الرئيس الموريتاني يستقبل رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي    إسرائيل ألقت 100 ألف طن متفجرات وأبادت 2200 عائلة وارتكبت نحو 12 ألف مجزرة في غزة    تطورات فاجعة فاس.. الحصيلة ترتفع وخمسة ضحايا من أسرة واحدة    إدارة السجون تسمح للزفزافي بعيادة والده المُصاب بالسرطان وسط تنويه شعبي وحقوقي    أخنوش يحث الوزراء على تسريع وتيرة الحوار الاجتماعي القطاعي    محمد السادس في رسالة للبابا ليو الرابع عشر: المغرب أرض التعايش الأخوي بين الديانات التوحيدية    توقيف مروج مخدرات في محيط المؤسسات التعليمية بشفشاون    حملة مشتركة لتحرير الملك العمومي بميناء الحسيمة (صور)    مع اقتراب الصيف.. وكالة تحذر من السباحة في سدود جهة طنجة تطوان الحسيمة    ليبيريا تسعى للاستفادة من تجربة ميناء طنجة المتوسط    لطيفة رأفت تدخل على خط قضية "إسكوبار الصحراء".. والناصري يواجه اتهامات بالوثائق    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    ضواحي طنجة.. رجل أعمال أجنبي يحصل على 2 مليار سنتيم لمفرخة أسماك لم ترَ النور    افتتاح الجناح المغربي في المعرض الدولي للعمارة بينالي البندقية    حالة الحرب بين الهند وباكستان تترسخ!    بورصة الدار البيضاء تغلق على ارتفاع    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    مجموعة برلمانية تدعو إلى بلورة استراتيجية وطنية شاملة ومندمجة خاصة بالذكاء الاصطناعي    نواكشوط: المنتدى البرلماني الاقتصادي الموريتاني المغربي ينطلق برؤية تكاملية وتنموية جديدة    علاء اللامي يكتب: ردا على المقولة المتهافتة «فوز مرشح ترامب» لباباوية الفاتيكان    باير ليفركوزن يعلن رحيل تشابي ألونسو نهاية الموسم    أخبار الساحة    ألونسو يعلن الرحيل عن ليفركوزن بعد موسم تاريخي بلا هزيمة    تحريض على القتل الممنهج والإعدام يورط هشام جيراندو في قانون الإرهاب    بنعلي: المغرب أحدث رسميا ثماني محميات بحرية موزعة على طول سواحله المتوسطية والأطلسية    تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. لوديي يستقبل وزير الدفاع بجمهورية كوت ديفوار    الصويرة تحتضن الدورة الثالثة من المعرض الوطني للنزعة الخطوطية    بعد تتويجه بجائزة أحسن ممثل.. البخاري: المسار مستمر رغم المكائد    السعودية تشارك في معرض الدوحة للكتاب ب 10 آلاف إصدار دعوي وتوعوي    مهرجان ربيع الشعر الدولي بآسفي في دورته الثالثة يكرم محمد الأشعري    ندوة وطنية تكريما لسعيد حجي: المثقف والوطني    "انبعاثات" تضيء ليالي مهرجان فاس    أسرة أم كلثوم تستنكر استخدام الذكاء الاصطناعي لتشويه صوت "كوكب الشرق"    نائبة أخنوش تعتذر عن إساءتها لساكنة أكادير.. وممثل ال "العدالة والتنمية" في أكادير يطالب "الرئيس الغائب" بتحمل مسؤليته    "نقابة FNE" تكشف تفاصيل الحوار    صلاح يفوز بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي للمرة الثالثة    أجواء معتدلة غدا السبت والحرارة تلامس 30 درجة في عدد من المدن    نصف قرن في محبة الموسيقار عبد الوهاب الدكالي..    كوسومار تستهدف 600 ألف طن سكر    بدء منتدى برلماني موريتاني مغربي    سباق اللقب يشتعل في الكامب نو والكلاسيكو يحدد ملامح بطل الليغا    حكيم زياش يتصدر العناوين في قطر قبل نهائي الكأس    مباحثات حول هدنة في غزة جرت هذا الأسبوع مع الوسطاء    منتدى البحر 2025: رهانات حماية المحيطات والتنوع البيولوجي البحري محور نقاش بالجديدة    البطولة الاحترافية.. الجيش الملكي يتشبث بمركز الوصافة المؤهل إلى دوري أبطال إفريقيا    برلماني يطالب باختصاصات تقريرية لغرف الصناعة التقليدية    الذهب يصعد وسط عمليات شراء وترقب محادثات التجارة بين أمريكا والصين    "مؤثِّرات بلا حدود".. من نشر الخصومات الأسرية إلى الترويج للوهم تحت غطاء الشهرة!    عملة "البيتكوين" المشفرة تنتعش وسط العواصف الاقتصادية العالمية    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاهد من رويترز: الإنسانية المهدرة على يد جهاز الأمن السوري
نشر في لكم يوم 27 - 05 - 2011

كان الشاب معلقا من قدميه ومتدليا رأسا على عقب وتسيل رغاوى بيضاء من فمه وكان أنينه غير بشري.
هذا مشهد من مشاهد كثيرة للامتهان الإنساني التي رأيتها خلال استضافتي بالإكراه في المخابرات السورية حين اعتقلت في دمشق بعد أن قمت بتغطية أنباء الاحتجاجات في مدينة درعا بجنوب سوريا.
في غضون دقائق من اعتقالي وجدت نفسي داخل مبنى جهاز المخابرات. كنت في قلب دمشق لكن نقلت إلى عالم مواز مروع من الظلام والضرب والترويع.
لمحت رجلا معلقا من قدميه أثناء مرافقة أحد السجانين لي إلى غرفة التحقيق لاستجوابي.
«انظر إلى أسفل» هكذا صاح في السجان حين رأيت ما رأيت.
داخل غرفة الاستجواب أجبروني على الركوع على ركبتي وقيدوا ساعدي.
يبدو أن تغطيتي للأحداث في درعا حيث اندلعت الاحتجاجات في مارس ضد الرئيس بشار الأسد لم تعجب مضيفي الذين اتهموني بأنني جاسوس.
والسبب الرئيسي لاعتقالي الذي قدمته السلطات لرويترز هو أنني لا أحمل تراخيص العمل اللازمة.
لم يكن عملي كصحفي لحساب رويترز، أؤدي عملي المهني، حجة كافية لمن يكسبون قوتهم من امتهان كرامة الإنسان.
وصاح محقق «إذن أنت عميل أمريكي حقير... جئت لتبث أخبارا عن الدمار والفوضى. يا حيوان جئت لتهين سوريا يا كلب».
استطعت أن أسمع خارج الغرفة قعقعة السلاسل وصراخا هستيريا مازال يدوي في رأسي حتى يومنا هذا. مارس المحققون عملهم باحتراف وبلا كلل ليضعوني في حالة من التوتر في كل خطوة من عملية الاستجواب على مدى عدة أيام.
وقال محقق آخر ظل يصرخ قائلا «اعترف يا كذاب... اخرس يا حقير ... أنت وأشكالك غربان بدكم تشوفوا سوريا تتحول إلى ليبيا».
في 18 مارس مع بداية الاحتجاجات في درعا كنت قد عبرت الحدود قادما من الأردن حيث عملت لحساب رويترز لنحو عقدين. قضيت معظم الأيام العشرة التالية وأنا أغطي الأخبار من المدينة. واستلهمت الاحتجاجات سقوط رئيسي مصر وتونس فتصاعدت بسرعة إلى تحد هائل لحكم عائلة الأسد الممتد من 40 عاما.
اعتقلت في 29 مارس في دمشق حين كنت ذاهبا لأقابل شخصا بالحي القديم بالعاصمة السورية. اقترب مني رجلا أمن في ملابس مدنية وطلبا مني ألا أقاوم وأمسكا بي من ذراعي واصطحبوني إلى محل حلاق إلى أن جاءت سيارة بيضاء اللون لتنقلني إلى المخابرات.
أظهر المحققون اهتماما خاصا بأمرين في تغطيتي وهي أنني كتبت أنني شاهدت محتجين يحرقون صورا للرئيس الراحل حافظ الأسد والد الرئيس الحالي وسمعت هتافات تهاجم ماهر الأسد شقيق بشار وقائد الحرس الجمهوري.
وتنتشر تماثيل الأسد الأب وصور الرئيس الحالي في الطرقات والمكاتب بمباني جهاز أمن الدولة.
شعرت أن مضيفي يريدون أن يقدموا لي بصفتي صحفيا أجنبيا عرضا توضيحيا للأساليب التي يستخدمونها مع السوريين. وكي أعد نفسي لما قد يحدث تاليا وأنقذها من الانهيار التام حاولت تركيز ذهني على ذكريات الطفولة.
ساعدتني هذه الألعاب الذهنية على تجنب التفكير في طفلي التوأم الصغيرين وزوجتي في الديار بعمان والتي لم تكن لديها أي وسيلة لتعرف أين أنا أو حتى ما إذا كنت حيا أم ميتا.
استمر الاستجواب ثماني ساعات حتى منتصف الليل في اليوم الأول من اعتقالي. كنت معصوب العينين في معظم الأحيان لكن العصابة أزيلت لبضع دقائق.
وعلى الرغم من أوامر المحققين بأن أظل خافضا رأسي حتى لا أستطيع رؤيتهم تسنى لي أن أرى رجلا وقد وضعوا رأسه في كيس يصرخ من الألم أمامي.
حين طلبوا منه أن ينزع سرواله رأيت أعضاءه التناسلية المتورمة مربوطة بسلك بلاستيكي.
وقال الرجل الذي قال إنه من محافظة ادلب بشمال غرب سوريا «ليس لدي ما أقول لكنني لست خائنا ولا ناشطا. أنا مجرد تاجر».
وأصبت بالفزع حين انتزع رجل ملثم زوجا من الأسلاك من قابس كهربائي وصعقه في رأسه.
في لحظات أخرى كان المحققون معي رائعين لكنهم ينتقلون سريعا إلى الأجواء التي لا تعرف الرحمة والتي بدت كمحاولة منظمة لإنهاكي.
وهددني أحدهم حين ضربت للمرة الثالثة على وجهي «حانخليك تنسى من أنت».
لم أستطع رؤية ما الذي ضربت به. بدت مثل قبضة يد.
جلدت على كتفي مرتين خلال احتجازي مما خلف كدمات ظللت أحملها لأسبوع.
في بعض الفترات بالطرقة حين كنت أقف وظهري للحائط رافعا ذراعي إلى أعلى كان يمر علي ما لا يقل عن 12 من رجال الأمن الذين كانوا يدفعونني ويهيلون علي الاهانات.
لكن الإنسانية كانت تظهر في أسوأ اللحظات.
في إحدى المراحل كان المحقق يصرخ ويسبني قائلا «يا كلب» وجاءه اتصال هاتفي على هاتفه الجوال. تحولت نبرته على الفور إلى نبرة دافئة وعاطفية وقال «بالطبع يا حبيبي سأحضر لك ما تريد» ليتحول من اختصاصي تعذيب محترف إلى آب حنون.
تمددت لفترات طويلة على حشية في زنزانة بلا نوافذ مضاءة ببعض الأنوار النيون مليئة بالصراصير التي تابعتها جيئة وذهابا.
تذكرني الصرخات التي أسمعها من وقت لآخر أين أنا وما قد يحدث. وضعوني في الحبس الانفرادي وكان السجانون يعطونني قطعة من الخبز الجاف أو حبة من البطاطا وأخرى من البندورة /الطماطم/ مرتين يوميا.
حين كنت أريد الذهاب إلى المرحاض كنت أدق على باب زنزانتي. يظهر سجان حينذاك لكن الاستجابة لمطلبي قد تستغرق أكثر من ساعة.
فكرت في آلاف المحبوسين في السجون السورية وكيف يتحملون الحبس الانفرادي والاهانة المستمرة وكثير منهم على هذا الحال منذ عقود. فكرت فيمن قرأت عنهم من الروس الذين يعيشون بالمنفى في سيبيريا وعن معنى الحرية بالنسبة للسوريين وغيرهم من العرب الذين يعيشون في ظل حكم استبدادي في شتى أنحاء المنطقة.
بالطبع لست أول النزلاء في هذه الزنزانة. أحد أسلافي غير المعروفين حفر عبارة على الحائط بأظافر يديه فيما يبدو تقول «ربنا على الظالم».
استرجعت الأحداث في درعا وآلاف الشبان الذين كانوا يهتفون «حرية» والتعبيرات التي كست وجوه النساء والأطفال والشيوخ الذين خرجوا للشوارع للمشاهدة في مزيج من الدهشة والسعادة وروح التحدي المثيرة.
رأيت عقودا من الخوف الذي زرع في قلوب وعقول الناس تتداعى حين تحدى مئات الشبان بصدورهم العارية الأعيرة النارية التي أطلقها رجال الأمن والقناصة من على أسطح المباني. لن أنسى أبدا جثث الرجال الذين قتلوا بالرصاص في الرأس أو الصدر والذين كانوا يحملون في شوارع درعا الملطخة بالدماء وعشرات الأحذية المتناثرة في الشوارع لشبان يفرون من نيران الأسلحة.
في اليوم الرابع لاحتجازي جاء من يستضيفونني لنقلي فوضعوني في سيارة أخذتني إلى ما تبين أنه مقر جهاز المخابرات على بعد بضع بنايات في دمشق.
كان مجمعا ضخما به المئات من رجال الأمن في ملابس مدنية بالفناء وهم جميعا متجهمون.
وقال رجل فيما جرني اثنان آخران نحو القبو «فتشوا حتى أظافره».
قضيت ساعتين في زنزانة فكرت خلالهما كيف سأتعايش مع السجن في الأشهر القادمة.
ثم نقلت إلى حجرة قريبة. اندهشت حين قال لي رجل يبدو أن له سلطة «سنعيدك إلى الأردن».
أدركت لاحقا عند مطالعة الصور في وسائل الإعلام أن هذا كان اللواء علي مملوك رئيس جهاز أمن الدولة السوري بنفسه وهو المسؤول الذي يحتجز رجاله آلاف السوريين في سجون مماثلة في أنحاء البلاد.
وقال إن تغطيتي للأحداث في درعا كانت غير دقيقة وأضرت بصورة سوريا.
في غضون ساعات عبرت الحدود وعدت إلى دياري حيث علمت أن الأسرة الحاكمة الأردنية بذلت جهودا لإطلاق سراحي وجنبتني مصيرا بائسا. كما طرد صحفيون آخرون من رويترز وبعضهم تم طرده أيضا بعد احتجازه والآن أصبحت سوريا محظورة على معظم وسائل الإعلام الأجنبية.
وبعد شهرين تقريبا وبمرور الوقت استطعت أن استوعب أثر هذه الأيام الأربعة بدرجة تسمح لي أن أسجل تجربتي بالكتابة. لكنه مازال يلاحقني هذا الثمن الإنساني للانتفاضات العربية التي قامت بها شعوب تطلب بعض الحريات التي يعتبرها آخرون في أجزاء أخرى من العالم أمرا مسلما به.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.