بوريطة: المغرب وروسيا متفقان على أنه لا يمكن تأويل القانون الدولي بشكل يعرقل تسوية قضية الصحراء المغربية    على هامش أشغال (سيماك).. رئيس مجلس المستشارين يشيد بالدعم الثابت لغينيا الاستوائية لمغربية الصحراء    مراكش تحتضن المؤتمر الدولي للشبكة الفرنكفونية للمجالس العليا للقضاء    كل شيء جاهز لاحتضان المؤتمر    الدريوش تعطي انطلاقة أشغال الورشة الدولية حول: "الأسماك السطحية الصغيرة في ظل الإكراهات المناخية والصيد المفرط.."    مربّو الدجاج بالمغرب يتهمون لوبيات القطاع بالاحتكار ويحمّلون الحكومة مسؤولية فشل الإصلاح    الإعلام المصري يشيد بتأهل أشبال الأطلس لنهائي مونديال الشباب    إحباط محاولة تهريب 400 كيلوغرام من مخدر الشيرا بمعبر الكركرات الحدودي    "هيومن رايتس ووتش" تطالب السلطات بالاستجابة لمطالب شباب "جيل زد" والتحقيق في الوفيات والانتهاكات    المندوبية السامية للتخطيط: تحسن سنوي في ثقة الأسر المغربية    بوريطة في موسكو... وحدة التراب المغربي خط أحمر لا يُمَسّ    السعدي يعقد لقاءات مع مختلف النقابات... مواصلة العمل على تحسين الظروف المهنية والاجتماعية    أمن طنجة يوقف مشتبها في سرقة مميتة    في مداخلة أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة .. عمر هلال: بعد 50 عاما على استرجاعها، الصحراء المغربية أضحت واحة سلام وقطبا للاندماج الإفريقي والتنمية المشتركة    محمد وهبي: سنواجه الأرجنتين بنفس الحماس لانتزاع كأس العالم    مرصد التربية الدامجة ينتقد "مغالطات وتناقضات" وزير التعليم حول تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة    تهم اقليم الحسيمة ومناطق اخرى .. نشرة انذارية تحذر من امطار رعدية قوية    محمد سلطانة يتألق في إخراج مسرحية والو دي رخاوي    عاصمة البوغاز على موعد مع الدورة أل 25 من المهرجان الوطني للفيلم    أبناء الرماد    منتخب U20 يخرج المغاربة للاحتفال    سفارة باريس بالرباط تهنئ المغاربة    "جنان الجامع" يحترق في تارودانت    تركي آل شيخ: "الرياضة المغربية دائما ترفع رؤوس العرب عاليا".    لوكورنو ينجو من تصويت بحجب الثقة    قطاع غزة يتسلم جثامين من إسرائيل    توقعات أحوال الطقس غدا الجمعة    كأس السوبر الإفريقي.. نهضة بركان يحدوها الطموح في التتويج بالكأس وتحقيق "ثلاثية تاريخية" (لاعب الفريق حمزة الموساوي)    إسطنبول… حجيرة يؤكد انخراط المملكة في شراكة هيكلية بين إفريقيا وتركيا تقوم على التضامن والتنمية المشتركة    توقعات بإنتاج 310 آلاف طن من التفاح بجهة درعة-تافيلالت خلال 2025    "الزمن المنفلت: محاولة القبض على الجمال في عالم متحوّل"    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    إجراءات ‬جديدة ‬لتسهيل ‬دخول ‬المغاربة ‬إلى ‬مصر ‬دون ‬تأشيرة    الرباط تحتفي بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة وتجدد المطالب بإسقاط التطبيع    مجموعة "سافران" الفرنسية تثمن بيئة الاستثمار في المغرب وتوسع أنشطتها بالنواصر    رفع التصنيف السيادي للمغرب محطة مفصلية للاقتصاد الوطني    نتانياهو: "المعركة لم تنته" في غزة والمنطقة    الأمم المتحدة.. المغرب يجدد تأكيد دعمه "الثابت والدائم" لسيادة الإمارات العربية المتحدة على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى    زلزال بقوة 6,6 درجات يضرب إندونيسيا    في ‬تقرير ‬رسمي ‬للمندوبية ‬السامية ‬للتخطيط    كيوسك الخميس | أزيد من 36 ألف شاب مستفيد من دعم السكن    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    "إيزي جيت" تراهن على المغرب بإفتتاح أول قاعدة لها في إفريقيا بمطار مراكش عام 2026    "الأشبال" أمام الأرجنتين بنهائي المونديال    كنز منسي للأدب المغربي.. المريني تكشف ديوانا مجهولا للمؤرخ الناصري    ريتشارد ديوك بوكان.. رجل ترامب في الرباط بين مكافأة الولاء وتحديات الدبلوماسية    قصص عالمية في مهرجان الدوحة    الدين بين دوغمائية الأولين وتحريفات التابعين ..    هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخا بديلا عن الإنسان ؟    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القومية و الثقافة و الأديان بخصائص صينية ..
نشر في لكم يوم 24 - 12 - 2021

تناولت في مقال" لماذا أرى أن قرار السلطات المغربية تسليم الناشط الإيغوري " إدريس حسن" للصين فيه مجانبة للصواب؟" قرار السلطات المغربي بتسليم المواطن الإيغوري " إدريس حسن " أو" يديريسي إيشان" للسلطات الصينية ، بتهمة الانتماء إلى "جماعة إرهابية" ، و قد أدانت العديد من المنظمات و الهيئات الحقوقية المغربية و الأجنبية هذا القرار، لأن تسليمه للسلطات الصينية يعني خطر تعرضه للإعدام أو التعذيب ، و قرار التسليم مخالفة صريحة للمواثيق و الأعراف الدولية ، و القيم الإسلامية و الأخلاقية ، فلا ينبغي إعادة أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه لخطر حقيقي بالتعرض للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو لانتهاكات جسيمة أخرى لحقوق الإنسان، فالرجل جاء للمغرب على اعتبار أنه بلد إسلامي سيضمن له الحماية من منطلق الأخوة في الإسلامية ، خاصة و أن الصين متهمة ب "اضطهاد" مسلمي الإيغور فقد أظهرت وثائق تم تداولها خلال الشهور الماضية، تفاصيل عن الممارسات الصينية بحق مسلمي "الإيغور"، داخل معسكرات الاعتقال بإقليم "شينغيانع" (أي الحدود الجديدة)..
و قد تابعت التعليقات و النقاش الدائر بين القراء على خلفية هذا المقال، و أجد نفسي ملزما بإتمام المقال و شرح الوضع الثقافي في الصين بشكل عام ووضع المسلمين بشكل خاص، و من يحاول مقارنة الصين ببلد أخر فهو مجانب للصواب، فالصين لها خصوصيتها الثقافية و الدينية و القومية و السياسية ، و لعل خطاب الرئيس الصيني قبل يومين في مؤتمر الأديان الصينية و الذي أشار فيه إلى أن الأديان ينبغي أن تلتزم بالمبادئ الاشتراكية جعلني اعتم بشرح قضايا الثقافة و الأديان في هذا البلد الذي سيكون له تأثير مباشر على مستقبلنا و مستقبل أبنائنا…
تتميز الصين عن سائر بلاد الدنيا قاطبة بتجانسها البشري الواضح، رغم كثرة عدد سكانها، ووجود 56 قومية بها، والفضل في ذلك يعود إلى قومية " هان" الكبيرة، التي لعبت دورا أساسيا في تشكل القومية الصينية.. و بحسب الإحصاءات الرسمية تمثل قومية "هان " ما يزيد عن 90 % من إجمالي السكان، أي أن هناك نحو مليار و مائة مليون نسمة من عرق واحد، وهذا يعني تجانسا بين 20 % من سكان الكوكب. وهذا التجانس لا يقتصر على العرق فحسب، بل يتعداه إلى التجانس في اللغة والتاريخ والثقافة وأسلوب التفكير، لكن ذلك لم يحل دون احتفاظ باقي القوميات بخصائصها الثقافية والنفسية الخاصة بها ..
فالصينيون مثل كل الشعوب الأخرى هم نتاج عمليات امتزاج حدثت على امتداد زمن طويل في الماضي، ولعل أهم نقطة في هذا الموضوع هي الحقيقة التي تقرر أن الشعب الصيني، أيا كانت أصوله في الماضي فانه يمثل اكبر مجموعة بشرية في العالم اجمع، يتسم بالوحدة والتجانس الثقافي[1]. رغم بعض الفروق بين ثقافة المناطق والتي تظهر في الحياة الاجتماعية الحديثة، وهذا طبيعي في ظل بلد تتعايش فيه 56 قومية انصهرت فيما بينها على مدى تاريخ الصين لتعطي هذا المزيج الذي يصطلح عليه "بالقومية الصينية"[2].
والجدير بالذكر، أن اغلب الأقليات القومية الصغيرة تتركز في مقاطعات أطراف الصين وتخومها بالقرب من الحدود مع البلدان المجاورة. وقد عانت هذه الأقليات عبر حقب تاريخية من "سياسات شوفينية" من قبل الغالبية "الهانية" حتى وصل بعضهم للانقراض. غير أن هذه السياسات قد تغيرت بعد 1980، حيت عملت الدولة على تشجيع النمو السكاني لهذه الأقليات ومنحهم حرية أكبر للعيش في مناطق تركزهم، فسمح لهم بإنجاب ثلاثة أطفال بدلا من طفل واحد، كما كان محددا سابقا وفقا لتحديد النسل الذي يسري على كل القوميات[3] .
أولا- مفهوم القومية الصينية :
إن مفهوم القومية الصينية والصينيون بشكل أدق لا يشمل فقط الصينيون بالبر الصيني، بل يمتد إلى هونغ، مكاو، وتايوان، كما أنه يمتد إلى صيني ما وراء البحار، والى المناطق المجاورة [4].لكن ما هو الأساس المشترك والسمات المميزة لما يسمى بالقومية الصينية أو الوطنية الصينية؟
بالقياس إلى علم أطوار النمو، فإن الثقافة هي من صنع الإنسان، وهي نتاج لعملية التفاعل المتبادل بين الإنسان والبيئة الطبيعية، ويتولد عن مجموع الأنشطة الإبداعية للإنسان عالم الثقافة. ولذلك فالثقافة تحمل آثار للأنشطة، وهي المظهر الخارجي لقوة جوهر الإنسان[5].
وعلى هذا النحو فالثقافة تشكل عالم "ذا مغزى" ونظاما مستقلا، وتمنح للناس نظاما للقيم والمعايير وشبكة المعاني، كما تمنح لأنشطة الأفراد الحياتية التصميم الفكري، ويتعلم الإنسان المذاق الفكري من الثقافة[6].
وعليه، يمكن تعريف القومية أو الوطنية الصينية، بأنها "الخصائص والسمات النفسية الخاصة المشتركة التي يتكرر ظهورها داخل القومية، والسواد الأعظم من الشعب الصيني". كما أنها الخصائص الشاملة للشخصية والاتجاه السيكولوجي المستقر نسبيا، ومعيار السلوك.
وبذلك يمكن القول، أن الثقافة التقليدية والثقافة الحديثة طبيعتهما مختلفة، لكن لايعني ذلك أن تأسيس نظام تحديث الثقافة أدى إلى القضاء الكامل والإبادة الشاملة للنظام الثقافي القديم. لهذا فعلى الرغم من التناقض والتصادم الظاهرين بين نمطين ثقافيين متباينين في الصين، إلا أن بينهما روابط داخلية متصلة، وتظهر هذه الروابط في جملة خصائص مشتركة توجد في التكوين الأصلي للثقافة وتشكل الصورة البدائية لحياة الناس، وتحدد لهم الفكر الثقافي الرئيسي[7]. ومع تطور التاريخ قد يحدث تغيير في نفس الثقافة، ويثري مضمونها تدريجيا، لكن الخصائص والسمات الخاصة والصور البدائية، تترسخ في أعماق الهيكل النفسي للأمة من خلال عملية التوارث بين الأجيال. ويتجسد الفكر الصيني في بعض العوامل الثقافية الخاصة التي لازالت تشكل الهيكل القومي للثقافة الصينية[8]. ونذكر منها:
الصين وتاريخ الأمة الصينية
الإبداعات المادية والفكرية
المزاج الاجتماعي والعادات والتقاليد
اللغة القومية
البيئة الطبيعية
ومن بين هذه العوامل المختلفة تحتل اللغة الصينية المكتوبة، مكانة مرموقة في البنيان الثقافي الصيني، فمنذ القدم إلى الوقت الحاضر، تمثل اللغة الصينية أهم وسيلة للتفاهم المتداول بين الصينيين، وعلامة أساسية للسيكولوجية الثقافية الصينية.
ومن الناحية الزمنية، ربطت اللغة الصينية بين الصينيين القدامى والصينيين المعاصرين، وبالقياس إلى الزمن المشترك ربطت لغة الرموز الصينية بين الصينيين بالبر الصيني ومئات الملايين من الصينيين بخارج البر الرئيسي الصيني، ووثقت الأواصر الفكرية والثقافية بالوطن الأم[9].
ثانيا- خصائص وسمات القومية الصينية
على الرغم من أن الصين ظلت لمئات السنين تعيش في عالمها الخاص، وقليلة الاحتكاك بالمحيط الخارجي إذ أن الأباطرة الصينيون نجحوا في زرع حب العزلة في نفوس الصينيون. إلا أن ذلك لم يحل دون تأثر الصين بالرياح الثقافية والفكرية لمختلف مناطق العالم القديم. ومع هذا فان الصين تمكنت من رسم مسار ثقافي ينسجم وخصوصية البيئة الطبيعية والبنية السيكولوجية للإنسان الصيني. فتحليل موجز لبعض خصائص الثقافة البدائية يحيل إلى تميز الثقافة الصينية القديمة، حيث كان لقساوة المناخ وللاعتبارات السياسية والوطنية تأثيرا في تشكل القومية والخصوصية الصينية [10]، التي تميل أكثر للتمسك بالبنية العشائرية، وتعطي أولوية لقيم الطاعة والأخلاق
1- الإنسان والفرد في الثقافة الصينية التقليدية
معظم الكتابات الصينية القديمة التي تحتوي على عبارات تظهر وصفا "للإنسان" تؤكد على "أن الإنسان وحده يملك القدرة على اكتساب معرفة كل شيء .." و "..السماء والأرض هي الأم لجميع المخلوقات ، ومن بين جميع المخلوقات الرجل هو الأكثر ذكاءا..". وقد تناولت النصوص القديمة بصورة واضحة مفهوم"جميع الناس خلقوا متساوين" قبل أن يظهر هذا المفهوم في الثقافة الغربية بأزيد من ألف سنة.
ففي الكتابات الغربية لمفكري عصر الأنوار تم التأكيد على أن الناس في الصين سواسية فالكونفوشيوسية تؤكد على" أن جميع البشر متساوون بحكم طبيعتهم "[11].
وتدعو إلى المساواة وعدم التمييز في التعليم على أساس الطبقات، كما يضيف كونفوشيوس"لا تفعل بالآخرين ما لا تريد الآخرين أن يفعلوه بك.."[12]
غير أن المساواة كانت تخص الرجال على اعتبار (" رين "=" إنسان ") ومع ذلك، فإن تحليل أكثر دقة لبيانات كونفوشيوس، تكشف على أن هذه المساواة لا تشمل المرأة ، فعلى سبيل المثال، جاء في مختارات (Lunyu) أن الملك " "Wuقال : 'أن لي عشرة من البشر أكفاء، وهم وزراء قادرين.. رد عليه كونفوشيوس فقال… وكانت من بينهم امرأة. لذلك، لم يكن هناك سوى تسعة بشر " في هذا المقطع كونفوشيوس يستبعد صراحة المرأة من مفهوم "إنسان" "رن". كما أن مفهوم "Junzi " "الرجل المتفوق" يلعب دورا مركزيا في المذهب الكونفوشيوسي ومن المؤكد أن "junzi" هو رجل، فالمرأة لا يمكن أن تصبح "junzi" من وجهة نظر الكونفوشيوسية.
ويرى "Mencius "(372-.289 قبل الميلاد) ، وهو ثاني أهم فيلسوف كونفوشي، أنه "…بدون الشعور بالمساواة لا يوجد إنسان ..بدون الشعور بالعار والكراهية لا يوجد إنسان..بدون الشعور بالتواضع ولين الجانب لا يوجد إنسان ..بدون شعور بالحق والباطل …لا يوجد إنسان. فالشعور بالعار والكره هو الذي يدفع لشعور بالواجب، والشعور بالتواضع ولين الجانب هو الذي يدفع للتصرف بلياقة، والشعور بالحق و الخطأ هو الذي يدفع لتصرف بحكمة. ويتمتع جميع البشر بهذه التصرفات الأربع ". ويرى "Mencius" بأنه"..دون حب، دون حكمة، دون أخلاق، دون شعور بالواجب..فهذه هي الطريق للعبودية..".
والإنسان بنظر الثقافة التقليدية الصينية، يقوم بأدوار اجتماعية متباينة : الأب، والابن، زوج، وزوجة، الحاكم، والمحكوم، ويترتب على كل دور من هذه الأدوار وضعا مختلفا، و نمطا من أنماط السلوك مختلف.
وتذهب مدرسة القوانين إلى معارضة هذا التوجه الكونفوشيوسي فمن وجهة نظرهم ، فالبشر على قدم المساواة "بقدر ما يخشون العقاب .. ويسعون وراء المكافأة". وهكذا، فإنه من الممكن توجيه البشر عن طريق القوانين الرامية إلى معاقبة السلوكات الغير مرغوب فيها، ومكافأة الأعمال المرغوب فيها.
وقد كان القانون الصيني في الإمبراطورية يتسم بمبدأ عدم المساواة، نظرا لأخذه بالتصور الكونفوشي القائم على التمييز بين الكبار والصغار، الحاكم والمحكوم، الأب والابن، الزوج والزوجة. فالعقوبات كانت تتحدد وفقا للحالة الاجتماعية للجاني والمجني عليه، فنفس الجريمة إذا ارتكبت بداخل الأسرة سيعاقب مرتكبها عقابا أشد من لو ارتكبت خارج نطاق الأسرة[13]. وذلك لأن الأسرة توجد في مركز الحياة الصينية[14].
2- القانون وحقوق الإنسان في الثقافة الصينية التقليدية
في العصور القديمة، السماء، كان ينظر إليها على أنها الإله، وكانت تعتبر مصدر القوانين التي تنظم حياة الإنسان. هذه الفكرة سرعان ما فقدت المصداقية منذ حوالي منتصف القرن الأول قبل الميلاد. و برز رأي يقول بأن القانون تم وضعه من قبل رجال عظماء وفقا للقوانين الكونية[15] . وقد تبنى الكونفوشيوسيين هذا الرأي، وهو ما ساعد الحاكم على السيطرة على رعاياه والتلاعب بهم لخدمة أهدافه السياسية لإقامة دولة غنية وقوية.[16]
وهكذا، وفقا لهذا المذهب، فإن القانون الوضعي ذو أصل إنساني. وهذا الرأي ظل هو السائد طيلة الفترة الإمبراطورية، فلم يكن هناك اعتقاد بوجود أحكام إلهية أو وجود حياة أخرى كالجنة أو الجحيم، بخلاف البوذية التي تم استيرادها من الهند فقد صاغت تصورا حول الجحيم[17].
وهكذا، فإن الفكر القانوني في الثقافة الصينية القديمة، بني على فكرة رئيسية هي أن "اليانغ" (مبدأ الذكور) و"الين" (مبدأ الأنثى) . وهو ما انبثق عنه تسلسلات هرمية موجودة سلفا: فالسماء هي "اليانغ" و الأرض "الين" فالسماء عالية والأرض منخفضة، الأرض توهب الحياة من المطر الذي ينزل من السماء، مثل السائل المنوي الذي يرد لزوجة من زوجها. وهكذا، فالسماء هي الزوج والأرض هي الزوجة.
وتمتد هذه الأفكار إلى الدولة: السماء / الحاكم والذي يسمى "ابن السماء"، فمثل هذا التصور شكل هوية النظام الكوني والاجتماعي المهيمن على التفكير و العلاقات الاجتماعية. ويمكن العثور على هذا التفكير في العلاقات الخمس الأساسية للإنسان: الأب / الابن، الزوج / الزوجة، الأخ الأكبر / الأصغر، الحاكم / شقيق الحاكم ، صديق / صديقة.[18] والملاحظ انه ليس هناك أي تنظيم للعلاقات بين الناس الغرباء.
3-الأسرة منبع وحدة الدولة
تعد الأسرة ملاذا للفرد، فبواسطتها يحصل على التأييد النفسي والمادي دون قيد أو شرط، وفي الوقت ذاته يحصل على قيم أنشطة الحياة ومغزاها من الأسرة[19]. ولايوجد لدى الفرد المصلحة الذاتية الخاصة، بل تعد المصلحة العامة للعشيرة هي الهدف الأسمى[20].
لذلك، فعندما يحقق الصينيون الشهرة والغنى، يفكرون قبل كل شيء في التباهي والتفاخر بوسط المحيطين بهم: الأبوين، الأطفال، الزوجة والأقارب والأصدقاء والجيران. كما تفتخر الأسرة والعشيرة بإنجازاته وتنسبها إليها، وحتى في حالة الهزيمة والفشل فإن الفرد الصيني يعود للأسرة والعشيرة ليتزود بالقوة والعزيمة والثبات، فمشاعر الواجب تجاه الأسرة تمثل وقودا لشحن الهمم والتغلب على اليأس والهزيمة…وأكثر ما يهتم به الصينيون هو "بر الوالدين"، فهذا البر يعد تاج كل المهن والحرف، وبداية كل الأعمال الخيرة والروح المركزية للأسرة والقضية الأساسية للصينيين. ويندرج بر الوالدين ضمن القبول وتبجيل سلطة رب الأسرة والطاعة العمياء له دون قيد أو شرط[21].
كما يهتم الصيني بصفة خاصة بنظام "العلاقة بين الأبناء الكبار والصغار" وتعد ألقاب الأقارب في الصين الأكثر تعقيدا، حيث يعتبر كل لقب نوعا من المنزلة، وقد قررت الحياة مثل تلك المنزلة ويتحكم على الفرد أن يكون واعيا بمنزلته ويلتزم بمكانته داخل سلم ودرجات الترتيب الأسري.
وعلى الرغم، من نجاح الصين في دخول العصر الحديث من خلال تفوقها في هضم علوم الغرب وتقنياته، بل تبني إيديولوجياته السياسية والاقتصادية، إلا أن ذلك لم يحل دون استمرار قنوات التواصل الثقافي بين الصينيون القدامى والصينيون المعاصرون، فقيم احترام الأسرة وطاعة الوالدين واحترام الكبار لازالت من الأساسيات التي تحكم سلوك مختلف أفراد القوميات المكونة للأمة الصينية[22]، كما أن أسلوب الإدارة المعتمد في إدارة الدولة و مختلف المنظمات الاقتصادية و الاجتماعية ، لازال يحتفظ ببعض سمات الثقافة التقليدية الصارمة ..و هو ما سنحاول توضيحه في مقال موالي إن شاء الله تعالى تفاديا للإطالة … والله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون…
إعلامي وأكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني والشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية والسياسات العامة..

[1] – Jacques Gernet, " A History of Chinese Civillization", Cambridge , Cambridge University Press, second edition 1996. 6-27.
[2] – Zhixiong, Wang « Chine, la démocratie ou le chaos ? », Editions Bleu de Chine. Paris. 1997.pp.94-95.
[3] -"Population And Family Planning Law of the People's Republic of China", China Population Publishing House Order of the President of the People's – Republic of China, No.63, September 1, 2002.
[4] -John King Fairbank, "The Chiense World Order. Tradition al China's Foreign Relation", Cambridge, Havard University Press,1968, pp. 2-etc.
[5] -UNESCO, "Changement et Continuité, Principes et Instruments pour l'approche Culturelle du Développement ", Culturelle et Développement, Edition UNESCO, 1999.pp.31-33.
[6] – ووبن، "الصينيون المعاصرون، التقدم نحو المستقبل انطلاقا من الماضي"، ترجمة عبد العزيز حمدي، سلسلة عالم المعرفة، عدد 210 يونيو 1996 ، الجزء الأول. ص. 57-58.
[7] – Mary Doglas, " Implicit Meanings. Essays in Anthropology", London, Routledge and Kegan Paul, 1975, pp.XI-XII.
[8] – ووبن، "الصينيون المعاصرون، التقدم نحو المستقبل انطلاقا من الماضي"،ج.1 ، م.س. ص.59-60.
[9] – نفس المصدر.ص.64.
[10] -Louir-Augusto Martin. "Les CIvilisation primitives en Orient, Chinois, Indiens. Perses Babyloniens, Syriens,Egyptienns". Paris, Dider et Ge, Libraire, Editeurs. 1861.pp. 1-15
[11] – HARRO VON SENGER,"Chinese culture and human rights", Originalbeitrag erschienen in: Wolfgang Schmale (Hrsg.): Human rights and cultural diversity: Europe, Arabic-Islamic world, Africa, China.Goldbach: Keip, 1993,pp.293-295.
[12] – Ibid
[13] – Jack Donnelly, Universal Human Rights in Theory and Practice (Ithaca/London, 1989), p. 68.Derk Bodde, "Age, Youth and Infirmity in the Law of Ch'ing China", in: Essays on China's Legal Tradition, ed. Jerome Alan Cohen, Randle Edwards, Fu-meiChang Chen (Princeton, 1980), p. 137.
[14] – John H. Minan, "The Chinese Legal Tradition", in: Folsorn/Minan (eds.), Law ill the People's Republic of China. Commentary, Readings and Materials (Dordrecht etc., 1989), pp. 4-7.
[15] – Zhang Peitian, Xiao Chuan, "Critical presentation of the research conducted on the history of the legal institutions of ancient China since the founding of the state (= since 1949)", in: Jurisprudence, ed. Materials Center of the Chinese People's University, No. 1 (Beijing, 1990), P. 153.and, Fan Zhongxin, " Comparison between Chinese and Western conceptions of law", in: "Studies of Comparative Law", No. 3 (Beijing, August 1987), p. 11.
[16] – Guan Zi [supposedly written by Guan aong, d. 645 BC], I.3.19-20, quoted from: Harro von Senger, "Recent Developments in the Relations between State and Party Norms in the People's Republic of China", in: The Scope of State Power in China, ed. Stuart R. Schram (London etc., 1985), p. 200.
[17] – He Jianguo, "The family — Basis of the law in ancient China", in Studies of Comparative Law, No.1, (Beijing, March 1988), p. 46.
[18] – Gu Junjie, "Chinese philosophy and traditional Chinese legal culture", in: Studies of Comparative Law, No. 3 Beijing, September 1988, p. 33-35.
[19] – ووبن، "الصينيون المعاصرون، التقدم نحو المستقبل انطلاقا من الماضي"،ج.1 ، م.س. ص.96.
[20] – نفس المصدر. ص.97.انظر أيضا :ريتشارد إي نيسبت، " جغرافية الفكر، كيف يفكر الغربيون والآسيويون على نحو مختلف..ولماذا "، ترجمة شوقي جلال، عالم المعرفة العدد 312، فبراير 2005. ص.28-29.
[21] – ووبن، "الصينيون المعاصرون، التقدم نحو المستقبل انطلاقا من الماضي"،ج.1 -م. س.ص.99.
[22] -See, Constitution of the People's Republic of China , Op,cit.".. Marriage, the family and mother and child are protected by the State. Both husband and wife have the duty to practise family planning...Parents have the duty to rear and educate their children who are minors, and children who have come of age have the duty to support and assist their parents...Violation of the freedom of marriage is prohibited. Maltreatment of old people, women and children is prohibited " (Art 49).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.