حين يتحدث الانتماء.. رضا سليم يختار "الزعيم" ويرفض عروضا مغرية    تعيينات جديدة في صفوف الأمن الوطني بالإدارة المركزية واللاممركزة    المحكمة الدستورية تسقط الفقرة الأولى ومواد أخرى من قانون المسطرة المدنية        استيراد الأبقار بالمغرب يلامس سقف 150 ألف رأس والحكومة تتجه لإصدار قرار جديد    حقينة سدود المغرب تواصل الانخفاض رغم التحسن النسبي في معدل الملء    طيران مباشر يربط الأردن بالمغرب    فرنسا تعلق إعفاء جزائريين من التأشيرة    تحطم مروحية يقتل وزيرين في غانا    وفيات سوء التغذية تزيد بقطاع غزة    هل يُضفي الذكاء الاصطناعي الشفافية والمصداقية على الانتخابات المغربية؟    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بالأخضر    قرعة الأبطال و"الكاف" بدار السلام    "إعارة بلا شراء" للضحاك مع الرجاء    تنظيم جديد للسفر من "طنجة المتوسط"    تقلب الجو يوقف الصيد بمياه بوجدور    ضمنهم جزائريون وباكستانيون.. السلطات المغربية توقف "حراگة" بالشمال    دعم السينما يركز على 4 مهرجانات    خبيرة غذائية تبرز فوائد تناول بذور الفلفل الحلو    تكريم كفاءات مغربية في سهرة الجالية يوم 10 غشت بمسرح محمد الخامس    ماكرون يرفع سقف المواجهة مع الجزائر ويدعو حكومته لنهج أكثر صرامة    مصرع شخصين واصابة ثلاثة اخرين بجروح خطيرة في حادثة سير نواحي الناظور    بادس.. ذاكرة شاطئ يهمس بحكايا التاريخ        نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية قوية مصحوبة بالبرد وبهبات رياح مرتقبة من الأربعاء إلى الأحد بعدد من مناطق المملكة        رئيس الفيفا جياني إنفانتينو: دعم الملك محمد السادس جعل المغرب نموذجاً كروياً عالمياً    دقيقة صمت في هيروشيما إحياء لذكرى مرور 80 سنة على إلقاء القنبلة الذرية عليها    المغرب... تضامن مستمر ومتواصل مع فلسطين بقيادة الملك محمد السادس    حين ينطق التجريد بلغة الإنسان:رحلة في عالم الفنان التشكيلي أحمد الهواري    النجمة أصالة تغني شارة «القيصر» الدراما الجريئة    توقيف أفارقة متورطين في تزوير جوازات سفر وشهادات مدرسية أجنبية ووثائق تعريفية ورخص للسياقة    حزب الله يرفض قرار الحكومة اللبنانية تجريده من سلاحه    نشوب حريق في شقة سكنية بمدينة الفنيدق    قراءة ‬في ‬برقية ‬الرئيس ‬الأمريكي ‬دونالد ‬ترامب ‬إلى ‬جلالة ‬الملك ‬    نتنياهو يتجه نحو احتلال قطاع غزة بالكامل    أكلو : إلغاء مهرجان "التبوريدة أوكلو" هذا الصيف.. "شوقي"يكشف معطيات حول هذه التظاهرة    نقل جندي إسباني من جزيرة النكور بالحسيمة إلى مليلية بمروحية بعد إصابته في ظروف غامضة    عدد ضحايا حوادث السير يرتفع بالمدن فيما يسجل انخفاضا خارجها خلال شهر يوليوز    المديرية العامة للأمن الوطني تطلق حركية الانتقالات السنوية    طفل يرى النور بعد ثلاثين عامًا من التجميد    غزة.. انقلاب شاحنة مساعدات يخلف 20 قتيلا ومستوطنون يهاجمون قافلة معونات قرب مخيم النصيرات    الموثقون بالمغرب يلجأون للقضاء بعد تسريب معطيات رقمية حساسة    "وصل مرحلة التأزم البنيوي".. 3 مؤسسات رسمية تدق ناقوس الخطر بشأن أنظمة التقاعد    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تعقد اجتماعاً حاسماً لدراسة تعديلات قانونية وهيكلية    الذهب يتراجع متأثرا بصعود الدولار    بطولة فرنسا: لنس يتوصل لاتفاق لضم الفرنسي توفان من أودينيزي    «أكوا باور» السعودية تفوز بصفقة «مازن» لتطوير محطتي نور ميدلت 2 و3    بين يَدَيْ سيرتي .. علائم ذكريات ونوافذ على الذات نابضة بالحياة    بنما تعلن من جديد: الصحراء مغربية... ومبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي الحل النهائي    نحن والحجاج الجزائريون: من الجوار الجغرافي …إلى الجوار الرباني    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجم الزاني: أكبر جريمة في حق الدين والإنسان
نشر في لكم يوم 21 - 07 - 2012

التقينا قبل تسع سنوات بأحد المفكرين الإسلاميين الذي يعتبر من أهم المؤسسين للمعهد العالمي للفكر الإسلامي، والذي أفصح لنا عن كونه غير مقتنع ب الأدلة التي تقرر مجموعة من العقوبات التي تسمى إسلامية ومنها عقوبة القتل التي تخص المرتد والزاني المحصن، لكنه ( يضيف المفكر) لا يود مصادمة الرأي الفقهي السائد، خاصة وأن هذه العقوبات غير مطبقة وقد لا تطبق مستقبلا.
وأنا ، وإذا لا أنكر صدمتي عندما علمت أن المفكر ينكر عقوبتي الرجم وقتل المرتد، حيث كنت مقنعا بكونهما عقوبتان إسلاميتان، إلا أنني اتجهت صوب مجموعة من الكتب والعلماء، سواء من أنكر هذه العقوبات أو من أكدها، لكي أخرج بقناعة ترسخت لدي إلى يومنا هذا، والتي لم أجرأ على نشرها، متأثرا برأي مفكرنا الذي يخشى مصادمة الرأي السائد في موضوع غير ذي جدوى.
لكن يبدو أن تخمين المفكر وتخميني لم يكونا في محلهما، فالأخبار المتداولة اليوم لا تتركنا لنا مجالا للمزيد من الاختباء وخشية معاكسة الرأي السائد، إذ أننا أصبحنا نسمع ، بل ونرى، في مقاطع منشورة على الانترنت، حالات لقتل بعض " الزناة " تطبيقا لما يسمى " حد رجم الزاني" من قبل حركات أو دول، من قبيل حركة طالبان و الحركات المالية والصومالية. وآخر تلك المقاطع ، ما حصل في أفغانستان حيث رميت امرأة بالرصاص حتى الموت بتهمة الزنا. لهذا نظن، أن من الواجب على كل عالم أو مفكر أن يعلن اليوم ما يقتنع به، من أجل وقف هذا العبث، الذي لن يسهم إلا في تشويه الإسلام وإهدار كرامة الإنسان( وأنا أخط هذه الأسطر أسمع أحد "الدعاة " على إحدى القنوات الدينية المصرية وهو يصرخ: نريد تطبيق شرع الله لأنه هو الضامن لبقاء المجتمع وتحصينه من التفسخ، فلو طبقنا حد السارق لما سرق أحدا ولو طبقنا حد الزنا على المحصن لما استمرت الخيانة الزوجية....).
أود قبل طرح موضوع الدراسة، أن أنبه بعض المتسرعين في إطلاق الأحكام، أني لست الوحيد الذي ينكر حد الردة، بل إن جل أفكاري مستخلص مما خطه بعض العلماء والمفكرين الإسلاميين، وأن مهمتي هنا هي التفكير بصوت عال، والتعبير عن قناعتي في هذا الموضوع المثير للجدل. فأنا كمسلم من حقي معرفة ديني وتدبره والتفكير في مضامينه هذا من جهة، ومن جهة ثانية فالموضوع ينتمي إلى حقل العلوم الإنسانية وهو الحقل الذي أشتغل عليه، فضلا عن أنه يمس الشأن العام والقانون وهو تخصص الدراسة. لذلك على من لديه أي اعتراض أو تعقيب على ما أتناوله في هذه الدراسة، أن يسلك المسلك العلمي للتعبير عن اعتراضه وأن يرد على الحجة بأختها ويتجنب الشخصنة أو العبارات المكررة من قبيل "الإسلام قوي ولا تقووا على هزيمته"، لأننا نعلم أن الإسلام قوي ولن يقوى المبتدعة والعرافون ووعاظ السلاطين وحفاظ المتون ودارسوا الهوامش ومقلدوا السلف أن ينالوا منه. فمن قل علمه أذعن وطاع واتبع وقلد ، ومن توفر لديه بعض العلم طرح الأسئلة وحاول الفهم قبل الممارسة، فالله سبحانه سيسألنا عن كتابه الذي انزله وليس عن أقوال البشر.
بعد هذه التوطئة، نشرع في طرح الموضوع من مختلف جوانبه، ونبدأ بما ورد في القرآن، لكي نصل إلى القصص الواردة في الحديث. ( ولأنني على علم بان هناك من سيكتفي بالتقديم لكي ينتقل إلى الشتم دون قراءة باقي الدراسة، فإنني مضطر إلى ذكر بعض العلماء الذين أنكروا حد رجم الزاني: كالشيخ محمد أبو زهرة أحد كبار علماء الأزهر، الشيخ يوسف القرضاوي، طه جابر العلواني، حاج حمد، الترابي، الريسوني، والغنوشي وغيرهم).
لقد قال الفقه أن الجلد الوارد في سورة النور "مائة جلدة" لا يعني الزاني المحصن أي المتزوج بل يعني فقط العازب، رغم انه كان من باب أولى أن يورد الله الحكم الأقوى(القتل) في القرآن، بينما تتكفل السنة بباقي التعازير كما يسميها معشر الفقهاء. كما نسب الفقه لعمر بن الخطاب قوله "كانت هناك آية قرأناها وقرأها رسول الله حذفت من القرآن وهي آية : الشيخ والشيخة إذا زنيا ارجموهما البتة" لكن المصاحف لم تذكرها وهذا يتناقض مع آية (إنا أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
ونفس الأمر حصل مع السيدة عائشة زوجة الرسول عليهما السلام، عندما قالوا بأنها قالت أن آية رجم الزاني أكلتها دويبة، وهذا تخريف ما بعده تخريف، ولا يمكن أن يصدر عن عائشة التي علمها الرسول (ص) أن القرآن محفوظ.
لقد نسي بعض الفقهاء أن آخر ما أوصى به النبي في حجة الوداع هو النساء:" لكم عليهن أن لا يطئن فراشكم أحدا تكرهونه، وعليهن أن لا ياتين بفاحشة بينة، فإن فعلن فإن الله أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع" ولم يقل فاقتلوهن، وهو نفس ما أكدت عليه الآية التي أَوَلَها بعض الفقهاء بشكل غير صحيح، وقال إنها نسخت (واللاتي ياتين الفاحشة من نسائكم فاشهدوا عليهن أربعة منكم فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا، واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فان تابا وأصلحا فاعرضوا عنهما أن الله كان توابا رحيما) النساء 15.
لقد استعصى على بعض الفقهاء تفسير الآية الواردة في الأمَة ( للمرأة غير الحرة) المحصنة {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} النساء 25. فإذ كان الحكم على المرأة الحرة المحصنة هو رجمها حتى الموت فما هو نصف هذا العذاب الذي فرضه القرآن على الأمَة المحصنة هل هو نصف القتل؟
فعندما يُواجه الفقهاء بهذه الأدلة، يستنجدون بالمرويات الموجودة في كتب الحديث، فيقدمون الحديث على القرآن ويجعلون السنة قاضية على القرآن وناسخة لأحكامه أو مناقضة لها، وهو ما لا يليق لا بحق القرآن ولا بحق السنة الصحيحة، لأن القرآن هو من يعرض عليه الحديث وليس العكس، ولأن النبي بعثه الله لكي يبين للناس ما هو موجود في القرآن، لا أن يضيف إليه. وهذا ما تدلنا عليه الكثير من الآيات وأهمها : (يستفتونك قل الله يفتيكم) و (ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين) و(وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) و(ما فرطنا في الكتاب من شيء).
إذن لماذا لم يذكر الرجم في القرآن بينما ذكر الجلد، ولماذا قال الرسول في حجة الوداع امسكوهن ولم يقل اقتلوهن ولماذا حكم الأمَة المحصنة في القرآن هو نصف ما على الحرة، هل هو نصف القتل، ثم أين هي تلك الآية التي قالوا بوجودها " الشيخ والشيخة...." لماذا لا نجدها في القرآن، او ليس القرآن محفوظا؟؟؟ أرجو ألا نواجه بمقولة "نسخ لفظه وبقي حكمه" لأنه تبرير تافه ولا يستقيم بل لم يقنع حتى مجموعة من فقهاء القرن الرابع الهجري.
هذا فيما يخص ما نسب إلى القرآن، وأما المرويات التي يحاول البعض فرضها واعتبارها سنة عن الرسول (ص) فإنها كلها مردودة على أصحابها سندا ومتنا، عقلا وشرعا، وإليكم بيان ذلك.
قصة رجم الزاني:
حَدَّثَنَا مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ جَاءَتْ الْيَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ فَقَالُوا نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ ثُمَّ قَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَابَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَقَالُوا صَدَقَت يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ قَالَ مَالِك يَعْنِي يَحْنِي يُكِبُّ عَلَيْهَا حَتَّى تَقَعَ الْحِجَارَةُ. نلاحظ من خلال هذه القصة أن الرسول لم يكن على علم بعقوبة الزنا، ولم يسأل اليهود عن هوية المرأة أو الرجل هل هما متزوجان أم لا. فكيف اكتشف الفقه أن عقوبة الجلد تعود على غير المحصن بينما عقوبة الرجم تعود على المحصن؟ هل استنتجوا ذلك من الآية التي أكلتها دويبة ولم تعد في القرآن؟ فهذه الآية نفسها، وعلى افتراض أن قولهم صحيح ، لم تقل "المتزوج والمتزوجة إذا زنيا ارجموهما"، وإنما قالت: "الشيخ والشيخة " فهل مصطلح الشيخ يعني، دائما، أن صاحبه متزوج، ألا يمكن أن يصل الانسان إلى سن الشيخوخة من غير زواج؟
قصة الغامدية
نجد البداية بسيطة في الحديث رقم 696 في موطأ مالك يرويه مالك عن يعقوب بن يزيد عن أبيه عن عبد الله بن أبي مليكة ، أن امرأة أتت إلى النبي فأخبرته أنها زنت وهي حامل ، فقال لها اذهبي حتي تضعي فلما وضعت أتته فقال لها : اذهبي حتي ترضعيه ، فلما أرضعته أتته فقال لها ": اذهبي حتي تستودعيه فاستودعته ، ثم جاءته فأمر بها فأقيم عليها الحد . هذه القصة غير موجودة في كتاب البخاري بينما حفل بها كتاب مسلم حيث سميت في رواية ب" الغامدية" أي أنها من غامد، وقيل في رواية أخرى أنها من جهينة.
نجد في القصة امرأة تعترف بالزنا وتريد من الرسول أن يطهرها في الدنيا - رغم أن فكرة الطهارة الدنيوية غير موجودة في الإسلام، وإنما يؤجل الإسلام العقاب إلى الآخرة، بينما فكرة الطهارة الدنيوية معروفة لدى المسيحية- فلما جاءت إلى النبي أمهلها أن تلد ابنها ثم ترضعه، فأمر بحفر حفرة لها الي صدرها ، وأمر الناس فرجموها ، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمي به رأسها فتطايرت دماؤها علي وجه خالد فشتمها خالد ، فقال النبي " انها تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له " . نلاحظ هنا، أيضا، أن مصطلح "صاحب المكس"- وهو من يجمع الضرائب عند المنافذ التجارية أو بتعبير عصرنا هو رجل الجمارك - قد ورد في الانجيل مقترنا بالظلم " المكاسون " او " العشارون ". كما يظهر من القصة أن الرسول حاول تجنب إقامة الحد على هذه المرأة لولا إصرارها وهو ما يتناقض مع ما عرف عن النبي أنه كان شديد الحرص على إقامة الحدود أو ليس هو القائل: "وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها".هذا من حيث المتن أما من حيث السند، فالقصة تعتبر من خبر الآحاد ، حسب تعبير المحدثين، أي أنها لم تكن متواترة عن الرسول، رغم أنها من المفروض أن تتواتر، لأن فعل الرجم شارك فيه جمع من الناس وشاهده جمع من الناس، فكيف يروي القصة واحد من الناس؟.
قصة من أسموه "ماعز"
يقول البخاري ( حدثني عبد الله بن محمد الجعفي ، حدثنا وهيب بن جرير ، حدثنا ابي قال : سمعت يعلي بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما أتي ماعز بن مالك النبي ( ص) قال له : لعلك قبلت او غمزت او نظرت ، قال : لا يا رسول الله : قال : انكتها ؟ لا يكني ، قال فعند ذلك امر برجمه ) هذا الحديث، وروايات أخرى نجدها في كتب الحديث، هو خبر الواحد، الذي لا يمكن أن تقام به الحدود حسب إجماع الفقهاء. كما تفيدنا تلك الروايات أن الرجل (ماعز) هو من طلب رجمه وليس الرسول، وأن ماعز هرب وتبعه بعض الناس يرشقونه بالحجر حتى مات، ولما رجعوا إلى الرسول قال لهم لماذا لم تتركوه وشانه. فإذا كان رجم الزاني من الدين لماذا لم يصر الرسول على الإتيان به واستكمال العقوبة، ولماذا تمنى على الناس ألا يحرصوا على الاستمرار في رجمه؟
ربما أن هذه الأدلة لم تقنع البعض لذلك سنذهب إلى حجج أخرى وردت في كتاب البخاري حيث (سئل عبد الله بن أبي أوفى عن الرجم: أكان قبل سورة النور أو بعدها؟ ( يريد السائل بذلك أن تكون آية سورة النور منسوخة بحديث الرجم أو العكس ، أي أن الرجم منسوخ بالجلد ) فقال ابن أبي أوفى : لا أدري)، وجاء مسلم بنفس الرواية في اسنادين مختلفين ، والمستفاد من الرواية أن إصرار منكري الرجم على الاكتفاء بعقوبة الجلد للزاني المحصن وغير المحصن وقوة حججهم ، قد حمل رواة الحديث على صناعة تلك الرواية لتمنع التعارض بين عقوبتي الرجم والجلد.
وحتى العلماء الذين لم ينكروا قصص الرجم، اعتبروا حد الرجم من المنسوخات وأن الرسول رجم قبل نزول آية الجلد، ومن هنا أقروا التسلسل التاريخي الذي يقودنا إلى ترتيب الأمور على هذه الصورة :
1 - عقوبة الزناة كانت بالحبس للمرأة والتشهير بحق الرجل.
2 - ثم جاءت أدلة تفصل الأحكام ( البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ،والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) وكل الأحاديث الواردة في المسألة نسبة للعقوبة الثابتة في عقيدة اليهود.
3 - ثم جاء الحكم القطعي الذي لم يثبت مخصصاً له على وجه الفور ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة ..).
كما أرجو من القارئ التمعن في هذا الحديث الوارد في كتاب البخاري - باب إذا أقر بالحد ولم يبين هل للإمام أن يستر عليه- "حدثني عبد القدوس بن محمد: حدثني عروة بن عاصم الكلابي: حدثنا همَّام بن يحيى: حدثنا إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً فأقمه علي، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قام إليه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً، فأقم فيَّ كتاب الله، قال: (أليس قد صليت معنا). قال: نعم، قال: (فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدَّك)". أي أن الصلاة تغفر الذنب و تمحو عقوبة الرجم، وهذا ما يتناقض مع الأحاديث الأخرى التي تنضخ بدماء الضحايا من المرجومين حسب زعم الفقهاء .
إضافة إلى ذلك أدعو، كل من لم تقنعه كل تلك الحجج، إلى تدبر التناقض الحاصل بين ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أن الله كتب الإحسان في كل شئ حتى في الذبح، يجب أن نحد الشفرة ونريح الذبيحة، وحتى في القصاص يجب ألا يتم تعذيب المقتص منه، بل إراحته بقتلة سريعة، وبين مطالب البعض بالقتل بالحجر، إذ كيف لدين يدعو إلى الذبح الرحيم للذبيحة، أن يسمح بقتل رجل أو امرأة بالحجر، فالذي يرجم بالحجر لا يموت بسرعة بل يتعذب قبل أن يفقد روحه، فلا يستقيم ان يكون هذا دينا وإنما هو محض افتراء على الله وعلى الدين. والله أعلم.
تأسيسا على ما سبق، أتمنى على علماء الاستنارة الخروج إلى العلن والإعلان عن مواقفهم الصريحة المناهضة لمثل هذه العقوبات المناقضة للدين والمنتهكة لحقوق الإنسان. إننا نعلم أن هناك مجموعة من العلماء يخفون ما الله مبديه، ويخشون معاكسة الرأي العام ومصادمة التقاليد المرعية، وهو ما ساهم في بقاء تلك العقوبات إلى يومنا هذا منتشرة. إذ ذكر في هذا الصدد الشيخ القرضاوي أن الشيخ محمد أبو زهرة، أحد كبار علماء الأزهر الراحلين، أخفى رأيه في حد رجم الزاني المحصن 20 عاما، ثم أعلنه أمام علماء مختصين، منهم الشيخ مصطفى الزرقا، والدكتور صبحي الصالح، والدكتور حسين حامد حسان في ندوة عن «التشريع الإسلامي» في ليبيا عام 1972. وكان الشيخ أبو زهرة يرى أن رجم الزاني المحصن كان شريعة يهودية، أقرها الرسول في أول الأمر، ثم نسخت بحد الجلد في سورة النور لقد قال الشيخ "إني كتمت رأيًا فقهيًّا في نفسي من عشرين سنة، وكنت قد بحت به للدكتور عبد العزيز عامر، وآن لي أن أبوح بما كتمته، قبل أن ألقى الله تعالى، ويسألني: لماذا كتمت ما لديك من علم، ولم تبينه للناس؟".
بل منهم من استشهد بالحيوانات لكي يبرهن على وجوب رجم الزاني، كما جاء في كتاب البخاري في باب – القسامة في الجاهلية-" حدثنا نعيم بن حماد حدثنا هشيم عن حصين عن عمرو بن ميمون قال: رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم" . ولما خشي وُضاع الحديث أن لا يستصيغ المتلقي هذه الرواية، قالوا " لعل هؤلاء كانوا من نسل الذين مسخوا فبقي فيهم ذلك الحكم " وعندما تنبه البعض إلى أن "الممسوخ لا ينسل" بناء على ما روي في كتاب مسلم من حديث بن مسعود مرفوعا" إن الله لم يهلك قوما فيجعل لهم نسلا".
قد يقول قائل، إنك لا تؤمن بالحديث ولا تعتبر السنة وحيا، وأنا أقول بل أعتبر السنة الصحيحة المتوارثة وحيا وأعرضها على كتاب الله، ما وافقه من المرويات أخذت به وما خالفه ضربت به عرض الحائط. ولست بدعا في ذلك بل سبقني إليه علماء كثر ( وأنا لست عالما بل مسلم لدي عقل أفكر به وأدرك به وجود الله) وأبرزهم أبو حنيفة النعمان، فالسنة لدي شارحة وموضحة ومبينة للقرآن ولا يمكن أن تكون، بأي حال من الأحوال، قاضية على القرآن ولا ناسخة لأحكامه، وبالتبع لن تكون السنة منشئة لأي حكم جديد لم يرد في القرآن، الذي قال فيه الله {اليوم أكملت لكم دينك}. وقد يقول آخر إنك تستخدم عقلك في مقابل الوحي، وأنا أقول إن العقل الذي يوصلني إلى وجود الله لا يمكن أن أدعه في الرف عندما أرغب في معرفة أحكام الله، فالعقل الذي يوصلك إلى معرفة المطلق لا يمكنك أن تتنكر له في محاولة معرفة أحكام الله. ألم يقل ابن قيم الجوزية " أينما ظهرت المصلحة فتمت شرع الله"؟
فهل من المصلحة ومن الحكمة ومن العقل ومن الدين ، ألا بنص القرآن على أية عقوبة قاتلة – ماعدا مسألة القصاص- في الوقت الذي "يجته"د فيه الفقه من أجل المزيد من عقوبات القتل.
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قوْلي. والله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.