"حماة الوطن عيون لا تنام".. شريط فيديو يستعرض دور الأمن الوطني في حماية الوطن والمواطنين (فيديو)    توقيف شخصين بفاس والبيضاء بشبهة حيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    داتي تزور الجناح المغربي في "كان"    تقرير رسمي.. بايدن مصاب بسرطان البروستاتا "العنيف" مع انتشار للعظام    نهائي "كان" أقل من 20 سنة.. المغرب يخسر أمام جنوب إفريقيا بهدف دون رد    اتحاد يعقوب المنصور يحقق إنجازا تاريخيا بالصعود للقسم الأول لأول مرة    جنوب إفريقيا تحرم "أشبال الأطلس" من التتويج وتخطف لقب كأس إفريقيا للشباب    إسبانيا تدين تصاعد العدوان الإسرائيلي بغزة    إسرائيل تدعي جلب "الأرشيف السوري" لأشهر جواسيسها بدمشق    شركة ميرسك توضح سبب تفضيلها لميناء طنجة المتوسط على موانئ إسبانيا    ملتقى طنجة يدعو إلى فلاحة ذكية وترشيد مياه السقي بجهة الشمال    جنوب إفريقيا تنجح في هزم المغرب والفوز بكأس إفريقيا لأقل من 20 سنة    أسعار الفواكه الموسمية تلتهب في الأسواق الوطنية والناظور تسجل أرقاما قياسية    انقلاب حافلة محملة بكمية كبيرة من مخدر الشيرا (صور)    الجواز المغربي في المرتبة 67 عالميا.. وهذه قائمة الدول التي يمكن دخولها    ابتداء من 25 مليون.. فرصة ذهبية لامتلاك سكن بمواصفات عالية في الناظور    إحباط محاولات اقتحام جماعية لمدينة سبتة    أنظمة مراقبة تتعطل بمطار "أورلي"    الجيش يبصم على إنجاز في كرة اليد    عروض تفضيلية لموظفي الأمن الوطني لشراء السيارات بموجب اتفاقية جديدة مع رونو المغرب    مزراوي يكشف سر نجاحه مع مانشستر    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في حفل التنصيب الرسمي للبابا ليو الرابع عشر    المغرب يعيد فتح سفارته في سوريا.. نظام أحمد الشرع يستعد للاعتراف بمغربية الصحراء    الوداد يرفض التعاقد مع ميندي وبيدرو في "الميركاتو" الصيفي    مع انطلاق مهامه رسميا ...بابا الفاتيكان الجديد يبدأ بانتقاد تجاوزات النظام الرأسمالي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    حموشي يوقع اتفاقية مع "رونو المغرب" لتوفير عروض تفضيلية لموظفي الأمن    في عرض افتتاحي حالم إحياء جمال الروح في لحظة واحدة    الحسيمة تحتضن مؤتمرًا دوليًا حول الذكاء الاصطناعي والرياضيات التطبيقية    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تنتخب مكتبها التنفيذي    بركة: الحكومة لم تحقق وعد "مليون منصب شغل" في الآجال المحددة    كلمة عبد الجبار الرشيدي رئيس المجلس الوطني لحزب الاستقلال خلال انعقاد دورته العادية الثانية    انتخاب المغرب على رأس شبكة هيئات الوقاية من الفساد    معين الشعباني:نهضة بركان قادر على خلط أوراق "سيمبا" في مباراة الإياب    مسؤول أمني: المديرية العامة للأمن الوطني تشجع على الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة    "الزنزانة 10" تحذر من تجاهل المطالب    في سابقة خطيرة..مطالب بطرد المهاجرين القانونيين من أوروبا    الجديدة : انطلاق تصوير الفيلم الجديد ''ياقوت بين الحياة والموت'' للمخرج المصطفى بنوقاص    الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي    رقمنة القوة: دور الشركات الكبرى في السياسة الدولية    القنصلية المغربية تقرّب خدماتها من الجالية في وسط إسبانيا    سوريا.. تشكيل هيئتين للعدالة الانتقالية والمفقودين ل"جبر الضرر الواقع على الضحايا    التوصيات الرئيسية في طب الأمراض المعدية بالمغرب كما أعدتهم الجمعية المغربية لمكافحة الأمراض المعدية    متحف أمريكي يُعيد إلى الصين كنوزاً تاريخية نادرة من عصر الممالك المتحاربة    مأساة في نيويورك بعد اصطدام سفينة مكسيكية بجسر بروكلين تُسفر عن قتلى وجرحى    زيارة إلى تمصلوحت: حيث تتجاور الأرواح الطيبة ويعانق التاريخ التسامح    من الريف إلى الصحراء .. بوصوف يواكب "تمغربيت" بالثقافة والتاريخ    تنظيم الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي "ماطا" للفروسية من 23 إلى 25 ماي الجاري    ندوة ترسي جسور الإعلام والتراث    بعد منشور "طنجة نيوز".. تدخل عاجل للسلطات بمالاباطا واحتواء مأساة أطفال الشوارع    في طنجة حلول ذكية للكلاب الضالة.. وفي الناظور الفوضى تنبح في كل مكان    وزارة الصحة تنبه لتزايد نسبة انتشار ارتفاع ضغط الدم وسط المغاربة    بوحمرون يربك إسبانيا.. والمغرب في دائرة الاتهام    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطاب الواقع يكذب واقع الخطاب
نشر في لكم يوم 20 - 03 - 2012

أشرنا في مقالات سابقة إلى أن جزءا مهما ، مما يمكن تسميته " بمسألة المغرب"، يكمن في التناقض الصارخ مابين الخطاب والقانون والمؤسسات من جهة ، وما بين الواقع والتطبيق و الممارسة من جهة أخرى . فعندما ينتفي الانسجام بين الأقوال والأفعال ، فانتظر الأهوال . و خير شاهد على ما نقول ، الأحداث المؤلمة التي عرفتها بلدة بني بوعياش على إثر احتجاجات ساكنتها ، والتي ما فتئت رقعتها تتسع ، لتشمل بلدات بويكيدارن ، إمزورن والحسيمة وكل المنطقة الريفية. و قبلها ما وقع من احتجاجات وأحداث ، في كل من خريبكة ، آسفي ، اليوسفية وبنجرير، أي في مدن ما يعرف بالحوض الفوسفاطي ، وما حدث بكل من تازة وبني ملال في شهر فبراير الماضي.
إن هذه الأحداث جميعها ، ما كان لها أن تتخذ منحى عنيفا، لو تمت معالجتها بما يلزم من الحكمة و الروية ، و بالإنصات إلى هموم الناس ، والتحاور معهم حول مشكلاتهم ، وإشراكهم في عملية اتخاذ القرار على المستوى المحلي ، من خلال الهيآت السياسية والنقابية وجمعيات المجتمع المدني ، ذات المصداقية على أرض الواقع.
ولعل القاسم المشترك بين تلك الاحتجاجات ، طابعها الاجتماعي المحلي بالأساس ، خاصة وأنها تشمل ساكنة المناطق المهمشة والمقصية من توزيع ثمار الثروة الوطنية ، وكذا الأحياء الشعبية المحيطة بكبريات المدن والتي تأوي حوالي % 33 من سكان الحواضر. فمطالبهم ترتبط بالشغل والخدمات الصحية والتعليم والسكن وغلاء فاتورات الماء والكهرباء وغلاء المعيشة. وتنضاف الى ذلك ، الانعكاسات السلبية لعدم سقوط المطر واتساع رقعة الجفاف . إنها و بكلمة واحدة ، المسالة الاجتماعية التي يكتوي يوميا بنارها السواد الأعظم من المواطنين ، والتي فشلت في حلها كل السياسات العمومية المتبعة إلى يومنا هذا . والدليل على ذلك أولا ، الواقع العنيد الذي لا يرتفع ، وثانيا ، لغة الأرقام الدالة على أن المغرب، حسب آخر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية (PNUD, 2011) ، قد تقهقر على مستوى مؤشر التنمية البشرية(صحة ، تعليم ودخل) ، ستة عشر درجة ، أي من الرتبة 114 سنة 2010 إلى الرتبة 130 سنة 2011.
لاشك أن تراكم المشكلات ، و تزايد ضغط الطلب الاجتماعي من أجل حلها ، يربك عمل الدولة ، فتضطر الى ارتجال الحلول ، أو تلجأ الى معالجتها أمنيا ، فيترتب عن ذلك نتائج عكسية ، ويصبح للمطالب الاجتماعية المحلية لون سياسي ووطني عام .
من حق الدولة أن تحرص كل الحرص على استرجاع هيبتها المتآكلة ، ولكن ليس باللجوء الى الاستعمال المفرط للقوة ، والاعتقالات والمحاكمات ، وإنما بالاستجابة لحاجيات الناس الملحة ، في مجالات الشغل والسكن والصحة والتعليم والبنيات التحتية .أما المقاربة الأمنية المبنية على العنف ، فلايمكن أن تنتج إلا عنفا مضادا ، كالذي وقع في منطقة بني بوعياش ، التي ما زالت تعيش هدوءا مشوبا بالحذر، بسبب استمرار الحصار الأمني وما رافقه من اعتقالات ومحاكمات.
نعلم جيدا ان الحكومة الحالية ، لاتملك عصا سحرية لحل ما تراكم من مشكلات متنوعة ومؤرقة منذ الاستقلال ، ولكن عليها على الأقل ، عوض أن تنهج مقاربة أمنية محضة ، أن تنصت للناس وتتحاور معهم ، وأن تعجل بقطع دابر اقتصاد الريع ، الذي ما فتئ يعمق هوة الفوارق الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء ، ويوسع دائرة الفقر والأمية والبطالة . إن المغرب في حاجة اليوم ، أكثر من أي وقت مضى ، إلى تنمية شاملة ترتكز على اقتصاد منتج للثروة ومنعش للشغل ، وعلى توازن حقيقي بين دولة الحق كفاعل استراتيجي في مجال السياسات العمومية من جهة ، وبين قطاع خاص قوي ومواطن.
أما الطامة الكبرى ، فهي أن تكبر لائحة الممنوعات وتشتد حالات القمع ، في ظل حكومة جديدة تضم بين احضانها وزارة تجمع بين كلمتين خفيفتين في اللسان ، ثقيلتين قي الميزان ، هما العدل والحريات. وما ادراك ما العدل والحريات ؟ فالتظاهر السلمي ممنوع ، و الوقفات السلمية ممنوعة ، كما أن التضامن الاجتماعي والوطني مع سكان بلدة بني بوعياش وغيرها ، ممنوع هو الآخر. قمع ومنع ممتدان من بويكيدارن و إمزورن الى الرباط و وجدة ، مرورا بالناظور. أينما وليت وجهك فثمة منع و قمع . صمت الآذان و سدت منافذ الحوار. انسد الأفق الاقتصادي و انسد معه المجال السياسي والحقوقي.
هكذا يكون خطاب الواقع أفصح أنباء من واقع الخطاب . فشتان ما بين أوهام المصطلحات الرنانة (من قبيل المقاربة التشاركية والحكامة والمجتمع المدني وسياسة القرب ودولة الحق والمؤسسات ...) وبين آلام الواقع (قنابل مسيلة للدموع ، و خراطيم مدفقة للمياه ، و عصي مفجرة للدماء....) . القمع طال التلاميذ والطلاب من الرباط (قمع شرس لوقفة سلمية لطلاب مسلك الفيزياء وعلوم المهندس) إلى وجدة(مواجهات عنيفة مع قوات الأمن بمحيط جامعة محمد الأول) ، مرورا بإمزورن (اقتحام متكرر لثانوية مولاي إسماعيل) . أئمة المساجد هم أيضا ، لم يسلموا من التنكيل و الاعتقال (اعتقال دام 24 ساعة لخمسة أئمة ينتمون للرابطة الوطنية لأسرة المساجد بالمغرب ، بنواحي اشتوكة ايت باها ).
الملاحظون حائرون ، لايفهمون ، يتساءلون : أ فبهذه الأساليب المنتمية إلى عهد ما قبل 20 فبراير 2011 ، تريد الدولة أن تسترجع هيبتها المفقودة ، وتحقق وعودها المنشودة ؟ هيهات ثم هيهات ..
ومما يثير الاستغراب حقا ، انعدام الانسجام في الرؤية ، لدى الفاعلين الحكوميين والحزبيين والجمعويين المنتمين لحزب العدالة والتنمية . فبينما يصر رئيس الحكومة والناطق الرسمي باسمها على ضرورة استرجاع هيبة الدولة واستتباب الأمن ، حتى ولو أدى ذلك إلى بعض التجاوزات ، يضطر وزير العدل والحريات للاعتذار لفاعلين حقوقيين وسياسيين ، تعرضوا خلال احدى وقفاتهم السلمية ، لتعنيف لفظي وبدني ، من طرف قوات الأمن .
ومن جهة أخرى، تصدر الكتابة الإقليمية لحزب العدالة والتنمية بمدينة الحسيمة ، بيانا شديد اللهجة تؤكد من خلاله أن الأحداث هي نتيجة مباشرة لانزلاقات صادرة من الأجهزة الأمنية ، والتي يتهمها البيان بالاعتداء على الناس الأبرياء ونهب الممتلكات. ويقول البيان " وإذ نتابع الوضع بكثير من القلق، نسجل إدانتنا لمثل هذه التجاوزات والتدخلات الأمنية المبالغ فيها والتي لن تساهم بأي شكل من الأشكال في إخماد الوضع ، بقدر ما ستؤججه وتعمق حالة الاحتقان الاجتماعي بالمنطقة ". كما دعا البيان الى ضرورة إيفاد لجنة برلمانية لتقصي الحقائق بعين المكان. هذا بالإضافة الى ما صرح به نائب رئيس "منتدى الكرامة لحقوق الإنسان " (مقرب من العدالة والتنمية )، من أن السلطات العمومية أفرطت في استعمال القوة وبطريقة غير قانونية أثناء تدخلها في أحداث بني بوعياش . وسجل "تعسفا وشططا في استعمال السلطة " أثناء معالجة تلك الأحداث(جريدة التجديد عدد يوم الجمعة 16 مارس 2012) .
ويمكن تجاوز المفارقة المشار اليها اعلاه ، اذا ما قرأت المواقف المتباينة ، في اطار لعبة توزيع وإعادة توزيع الادوار بين فاعلي حزب العدالة والتنمية ، في مختلف مستويات تواجد و اشتغال الحزب ، مؤسساتيا وحزبيا ونقابيا وجمعويا وإعلاميا.
ولكن مهما تكن الأحوال ، فلا يمكن للملاحظ المتتبع الا أن يسجل ، ان الحصيلة السياسية والحقوقية للحكومة الحالية ، تزداد سوءا يوما عن يوم . أما المشكلات فعويصة و بنيوية . ولسوء حظ الحزب الذي يترأس الحكومة ، أن الحلول المتاحة محدودة و ولا يمكن أن تكون الا سطحية ومؤقتة ، نظرا لضيق هامش الفعل وانحسار أفق المبادرة . هذا ناهيك عن كون التوازن الهش بين مختلف مؤسسات الدولة ، لايمكن ان يسمح بأكثر من ذلك .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.