لعل المداد الذي سيسيل بخصوص مناقشة قرار محكمة النقض عدد 881/1 الصادر عن الغرفة الجنائية القسم الاول بتاريخ 23/09/2020 في ملف طلب الإحالة عدد 10654/6/1/2020 والقاضي في منطوقه بسحب ملف الدعوى 530/2020 من الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بأكادير و احالتها على الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بالرباط.. هاته المناقشة التي ستثار حوله لا من طرف رجال القانون فحسب بل أيضا مختلف المتتبعين و المهتمين بالشأن العام و ذلك نظرا للإشكاليات التي طرحها أو سيطرحها و الغايات التي يمكن القول إنه قد حققها . و قيل طرح بعض هاته الإشكاليات يلزم أولا عرض الوقائع بإيجاز: 1- الوقائع بإيجاز يستفاد من الوقائع صدر القرار موضوع التعليق أن السيد الرئيس الأول لدى محكمة الاستئناف بأكادير تقدم بطلب للسيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض يعرض فيه أنه تم فتح قضية أمام الغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف بأكادير تحت عدد 530/2525/2020 مدرجة لجلسة 23/09/2020 و أن بعض أطراف هذا الملف من معارفه و البعض الاخر من أفراد قبيلته و أنه نظرا لكونه يترأس الغرفة الجنحية بحكم القانون و ضمانا لحسن سير العدالة يلتمس تطبيق مقتضيات المادة 272 من قانون المسطرة الجنائية ملتمسا عرض هذا الطلب على الجهة المختصة لإحالة الملف على محكمة أخرى و أن هذا الطلب كان موضوع طلب الوكيل العام لمحكمة النقض ليفتتح له الملف الذي صدر فيه القرار موضوع التعليق. 2- المناقشة و التعليق و كما سبق القول فإن هذا القرار و اعتبارا للأساس الواقعي و المعطى القانوني اللذان بني عليهما يطرح العديد من الإشكالات و يدفع لطرح العديد من التساؤلات ربما قد تكون موضوع تعديلات مسطرية قد تعرفها المسطرة الجنائية في هذا الباب و لعل من الإشكالات و التساؤلات المفروض طرحها في هاته العجالة الاتي: 1- حول الأساس الوقائعي المؤسس عليه القرار: ذلك ان هذا الأساس تمثل حسب طلب السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بأكادير في كون بعض أطراف الملف الذي سيعرض على الغرفة الجنحية التي يترأسها بحكم القانون من معارفه و البعض الأخر من قبيلته و بالعودة إلى تكوين الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف سنجد أن الفصل 231 من قانون المسطرة المدنية نص على أن الغرفة الجنحية يترأسها الرئيس الأول و من ينوب عنه و هنا ما يمكن طرح السؤال التالي: هل كان يمكن للرئيس الأول فقط ان يكتفي بتعيين نائبا له لرئاسة الغرفة الجنحية للنظر في هذا الملف وبذلك يكون قد جاوز هذا المانع حتى و لو تم تقديم طلب الإحالة من أطراف آخرين لهذا السبب . لكن يبدو أن السيد الرئيس الأول اعتبر أن تخلفه عن رئاسة الغرفة شخصيا و إسنادها إلى نائبه و الذي هو من اختياره ليس كافيا لإبعاد الشبهات التي يمكن أن تثار في هاته الحالة و هو ما دفعه لدرئها بالمطلق إلى تقديم طلب الاحالة هذا. 2- حول الأساس القانوني الظاهر و الخفي: حيث أن القرار أسس من الناحية القانونية على المادة 272 من قانون المسطرة الجنائية التي نصت على "يمكن للغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى، بناء على ملتمس من الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى وحده، أن تأمر بالإحالة من أجل الأمن العمومي. ويمكن أيضاً لنفس الغرفة، بناء على ملتمس من الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى أو من الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف المعنية، تلقائياً أو بناء على طلب الأطراف، أن تأمر بالإحالة لتحقيق حسن سير العدالة، بشرط ألا ينتج عن ذلك أي ضرر يعرقل ظهور الحقيقة أو يمس بممارسة حقوق الدفاع. تجري المسطرة في الحالتين حسب الكيفيات المنصوص عليها في المادة السابقة." فإنه غني عن البيان أن الطلب قدم للغرفة الجنائية لدى محكمة النقض من طرف الوكيل العام للملك بها، و ان الاستجابة لهذا الطلب تكون مشروطة بشرطين اثنين هما: – ألا تترتب عن الإحالة ما يعرقل ظهور الحقيقة. – ألا يترتب عن الإحالة مساس بممارسة حقوق الدفاع. ولعله من الإشكاليات التي ستطرح بعد هذه الإحالة و في ظل استمرار جائحة كورونا لا قدر الله، اشكالية فتح المدن الكبرى و منها العاصمة الرباط للتنقل من عدمه و هو ما يمكن أن يشكل في لحظات معينة عرقلة لظهور الحقيقة و أيضا مساس بممارسة حقوق الدفاع. و من هنا أيضا تجب الاشارة إلى أن حقوق الدفاع يقصد بها حقوق دفاع جميع أطراف الدعوى الجنائية من نيابة عامة و متهمين و مشتكين و ليست حقوق دفاع المتهمين وحدهم. و من جهة أخرى و بالرجوع إلى المقتضى الأخير من المادة 272 المشار إليها نجد أنها أحالت على المادة التي قبلها أي المادة 271 و بالعودة إلى هاته الأخيرة نجدها نصت على : "يجب أن تقدم طلبات الإحالة قبل أي استجواب أو مناقشة في الجوهر، ما لم تكن الأفعال المستند عليها كمبرر للإحالة قد طرأت أو اكتشفت بعد ذلك. يودع الطلب بكتابة الضبط بالمجلس الأعلى إما منطرف الوكيل العام للملك لدى هذا المجلس أو النيابة العامة بالمحكمة المرفوعة إليها الدعوى، أو المتهم، أو الطرف المدني. لا يترتب عن إيداع الطلب أي أثر موقف، ما لم تقرر الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى خلاف ذلك. يبلغ الطلب فورا لجميع الأطراف الذين يهمهم الأمر ويحدد لهم أجل عشرة أيام لإيداع مذكرة بكتابة الضبط بالمجلس الأعلى. تبت الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى في غرفة المشورة دون حضور الأطراف داخل أجل شهر من تاريخ تقديم الطلب،ويبلغ إليهم على الفور القرار الصادر عنها." ليتضح من خلال هاته المادة أنه يجب تبليغ طلب الإحالة لجميع الأطراف و منحهم أجل 10 ايام لإيداع مراعاتهم الدفاعية بكتابة ضبط محكمة النقض، هذا الأمر لم يتم ولم يحترمه القرار موضوع التعليق حيث ان طلب السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بأكادير كان بتاريخ عرض الملف عليه كرئيس لتعيينه بتاريخ 21/09/2010 المقدم للوكيل العام للملك بمحكمة النقض هذا الأخير تقدم بدوره بطلبه للغرفة الجنائية بتاريخ 23/09/2020 لتصدر قرارها في نفس اليوم و بدون تبليغ الأطراف و بدون منحهم أي أجل لتقديم من مذكراتهم. و هنا تطرح مسألة احترام حقوق الدفاع و عدم المساس بها بشكل جدي خصوصا و أن كان لاحترام هاته الحقوق و تبليغ الطلب للأطراف و منحهم الأجل القانوني لتقديم مذكراتهم يقتضي فقط أمر الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بأكادير بإيقاف البث في النازلة إلى غاية بث الغرفة الجنائية بمحكمة النقض في جوهر الطلب المرفوع إليها. و بعد إدلاء الأطراف بمذكراتهم وفق نص الفقرة 3 من المادة 271. 3- حول تأسيس قانوني آخر الأساس الواقعي المعتمد: ذلك أن السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بأكادير أسس طلبه على الإحالة على العلاقة القبلية التي تربطه ببعض الأطراف و العلاقة الشخصية التي تربطه بالبعض الآخر فهل يمكن ادراج هذا الأمر في إطار التجريح استنادا للمادة 273 من قانون المسطرة الجنائية و خصوصا الفقرة الثانية التي نصت على "يمكن تجريح كل قاض من قضاة الحكم في الأحوال الآتية: – إذا كانت له أو لزوجه قرابة أو مصاهرة مع أحد الأطراف بما فيها درجة أبناء الأعمام والأخوال" أوالفقرة الثامنة التي نصت على "- إذا كانت بين القاضي وأحد الأطراف صداقة أو عداوة معروفة." و في هاته الحالة يعمل بالمادة 283 من قانون المسطرة الجنائية التي نصت على: "كل طلب تجريح موجه ضد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، يجب أن يقدم بمذكرة إلى الرئيس الأول للمجلس الأعلى الذي يبت فيه بعد استشارة الوكيل العام للملك لدى نفس المجلس بأمر قضائي غير قابل لأي طعن، وتطبق المقتضيات المنصوص عليها في المادة 279أعلاه". و هذا الباب يمكن القول أليس ما مارسه السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بأكادير نوعا من التجريح الذاتي تمت ممارسته في إطار المادة 275 من قانون المسطرة الجنائية التي نصت على "يتعين على كل قاض بينه وبين متهم سبب من أسباب التجريح المنصوص عليها في المادة 273 أو أي سبب آخر لتنحيته، أن يقدم تصريحا بذلك إلى الرئيس الأول للمجلس الأعلى أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف حسب الكيفيات المنصوص عليها في المادة 278". مشكل هذا التجريح وجد إطارااخر له تحت مسمى حسن سير العدالة مع العلم ان التجريح مقرر اصلا لحسن سير العدالة. 4- حول الغايات التي يكون قد حققها القرار موضوع التعليق: لطالما شكل الامن والقضائي مطلبا عاما لكل الحقوقيين و القانونيين بل و عموم المواطنين و خصوصا منهم المتقاضين. و غني عن البيان أيضا أنه احد مهام الدولة الأساسية و هو ركيزتها و هو المرسخ للشعور بالانتماء إلى دولة الحق و القانون من عدمه .قد كان دستور المملكة 2011 لسنة احدث فتحت في هذا الباب حيث أن الفصل 117 الذي نص على "يتولى القاضي حماية حقوق الاشخاص و الجماعات وحرياتهم و امنهم القضائي و تطبيق القانون". و غالبا ما كان ينظر لهذا المن القضائي من جانب المتهم نظرا للإرث التاريخي المرتبط بانتهاكات حقوق الإنسان و التي ارتكبت تاريخيا في ابشع صورها من طرف أجهزة الدولة و لم يكن القضاء يملك من السلطة ما يضع حدا لها بل أحيانا وصل به الأمر إلى تزكيتها .بيد أن الأمن القضائي هو حق مطلق لجميع أفراد المجتمع بغض النظر عن مراكزهم في الدعوى سواء كانوا متهمين ام مشتكين و هو واجب و مطلب على الدولة أن توفره لمواطنيها بغض النظر عن مراكزهم في الدعوى ايضا . و القرار موضوع التعليق يمكن القول إن سيساهم أو ساهم لا محالة في تحقيق نوع من الأمن القضائي للمشتكين و قد يكون هذا القرار احد اللبنات الأساسية في تفعيل و تطوير طرق تحقيق الأمن القضائي للمواطنين بمختلف محاكم المملكة خصوصا وأنه صادر عن أعلى هيئة قضائية بالمحكمة تشكل قرارتها مرجعا معنويا لباقي المحاكم بمختلف درجاتها . 5- الاشكالات و التساؤلات التي ستبقى عالقة بعد هذا القرار: إذا كان الطلب الصادر في شأنه القرار موضوع التعليق تأسس على كون بعض أطراف الدعوى من معارف القاضي الذي سيبث الدعوى و بعضهم من قبيلته. و إذا كان أمر معرفة معارف القاضي بيد القاضي نفسه و لا يمكن أن يظهر للعيان و العموم الا في أحوال قليلة. فإن الأصل القبلي تسهل معرفته للعموم . فهل يمكن لأي طرف في اية دعوى كانت إذا كان القاضي الذي سينظر دعواه مع خصمه من قبيلة الخصم او من بلدته أن يتقدم بطلب الإحالة لحسن سير العدالة أو التشكك المشروع المنصوص عليه في المادة 270 من المسطرة الجنائية ام طلبات التجريح المؤطرة لمواد من 273 إلى 285 ؟ ثم كذلك هل يمكن لباقي القضاة الذي سيجدون أنفسهم في الموضع الذي وجد فيه السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بأكادير نفسه أن يتقدموا بطلبات مماثلة؟ ثم ما وضع الأحكام التي صدرت في قضايا سابقة و كان فيها أحد الأطراف من قبيلة القاضي او من بلدته أو من معارفه ؟ وهل يمكن تقديم طلبات و مراجعتها و إعادة النظر فيها ؟. العديد من الاسئلة ستبقى مطروحة و لعله الواقع وحده هو الكفيل بالاجابة عنها و تحديد أسلوب التعامل معها وهو ما سيدفع لا محالة الى تعديلات تشريعية ليواكب القانون الواقع و لا يبقى متخلفا عنه . فتلك سنة المجتمعات. *محام بهيئة المحامين لدى محاكم الاستئناف باكادير كلميم و العيون * كلميم في 04/10/2020