رأى مسؤولان أمنيان إسرائيليان سابقان أن الاستراتيجية العسكرية الجديدة التي تبنّتها الدولة العبرية بعد هجمات 7 أكتوبر 2023 تقوم على استخدام القوة الاستباقية بدلاً من الاكتفاء بالردع التقليدي. وفي مقال نشرته مجلة فورين أفيرز، كتب مئير بن شبات، الرئيس الحالي لمعهد "مسغاف" للأمن القومي والمستشار السابق للأمن القومي (2017-2021)، وآشر فريدمان، المدير التنفيذي للمعهد والمسؤول السابق في وزارة الشؤون الاستراتيجية، أن إسرائيل لم تعد تكتفي بإضعاف خصومها بل تسعى إلى هزيمتهم وإعادة صياغة التوازن الإقليمي لحماية مصالحها.
واعتبر المسؤولان أن الاختبار النهائي لهذه الاستراتيجية هو الحرب في غزة. وكتبا "رغم أن تصميم إسرائيل على القضاء على حماس مكلف – إذ دمّرت عملياتها البنية التحتية في غزة وأدت إلى مقتل الكثيرين، مقاتلين ومدنيين – إلا أن الهدف حاسم لمستقبل إسرائيل، وبالتالي فإن هذا النهج كان ضروريا". وأعرب الكاتبان عن أسفهما كون الرأي العام في العديد من الدول، بما فيها الولاياتالمتحدة، أصبح أكثر سلبية تجاه إسرائيل منذ بداية الحرب على غزة، لكنها أكدا أنه على إسرائيل في هذه المرحلة، أن تعطي الأولوية لأهدافها الحربية حتى ولو كان ذلك على حساب الانتقادات الخارجية. وجاء في نفس التقرير أن إسرائيل لم تعد تكتفي بإضعاف خصومها بل باتت تسعى لهزيمتهم، مستخدمة قوتها العسكرية لتشكيل نظام إقليمي يحمي مصالحها، حتى لو تطلب الأمر عمليات متعددة الجبهات ومكلفة. وأشار التحليل إلى أن الاستراتيجية الجديدة تجسدت في الحرب البرية المتواصلة في غزة، وحملة عسكرية غير مسبوقة ضد البرنامجين النووي والباليستي الإيرانيين، واغتيال شخصيات أمنية وعلمية بارزة في إيران ولبنان وقطر، إضافة إلى ضربات استباقية لمنع إعادة تسليح حزب الله ووجود عسكري مباشر في سوريا. وينفي الكاتبان أن تكون إسرائيل تسعى إلى هيمنة إقليمية، معتبرين أن اقتصادها وحجم نفوذها الناعم لا يسمحان بذلك، لكنها تطمح إلى "تشكيل النظام" عبر حماية أصولها وحلفائها، الاحتفاظ بأراضٍ أو تعديل حدود عند الحاجة، وبناء تحالفات متنوعة، مع رفض أي تنازلات أمنية مقابل وعود دبلوماسية "غير موثوقة". ويُعدّ قطاع غزة الاختبار الأبرز لهذه الاستراتيجية، إذ تصر إسرائيل – بحسب المقال – على نزع سلاحه بالكامل وإزاحة حماس كقوة مهيمنة، حتى لو استدعى ذلك سيطرة عسكرية طويلة على مناطق حدودية وشمالية. كما طُرح خيار "الهجرة الطوعية" كوسيلة لتخفيف الكلفة وتسريع إعادة الإعمار، رغم رفض العديد من القادة الدوليين للفكرة. وفي الملف الإيراني، تشدد الورقة على استعداد تل أبيب لتكرار ضرباتها لمنع إعادة بناء القدرات النووية والباليستية، ودعوة واشنطن وأوروبا إلى إعادة فرض عقوبات مشددة. أما في الضفة الغربية، فتدعو الاستراتيجية إلى تكثيف العمليات العسكرية، والحفاظ على وجود أمني دائم في مناطق نشاط الجماعات المسلحة، ورفض حلّ الدولتين في ظل ما تعتبره رفضاً فلسطينياً للاعتراف بشرعية إسرائيل. كما يقترح الكاتبان تطبيق القوانين الإسرائيلية على غور الأردن لتعزيز السيطرة عليه. على الصعيد الدبلوماسي، تواصل إسرائيل – وفق المقال – تعزيز شراكاتها مع دول "اتفاقيات أبراهام" (الإمارات، البحرين، المغرب) إلى جانب مصر والأردن، والانخراط في مشاريع إقليمية مثل "الممر الاقتصادي الهند–الشرق الأوسط–أوروبا"، مع الحذر من قادة تعتبرهم معادين. وفي علاقتها بواشنطن، تبقى الولاياتالمتحدة "الحليف الأهم"، لكن تل أبيب تسعى لاستقلال استراتيجي أكبر عبر تعزيز صناعتها العسكرية وتخفيف اعتمادها على التمويل الأميركي. ويخلص الكاتبان إلى أن تبني استراتيجية تقوم على القوة والتدخل الاستباقي، لا على "دبلوماسية الأوهام"، يجعل إسرائيل "أكثر قوة لا أضعف"، وأن هذا النهج هو الضمانة، من وجهة نظرهما، لبقاء الدولة العبرية وتهيئة الظروف لاستقرار إقليمي طويل الأمد.