حل المغرب في المركز السادس عالميا في مؤشر أداء تغير المناخ للعام 2026، ليصبح بذلك واحدا من أعلى البلدان أداء في المؤشر وفق ما يورده التقرير الصادر عن منظمة "جيرمان ووتش" ومعهد المناخ الجديد وشبكة العمل المناخي. وبقيت المراتب الثلاث الأولى شاغرة كما جرت العادة في منهجية المؤشر لعدم وجود أي دولة وصلت إلى مستوى يُعد "أداء مثاليا"، بينما جاءت الدنمارك في المرتبة الرابعة باعتبارها صاحبة أعلى أداء عالمي، تليها إستونيا في المرتبة الخامسة، ثم المغرب في المركز السادس كأول بلد عربي وإفريقي ضمن فئة الأداء المرتفع، وقد اتقى مركزين مقارنة بنسخة العام الماضي للمؤشر.
على الجانب المقابل، يعرض المؤشر قائمة الدول الأكثر تراجعا في الأداء المناخي، حيث جاءت كازاخستان في المرتبة الأخيرة (المرتبة 67)، تسبقها مباشرة كوريا الجنوبية (جمهورية كوريا) في المرتبة 66، ثم الولاياتالمتحدة الأميركية في المرتبة 65 رغم حجم اقتصادها وقدراتها التكنولوجية. المواءمة مع هدف 1.5 درجة مئوية على مستوى المؤشرات الفرعية، حل المغرب في الرتبة السادسة عالميا بنتيجة 32.88 نقطة فئة انبعاثات الغازات الدفيئة، محققا تقييما "مرتفعا" في العناصر الأربع للفئة، وهي مستوى الانبعاثات الحالية للفرد، واتجاه الانبعاثات، ومواءمتها مع هدف 1.5 درجة، والهدف الوطني لعام 2030، كما يبين الجدول التفصيلي في التقرير. ويُقدّر العلماء أنه إذا تجاوز الاحترار العالمي 1.5 درجة مئوية، فإن العالم سيدخل في مستوى أعلى بكثير من مخاطر الكوارث المناخية، مثل موجات الحرارة الشديدة، وذوبان الجليد القطبي، وارتفاع مستوى البحار، والانهيار الواسع للأنظمة البيئية. وفي فئة استخدام الطاقة جاء المغرب في الرتبة الثامنة عالميا بنتيجة 15.79 نقطة وتقييم "مرتفع"، وقد حصل على تقييم "مرتفع للغاية" في استهلاك الطاقة للفرد ضمن المستوى الحالي، وتقييم "منخفض" في مسار الاستهلاك، و"مرتفع" في المقارنة مع مؤشر 1.5 درجة، و"مرتفع للغاية" في الهدف لعام 2030. أما في فئة السياسة المناخية، فيحل المغرب في الرتبة السادسة عالميا أيضا بنتيجة 17.20 نقطة وتقييم "مرتفع"، مع تقييم "مرتفع" في الأداء الوطني و"متوسط" في الأداء الدولي، وفق الجدول الذي يعرض تصنيف الدول الأكثر طموحا في هذه الفئة، والذي يضع المغرب إلى جانب دول مثل الدنمارك والبرازيل والمملكة المتحدة والصين، التي تعد مرجعيات دولية في السياسات المناخية الفعالة. وأعطى التقرير مثالا على السياسات الإيجابية للمغرب عبر "الدعم الواسع للطاقة الشمسية الكهروضوئية " كما هو مذكور في القسم الدولي المقارن، وهو دعم يجعل التجربة المغربية ضمن التجارب التي يمكن أن تُستلهم عالميا في مجال الطاقات الشمسية وفق التقرير. وفي فئة الطاقة المتجددة، وهي الفئة الوحيدة التي حصل فيها المغرب على تقييم "منخفض"، يظهر في الجدول أن المملكة تحتل الرتبة 46 عالميا بنتيجة 4.88 نقطة، وتقييم "منخفض" في جميع عناصر الفئة، بما فيها المستوى الحالي، والاتجاه، والمقارنة مع مسار 1.5 درجة، والهدف لعام 2030. ما بعد اتفاق باريس يقدم التقرير، المعتمد دوليا لمتابعة جهود المناخ عبر مقارنة 63 دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، سياقا عالميا شديد الارتباط بنتائج المغرب؛ إذ يشير إلى أن العالم ما يزال بعيدا عن المسار المؤدي إلى الحد من الاحترار عند 1.5 درجة مئوية، رغم النمو غير المسبوق في الطاقة المتجددة، والحاجة الملحة إلى تسريع التخلص من الوقود الأحفوري، ورفع كفاءة استخدام الطاقة، وتفعيل سياسات المناخ الوطنية والدولية على نحو عاجل، ما يضع البلدان التي تُظهر تقدما في موقع محوري ضمن المشهد الدولي الأوسع. في هذا السياق خلص التحليل العالمي إلى أن السنوات التي أعقبت اتفاق باريس قد شهدت تحولا واضحا في معدلات انتشار الطاقات المتجددة، لكن انبعاثات الغازات الدفيئة لا تزال مرتفعة عالميا، فيما تواجه العديد من الاقتصادات الكبرى، وخاصة داخل مجموعة العشرين، صعوبات في تقليص الاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية، الأمر الذي يجعل النجاحات المسجلة في المغرب أكثر لفتا للانتباه داخل هذا الإطار. وأكد التقرير أن تحديث المغرب لمساهمته المحددة وطنيا في شتنبر 2025 شكل نقطة تحول أساسية في تقييم السياسات المناخية الوطنية، إذ رفع المملكة إلى صف البلدان التي تبدي طموحا أعلى في خفض الانبعاثات عبر تحديد هدف غير مشروط بتقليص الانبعاثات بنسبة 21.6 بالمائة، وهدف مشروط أكثر تقدما يقضي بتقليص الانبعاثات بنسبة 53 بالمائة بحلول 2035، مقارنة مع سيناريو الأعمال المعتادة، وهو ما رحب به خبراء المؤشر نظرا لاتساقه مع توجهات أوسع تشهدها المنطقة والعالم نحو تحديث خطط المناخ الوطنية قبل انعقاد الاستحقاقات المناخية الأممية المقبلة. كما يشير التقرير إلى أن خطة التخلص من الفحم بحلول 2040 تمثل عنصرا إضافيا يعزز ثقة الخبراء بأفق التحول الطاقي في المغرب، في حين يوضح السياق الدولي الوارد في الأجزاء التحليلية للتقرير أن التخلص من الفحم يعد من أكثر الإجراءات تأثيرا على المدى المتوسط في قدرة الدول على خفض انبعاثاتها، خصوصا في وقت ترتفع فيه تكلفة التأخر في التخلي عن مصادر الطاقة التقليدية. ضغوط لإلغاء دعم الوقود الأحفوري وأورد التقرير أن المغرب "ليس بلدا منخرطا بكثافة في استخراج الوقود الأحفوري"، باستثناء "احتياطيات الغاز غير المستغلة"، ما يضعه في موقع مغاير لكثير من الدول المنتجة للنفط والغاز في المنطقة، لكنه يلفت في الوقت نفسه إلى استمرار دعم أسعار المحروقات السائلة منذ سنوات، وصعوبة إزالة دعم الغاز الذي تعتمد عليه نسبة كبيرة من الأسر، الأمر الذي يجعل وتيرة الانتقال في السنوات القريبة الماضية "بطيئة للغاية"، حسب وصف الخبراء الوارد نصا في التقرير. وأستند التقرير في هذا السياق إلى الإطار الدولي الذي يبرز الضغوط المتزايدة على الدول لإلغاء دعم الوقود الأحفوري، وخاصة في أعقاب توافقات مهمة مثل نتائج مؤتمر الأطراف في دبي "كوب 28" وما تلاه من دعوات عالمية لإصلاح الدعم، في حين يلاحظ أن البلدان التي أحرزت تقدما ملموسا في هذا الجانب هي تلك التي تملكت رؤية واضحة لإعادة هيكلة الدعم وتوجيهه نحو الفئات الهشة. ولفت التقرير إلى أن المغرب اعتمد الخطة الوطنية للتأقلم التي وضعت قواعد الحد الأدنى لأداء المباني الجديدة، إلا أن الخبراء ينتقدون "نقص الموارد المخصصة لمراقبة تنفيذ هذه المعايير"، مؤكدين أن "المباني لا تُبنى وفق المعايير، كما لا تزال الأجهزة كثيفة الاستهلاك للطاقة معروضة في الأسواق"، وهو ما يعكس أحد التحديات الأساسية التي تواجهها غالبية الدول النامية والمتوسطة الدخل في قطاع البناء، حيث يصعب الجمع بين التوسع العمراني السريع وفرض معايير طاقية صارمة، خصوصا في ظل محدودية الموارد الرقابية والتحفيزية. ويجد هذا التحدي صدى له في فصول التقرير التي تستعرض تجارب دول أخرى، حيث أشار إلى أن دولا أوروبية عديدة، رغم توفر الموارد، تواجه تعثرا في تعميم التجهيزات الكفؤة بسبب ارتفاع التكلفة أو بطء تحديث التشييد، ما يعطي صورة عن الطابع العالمي للمشكلة مقارنة بالتجربة المغربية. وأضاف التقرير أن الاستثمارات الكبرى في النقل العمومي والسكك الحديدية بالمغرب تسهم في "تحقيق انتقال نمطي على المدى البعيد نحو تنقل منخفض الكربون"، وهو ما ينسجم مع الاتجاه العالمي نحو تعزيز النقل الجماعي الكهربائي أو منخفض الانبعاثات. وأبرز أن قطاع النقل بات أحد القطاعات الأكثر استهلاكا للطاقة عالميا، وأن نجاح الدول في خفض انبعاثاته يعتمد بدرجة كبيرة على قدرة الحكومات على تنفيذ مشاريع بنية تحتية واسعة النطاق، سواء عبر السكك الحديدية السريعة أو الحافلات الكهربائية أو شبكات النقل الحضري منخفض الانبعاثات، ما يجعل التجربة المغربية، وفق التقرير، متسقة مع هذا التوجه العالمي المتنامي. وأشار التقرير كذلك إلى أن "قطاع الطاقة لا يزال يعاني من التأخر ومن نزاعات تكنولوجية تُبطئ إدخال الطاقة الشمسية"، إذ يدعو الخبراء إلى "تسريع طلبات العروض الخاصة بالطاقة الشمسية والريحية مع تحديد خيارات تكنولوجية واضحة وتحديث مرونة الشبكة الكهربائية". ويرتبط هذا المعطى بالسياق الدولي الذي يبرزه التقرير، والذي أكد أن العالم شهد خلال 2024 وحدها إضافة أكثر من 580 غيغاواط من الطاقات المتجددة، لكن الوتيرة الحالية ما تزال غير كافية لتحقيق هدف مضاعفة ثلاث مرات القدرة العالمية للطاقة المتجددة بحلول 2030، كما دعا إلى ذلك مؤتمر الأطراف في دبي، ما يجعل التأخر في إطلاق العروض أو عدم الحسم في الخيارات التقنية عاملا يحد من قدرة الدول على الاستفادة من الزخم العالمي في هذا القطاع سريع التطور. توصيات الخبراء وخارطة الطريق ويعود التقرير ليرصد توصيات الخبراء بشأن تطوير خارطة طريق للوقود الحيوي والبيوغاز ترتكز على "النفايات والمخلفات بدل المحاصيل الغذائية"، وهو ما يتسق مع الاتجاهات الدولية التي يدعو إليها التقرير في مواضع أخرى، حيث يشدد على ضرورة تجنب آثار التحول الطاقي على الأمن الغذائي، ويذكر تجارب دول عانت من توتر في الأسواق الزراعية بسبب تخصيص مساحات كبيرة لإنتاج الوقود الحيوي التقليدي، الأمر الذي يجعل المقاربة المغربية المقترحة، كما يوضح الخبراء، أكثر اتساقا مع الممارسات المستدامة المعتمدة دوليا أيضا طالب الخبراء ب"رفع كفاءة الري" في المغرب عبر دمج "تحديث أنظمة التنقيط مع الضخ الشمسي الذكي وحساسات الرطوبة" وربط جزء من الدعم بمؤشرات استخدام المياه، مع الدعوة إلى "توسيع برنامج النفايات المنزلية" ليشمل "الفرز العضوي في المدن الكبرى وتوسيع التقاط غاز المطارح واستغلال ميثان مياه الصرف"، وهي توصيات يضعها التقرير ضمن سياق دولي واسع يبرز أن إدارة النفايات والزراعة والمياه تشكل اليوم واحدة من أهم مسارات خفض الانبعاثات في دول الجنوب العالمي، خاصة في المنطقة المغاربية التي تواجه ضغوطا مناخية متزايدة مرتبطة بندرة المياه وتوسع المناطق الحضرية. وشدد الخبراء على أن المغرب ينبغي أن "يتبنى حزمة انتقال أحفوري متوافقة مع اتفاق باريس، وأن يضع حوافز لمشاركة المواطنين، وأن يسرع توسيع الطاقة المتجددة"، وهي توصيات تأتي في سياق تحليل الحاجة إلى "إجراءات سياسية حاسمة ومستدامة" في جميع البلدان لضمان تحولات ملموسة في الانبعاثات، وخاصة في عقد العشرينيات الذي يعد العقد الحاسم في المسار العالمي لتحقيق أهداف اتفاق باريس.