قطر ترفض تصريحات "نتانياهو" التحريضية على خلفية وساطتها في هدنة الحرب على غزة    طقس الأحد: أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    بعد خيباته المتراكمة .. النظام الجزائري يفتح جبهة جديدة ضد الإمارات    في خطوة رمزية خاصة .. الRNI يطلق مسار الإنجازات من الداخلة    برشلونة يهزم بلد الوليد    منتخب "U20" يستعد لهزم نيجيريا    وداعاً لكلمة المرور.. مايكروسوفت تغيّر القواعد    العثور على ستيني جثة هامدة داخل خزان مائي بإقليم شفشاون    إسرائيل تستدعي آلاف جنود الاحتياط استعدادا لتوسيع هجومها في قطاع غزة    الوداد يظفر بالكلاسيكو أمام الجيش    من الداخلة.. أوجار: وحدة التراب الوطني أولوية لا تقبل المساومة والمغرب يقترب من الحسم النهائي لقضية الصحراء    جلالة الملك يواسي أسرة المرحوم الفنان محمد الشوبي    الناظور.. توقيف شخص متورط في الاتجار في المخدرات وارتكاب حادثة سير مميتة وتسهيل فرار مبحوث عنه من سيارة إسعاف    حقيقة "اختفاء" تلميذين بالبيضاء    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    البكاري: تطور الحقوق والحريات بالمغرب دائما مهدد لأن بنية النظام السياسية "قمعية"    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    أمسية احتفائية بالشاعر عبد الله زريقة    نزهة الوافي غاضبة من ابن كيران: لا يليق برئيس حكومة سابق التهكم على الرئيس الفرنسي    قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء    تقرير: المغرب يحتل المرتبة 63 عالميا في جاهزية البنيات المعرفية وسط تحديات تشريعية وصناعية    52 ألفا و495 شهيدا في قطاع غزة حصيلة الإبادة الإسرائيلية منذ بدء الحرب    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها    تفاصيل زيارة الأميرة للا أسماء لجامعة غالوديت وترؤسها لحفل توقيع مذكرة تفاهم بين مؤسسة للا أسماء وغالوديت    حادث مروع في ألمانيا.. ثمانية جرحى بعد دهس جماعي وسط المدينة    ابنة الناظور حنان الخضر تعود بعد سنوات من الغياب.. وتمسح ماضيها من إنستغرام    المغرب يبدأ تصنيع وتجميع هياكل طائراته F-16 في الدار البيضاء    توقيف شخص وحجز 4 أطنان و328 كلغ من مخدر الشيرا بأكادير    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مجموعة أكديطال تعلن عن نجاح أول جراحة عن بُعد (تيليجراحة) في المغرب بين اثنين من مؤسساتها في الدار البيضاء والعيون    الملك: الراحل الشوبي ممثل مقتدر    وصول 17 مهاجراً إلى إسبانيا على متن "فانتوم" انطلق من سواحل الحسيمة    كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة تحتضن أول مؤتمر دولي حول الطاقات المتجددة والبيئة    العصبة تفرج عن برنامج الجولة ما قبل الأخيرة من البطولة الاحترافبة وسط صراع محتدم على البقاء    إسرائيل تعيد رسم خطوط الاشتباك في سوريا .. ومخاوف من تصعيد مقصود    تونس: محكمة الإرهاب تصدر حكما بالسجن 34 سنة بحق رئيس الحكومة الأسبق علي العريض    الملك محمد السادس يبارك عيد بولندا    كازاخستان تستأنف تصدير القمح إلى المغرب لأول مرة منذ عام 2008    بيزيد يسائل كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري حول وضعية مهني قوارب الصيد التقليدي بالجديدة    الإقبال على ماراثون "لندن 2026" يعد بمنافسة مليونية    منحة مالية للاعبي الجيش الملكي مقابل الفوز على الوداد    الداخلة-وادي الذهب: البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية    أصيلة تسعى إلى الانضمام لشبكة المدن المبدعة لليونسكو    اللحوم المستوردة في المغرب : هل تنجح المنافسة الأجنبية في خفض الأسعار؟    الكوكب يسعى لوقف نزيف النقاط أمام "الكاك"    غوارديولا: سآخذ قسطًا من الراحة بعد نهاية عقدي مع مانشستر سيتي    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاعِرٌ يقتحم الحُدود الفلسطينية
نشر في العرائش أنفو يوم 23 - 07 - 2022


نجيب طلال
المشهَد الخاص :
مبدئيا لم أفاجأ بالإصدار الأخير "خمسة أيام في فلسطين المحتلة" (1) للشاعر المكافح والجسور – محمد بلمو – لماذا ؟
فيوم تعرفت عليه كطالب بجامعة فاس، وفي إطار تنظيم تقدمي (؟ ) وقتئذ ؛ وهاجس القضية الفلسطينية وطروحاتها ،وأطروحاتها وتطوراتها، تنمو في دواخله و تسكن حدسه وروحه وجسده وجوارحه؛ كبقية الرفاق، ولكنه كان ظاهرة استثنائية ؛ هو والطالب ( الصادقي وباديش)(2) لسبب بسيط أن ينم عن مدى حبه وتعلقه بفلسطين ؛ وذلك ارتباطا بالمجال والفضاء الذي عاش فيه وتربى فيه منطقة بني عمار- الفيحاء بشجر الزيتون ؛ وهذا الأخير له دلالة عميقة بفلسطين وتاريخها . والمسألة التي ضاعفت وساهمت في تأثيره وتأثره ؛ بُعَيْد التحاقه بعوالم الإعلام والصحافة وحياة العاصمة التي كانت تعيش بين الفينة والأخرى على إيقاع المسيرات الحاشدة إنزال الفصائل السياسية ؛ دفاعا عن القضية الفلسطينية وشجب الاحتلال الصهيوني ناهينا عن أنشطة وإنزال الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني؛ واللقاءات الحماسية التي كانت تتم في المركز الثقافي السوفياتي ( وقتئذ) كل هذا كان مؤثرا في تركيبة الصديق الفاضل – بلمو- وفي غيره …وبالتالي فطبيعي أننا نجد هذه العوامل قد تضافرت معاً ، لتطيل وتشَدّد من وطأة استحواذ الوعي لديه بالقضية الفلسطينية كقضية إنسانية؛ تاريخية؛ وجودية؛ عروبية ؛ قومية. وبالتالي فزيارته للأراضي الفلسطينية؛ وإن كانت ذات طابع جماعي ومهني؛ على إثر إتمام وافتتاح مطار غزة الدولي وبتنسيق بين السلطة الفلسطينية ومكتب مطارات المغرب سنة[1999]
استغلها لسرد ما رأته العين وما أحس به ؛ كشاهد موقع/ مكان ؛ ناقلا إلينا صورا ومشاهد لكي نتماهى مع الوضع الشاذ والاستثنائي الذي يعيشوه إخواننا الفلسطينيين،
فهاته اليوميات التي جاءت على أنقاض زيارته ؛ والتي تعد فرصة . ولكنها تأكيد بأن القضية الفلسطينية تجري مجرى الدم في عروق وكيان الشاعر/ الإعلامي – محمد بلمو- وهي الدافع لتدوين مشاهداته ؛ التي لاتندرج ضمن زاوية نظر ؛ ولكنها نتيجة فعل النَّظر والملامسة والمعايشة عن قرب. وإن كان ذلك الفعل – مراقب- بشكل دقيق وأمني:… وفق إجراءات تتحكم فيها أطراف تيسيرية وأخرى تعسيرية، تتمثل في الطرف الفلسطيني الذي بذل وسعه في تذليل العقبات والصعوبات التي يختلقها المحتل لإزعاج الوفد الصحافي المغربي، وفي الطرف الإسرائيلي بعديد مكوناته الذي لم يذخر جهدا ولا طريقة تضييقية لعرقلة المسار... تضييقات ومضايقات هي حصيلة ما يجترحه الاحتلال الصهيوني من أساليب قمعية وقهرية للشعب الفلسطيني (3) هاته حقيقة يعاني منها أي وافد عربي للأراضي المحتلة ؛ ناهينا عن تكريس البطش والهيمنة والاستبداد ضد الأهالي، لكن من باب المزايدات التي أصابت الجسد الثقافي المغربي؛ ربما أحدهم يؤكد بأن الوضع الذي أشار إليه الكاتب في الكتاب يعود لعقدين من الزمن؛ أي أن الأوضاع اختلفت وستختلف لما هوأحسن ؟ ربما ! ولكن هنالك تقرير لهاته السنة لاتعرفه إلا القلة يقول: وكان من شأن الهجمات الإرهابية وعمليات القتل والتوترات التي تصاعدت في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة أثناء زيارة البعثة وخلال كتابة هذا التقرير، أن ألقت بظلال قاتمة على المشهد العام. ومن كلا الجانبين، قُتل ُجرح مدنيون – عمالا وأصحاب عمل ونساء ورجالا – حيث علقوا في دوامة الصراع الذي تغلغل في جميع جوانب حياتهم ( 4) طبعا ممن ستتيح له فرصة قراءة المنجز سيطرح أسئلة وتساؤلات منها المشروعة ومنها المزايدات الجوفاء:
تساؤلات طارئة :
– هل خمسة أيام كافية لتدوين ما يعانيه الشعب الفلسطيني ؟ – ما جدوى من هذا الإصدار؟ – لماذا لم ينشر فيما قبل أو ما بعد زيارة 1999 بسنوات؟ – فصدوره الآن هل له علاقة بالتطبيع أو اللاتطبيع ؟ – من أي زاوية سيساهم هذا المنجز في القضية الفلسطينية ؟ هل بادرته ومبادرته ستكون نموذجا للمثقفين ، في تدوين مارأه في أسفارهم لمدن ودول خارج الدولة – الأم – إسوة بالسلف الذي كان يدون رحلاته ؟
المشهد العام :
هنا فصاحب الكتاب ليس من حقه أن يجيب عن مثل هاته الأسئلة لأنه قدم ما يمكن أن يقدمه ، مسجلا بذلك مشاهداته المؤلمة، وتقييدا ته التي تتنفس وجعا وتعاني مغصا عارما. ، كل هذا طبقا لما شاهده هناك ، وما كان مسموحا له ولرفقائه الصحفيين التحرك فيه بحيث : هذه بعض ملامح المجال الذي كان على الصحفيين التحرك والقيام بمهامهم. مجال ملغوم، ومتوتر، قابل للانفجار في كل لحظة، باعتبار ما تمارسه إسرائيل من سلطات تعسفية في حق الفلسطينيين والهوية الفلسطينية. مجال موجوع، متألم، مقهور، مقموع، مراقب، مضطهد... في مختلف حالاته وأوضاعه، اجتماعيا، اقتصاديا، سياسيا (5) في أجواء هذا المجال تحرك – محمد بلمو- ورفقاؤه، وعبر احتكاكاته بالأمكنة (بخطوطها الأفقية والعمودية)، وأهل فلسطين...بحيث توقف عند الأمكنة متحسرا، تلك التي تم طمس معالمها الأصلية ؛ إثر تدخلات تدليسيه إسرائيلية . وهذا هو الواقع والإيقاع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني؛ وارتباطا بالمعالم والعمل ؛ نعود للتقرير الذي يشير: وكان من شأن الهجمات الإرهابية وعمليات القتل والتوترات التي تصاعدت في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة أثناء زيارة البعثة وخلال كتابة هذا التقرير، أن ألقت بظلال قاتمة على المشهد العام. ومن كلا الجانبين، قُتل ُجرح مدنيون – عمالا وأصحاب عمل ونساء ورجالا – حيث علقوا في دوامة الصراع الذي تغلغل في جميع جوانب حياتهم (6) وهذا الأمر يمكن مشاهدة في يوم واحد؛ فبالأحرى في خمسة أيام؛ وإن كانت غير كافية لتدوين خبايا وأسرار ما يقع في الأراضي. مثلما تحدث عن الألم : وعن الإحساس بالاحتلال الذي وجده "واقعا ملموسا" في معبر رفح، حيث عاين معاناة الفلسطينيين لساعات طوال من أجل السماح لهم بالمرور (7) وفي خمسة أيام ؛ قدم لنا ما كنا لا نعلمه ؛ وخاصة مسألة [ المطار] في محاولة لكسر الحصار الإسرائيلي على المطار الذي يشكل عنوانا بارزا لدولة فلسطين المأمولة، لكن الاحتلال لا يريد لمطار[غزة ] الدولي أن يشتغل، فهو مظهر من مظاهر السيادة الفلسطينية؛ لذلك تواجِه نشاطه بالعراقيل وتستقبل زبناءه في معبر رفح بامتعاض يجعلهم يقررون عدم العودة إليه مرة أخرى(8) وبحدسه الصحفي ورؤيته الشعرية لما وراء الصور؛ يسرد علينا عن يهوديين مغربيين وجدهما صدفة بالأرض المحتلة، رافقه أولهما في الطائرة ، قبل أن يجده مستنطَقا في خروج ودخول مع موظفين متعددين، لأنه "اختار المجيء عبر مطار غزة وليس عبر مطار [ بن غوريون ] لذلك لم يغفر له إخوته في الدين هذه الزلة، حتى وإن كانت غير مقصودة. أما ثانيهما فوجده ب"معبر إيريز" الذي يسميه أصحاب الأرض "معبر [بيت حانون] : ما إن وقفنا قبالة الجنود الثلاثة حتى بادر أحدهم بتحيتنا بلهجة مغربية خالصة قائلا: تبارك الله عليكم ! كان ذلك مفاجئا لنا، لكننا فهمنا بسرعة أنه يهودي مغربي، فأجبناه في نفس الوقت: الله يبارك فيك، ثم سأله تافنوت: الأخ مغربي؟ من أي منطقة؟ نظر إلينا ثم إلى الجندي الأشقر الذي كان يتابع الموقف، دون أن يعرف فحوى الحديث الذي انطلق بدون مقدمات... صمت قليلا كمن أحس بأنه تسرع في حديثه معنا، ثم قال بلهجة تنم عن رغبته في التخلص من هذه الورطة ورفع الحرج عنه أمام زميله الذي كان يتابع المشهد بارتياب: أنا مغربي... من الشلوح". من الأطلس المتوسط؟ سألتُه، لكنه لم يرد، كما لو أنه لم يسمع السؤال، والحقيقة أنه كبت تلقائيته الأولى كمن أدرك أن موقعه الجديد كإسرائيلي وجندي في جيش العدو لا يسمحان له بالتمادي في الحديث مع إخوانه المغاربة، أو مع أشباح ماضيه على الأصح (9) وبالتالي فالصورة واضحة؛ لكن المبهم ؛ أن اليهودي الخارج عن المنظومة الصهيونية المتحكمة في الأراضي الفلسطينية؛ بدوره تمارس عليه الإكراهات والعنصرية والجملة هاهنا كاشفة لذلك؛ ولكنها لن تستطع الوصول إلى ( لماذا؟ ): لذلك لم يغفر له إخوته في الدين هذه الزلة، حتى وإن كانت غير مقصودة. لكن الذي توصل إليه وبعد مروره من [بيت حانون] تلك العنصرية الصارخة بين عيش المستوطنات الباذخ، والقرى الفلسطينية المعزولة المهملة، التي لا يتوفر بعضها حتى على طريق صغير مُعَبد يصلها بالعالم: كأننا انتقلنا من دولة فقيرة إلى دولة غنية" حيث "لا شيء هنا يشبه ما تركناه في قطاع غزة، الحافلة من النوع الممتاز، أفضل بكثير من الحافلة الغزاوية. الطريق سيار واسع من الطراز الأمريكي، وعلى الجانبين حقول خضراء شاسعة (10) هنا نستشف بأن شاعرنا اقتحم الحدود الفلسطينية بكل تلقائية ؛ وذلك من زاوية الحضور العيني والعياني للمدن الفلسطينية ك[عسقلان] التي "يسميها المحتلون (اشكلون) و[ بيت حنون] و[ غزة ] و[ القدس] و [ بيت لحم] و[ يافا ] :التي تعتبر من أقدم مدن العالم، فقد عالج الاحتلال موضوعها بطريقة خطيرة جدا؛ إذ أحاطها بمدينتين استيطانيتين، هما (تل أبيب ) من الشمال و(باتيام) من الجنوب (...) تتوسعان في اتجاه يافا، وتضغطان عليها (...) والنتيجة أن الكثير من سكانها اضطروا إلى النزوح سنة 1948(11) فهاته حقائق من الضرورة التعريف بها ومحاولة مناقشتها ؛لأن ما يقدمه الإعلام "السمعبصري" في كثير من الأحيان يكون مضللا؛ لاعتبارات دبلوماسية وتوجيهات دولية: لم أتخيل وأنا أسمع بهذه المستوطنات من قبل، بأن الأمر يتعلق بمدن كاملة، تتوسع باستمرار وبوتيرة عالية. تشق لها الطرق الضخمة وسط الأراضي الزراعية الفلسطينية، لتربطها بباقي المستوطنات ومدن الاحتلال، يسميها الفلسطينيون الطرق الالتفافية، في طريقنا إلى بيت لحم، شاهدنا عن بعد ثماني مستوطنات مبنية على الطراز الأوروبي(12) فهاته المفارق كما أشرت لا يقدمها لنا الإعلام "السمعبصري" كاشفا عيش أصحاب الأرض حياة تعيسة ومأساوية في مخيم احتضن ثلاثة أجيال، وبين الحياة الباذخة/ المخملية/ العصرية للمستوطنين في مستوطنات لا تبعد عن المخيمات إلا بكيلومترات قليلة. وبدوري لم أنتبه لهذا أمام زخم الصور الواردة من هناك ؛ والتي غالبا ما تركز على هدم المباني وتهجير الفلسطينيين وما شابه ذلك ؛وبالتالي فالحكمة الواردة ليس من رأى كما سمع ؛ لأن السمع يرتبط بالدعاية والإشاعة ؛ لكن المشاهدة والمعايشة تبطل ذلك ؛ بمعنى أن شاعرنا يسلط الضوء على جانب مهمل في طروحاتنا، يتجلى في مسألة اللغة : "قضينا الليلة الثانية من زيارتنا في فندق حياة بمدينة القدس... لا شيء في هذا الفندق يحيل إلى هوية الأرض التي بني عليها. اللغة العربية لا أثر لها في مطبوعاته ولوحاته (...) تحاول أن تعطي للزائر الأجنبي انطباعا مشوها عن الواقع والتاريخ أيضا…. وفي إحدى المطبوعات السياحية لدولة الاحتلال، كُتِب تحت صورة المسجد الأقصى: من بقايا العهد العربي. كأنما عروبة القدس أصبحت في عداد الماضي( 13) وفي نفس تدوينة الشاعر محمد بلمو- يثير "باب المغاربة" تلك الساحة التي نراها عبر شاشة التلفزة مزدحمة باليهود، يمارسون طقوسهم أمام حائط المبكى؛ وهو في الأصل والتاريخ حائط البراق بقوله: هذه الساحة جزء من حي المغاربة الذي دمره الاحتلال ليحوله إلى مكان لممارسة هذه الطقوس اليهودية، هنا كان يسكن العديد من المغاربة. كانوا يأتون إلى الحج، وحين يستشعرون الخطر المحدق بالمدينة، يقررون الإقامة هنا بجانب المسجد الأقصى للدفاع عن المدينة المقدسة (14) لكن ما أحسست به ،متسربلا بين السطور أن صاحب المنجز لم يذق طعم النوم ؛ لسبب طبيعي يتمثل في الخوف والأرق والصدمة ، باعتباره منوجد في قلب فلسطين الجريحة؛ والتي أعادت له كل حمولاته النفسية / الفكرية/ الثقافية/ بحيث من المنطلق وفي وسط التدوينة نجد مفردة ( النافذة / الشرفة) كإشارة للترقب والمراقبة والتأمل؛ مما شكلت له "النافذة / الشرفة" وعيا شقيا ؛ في إطار الحسرة، والقلق، ومرارة الواقع الفلسطيني: ناظرا من نافذة الطائرة إلى صحراء سيناء وأراضي قطاع غزة، وذاكرته "تستعيد أخبار الحروب وعمليات التهجير والمجازر والاستيطان، قبل أن تهدأ عاصفتها على إيقاع صور الانتفاضة المغتالة(…) كنت وحدي في الغرفة، أحسست بالاختناق، رغم أن المكان فسيح ومغر... نهضت نحو الشرفة، أزحت ستائرها وانسللت إليها لأستنشق هواء القدس العربية... تمعنت في المشهد، لا وجود لقبة الصخرة ولا للكنائس القديمة، ولا لسور مدينة الصلاة. فالشرفة تطل على منطقة استوطنها الإسرائيليون، وشيدوا فيها أحياء عصرية تخترقها شوارع واسعة مضاءة... كنت وحدي في غربة الشرفة" (15)
وعموما؛ فهذا المنجز الحامل بين دفتيه ملاحظات تأملية تاركة أسئلة مفتوحة ؟ ومشاهدات بَوْحيَّة تشعل حرائق الأسئلة ؟ يمكن أن يعتبر رسالة واضحة، تعيد النقاش مرة أخرى حول القضية الفلسطينية بمنظور جديد؛ منظور بعيد عن الإجتراروالتكرار ؛ ولكن بمنظور متقارب مع القضية ، وإشكالية التطبيع في العالم العربي ؟ وفي نفس الوقت ؛ أرضية لإعادة النظر في مهمة الشاعر ووظيفته، كما يمكن أن تعيد بنا لسؤال شرعية الكتابة الممتدة في الزمان التاريخي والوجداني، وطبيعة الكتابة البديلة ، التي تناضل من أجل تحقيق العدالة والعدالة الاجتماعية والعدالة الإنسانية ……
الإستئناس :
(1) 5 أيام في فلسطين المحتلة" لمحمد بلمو ؛ ولوحة الغلاف للفنان الفلسطيني الكبير – محمد الركوعي- عدد صفحاته 150 – عن منشورات مؤسسة مقاربات للنشر والصناعات الثقافية /2022
2) ) محمد الصادقي ( نموذج فقط) منذ بلوغه وهو يناضل بالشعر والكلمة، والحضور في الساحة. حتى أنه قاد مسيرة من إحدى إعدادية أزرو. دعما للقضية الفلسطينية وضد زيارة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز لمدينة افران فاعتقل على إثرها بسجن اخنيفرة رفقة رفيقين وبعد التحاقه بكلية فاس، بعدما نال شهادة البكالوريا في السجن، ازداد نضالا وحماسا تجاه القضية الفلسطينية لكن اثر الضغوطات والصراع النفسي، فقد عقله وظل تائها في أزقة مدينة أزرو. لكن الإشكالية الكبرى فالتنظيم التقدمي لم يفكر فيه أو يساعده أو يتذكره (تلك) (أزمة اليسار) وربما توفي لأنني زرته قبل ظهور فيروس )كوفيد ( بسنة . فلم أجده أمام فندق والحانة القريبة من الصخرة . أما ( محمد باديش) نموذج قل نظيره في كتابة الشعر العروبي والقومي؛ حتى سكنته فلسطين ، في جوارحه ، فكان رفقة – محمد بلمو- يحضران الحلقات لتقديم جديد القصائد الشعرية تجاه القضية الفلسطينية ، فكانت أشعاره متميزة وحماسية ، لكن لطبيعته وتربيته الصحراوية كان يتقاتل من أجل البحث عن موارد إضافية ، فاهتدى لبيع الكتب رفقة – الصادقي- في ساحة جامعة ظهر المهراز آنذاك، وبعض المداخل كان يساهم بها في صندوق القضية الفلسطينية ، لكن صعوبة الحياة وتقلب الأيام ، لم يكمل سلكه الجامعي، فآخر عمل اشتغله قبل أن يتوفي رحمه الله ( حارس عمارة) وبدوره فالتنظيم التقدمي لم يفكر فيه أو ساعده !
3)) مقدمه للكتاب من طرف محمد إدارغة – ص 3
4)) وضع عمال الأراضي العربية المحتلة : ص- 10 – تقرير المدير العام – ملحق عن مؤتمر العمل الدولي- الدورة 110/ 2022
5)) مقدمه الكتاب – ص – 4
6) ) وضع عمال الأراضي العربية المحتلة : ص – 12
7)) متن الكتاب لمحمد بلمو/2022
(8) نفسه
(9) نفسه
(10) نفسه
(11) نفسه
(12) نفسه
(13) نفسه
(14) نفسه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.