يوفر المغرب بيئة "متوسطة الإيجابية" للعمل الخيري، حسب ما أورده التقرير الصادر عن "مدرسة ليلي للأعمال الخيرية" التابعة لجامعة إنديانا الأمريكية، الذي قيم الأوضاع في 95 دولة بين عامي 2021 و2023. وبحسب نتائج "مؤشر البيئة العالمية للأعمال الخيرية لعام 2025″، سجل المغرب تقييما ضمن الفئة التي تتراوح درجاتها بين 3.50 و3.99 من أصل 5، وهو ما يعكس، وفقا للمعدين، وجود بيئة مواتية نسبيا للعمل الخيري، لكنها لا تزال دون المستوى الذي حققته بعض الاقتصادات المتقدمة أو دول في المنطقة أحرزت تحسنا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة.
وذكر التقرير أن نحو 61 بالمائة من الاقتصادات المشمولة في الدراسة، أي ما يعادل نحو 58 دولة، توفر بيئة خيرة مواتية، مقابل 39 بالمائة توصف بيئتها بأنها "مقيدة". وبينما حلت دول مثل الولاياتالمتحدة، وكندا، والسويد، وسويسرا، والإمارات في أعلى سلم التصنيف بدرجات تفوق 4.5، جاءت دول مثل زيمبابوي، ميانمار، وإيران ضمن أدنى التصنيفات، بدرجات تقل عن 2.50. وعلى مستوى الجوار العربي والإقليمي، يبرز التحسن الكبير في السعودية، التي انتقلت من فئة "بيئة مقيدة" إلى "بيئة مواتية" بفضل إصلاحات ملموسة شملت تسهيل تسجيل المنظمات الخيرية، وإلغاء الحد الأدنى لرأس المال المطلوب لتأسيس مؤسسة خيرية، وتقليص المدة الزمنية للإجراءات إلى أقل من 30 يوماً، حسب نفس المصدر. في السياق ذاته، حافظ الإطار الاجتماعي والثقافي في المغرب، كما في أغلب الدول، على موقف إيجابي إزاء العمل الخيري، وفق ما ذكره التقرير، إلا أن المؤشرات التنظيمية والمالية لا تزال تعد من بين العوامل المقيدة لنمو القطاع. وأبرز التقرير أن الإجراءات الإدارية المعقدة، وضعف الحوافز الضريبية للمانحين، تمثل عوائق رئيسية أمام تعزيز العمل الخيري في البلاد. ورغم الانتشار الواسع للتقنيات الرقمية، إلا أن التقرير لاحظ أن الابتكار التكنولوجي في العمل الخيري بالمغرب لا يزال محدودا، مقارنة بدول أخرى اعتمدت بشكل أوسع على الأدوات الرقمية في جمع التبرعات، والتواصل مع المستفيدين، وتقييم الأداء. وبينما سجل المغرب تقدما طفيفا مقارنة بالتقرير السابق لعام 2022، لم يسجل تحسن ملحوظ في المؤشرات المكونة للبيئة الخيرية، مثل سهولة تأسيس المنظمات غير الربحية، وحرية تلقي التمويل الخارجي، وإطار الشفافية والرقابة المالية. ويغطي التقرير الفترة ما بين يناير 2021 ودجنبر 2023، والتي وصفها بأنها "مرحلة انتقالية" بعد جائحة كوفيد-19، تميزت بارتفاع معدلات التضخم، وتوسع الذكاء الاصطناعي، وتصاعد النزاعات المسلحة، وتفاقم آثار التغير المناخي، وهي عوامل ساهمت في إعادة صياغة أولويات العمل الخيري على المستويين الوطني والدولي. ويؤكد معدو التقرير أن التحدي الأكبر أمام العمل الخيري في المرحلة القادمة سيكون مرتبطا بتقييد تدفقات الهبات عبر الحدود، وهو ما يؤثر مباشرة على إمكانات التمويل الدولية، خصوصا في دول لا تملك قاعدة تمويل محلية قوية. وذكر أن 50 بالمائة من الاقتصادات المدروسة سجلت تراجعا في بيئة العطاء الدولي بسبب زيادة الرقابة الحكومية وتضييق السياسات التنظيمية. في المقابل، أظهر التقرير بروز فرص جديدة للعمل الخيري من خلال انتقال الثروات بين الأجيال، واهتمام الشباب المتزايد بالمسؤولية الاجتماعية، لكن هذه الاتجاهات تبقى مشروطة بقدرة الأنظمة القانونية على مواكبتها، وهو ما لم يتحقق بعد بشكل كامل في المغرب. واعتبر التقرير أن توفير بيئة داعمة للأعمال الخيرية لا يعتمد فقط على السياسات الحكومية، بل يتطلب تضافر جهود القطاع الخاص والمجتمع المدني. وأشار إلى أن الدول التي حسنت ترتيبها خلال السنوات الثلاث الماضية كانت تلك التي اتخذت إصلاحات تنظيمية ملموسة، ووفرت مسارات قانونية واضحة، وشجعت على الشفافية المالية. ويرى الخبراء الذين ساهموا في إعداد التقرير أن المغرب، كاقتصاد ناشئ يتمتع بإمكانات تنموية كبيرة، بحاجة إلى تطوير منظومة بيئية متكاملة للعمل الخيري، تشمل إصلاحات قانونية، وتبسيط إجراءات الترخيص، وتقديم حوافز للجهات المانحة، وتوسيع نطاق الرقمنة، فضلا عن تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. واستند التقرير إلى مساهمات من 173 خبيرا دوليا، واستند في تصنيفه إلى عدة محاور، من بينها سهولة تشغيل المنظمات الخيرية، والحرية في تلقي وتوزيع الهبات، والتشريعات الضريبية، والمناخ السياسي والاجتماعي.