حرصنا في الحلقات السابقة من برنامج "إقتصاد في سياسة" على ربط الماضي بالحاضر واستشراف مستقبل جدير ب أمة إقرأ، وفي إطار الوحدة الناظمة لموضوعات حلقات هذا البرنامج فإننا نذكر مشاهدينا القدامى والجدد بأن حديثنا عن سيرة الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام في حلقتنا الأخيرة بمناسبة حلول شهر ربيع الأنوار، لم يكن شاردا عن بقية موضوعات ومحاور البرنامج ذات الصلة بضفتي "الاقتصاد والسياسة وما جاورهما" بل كان مدخلا شرطيا للحديث عن تفاصيل الرؤية المحمدية لمعركة التنمية والحروب التجارية والاقتصادية فيما مضى وفيما هو آت… الثابث الرئيسي فالبلدان تتقدم بالبشر لا الحجر.. وإن الثابث الرئيسي في كل تجارب النمو عبر التاريخ كان كامنا في الاهتمام بالعنصر البشري.. فإن كان من المؤكد، أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال استنساخ تجربة نمو من دولة إلى أخرى، لأنه لكل دولة ميزات وطبائع مختلفة تتعايش معها، ولكل دولة معدلات نمو سكانية وثروات طبيعية مختلفة، ومخاطر أمنية مختلفة ، فإان هناك ثوابت مشتركة يمكن الأخذ بها، وهناك فرصة بمغربنا العربي وعالمنا الاسلامي لقيام تجارب تنموية ناجحة على غرار ما حدث في شرق أسيا ، عبر إتباع نموذج اقتصادي محدد يحقق نهضة حقيقية تعم بلدنا العزيز و أمتنا الأبية.. العنصر البشري ولعل أبرز ما يجب التركيز عليه لتحقيق الصعود والخروج من دائرة التخلف والفقر و الحرمان، هو الاهتمام العنصر البشري والاستثمار فيه ما أمكن، عبر زيادة الإنفاق في التعليم وتوفير الخدمات العامة بأسعار مناسبة وفي استطاعة الجميع، فبدون تعليم يضاهي المعايير العالمية لا يمكن الانخراط في الاقتصاد المعرفي.. لكن تعليم ينسجم مع البيئة الثقافية و الحضارية المحلية، تعليم بلغة البلد لا بلغة الغير، فإهمال التدريس اللغة العربية في أغلب البلدان العربية جريمة تنموية و ثقافية وحضارية بكل المعايير و تأبيد للاستعمار قفازات ناعمة و هو ما يدعونا إلى تشكيل جبهة وطنية من أجل الاستقلال اللغوي ، فاليابان تدرس باليابانية و الصين تدرس بالصينية ، ولعل المبدأ الياباني القائم على قاعدة "التقنية الغربية و الروح اليابانية " هو الوصفة السرية و القاسم المشترك بين أغلب التجارب التنموية الناجحة في أسيا و غيرها ، وللأسف تخلف البلدان العربية نابع من إهمال البعد الحضاري والخصوصية الثقافية للشعوب العربية التي تدين غالبيتها العظمى بالإسلام وتتحدث لغة القران و تسير على نهج الرسول الأعظم سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام .. النفس الإصلاحي وكما يقول المناطقة المناسبة شرط ، و المناسبة حلول هلال شهر ربيع الأنوار شهر ميلاد سيد الخلق وولادة أمة إقرأ بعد مخاض طويل و عسير..فلقد كانت البعثات النبوية عبر التاريخ ذات نفس اصلاحي سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي.. وأخلاقي.. ولعله البُعد المغيب في كل معادلات وبرامج ومشاريع الاصلاح والتنمية والنهوض الحضاري المنشود.. فلا يكفي أن تكون حامل علم دون التزام بالحد الادنى من أخلاق وفضائل النزاهة والامانة.. والغريب أن العديد من البلاد الغربية المتقدمة طبقت روح تعاليم الاسلام في تنمية بلدانها و شعوبها ، نعم لم تقتبس الأيات و الأحاديث و الأحكام الفقهية ، لكن توصلت عبر الإقتباس من حضارة المسلمين ، وغيرهم وبالجهد والتنظيم والإصلاح إلى تحقيق غايات الاسلام الأسمى في تنمية الإنسان و توسيع خياراته، ونجحت إلى حدما ما في مواجهة نواقص ومثالب النظام الاقتصادي الرأسمالي ، الذي أُبْتلينا بطالحه ولم نستفد من صالحه كما أن بلدان أخرى إسلامية نجحت في تحقيق الاقلاع والنهضة عبر الاستفادة من تعاليم الاسلام ومن ذلك التجربة الماليزية…. منهج الإصلاح وحتى لا يكون كلامنا مجرد كلام في كلام و إنما إقتصاد في سياسة ، فإننا في الحلقة الثامنة سنقدم بين أيديكم نماذج عملية للإصلاح الناجع والتغيير الهادئ ومنهجية الخروج من دورة الكساد إلى الرواج ومن الضيق إلى السعة، وسنعتمد في تحليلنا على تجربة سيدنا يوسف عليه السلام و إدارته لأشهر أزمة في التاريخ، وسنختتم الحلقة بقصة واقعية توضح أهمية العدل في إحياء و تحصين الأوطان .. تسليع المال إن الأسباب الكامنة وراء الأزمات الاقتصادية والمالية في النظام الرأسمالي رغم تعدد تسمياتها، إلا أنه يصعب إخراجها عن عوامل أساسية أهمها : تحويل المال إلى سلعة، و ما يصاحب ذلك من احتكار واستغلال عبر انتشار الربا، لذلك، فإن المعاملات الماليّة الربوية محرمة في الإسلام، ويشمل التحريم كافة القروض التي تُمنح للأفراد أو المُنشآت بنسبة فائدة مالية.. أصل الشرور لذلك، حرص الإسلام وقبله اليهودية والمسيحية على حظر الربا وتحريمها وإعتبارها أصل الشرور، كما حرم الإسلام الاحتكار، وشجع على العمل والإنتاج وعدالة التوزيع، وهي مقاومات أساسية لتأسيس إقتصاد حقيقي بدل إقتصاد مبني على الفقاعات المالية، إقتصاد في خدمة عامة الناس وليس إقتصاد يسخر عامة الناس لصالح قلة من الناس، و قد رأينا في أزمة كورونا كيف أن الثروات تجمعت و تراكمت بشكل غير مسبوق في أيدي القلة في حين تم تفقير غالبية الناس والظاهرة لم تقتصر على بلدان دون أخرى بل هي ظاهرة عامة. مدرسة شيكاغو العالم اليوم يعيش في قلب روشتة " مدرسة شيكاغو"، وهذه المدرسة ومذهبها المتطرف والمتوحش لعب دور أساسي في عمليات الإصلاح والتحرير الاقتصادي التي شهدتها بلدان العالم المختلفة، بدأ من سياسة التقويم الهيكلي في أواخر سبعينات القرن الماضي، و التحول الاقتصادي الذي شهدته بلدان شرق أروبا و روسيا ، وكذلك ما حدث في الصين خاصة بعد أحداث "تيانتامين"… والإجراءات و التدابير التي خضعت لها بلدان شرق آسيا بعد الأزمة المالية لعام 1997، و كذا الإجراءات المتخذة في الولاياتالمتحدة ذاتها سنة 2008 مع اندلاع أزمة الديون العقارية، والتي تحولت لأزمة مالية عالمية، و أيضا الإجراءات والتدابير التي تم تبنيها أثناء وبعد جائحة كورونا والتي لا زلنا نعيش تحت تأثير سياساتها المتطرفة والعدوانية .. ونتيجة لهذه الاختلالات البنيوية، أصبح من الضروري بحث عن طريق ثالث وسط، فمن المستبعد العودة للنظام الإشتراكي الذي تبت فشله في بلدان المهد ، ومن الصعب الاستمرار في نظام رأسمالي أصبح أقرب لإنتاج الأزمات والكوارث الاقتصادية و المالية، بدلا من إنتاج الثروة وتعميم الرفاه وتعزيز الاستقرار والانضباط… فما هي البدائل المتاحة للخروج من حلقة النموذج الرأسمالي المتوحش؟وهل يمكن أن يكون النموذج الإسلامي في الاقتصاد خاصة والاجتماع والعمران البشري عامة خيارا للشعوب العربية والإسلامية، ولما لا لباقي شعوب العالم؟ هذا ما سنحاول تفصيله في الحلقة الثامنة من برنامج إقتصاد في سياسة .. لذلك أدعوكم إلى متابعة حلقات البرنامج على منصة اليوتيوب وستجدون في البرنامج تفاصيل جديدة وحصرية بهذا الشأن.. .الحلقات يتم بثها كاملة كل إثنين وخميس على الساعة 20.00 مساءا بتوقيت المغرب والساعة 19.00 بتوقيت غرينتش و 22.00 مساءا بتوقيت القدس الشريف، على منصة اليوتيوب.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. كاتب و أكاديمي من المغرب