طالب حزب العدالة والتنمية السلطات العمومية بالحرص على احترام حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي التي يضمنها الدستور، وإعمال معايير الحكامة الأمنية، والتعامل بِرَوِيَّةٍ وبحكمة مع هذه الاحتجاجات وبالطريقة الوطنية والاستبصارية المألوفة التي تجمع بين احترام الحقوق والحريات الدستورية والحفاظ على أمن وسلامة الأرواح والممتلكات، ووقف التصعيد سعيًا لتهدئة الأوضاع بإطلاق سراح كل المعتقلين الشباب المتابعين على خلفية المشاركة في احتجاجات "جيل زد"، والذين لم تُثبت في حقهم القيام بأعمال تخريبية مخالفة للقانون. وحذر حزب العدالة والتنمية في بلاغ صادر عن اجتماع أمانته العامة من خطورة تطورات الاحتجاجات وضرورة احتوائها، مؤكدًا على ضرورة استيعاب هذه الموجة من الغضب الشبابي وإيجاد مخرج سياسي مسؤول ومتوازن وفعّال يعالج موضوع الاحتجاجات.
واعتبر "البيجيدي" أن احتجاجات "الجيل زد" تجد مبرراتها في الفشل والاختلالات الكبيرة التي تطبع التدبير الحكومي الحالي، ولاسيما في قطاعات التعليم والصحة والشغل والثقافة والشباب، مسجلًا ما وصفه بالتخبط والتعثر في إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي؛ وخوصصة وتسليع الخدمات الصحية، وتهميش القطاع الصحي العمومي في شقه التكويني والخدماتي؛ وإقصاء ملايين المواطنين من التغطية الصحية الإجبارية؛ والتأخر في بلورة برنامج جديد لتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وغياب العدالة في برامج التأهيل الحضري وفي توزيع مختلف البنيات التحتية والمرافق والخدمات العمومية؛ والعجز عن الوفاء بوعدها بجعل موضوع الشغل على رأس أولويات العمل الحكومي؛ وتشجيعها لسياسة ثقافية – وخاصة تلك الموجهة للشباب – تكرس التفاهة والابتذال والتمييع… وأضاف الحزب أن الحكومة تشجع سياسة ثقافية تعتمد على ترميز نماذج تافهة ومبتذلة والتمكين لها عبر المال والإعلام العمومي والمهرجانات العمومية، في محاولة لإلهاء الشباب وخلق جيل شبابي مقطوع عن قضايا وطنه وأمته ودفعه للعزوف وعدم الاهتمام بالشأن العام؛ وتفشي استغلال النفوذ لخدمة المصالح الشخصية والحزبية، واعتماد تشريعات وامتيازات مالية وضريبية على مقاس هذه المصالح، وتكريس الريع وتضارب المصالح في الاستفادة من الاستثمارات والصفقات العمومية والشراكة بين القطاعين العام والخاص؛ وتوقيف ورش محاربة الفساد من خلال سحب وتعطيل القوانين واللجان الحكومية ذات الصلة، والهجوم على الهيئات الدستورية للحكامة الجيدة وتجاهل ملاحظاتها وتوصياتها؛ وتكريس نهج التعالي والانفرادية وعدم احترام المنهجية التشاورية في بلورة قوانين ذات طبيعة استراتيجية وأساسية في ضمان الحقوق والحريات الدستورية وشروط المحاكمة العادلة ومحاربة الفساد؛ وتفشي ظاهرة الزبونية والمحسوبية والحزبية في التوظيفات والمباريات والتعيينات في المناصب العليا، وعدم مراعاة معايير الكفاءة والشفافية وتكافؤ الفرص... وحمّلت الأمانة العامة لحزب "البيجيدي" الحكومةَ المسؤوليةَ عما آلت إليه الأوضاع اليوم بسبب ضعفها وعجزها وصمتها وتجاهلها لمختلف التنبيهات بخصوص هذه الاختلالات وغيرها، وتعاملها بتعالٍ وضيق أفق وترويجها لمنجزات وأرقام لا يجد لها المواطن صدى على أرض الواقع، ولاسيما في القطاعات ذات الصلة بهذه الاحتجاجات الشبابية، وتنصلها من المسؤولية عبر الهجومات المتكررة على المعارضة وعلى حزب العدالة والتنمية بالخصوص، وعودتها في كل مرة إلى أسطوانة الحكومات السابقة أو ما تسميه "التراكمات والإشكالات التي تعرفها هذه القطاعات منذ عقود". وفيما يخص بلاغ اجتماع الأغلبية الحكومية الأخير، اعتبر "البيجيدي" أنه من حيث الشكل والمضمون يفتقد للحد الأدنى من الحس والمسؤولية السياسية والوطنية، متهمًا الحكومة ب"إضاعة" أربع سنوات من الزمن الحكومي. وعاد العدالة والتنمية إلى دعوة الشباب للحرص على احترام الدستور والثوابت الوطنية الجامعة والتقيد بالقانون، وممارسة الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة، التي يتلازم فيها ممارسة الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات، مشددًا على ضرورة عدم الانزلاق إلى العنف، والحفاظ على سلمية التظاهرات، ومراعاة حرمة الممتلكات الخاصة والعامة والسير العادي للمرافق والخدمات. كما دعا العدالة والتنمية الشباب المحتجين إلى وقف هذه التظاهرات بالنظر للتطورات الأخيرة، باعتبار أن رسالتهم قد وصلت وبلغت مداها، وأنها ستجد لها مخرجًا سياسيًا عبر المؤسسات الدستورية المخولة. كما دعا الحزب إلى مراجعة صادقة وحقيقية للمسار الديمقراطي والتنموي، بهدف تكريس مصداقية وجدية الاختيار الديمقراطي وعدالة المسار التنموي، مطالبًا الدولة والأحزاب وعموم المواطنين بالانخراط في مسار سياسي جاد ومسؤول، وفتح نقاش عمومي يُشْرِكُ كل الأطراف، ولاسيما الشباب منهم، من أجل استيعاب سياسي لهذه التظاهرات والاحتجاجات، وبلورة مخرج سياسي لها عبر إطلاق دينامية سياسية ونقاش وطني يوفر الأجواء السياسية والديمقراطية المواتية ويحقق انفراجًا سياسيًا وحقوقيًا شاملاً، يُتَوَّجُ بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة وشفافة تمكن من اختيار مؤسسات منتخبة حقيقية قوية وذات شرعية، وقادرة على استيعاب انتظارات المواطنين والمواطنات، وخصوصًا الشباب منهم، ومعالجة مختلف الاختلالات القطاعية والفوارق الاجتماعية والمجالية، ومحاربة الفساد والريع وتضارب المصالح، وتكريس التوزيع العادل للثروة والفرص الاستثمارية والبنيات التحتية العمومية، بما يفتح باب الأمل والمستقبل أمام الشباب وأمام عموم المواطنين والمواطنات، ويضمن الأمن والاستقرار والتنمية البشرية المستدامة.