في معرض تعليقه على قرار مجلس الأمن 2797، وجه السفير عمر هلال، الممثل الدائم للمغرب لدى الأممالمتحدة، انتقادات مباشرة لقراءة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستيفان دي مستورا، للقرار. فقد اعتبر هلال، في مقابلة مع "البي بي سي" أن ما صدر عن المسؤول الأممي لا يعكس بدقة طبيعة النقاش الذي يفترض أن يجري بين الأطراف ولا موقع المبعوث في العملية السياسية. وفقا للسفير المغربي فإن تصريح دي ميستورا الذي قال فيه إن القرار 2797 "يوفر إطار عمل فقط ولا ينص على النتيجة" ليس سوى قراءة خاصة لا تلزم المغرب، ولا يمكن أن تُتخذ أساسا للحكم على مآلات العملية السياسية، خاصة وأن المبعوث، بحسب هلال، "ليس مفسرا ولا وسيطا" بل "مجرد مسير للعملية" لا يملك صلاحية إعلان نتائج مسبقة، ولا الاستباق على المفاوضات قبل أن تبدأ.
وانطلق هلال في توضيح موقفه بالقول إن الحكم الذاتي لم يعد مجرد مقترح مغربي، بل تم تبنيه ضمن "نص الأدبيات" الخاصة بقرارات مجلس الأمن، مبرزا أن القرار الجديد كرس هذا الخيار بشكل غير قابل للتأويل الضيق، وهو ما اعتبره دليلا على أن المفاوضات لا يمكن أن تنطلق من فراغ، ولا من تعدد متساوٍ للحلول، بل من أساس محدد وواضح. وللتدليل على ذلك، ذكر بأن القرار كرر الإشارة إلى الحكم الذاتي "ست مرات"، بينما ورد تعبير تقرير المصير "مرتين"، متسائلا عن دلالة هذا الترجيح وداعيا القارئ إلى استنتاج مغزاه. "الحكم الذاتي هو الذي سيكون فوق الطاولة" وقال السفير المغربي دون مواربة إن "الحكم الذاتي ولا شيء غيره هو الذي سوف يكون فوق الطاولة"، في سياق إصراره على أن الحل الواقعي الوحيد هو هذا الخيار، رغم محاولات بعض الأطراف، ومنهم المبعوث الأممي نفسه، تقديم القرار بمثابة إطار مفتوح لا يحدد النتيجة. وشدد هلال في هذا السياق على أن القول بأن القرار لم يعتبر الحكم الذاتي الحل الوحيد، أو أنه مجرد "إطار" كما قال دي ميستورا، هو قراءة غير دقيقة، لأن "الوصف يفرض نفسه" ولغة القرار، حسب تعبيره، واضحة بما يكفي لإظهار أن "الحل السياسي التوافقي" الذي يدعو إليه مجلس الأمن يتخذ الحكم الذاتي قاعدة صلبة. ومن هذا المنطلق أعاد هلال التأكيد على أن المغرب لا يرى أي مبرر لتقديم قراءة نسبية أو غامضة، لأن المفاهيم التي صيغ بها القرار، في رأيه، لم تُترك للصدفة، بل اختيرت لتعكس "واقعية الحل وموضوعيته وقابليته للتطبيق"، كما أثبتته مواقف عدد كبير من الدول عبر العالم. وفي رده على تصريحات أخرى رافقت قراءة المبعوث الأممي، من بينها تصريحات مستشار الرئيس الأمريكي مسعد بولس أو السفير الأمريكي لدى الأمم المتخدة مايك والتز أو أطراف أخرى رأت أن القرار لا يحسم المسار، أوضح هلال أن المغرب لا ينظر إلى المواقف الإعلامية أو الدبلوماسية المعزولة، وإنما إلى النص القانوني الذي اعتمده مجلس الأمن. وأكد أن المملكة لو كانت تريد "فرض الحكم الذاتي لفرضته على أرض الواقع منذ زمن ومن دون استشارة أحد"، لكنها اختارت المسار التفاوضي احتراماً للأمم المتحدة وحرصاً على إيجاد حل نهائي متوافق عليه. ومن موقع انتقاده للمبعوث الأممي، يقول هلال إن دي ميستورا "لا يمكن أن يأتي قبل بدء المفاوضات ويقول هذه هي قراءتي"، وإن المغرب لا يتعامل مع التصريحات الإعلامية بوصفها مرجعاً، بل يعتبر أن "الطاولة هي المكان لأنسب" لمناقشة أي تصورات، سواء كانت مغربية أو جزائرية أو لموريتانيا أو الأطراف الأخرى، معتبراً أن وضع هذه القراءات في الصحافة "ليس الطريق"، وأن المغرب ملتزم فقط بما يصدر عن مجلس الأمن وما يتفق عليه أطراف النزاع في الإطار الأممي. "الاستفتاء دفن نهائيا قبل ربع قرن" ومن زاوية أخرى مرتبطة بالنقاش حول مضمون القرار، يصر هلال على أنه "لا تناقض" بين اعتراف القرار بسيادة المغرب على الصحراء وذكره لمبدأ تقرير المصير. فبالنسبة له، لا يمكن حصر مبادئ الأممالمتحدة في مبدأ واحد، لأن الميثاق ذاته يتحدث أيضاً عن وحدة الدول الترابية، واحترام الحدود، وحسن الجوار، والحوار، وحل النزاعات بالوسائل السلمية. وبذلك يرى السفير أن التأويل الذي يضع مبدأ تقرير المصير في مواجهة الحكم الذاتي هو "تأويل خاطئ"، لأن الاستفتاء، كما يقول، "دُفن نهائياً منذ ربع قرن" ولم يعد مطروحا ضمن الأدوات المعتمدة، بينما تبنت الأممالمتحدة منذ سنوات خيار "الحل السياسي التوافقي"، الذي يجد حسب تعبيره تجسيده الواقعي في مقترح الحكم الذاتي. وفي سياق الرد على مواقف الجزائر من القرار، يستعيد هلال واقعة عدم تصويت الجزائر في مجلس الأمن، موضحاً أن ذلك "ليس انسحاباً" كما فُهم، بل امتناعاً متكرراً كما حدث في السنة السابقة، بعد أن رفض المجلس إدخال تعديلات اقترحتها الجزائر على نص القرار. ويرى هلال أن عدم تصويت دولة عضو في المجلس على قضية تقول إنها معنية بها هو "موقف مقروء" في أدبيات مجلس الأمن، يعكس "حسابات خاصة" أو مواقف سياسية لا يريد أصحابها الالتزام بها أو تسجيلها في السجلات الرسمية. ولم يفوت السفير المغربي الرد على قضية انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتعلق بظهور العلم الجزائري محجوباً خلف العلم الأميركي خلال لقاء صحفي. وأوضح أن هذا "غير صحيح"، مشيراً إلى أن الفيديو الذي رَوّج لذلك "اقتُطع" من سياقه. وأضاف أنه لم يسبق له ولا يمكن أن "يمس العلم الجزائري"، الذي يؤكد أنه يكنّ له كل التقدير، بل يذكّر بأنه شارك وهو طفل في مظاهرات داعمة لاستقلال الجزائر. ويشرح أن وجوده رفقة السفير الأميركي وراء العلم الأميركي كان بطلب دبلوماسي لالتقاط صورة، ولا علاقة لذلك بالعلم الجزائري الذي لم يُمس. وعن سؤال جوهري يتعلق بسبب تقديم المغرب مقترح الحكم الذاتي إذا كان يعتبر الصحراء مغربية، أجاب هلال بأن ذلك دليل على "حسن نية" ورغبة في "حسن الجوار" وتخفيف الاحتقان الذي طال المنطقة وأعاق مشروع المغرب العربي لعقود. وأضاف أن المغرب قدّم المقترح ليس لأنه مطلوب منه، بل لأنه "بادرة سلام"، ومن أجل مساعدة سكان المخيمات على العودة إلى أسرهم ومدنهم، ولإعطاء فرصة للجزائر لحفظ ماء الوجه، حسب تعبيره. ورفض هلال أن يمتد هذا النموذج إلى أقاليم مغربية أخرى، موضحاً أن باقي المناطق "لا تطالب بأي انفصال" وأن المغرب، على امتداد 12 قرناً من تاريخه، لم يعرف أي حركات انفصالية بالمعنى السياسي، وإنما عرف احتجاجات اجتماعية طبيعية تعبر عن مطالب معيشية وليست دعوات انفصالية. "لا معلومات عن مصالحة مغربية جزائرية" وبخصوص الحديث عن جهود أميركية لتحقيق مصالحة مغربية جزائرية، قال السفير إنه لا يمتلك أي معطيات خاصة حول ذلك، وأن ما صدر عن المسؤول الأميركي هو قوله الشخصي، مشيراً إلى أن الولاياتالمتحدة تدعم دائماً التعاون الإقليمي ورغبة الدول في تجاوز الخلافات، لكن لا وجود، من جانب هلال، لأي معلومات تفصيلية حول تحرك فعلي أو جدول زمني محدد. وفي ما يتعلق بما نُسب إليه حول دعوة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى الصحراء، يوضح هلال أن تصريحاته "حُرفت" وأنه لم يوجه أي دعوة، بل إن الأمر جاء في سياق دردشة تلفزيونية بعد أن سأله الصحافي إن كان من الممكن أن يحضر ترامب احتفالات السنة المقبلة، فأجاب بأنه "كل شيء ممكن"، دون أن تكون تلك دعوة رسمية أو مقصودة. أما بخصوص الربط بين اعتراف إدارة ترامب بسيادة المغرب على الصحراء والاتفاقات المرتبطة بالعلاقات مع إسرائيل، فقد أكد هلال أن هذا الربط "غير صحيح"، وأن الموقف الأميركي قائم على تاريخ طويل من العلاقات، وأن ترامب نفسه كتب، عند الاعتراف، أن المغرب كان أول دولة تعترف بالولاياتالمتحدة قبل قرنين ونصف، والاعتراف الأميركي هو "رد جميل" لهذا الموقف التاريخي. وعند الحديث عن تهديدات زعيم البوليساريو إبراهيم غالي باستئناف الحرب، رد هلال بأن الجبهة "تلوّح بالحرب دائماً" وأنها خرقت وقف إطلاق النار منذ أربع سنوات، بينما بقي المغرب ملتزماً به، باستثناء ما يتعلق "بحق الدفاع عن النفس". وذكّر بما ورد في القرار 2797 من ضرورة احترام وقف إطلاق النار، معتبراً أن هذه الفقرة موجهة إلى البوليساريو قبل غيرها. وأكد أن المغرب يعرف كيف يردّ على أي تهديد يستهدف حدوده أو مواطنيه. وعن سؤال حول احتمال أن يطبّق المغرب مشروع الحكم الذاتي بشكل أحادي، أوضح هلال أن ذلك لم يكن يوماً خياراً، لأن المغرب لو أراد تطبيق الحكم الذاتي من جانب واحد "لفعله منذ زمان". لكنه يحرص على أن يكون الحل "برعاية أممية" ومتوافقاً عليه، وعند التوصل إلى اتفاق، سيُقدم بشكل مشترك إلى الأممالمتحدة لاعتماده بوصفه الحل النهائي والملزم للجميع.