اعتبر عبد العلي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية والأستاذ الجامعي، أن الأعطاب التي تعيشها الأحزاب هي جزء من أعطاب النسق السياسي العام بالمغرب، فالإطار الذي تشتغل فيه محدود من الناحية الديمقراطية، ولا يعطي مساحات للإبداع وللأفكار، منتقدا الحديث عن التخليق ارتباطا بالمنتخبين فقط، وكأن رجال السلطة أولياء صالحون. وتوقف حامي الدين في مداخلة خلال ندوة "تحولات الحقل الحزبي المغربي" التي احتضنتها كلية الحقوق بالرباط، اليوم الأربعاء، على اختلافات الأحزاب، وفي مقدمتها اختلاف النشأة بين أحزاب نشأت في زمن الحماية وطالبت بالاستقلال، وبين أحزاب "إدارية" أنشأتها الدولة بعد الاستقلال للحفاظ على مكانتها ولخلق التوازن بين أحزاب الحركة الوطنية وبين القصر، وهو ما أنتج حقلا حزبيا هجينا، يحتاج إصلاحه مجهودات جبارة.
ولفت إلى أن نشأة هذا الصنف الثاني غير طبيعية، حيث أصبح مطلوبا من هذه الأحزاب الدفاع فقط عن السلطة، وليس إبداع الأفكار والبرامج والمشاريع والاقتراحات، وهذا ليس من وظيفة الحزب السياسي. وأكد عضو أمانة "البيجيدي" على أن أعطاب الحزب السياسي اليوم، هي جزء من أعطاب النسق السياسي ككل، ولا يجوز أن نحاكم الأحزاب السياسية بمعزل عن النسق العام، وعن المجال السياسي الذي تشتغل في إطاره والمحدود ديمقراطيا. وقال حامي الدين إن الحقل الحزبي لا يمكن فهمه خارج النسق الذي يشتغل فيه، خاصة النظام الانتخابي الذي يعاني أعطابا كبيرة، فهو ليس نظاما مرتبطا بمرجعيات معيارية واضحة أمام الجميع وقواعد تنافس، بل إن لكل استحقاقات انتخابية قوانينها، وهذا يعطينا فكرة واضحة على أن هناك دائما إرادة لهندسة مشاريع سياسية، وهو ما يجعلنا أمام مشكلة حقيقية في خلق جذور الثقة في هذا المسار. وأضاف أن كل انتخابات يسبقها التركيز على نقطة أو اثنتين، واليوم هناك تركيز على التخليق، لكن بشكل تجزيئي، حيث الحديث فقط عن المنتخبين، دون أن ينسحب على باقي الأطراف الفاعلة في العملية الانتخابية، وكأنها معفية من سؤال التخليق، وكأن الولاة والعمال والباشاوات والقواد والمقدمين والشيوخ هم أولياء الله الصالحين ولا يحتاجون بدورهم إلى جرعات تخليقية. كما أن هناك أعطابا أخرى، حسب حامي الدين، مرتبطة بالأعمدة الانتخابية، وعلى رأسها اعتماد نمط لائحي لا يشبه أي نظام في العالم، عجيب وغريب، إلى جانب تشتت المنظومة الانتخابية، وغيرها من الأعطاب التي تصعب بناء علاقة طبيعية بين المواطن وبين الأحزاب السياسية، وهو ما يجعل من المستحيل أن تكون لدينا حكومة منسجمة، وسوف نعيش دائما في ظل حكومات مبلقنة حتى ولو ادعت الانسجام. وأوضح أن طبيعة النظام الانتخابي لا يمكن أن تخرج لنا حكومات منسجمة، وهنا تضيع المسؤولية السياسية. فمن سيحاسَب؟ وكيف نحاسب تجربة حزبية في ظل إكراهات العمل الائتلافي، وبدون الحد الأدنى من التوافق أحيانا، دون الحديث عن الفاعلين الأساسيين الذين يتحركون من خارج المؤسسات المعروفة أمام الناس. هذا الواقع الذي تتخبط فيه الأحزاب، يضيف حامي الدين، أثمر عن ضعفها، وضعف الاستقلالية الفكرية و التنظيمية، و استقلالية القرار. وبالتالي فمن الطبيعي جدا أن تفشل الأحزاب السياسية أمام وظائفها النظرية، وعلى رأسها الوساطة بين الدولة وبين المجتمع، والتمثيل السياسي…، و الاحتجاجات التي تقع في المغرب هي في الواقع تعبير عن العجز عن القيام بوظيفة الوساطة. وانتقد حامي الدين الشعور بكون المناخ السياسي العام لا يحترم حرية التعبير، حيث "أصبحنا في مناخ نشعر فيه دائما بأننا ينبغي أن نحسب كلماتنا، وهذا من أهم معوقات التطور الديمقراطي". وشدد المتحدث على أن تغير الأجيال يفرض تجديدا كبيرا في أدوات اشتغال الأحزاب السياسية، وإلا سوف نعيش مصاعب أخرى في المستقبل، وظاهرة جيل زد مرشحة للتكرار. وخلص القيادي بحزب العدالة والتنمية إلى التأكيد على أن الأحزاب السياسية إذا أرادت أن تطور نفسها، فعليها الاشتغال على مرجعيات فكرية قوية قادرة على تجاوز الأعطاب الناشئة، وقادر أيضا على تجاوز الأعطاب التي تراكمت لدى الظاهرة الحزبية في مسارها، وقادرة على استشراف أيضا التحديات الجديدة التي تنتظرها في المستقبل.