البارحة وقت الأصيل وبعد مدة غير وجيزة، أبى أبي إلا أن يفتح باب الأستوديو. جلس كعادته قبالة باب المحل فانتابني شعور لم اعرفه. أهو حنين لماض جميل عشته صحبة والدي في هذا المحل الذي كان كأيقونة متلألئة وسط المدينة أم هي حسرة على حاضر مغترب. آه يا أبي آه فما عساني أن أقول في من أمرني الله عز وجل أن أحسن إليه .وما عساني أن اكتب في من وصاني الحبيب المصطفى أن ابره.فمهما أقول ومهما أكتب لن أوفي حقك يا أبي يا أعز الآباء يا من كان البر والإحسان منك ابتداء. من اختار لي أمي من كل النساء فكنت سبب وجودي في هذا الفناء غمرتني بالحب والحنان وكثر العطاء كنت دائما معي في السراء والضراء علمتني كيف من الظلام أقتبس النور والضياء علمتني أن العين التي لا ترى الحقيقة عمياء. والأذن التي لا تسمع الحق صماء فبدونك أبي لن نحيا أبدا سعداء من بعدك أبي سنظل حتما غرباء ما عساني إلا أن انحني وأقبل يديك البيضاء أبي. فإذا كان لا يجب على الفتى أن يقول كان أبي لكن الفتى من يقول ها انأ ذا. فانا اليوم وبكل افتخارواعتزاز أقول كان أبي . نعم أبي وصديقي ورفيق دربي الحاج محمد بنونة. فمن بالقصر الكبير لا يذكر استديو مصورات بنونة الذي كان كل من مربشارع التلمساني استوقفته الصور المعروضة بواجهة الاستوديو . وكيف لا وهي بمجرد النظر إليها تمنحه تذكرة للسفر عبر قطار الزمن ليزور مدينة لا توجد إلا في حكايا اجداده . يمتط القطار وينزل بمحطة قطار القصر الكبير يسير الى مدرسة ابن خلدون ومن هناك تظهر له بابا شاهقة فيقال له انها باب مدخل الخيالة المحلة يدخل فيجد العلم يرفرف فوق قاعة رفع العلم ثم يتجه إلى قصر الضيافة اوما يعرف بدار الباشا. وبلمحة البصر ينقل إلى حديقة السلام بأشجارها الغناء وساقياتها الجارية وطيورها المغردة ومكتبتها الغنية فينبهر. وبمحاذاة ذاك الرياض يقترح عليه أن يحضر فيلما من الزمن الجميل بسينما الطبيعة إلا انه يفضل أن يزور ضريح سيدي بواحمد ليذهب بعدها إلى المدينة العتيقة. وبباب العطارين تجذبه الروائح الزكية المنبعثة من أحياء المدينة وأزقتها الضيقة المتراصة فسار بحي الديوان حي تلاقح الحضارات وتسامح الأديان . حيت تصطف دكاكين معظم الحرفيين من اليهود والمسلمين . ومن تم زار دارالدراز ودار الدبغ وصومعة البنات ولم ينسى أن يصلى ركعتين بالمسجد الأعظم. فيتذكرانه لم يزر بعد ضريح الولي الصالح مولاي علي أبي غالب. فإذا وبسرعة الضوء وجد نفسه هناك تبرك به وشرب الماء من باب العار ثم خرج يمشي بالشارع المضلل بأشجار البرتقال المر والمعطر برائحة الزهور والورود الممتدة على طوله . وصل الى فندق الأندلس فقرر أن يرتاح قليلا ويرتشف فنجان قهوة ببهوه الفسيح قبل يستأنف جولته السياحية بالقصر الكبير. بقي له أن يزور مسجد سيدي يعقوب بنخلتيه الشاهدتين عن عمق الحضارة القصراوية ليعود بعدها إلى محطة القطار مولاي المهدي سواء عبر حي القشاشن والسويقة او عبرحي المرس والمطيمار. غفت عيناه من شدة التعب فمال رأسه قليلا فالتطم بالزجاج فخال انه بزجاج باب المؤسسة البنكية ارتطم، لكنه وجد نفسه لازال قابعا بمكانه قبالة واجهة استديو مصورات محمد بنونة وعينان خضروتان تحت النظارتين الطبية تراقبه فعرف وقتها انه السيد الذي كان يرشده في جولته الخيالية فابتسم ودخل فألقى التحية ثم سأل الم اغفل معلمة أوحيا فرد عليه السيد بلى فأين تركت سينما بيريس كالدوس والمركز الثقافي ودار القائد الملالي وحمام سيد ميمون وزد وزد . نعم كان أبي داك الرجل الذي حافظ على أرشيف مدينة عريقة بالصور حتى إذا لو أرادت أيادي خفية أن تمحو معالمها صرخت هي نادبة نواحة واقصرياه واقصرياه . وأنا اليوم استغل هذه الفرصة واطلب من كل من يستعين بهاته الصورفي كتبه أوفي مقالاته بالعالم الأزرق ،أطلب منهم أن يرحموا هذا الرجل في حقه فلا بأس أن يكتبوا اسمه تحت الصور وأظن أن ذلك لن يقلل من أهمية كتابه أو مقالاته شيئا بل ربما ستزيدها قيمة باحترامه لحقوق الغير. وفي الأخير لم يبق لي سوى أشكر والدي الحاج محمد بنونة من لي مجدا أن يكون لي أبا ويكفيني فخرا أن أكون له ابنتا، فطلته علي تغنيني عن العالم وما فيه أحبك والدي وأتمنى لك الصحة وطول العمر فانا تلك الفتاة التي تقول كان أبي وبفضله ها أنا ذي .