة إلى الوراء آلاف السنين، وبالتالي تموت هذه الأمم وتتجاوزها أمم أخرى بالسرعة القصوى، لتعيش قابعة في معطف تخلفها إلى الأبد. وهذه المقالة، تحاول، على الرغم من تاريخ كتابتها، ملامسة بعض الأفكار الجيدة التي تضيء مساحة معقولة مما تطرقنا إليه. وهي أيضا تحفزنا لإعادة النظر في أوراقنا البالية، للاستعداد لانطلاقة حقيقة إلى الأمام. الوقت كما نعرفه اليوم، اختراع حديث العهد.فمعنى الوقت اليوم قديم قدم الولاياتالأمريكية. فهو منتوج مواز للعهد الصناعي. حيث أصبح الوقت طاغية. فنحن واعون بالحركة الزمنية للعقرب المشير للدقائق، بل وحتى عقرب حركة الثواني. ويجب أن نكون كذلك. فهناك قاطرات ينبغي آن تكون في مواعيدها، وساعات حائطية ينبغي تتبع ومراعاة عقاربها. ومآرب ينبغي أن تنجز في حينها. وأرقام قياسية مرتبط تحطيمها بثوان معدودة فقط. وعينا اليوم بأصغر وأدق وحدة للوقت أصبح حادا. فإن الساعة الثامنة وسبعة عشر دقيقة صباحا، تعني شيئا مهما جدا إذا كانت تعني وقت انطلاق قاطرة اليوم. بالنسبة لأجدادنا مفهوم التوقيت هذا، يبقى اعتباطيا وغير ذي معنى يذكر، ولم يكن متواجدا. لما اخترعا القاطرة، (وات) (watt) و"ستنفسن"Stephenson"، ساهما بشكل كبير في اختراع الوقت. شيء آخر وجوده وكيانه مرتبط ارتباطا وثيقا بالوقت، إنه المصنع والمكتب. فالمصانع موجودة وهدفها هو إنتاج كميات محددة من السلع في وقت محدد. إن الصانع القديم كان يعمل كما يحلو له وذلك حسب الكميات المطلوبة منه من طرف الزبائن. فالمصنع وسيلة لجعل العمال يسرعون في عملهم. فإن للآلة لوالب عدد دوراتها كل دقيقة تساوي عدد القطع المنتجة خلال ساعة واحدة، نتيجة لكل هذا فإن العمال في المصنع أو المكتب مطلوب منهم جميعا أن يكونوا على بينة من الوقت في أدق تفاصيله. ففي العهود ما قبل الصناعية لم يكن هناك مثل هذا الاهتمام الإجباري بالدقائق و الثواني. فوعينا بالوقت وصل إلى مرحلة شديدة حيث أننا نعاني معاناة كبيرة عندما نسافر إلى أمكنة أخرى من العالم، حيث أناس لا يهتمون بالدقائق و الثواني.فإن عدم احترام الوقت في الشرق جد مفاجئ للقادم الجديد في مكان فيه أوقات الوجبات الغذائية محددة، إضافة إلى مواقيت خدمات القاطرات.بالنسبة للأمريكي أو البريطاني الحديث، فإن للانتظار معاناة سيكولوجية حادة. فإن الإنسان الهندي يقبل ساعات فراغه كاستقالة من العمل برضا وارتياح. لأنه لا يزال يحتفظ بفن التمتع بعدم القيام بأي شيء. فمفهوم الوقت عندنا يشبه اقتناء دقائق و ملؤها بشيء من الحركة و العمل أو التسلية، وهذا يخالف تماما المفهوم الغريب عند الإنسان الشرقي و الإغريقي، لأن الإنسان الذي يعيش في الزمان ما قبل الصناعي، الوقت بالنسبة إليه يتحرك ببطء وبساطة شديدتين. فالدقيقة لا تهمه ولا يعيرها أي اهتمام لسبب واحد، هو أنه لم يكن يوما ما، مكرها على الوعي بتواجد الدقائق و الثواني. • نص مترجم عن: " tim and the machine" • للكاتب الكبير ALDOUS HUXLEY( 1963- 1894) ترجمة: ذ صالح لعروصي Email –[email protected]