في أحدث تقرير صادر عن شركتي "كونترول ريسكس" و"أوكسفورد إيكونوميكس إفريقيا" حول "مؤشر المخاطر والمكاسب في أفريقيا 2025″، برز المغرب كأحد البلدان التي واصلت تعزيز موقعها الاستثماري، حيث سجلت المملكة ارتفاعا في درجة المكاسب من 5.00 نقاط في نسخة شتنبر 2024 إلى 5.31 نقاط في نسخة شتنبر 2025، مقابل انخفاض طفيف في درجة المخاطر من 4.01 نقاط إلى 3.88 نقاط، وهو ما يعكس تحسنا صافيا بلغ 0.44 نقطة وفق ما أورده التقرير. وأكد التقرير المشترك أن المغرب بات يمتلك واحدة من أكثر الاقتصادات تنوعا على مستوى القارة الأفريقية، مستفيدا من موقعه الجغرافي الإستراتيجي ومن الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية خلال السنوات الماضية. وأشار إلى أن المملكة تتحول بشكل متزايد إلى "حجر زاوية" في ربط أفريقيا بالعالم الخارجي، وذلك بفضل ميناء طنجة المتوسط وشبكة الطرق والسكك الحديدية، إلى جانب استثماراتها المتنامية في الطاقات المتجددة.
وبالمقارنة مع الدول الأفريقية الأخرى المشمولة في المؤشر، يلاحظ أن المغرب يتميز بمزيج فريد من انخفاض نسبي في المخاطر وارتفاع نسبي في المكاسب. فبينما حصلت بلدان مثل إثيوبيا على معدل مكاسب أعلى بلغ 6.95 نقاط لكنها سجلت أيضا معدل مخاطر مرتفعا عند 7.47 نقاط، وهو ما يقلل من جاذبية الاستثمار، استطاع المغرب أن يحافظ على توازن أكثر أمانا. أما نيجيريا، على سبيل المثال، فقد سجلت معدل مكاسب بلغ 5.55 نقاط مقابل معدل مخاطر مرتفع بلغ 7.56 نقاط، مما يجعل بيئتها الاستثمارية محفوفة بالتحديات. وفي المقابل، كانت درجة المخاطر في المغرب عند 3.88 نقاط فقط، وهو أحد أدنى المعدلات في القارة، ما يمنحه ميزة تنافسية واضحة وأشار التقرير إلى أن برنامج التحديث الاقتصادي للمملكة مكّنها من بناء قاعدة صناعية متنوعة تشمل قطاعات السيارات والطيران والطاقة الخضراء. كما أن الإصلاحات في مجالات التشريع والبيئة الاستثمارية ساهمت في تعزيز ثقة المستثمرين الأجانب، وهو ما انعكس في تدفقات الاستثمار المباشر. وعلى سبيل المثال، ارتفع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في أفريقيا بنسبة 75 بالمائة خلال عام 2024، وكانت منطقة شمال أفريقيا المستفيد الأكبر من هذه الزيادة، حيث ارتفعت التدفقات بنحو 277 بالمائة، مدفوعة بمشروعات كبرى في مصر، لكن المغرب استفاد هو الآخر من هذا الزخم عبر استثمارات جديدة في مجالات التكنولوجيا والطاقة، وفقا للتقرير. كما أبرز التقرير أن المغرب لم يعد مجرد منصة للتصنيع من أجل أوروبا، بل بات يوسع شراكاته الأفريقية من خلال الانخراط في مبادرات التكامل الإقليمي مثل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية. وهنا يشير التقرير إلى أن المغرب، شأنه شأن عدد من الدول الأفريقية، بدأ في الاستفادة من آليات الدفع والتسوية البينية الأفريقية، مما يسهل التجارة داخل القارة ويقلص الاعتماد على العملات الأجنبية في المبادلات التجارية. وعلى المستوى المالي، عد التقرير المغرب من البلدان التي تتبنى سياسات جديدة لتمويل مشاريعها عبر أدوات أكثر استقلالية عن السوق الغربية، مثل السندات المحلية والاعتماد على صناديق التقاعد الوطنية، إلى جانب تعزيز دور الجالية المغربية في الخارج في تمويل مشاريع التنمية. وفقا للتقرير فإن هذه الخطوات تتماشى مع توجه أوسع في القارة نحو الاعتماد على التمويل الداخلي وتقليص الاعتماد على الديون الخارجية المقومة بالدولار، وهو ما يشكل ركيزة إضافية للاستقرار المالي والاقتصادي. في المقابل، أورد التقرير تحذيراته بشأن التحديات المقبلة، حيث يشير إلى أن البنية التحتية، رغم التقدم الكبير، ما زالت تحتاج إلى تحسينات إضافية لضمان قدرة المملكة على الاستجابة لتوسع القاعدة الصناعية. كما أن الطلب المتزايد على الكهرباء في ظل نمو الصناعات الثقيلة والتكنولوجيا الحديثة يستدعي مضاعفة الاستثمارات في الطاقات المتجددة، وهي ورشة انطلقت منذ سنوات مع مشاريع الطاقة الشمسية والريحية العملاقة، إلا أنها تحتاج إلى مواكبة أسرع حتى تلبي الحاجيات المرتقبة.