إسبانيا تسجل أشد موجة حر في تاريخها.. أكثر من ألف وفاة وحرائق تأتي على مئات آلاف الهكتارات    توقيف تركي مبحوث عنه دولياً في قضايا الكوكايين    ترقيم البيض مطلب عاجل لتطويق الفوضى في الأسواق    "رحلتي إلى كوريا الشمالية: زيارة محاطة بالحرس ومليئة بالقواعد"    إسرائيل تقصف الضواحي الشرقية والشمالية لمدينة غزة، وارتفاع حصيلة القتلى قرب مراكز المساعدات إلى ألفين    نيجيريا: سلاح الجو ينقذ 76 مخطوفا وسقوط طفل في العملية    لمسة مغربية تصنع فوز ريال مدريد بثلاثية نظيفة    المنتخب المغربي يتوجه إلى أوغندا لخوض نصف نهائي "الشان"    أمرابط على أعتاب "الكالتشيو" من جديد    افتتاح الدورة 82 لمعهد القانون الدولي بالرباط برئاسة مغربية    الأمم المتحدة تحذر من من خروقات البوليساريو في الصحراء    أمن مطار محمد الخامس يوقف تركيا مطلوبا لدى الأنتربول    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    هام للمغاربة.. تحديد موعد وعدد أيام عطلة عيد المولد النبوي    شقيق شيرين عبد الوهاب يثير الجدل برسالة غامضة عن "لوسي"    "مهرجان الشواطئ اتصالات المغرب" يضيء سماء المدن الساحلية في دورته ال21    الصحة النفسية: كيف يمكن أن يقودنا التهويل والتفكير السلبي إلى عوالم مظلمة؟    تحت شعار "ذكاء المرافق".. الرياض تحتضن أكبر حدث دولي في إدارة المرافق    الشرقاوي: الملك يهتم بأجيال فلسطين    "أسيست دياز" يسهم في فوز الريال    توقيف مختل عقلي بالبيضاء جراء نشره فيديو يهدد فيه بارتكاب جنايات ضد الأشخاص بمسجد الأندلس بمنطقة أناسي    الخارجية الفرنسية تستدعي السفير الأمريكي بسبب اتهامات معاداة السامية    تجارب علمية تبعث الأمل في علاج نهائي لمرض السكري من النوع الأول    رحيل الرئيس السابق للاتحاد الوطني لطلبة المغرب المناضل عزيز المنبهي    المغرب بحاجة إلى "عشرات العزوزي" .. والعالم لا يرحم المتأخرين    "أسود البطولة" يتوجهون إلى أوغندا لمواجهة السنغال في نصف نهائي "الشان"    إختتام مهرجان نجوم كناوة على إيقاع عروض فنية ساحرة    العيناوي يؤكد الجاهزية لتمثيل المغرب    الملك محمد السادس يبعث رسالة إلى زيلينسكي    السلطات المغربية تطرد ناشطتين أجنبيتين من مدينة العيون    عادل الميلودي يدافع عن الريف ويرد بقوة على منتقدي العرس الباذخ    القناة الأمازيغية تواكب مهرجان الشاطئ السينمائي وتبرز إشعاع نادي سينما الريف بالناظور    حكمة العمران وفلسفة النجاح    موجة حر استثنائية تضرب إسبانيا وتتسبب في أكثر من ألف وفاة خلال غشت    بعد الهزيمة.. جمال بنصديق يتعهد بالعودة في أكتوبر ويكشف عن سبب الخسارة    سابقة علمية.. الدكتور المغربي يوسف العزوزي يخترع أول جهاز لتوجيه الخلايا داخل الدم    طفل بلجيكي من أصول مغربية يُشخص بمرض جيني نادر ليس له علاج    تبون خارج اللعبة .. أنباء الاغتيال والإقامة الجبرية تهز الجزائر    الجنرال حرمو يؤشر على حركة انتقالية واسعة في صفوف قيادات الدرك الملكي بجهتي الناظور وطنجة    قال إن "لديه خبرة وغيرة لا توجد لدى منافسيه".. أسامة العمراني ينضاف لقائمة نخب تطوان الداعمة للحاج أبرون    قتيلان بغارات إسرائيلية على اليمن    السدود المغربية تفقد 792 مليون متر مكعب بسبب الحرارة وتزايد الطلب    أزمة القمح العالمية تدق ناقوس الخطر والمغرب أمام تحديات صعبة لتأمين خبزه اليومي            المغرب ضيف شرف الدورة ال19 للمعرض الوطني للصناعة التقليدية ببنين    جاكوب زوما: محاولة فصل المغرب عن صحرائه هو استهداف لوحدة إفريقيا وزمن البلقنة انتهى    موجة غلاء جديدة.. لحم العجل خارج متناول فئات واسعة    ناشطات FEMEN يقفن عاريات أمام سفارة المغرب في برلين تضامنا مع ابتسام لشكر    الصحافة الكويتية تسلط الضوء على المبادرة الإنسانية السامية للملك محمد السادس لإغاثة سكان غزة    الجديدة تحتضن الدورة الأولى لمهرجان اليقطين احتفاء ب''ڭرعة دكالة''    أمريكا: تسجيل إصابة بمرض الطاعون وإخضاع المصاب للحجر الصحي    جدل واسع بعد الإعلان عن عودة شيرين عبد الوهاب لحسام حبيب    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلسطين، العروبة، الإسلام، الإنسية، والنسائية
نشر في لكم يوم 24 - 08 - 2025

قال ياسين الحافظ (من جيل مفكرين العرب المطبوعين بأزمة 67) في كتابه "التجربة التاريخية الفيتنامية، تقييم نقدي مقارن مع التجربة التاريخية العربية" (1997، ص. 7-8)، في إطار تعريفه لدلالة التجربة التاريخية لشعب ما والمنطق العقلاني الذي يحكمها، وهنا تحديدا "الشعب" العربي، "إن قيام إسرائيل لم يكن صدفة وإن استمرارها ليس أعجوبة: قامت إسرائيل على أنقاض التأخر العربي. إسرائيل جزاء تاريخي للتقليدوية العربية، وبالتالي، ستبقى ما بقيت هذه التقليدوية مهيمنة على الأيديولوجية العربية وعلى المجتمع العربي، وستزول مع زوال هذه التقليدوية. […] التأخر العربي وحده حمى ويحمي وسيحمي إسرائيل."
ماذا أصبح هذا الكلام يعني اليوم أن كان له من مدعاة قبل ما يقارب النصف قرن؟ وهل لايزال يحتفظ بجدواه؟ هل يشكل العرب حقيقة شعبا واحدا؟ هل الاشتراك في اللغة العربية أساس متين للوحدة، أو التضامن حتى؟ وهل يمكن للدين اليوم أيا كان، في حالتنا الإسلام، أن يحولنا إلى قوة فعالة ضد هيمنة الإمبريالية الجديدة؟ أسئلة من ضمن أخرى طرحت ولاتزال تفرض ذاتها علينا. هناك من لا يزال يؤمن بالإمكان الذي تستبطنه العروبة والإسلام من أجل التحرر، ولكن ما هي عدتهما معا لمواجهة عالمنا الجديد المسلح أكثر من أي وقت مضى بالمعرفة والعلم والتكنولوجيا؟ الأمس كاليوم عندنا، ولا شيء تغير في هذا المستوى هذه قورن حلت.
لنكن واقعيين، ليس هناك أي مؤشر اليوم يدل على أن العروبة والإسلام يمكن أن تشكل أفقا لحل المعضلة الفلسطينية كأم المعضلات في عالمنا العربي. كما لم يكن في تجربتنا التاريخية المعاصرة أي فعل في هذا الاتجاه. كل ما هو كائن حقيقة، صراعات إما ظاهرة أو ضمنية، ووحدها المصالح القطرية وحساباتها تملي طبيعة العلاقات بين الدول كيفما كانت لغتها وأيديولوجيتها. وأننا لم نستطع قط بناء ثقافة الوحدة والتضامن، ما عدا ما يتجلى منها أحيانا بشكل غير عقلاني لدى الشعوب في كرة القدم مثلا أو حول القضية الفلسطينية. ما عدا ذلك، الناس في بحثهم عن لقمة العيش منغمسون، والساسة في سياساتهم الضيقة غارقون.
يبدو أننا نجني ثمار لاعقلانيتنا حكاما ونخبة وشعبا منذ أزيد من قرنين من الزمن، أي منذ الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830)، وما تلاه من استعمار معظم البلدان العربية وما تولد عن ذلك من رفض للمعرفة العقلانية والعلوم الوضعية والاكتشافات بما فيها التقنية أحيانا، بحجة حماية بلداننا "المقدسة" من "دنس" المسيحيين. وكانت قلة قليلة ممن دعا إلى ان لا مخرج لنا من الضعف الشامل إلا بالاستفادة بما يفيد تقدمنا من هذه الحضارة الناهضة، وترك ما لا يستقيم و "الذوق" المغربي. وبان أن غشاوة أغشت بصر الحاكم و"المثقف". والأمر نفسه لا يزال يتكرر حتى اليوم؛ وإن كان بصورة مختلفة، فالجوهر واحد: نحن الأخلاق، وهم الدنس والرعونة. لكن هذه المرة مع استهلاك فج لما تنتجه الحضارة "العاهرة". لم نستفد من دروس التاريخ، وطالما التقليدانية لا تزال متمكنة من العقل المغربي، فلا أمل في النجاة من تخلف عقولنا، وتدني مَدنيَّتنا، وتعثر اقتصادنا، واستبداد سياستنا. إن ما يوحدنا موضوعيا هي التقليدانية، وإن كان من وحدة، فهي وحدة الانغلاق والتلذذ بمنظومة أخلاقية أقل ما يقال عنها أنها وهمية ومتخيلة أكثر منها واقعية.
رَبْط تحرير فلسطين بتحرير العقل العربي، وبوحدة العرب والمسلمين أو حتى تضامنهم، ضرب من ضروب الخيال، وحشر لها في طريق مسدود. وقد وعى الفلسطينيون منذ زمن طويل، أي منذ إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، أن لا العروبة ولا الإسلام سوف يحرر بلدهم، وأن وحدها سواعدهم ستفعل، وما طلبوه من هؤلاء، فقط ألا يطعنوهم في ظهورهم وألا يتهافتوا على حب إسرائيل وإن اضطروا هم على فتح الحوار مع الكيان الغاصب (اتفاق أسلو، 1993). غير أن ما نحصده من جلبة العروبة والإسلام عجعجة لغو لا طائلة منها وإن كان يغدق بعض الفتات على الدول المحبة لإسرائيل من العرب على الخصوص. فالدول العربية والإسلامية لا تنظر إلى فلسطين إلا من منظار حسابات آنية ضيقة فاقدة للنظر البعيد.
فلا مخرج للقضية الفلسطينية إلا بخروجها من هذا الأفق العروبي الإسلامي، إلى الأفق الإنساني المكون من حرات وأحرار العالم، أينما كانوا في حركة كونية موحدة حول قيم ما بعد الإنسان المتمثلة في الحق في الحياة الكريمة وما تتطلبه من الحق في الوجود المستقل، بعيدا عن ثقافةِ مركزيةِ الإنسان، في انسجام مع باقي المكونات الأخرى لعالمنا.
فلسطين أكبر من أن تحشر في الزحام الهوياتي كيفما كان، على أساس الدين أو الإثنية. هي قضية الضمير الإنساني الحي، قضية الإنسانية جمعاء. لأنها تجاوزت حدود المقاومة من أجل الاستقلال، إلى المقاومة ضد الإبادة والتطهير العرقي ضد شعب أعزل، بل إلى مقاومة الإنسانية جمعاء ضد إبادة القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي والقيم المؤسسة لهما. وهكذا أصبحت المقاومة تتعدى منْ تُمارس عليهم الإبادة بشكل مباشر، لتشمل بمسؤولياتها الجميع وبشكل مباشر، من أضعف الإيمان بإماطة أذى الاقتصاد الداعم للعقل الصهيوني الإمبريالي وذلك بمعرفته لمقاطعته، وبالخروج إلى الشارع للضغط على الدول والحكومات، وهذا واجب كل الشعوب التواقة إلى احقاق العدالة في العالم ورفع الاستعمار عن الشعب الفلسطيني، وفضح جميع أشكال التماهي والتشجيع للهِيبِّرونازية الممارس بمنطقتنا المغاربية والعربية، وهذه مهمتنا نحن شعوب هذه المنطقة بالدرجة الأولى. تتوفر اليوم الشروط لبناء حركة كونية من أجل فلسطين ودولتها المستقلة الحرة، وهي موضوعيا الآن موجودة، لكن أثرها على إيقاف الدمار الذي يقترفه النازيون الجدد لا يزال لم يبلغ درجة الحسم في الوقت المناسب، لأن كل يوم يمر، يكون ثمنه باهظا على الفلسطينيين وعلى قضيتهم.
إن الممارسات اللاإنسانية التي يمارسها النازيون الجدد تقض مضاجعنا وطمأنينتنا هنا بالمغرب وفي كل مكان به عقل إنساني، ولم يعد من حديث بين الشباب وكبار السن وغيرهم غير التعبير عن العجز والاستياء مما نتجرعه يوميا جراء هزيمتنا في التأثير على حكامنا، وليس لنا ولا في مقدورنا وتفكيرنا إلا العمل السلمي المتحضر. إن عدم استجابة الحكام للحراكات الشعبية سوف يغذي وسط فئات عريضة من الشباب، من جهة، ثقافة الكراهية والتطبيع مع المذابح البشرية المذرة للعنف، ومن جهة أخرى، تفشي نفسية الخنوع والإحباط الكابحة للتقدم والتنمية الإنسانية.
التفرج على إبادة الشعب الفلسطيني يعد مساهمة فيها بشكل غير مباشر. ولذلك نجد اليوم كل شعوب العالم تنتفض ضد هذه الجريمة المصورة والمنقولة بكل حذافيرها على المباشر أمام أعين العالم برمته. فهذا الغرب الذي نلعنه ونسبه على نفاقه وتناقضاته، ونحن محقون في ذلك، وهؤلاء المناهضون للحداثة والديمقراطية والعقل الإنسي الآكلين للغلة والناعلين للملة، الباحثين "بالفتيلة والقنديل" عن الأسباب والمتحينين لكل شاذة وفادة، للنيل من التراث الإنسي الكوني، وتصفية الحساب التاريخي. إن هذه الحضارة الحداثية "المنعولة" هي التي جعلت شعوبها تنتفض ضد الظلم، وهي ذاتها التي تجبر حكوماتها على الاستماع إلى نبض شارعها والخضوع إلى ما تعبر عنه. فما اتخذته بعض الدول (ألمانيا، وبريطانيا، وفرنسا)، المتماهية بدون حدود مع المنظومة الصهيونية، من مواقف، كأمثلة لعتاة الداعمين للصهيونية، يسائلنا جميعا، فبالرغم من التراجعات التي تعرفها الديمقراطية بالعديد من البلدان الغربية المتمثلة في تنامي التيارات اليمينية المتطرفة، فإن البلدان العربية والإسلامية التي يعول عليها لم تستطع، طيلة تاريخ القضية الفلسطينية، أن تتبنى مواقف صارمة وفعالة من أجل إيقاف الإبادة وضمان الأمن للفلسطينيين العزل والوقوف الصارم ضد الطموحات التوسعية الصهيونية. فلم تجرؤ البلدان العربية حتى على تعليق تطبيعها مع هذه الحكومة الصهيونازية غير المسبوقة في تاريخ الإنسانية. فلن تعفي الإعانات الضعيفة والمواقف الفاقدة للأثر على أرض الواقع، التي تقوم بها البلدان العربية المطبعة، من المسؤولية التاريخية في تصفية القضية الفلسطينية وإبادة الشعب الفلسطيني. فماذا تنتظر هذه البلدان لتفك علاقاتها مع أكبر الحكومات الإسرائيلية تطرفا ودموية؟ وأما اليهود الذين من المفروض باسمهم حدث استعمار فلسطين من أجل إقامة دولة لهم، قد صرخوا بصوت عال في كل من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا وغيرها، ولم يعودوا قادرين على تحمل تبعات نظام صهيونازي، رافضين أن يحدث ذلك باسمهم. ولم يتوقف الأمر عند حركة يهود العالم "ليس باسمنا" «No in our name »، بل أصدرت منظمة حقوقية من قلب إسرائيل "بِتْسيلم" في يوليوز 2025 تقريرا يحمل عنوان " إبادتنا=Our Genocide" (our_genocide_eng.pdf). يرسم فيه بشكل دقيق الفعل الصهيوني المحكم منذ 1948، يتتبع سياسة الإبادة كسيرورة لنظام الأبرتايد لدولة إسرائيل، اعتمادا على الهندسة الديمغرافية، والتطهير العرقي، والفصل العنصري. ويقف على ما يتعرض له الفلسطينيون في كل من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية وكافة البلاد من سياسة ممنهجة ترتكز على التقتيل وممارسة كل أشكال السلوكيات العدائية للتضيق عليهم في حياتهم اليومية وما يترتب عن ذلك من الأذى الجسدي والنفسي الجسيم، من القصف الجوي والترحيل الجماعي، كما وقفت على السياسة الإسرائيلية الممنهجة للقضاء على المجتمع الفلسطيني، وأكدت بوضوح ودون مواربة على فعل الإبادة الذي تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين بقطاع غزة.
وقد عرى التقرير السياسة الاستعمارية الإسرائيلية المبنية على تكريس التفوق اليهودي على الفلسطينيين في جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية عبر الارتكاز على أساليب الفصل العنصري وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، وتدمير كل ظروف المعيشة اللائقة واللجوء للتجويع كآلية حربية. والقضاء على كل البنيات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية. وسجل التقرير ما قام به الجيش الإسرائيلي من تدمير للتراث التاريخي والديني الفلسطيني بحلول يونيو 2024، إذ قضت إسرائيل على حوالي 206 مواقع أثرية وتاريخية في قطاع غزة، بما في ذلك الأسواق العامة والأحياء القديمة، بعضها يبلغ من العمر أكثر من ألف عام. وفي عدة حالات، نهبت القوات العسكرية الإسرائيلية الآثار من المواقع الأثرية والمتاحف في جميع أنحاء القطاع. ومن تدمير المكتبات والمتاحف والأرشيفات والمسارح وغيرها من المؤسسات الثقافية، بما في ذلك الأرشيف المركزي لمدينة غزة. تم تدمير السجلات التاريخية المحفوظة هناك، والتي يعود تاريخ بعضها إلى 150 عامًا، في حريق. وقد قدرت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة أن الداخل المبنى من المحتمل أنه أُشعلت فيه النيران خلال الفترة التي كانت فيها القوات الإسرائيلية تعمل في المنطقة. وقد لخص التقرير مرتكزات السياسة الإسرائيلية لتدمير المجتمع الفلسطيني وارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، في ثلاثة أسس، 1. نظام الفصل العنصري، بما في ذلك الفصل والهندسة الديموغرافية والتطهير العرقي؛ 2. تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وتصويرهم كتهديد وجودي للإسرائيليين؛ 3. والاستخدام المنهجي والمؤسسي للعنف ضد الفلسطينيين، مع إفلات الجناة من العقاب بحكم الأمر الواقع. كما حذر من خطر واضح ووشيك من أن الإبادة الجماعية لن تظل محصورة في غزة.
ماذا يعني لنا نحن المغاربة بالخصوص كل هذا، اعتبارا للعلاقات "الطبيعية" التي تربط الدولة المغربية بالدولة الإسرائيلية مع حكومة هِيبِّرنازية؟ وماذا بإمكاننا القيام به نحن كمجتمع مدني بمعناه الشامل من منظمات نسائية وحقوقية وسياسية، ونقابية، وثقافية، وبيئية؟
إن ما نعيشه اليوم علاقة بالقضية الفلسطينية يحتم علينا الوقوف على ما يلي:
1- أن المقاومةَ الفلسطينية اليوم تقودها التيارات الإسلامية، وكونها تعتمد الدين لشحذ الهمم والعزائم فهذا لا يعيبها، مهما كانت الاختلافات الأيديولوجية معها، في مقاولة محاربة الاستعمار ومقاومة الإبادة، بل على العكس، طوبى لها وللشعب الفلسطيني الذي استطاع في كل مرة أن ينجب من داخل دينامياته الخاصة والمتفاعلة مع محيطها الجغرافي، أبناء وبنات لا ترضى الذل، يدودون على الحرية والكرامة. ألم تقد جهاد، الاسم الحركي لدلال المغربي، المنخرطة في الجناح العسكري لحركة فتح، عملية "كمال عدوان" في مارس 1978 ببسالة كلفتها حياتها؟ وليلى خالد المنخرطة في الجناح العسكري للجبهة الشعبية، ألم تنجز عمليتي اختطاف لطائرتين (1969، 1970)، التي لم يكن هدفها إلحاق الأذى بأحد، بل فقط فرض شروط لتبادل الأسرى؟ ألم ترعب ليلى خالد الكيان الصهيوني آنذاك؟ سقت أسماءً لنساء قدن أشكالا مختلفة من المقاومة في تيارات سياسية مختلفة، نظرا للرمزية التي تنطوي عليها، الموجهة لبعض الفعاليات المغربية المتوجسة أو الرافضة للاعتراف بالطابع المقاوم للحركة الإسلامية الفلسطينية. المشترك بين كل هذه الاختلافات الإيديولوجية هو فعل المقاومة، وهذا هو الأهم، فمن يحمل راية المقاومة اليوم ليس من حمله البارحة، وبالتأكيد سوف لن يكون من يحمله غدا.
2- قد قُلبت البركة الآسنة رأسا على عقب بعدما كاد النسيان يطوي المعاناة اليومية للفلسطينيين ويطوي قضية حقهم في دولتهم المستقلة كبقية الدنيا، وفُضحت السردية الصهيونية المتدثرة بغطاء الديمقراطية، على أنها سردية تخفي وراءها طموحات كيان عنصري غاصب متعطش للدماء والسلطة المطلقة التوسعية. كما كُشف عن هشاشة ولا واقعية الأطروحات الوحدوية المبنية على الإثنية العربية والدين الإسلامي، وذلك باستفحال داء العجز الوحدوي المتمكن من مفاصل الدول العربية والإسلامية بما فيها قواها الحية، التي لم تبرح مستوى إعلان المبادئ غير الفعال والذي لا يفيد الفلسطينيين في بناء دولتهم الفلسطينية المستقلة الآمنة، ولن يوقف سياسة الإبادة الممنهجة التي يعتمدها النازيون الجدد. وهذا إنجاز للمقاومة الإسلامية الفلسطينية رغم ثمنها الباهظ على الشعب الفلسطيني.
3-بمقدورنا، نحن الشعب المغربي ومعنا باقي شعوب الأرض المستضعفة، استعمال أفتك سلاح اليوم ألا وهو السلاح الاقتصادي. الاقتصاد بمعناه المتجدد، أي بما فيه الاقتصاد الرقمي الذي قد تمكن من مفاصلنا، عبر التحكم في استهلاكنا له. وأن نمارس سيادتنا الوطنية عبر مقاطعة المنتوجات التي تصب في طاحونة النازيين الجدد وعرابيهم، بأن نجعل من معركة رفع الوعي الشعبي بحمل سلاح المقاطعة عبر عمل مدني منظم وطويل النفس، لا تختص به منظمة بعينها، في الأحياء الشعبية وكل الأماكن العمومية حتى يتوقف دمار الامبريالية الصهيونية ورأسمالية الرقابة. المقاطعة وعقلنة الاستهلاك بما في ذلك الرقمي، حرب فتاكة على جبهتين، جبهة إضعاف تموين حرب الإبادة على الفلسطينيين، وجبهة حماية البيئة وتعزيز السيادة الوطنية وسلطة الشعوب في الانخراط في التغيير على المستوى الوطني والتخفيف من حدة آثار الإنتاج الرأسمالي المتوحش المفرط على البيئة وعلى التوازنات التجارية المختلة لفائدة البلدان الصناعية بجيليها، جيل الثورة الصناعية الأولى والثانية للبلدان الأطلنطية الصناعية، وجيل الثورة الصناعية الثالثة وعنوانها الصين والهند. فقد يصبح "الاستهلاكُ المقاوم" شعارا ثوريا يهدف إلى بناء ثقافة جديدة مبنية، من جهة، على عدم استهلاك أي منتوج يؤدي إلى تقوية جبروت الإمبريالية والصهيونية، ومن جهة أخرى، على الاعتدال في الاستهلاك من أجل حماية البيئة وحماية البلاد من التقلبات الخارجية ذات الطبيعة البنيوية التي أصبحت تميز عصرنا.
4- ضرورة استرجاع الحركة النسائية المغربية لشعار مناهضة الامبريالية والصهيونية الذي تبنته في نهاية الثمانينات بعض الجمعيات النسائية وعلى رأسها اتحاد العمل النسائي الذي وضعه ضمن أهدافه في قانونه الأساسي، وإيقاف الأشكال الناعمة من التطبيع المدني مع الثقافة الامبريالية الداعم الرئيسي للنازيين الجدد، وذلك بالعودة إلى اختيار الشركاء الدوليين على أساس دعمهم للقضايا العالمية العادلة، ابتداء من تصفية كل أشكال الاستعمار، وعلى رأسها احتلال الإسرائيلي لفلسطين. وإعادة إحياء أو إنشاء شبكات نسائية مقاومة للثقافة الإمبريالية على المستوى الإقليمي والدولي. وهذا يعني، استرجاع الحركة النسائية لنفسها السياسي المقاوم من أجل بناء الديمقراطية التي من دونها لن يستقيم استنبات المساواة بين النساء والرجال في تربتنا.
تطوان، 23 غشت 2025


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.