الدمناتي: مسيرة FDT بطنجة ناجحة والاتحاد الاشتراكي سيظل دائما في صفوف النضال مدافعا عن حقوق الشغيلة    تيزنيت: الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب ينظم تظاهرته بمناسبة فاتح ماي 2025 ( صور )    عندما يهاجم بنكيران الشعب.. هل زلّ لسانه أم كشف ما في داخله؟    وزراء خارجية "البريكس" وشركاؤهم يجتمعون في ريو دي جانيرو    كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة.. المنتخب المغربي يدشن مشاركته بفوز صعب على كينيا    في عيد الشغل.. أمين عام حزب سياسي يتهم نقابات بالبيع والشراء مع الحكومة    صادرات الفوسفاط بقيمة 20,3 مليار درهم عند متم مارس 2025    تنفيذ قانون المالية لسنة 2025.. فائض خزينة بقيمة 5,9 مليار درهم عند متم مارس    "كان" الشباب: المنتخب المغربي ينتصر على كينيا ويشارك الصدارة مع نيجيريا قبل المباراة المرتقبة بينهما    أمطار طوفانية تغمر زاكورة.. وسيول كادت تودي بأرواح لولا تدخل المواطنين    الشرطة الإسبانية تعتقل زوجين بسبب احتجاز أطفالهما في المنزل ومنعهم من الدراسة    كلية الناظور تحتضن ندوة وطنية حول موضوع الصحة النفسية لدى الشباب    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    فرنسا.. ضبط 9 أطنان من الحشيش بعد سطو مسلح على شاحنة مغربية قرب ليون (فيديو)    فوائد القهوة لكبار السن.. دراسة تكشف علاقتها بصحة العضلات والوقاية من السقوط    نشرة إنذارية: زخات رعدية وهبات رياح قوية مرتقبة بعدد من أقاليم المملكة    كرة القدم.. برشلونة يعلن غياب مدافعه كوندي بسبب الإصابة    توقيف لص من ذوي السوابق لانتشاله القبعات بشوارع طنجة    لماذا أصبحت BYD حديث كل المغاربة؟    عمر هلال يبرز بمانيلا المبادرات الملكية الاستراتيجية لفائدة البلدان النامية    موخاريق: الحكومة مسؤولة عن غلاء الأسعار .. ونرفض "قانون الإضراب"    رحيل أكبر معمرة في العالم.. الراهبة البرازيلية إينا كانابارو لوكاس توفيت عن 116 عاما    المركزيات النقابية تحتفي بعيد الشغل    "تكريم لامرأة شجاعة".. ماحي بينبين يروي المسار الاستثنائي لوالدته في روايته الأخيرة    باحثة إسرائيلية تكتب: لايجب أن نلوم الألمان على صمتهم على الهلوكوست.. نحن أيضا نقف متفرجين على الإبادة في غزة    اتحاد إنجلترا يبعد "التحول الجنسي" عن كرة القدم النسائية    المغرب يجذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 9.16 مليار درهم في ثلاثة أشهر    تقرير: المغرب بين ثلاثي الصدارة الإفريقية في مكافحة التهريب.. ورتبته 53 عالميا    الحكومة تطلق خطة وطنية لمحاربة تلف الخضر والفواكه بعد الجني    تراجع طفيف تشهده أسعار المحروقات بالمغرب    أمل تيزنيت يرد على اتهامات الرشاد البرنوصي: "بلاغات مشبوهة وسيناريوهات خيالية"    المملكة المتحدة.. الإشادة بالتزام المغرب لفائدة الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل خلال نقاش بتشاتام هاوس    معرض باريس.. تدشين جناح المغرب، ضيف شرف دورة 2025    عادل سايح: روح الفريق هل التي حسمت النتيجة في النهاية    العثور على جثة مهاجر جزائري قضى غرقاً أثناء محاولته العبور إلى سبتة    تسارع نمو القروض البنكية ب3,9 في المائة في مارس وفق نشرة الإحصائيات النقدية لبنك المغرب    الإسباني لوبيتيغي يدرب منتخب قطر    السكوري بمناسبة فاتح ماي: الحكومة ملتزمة بصرف الشطر الثاني من الزيادة في الأجور    أغاثا كريستي تعود للحياة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي    دول ترسل طائرات إطفاء إلى إسرائيل    الإعلان في "ميتا" يحقق نتائج أرباح ربعية فوق التوقعات    فيدرالية اليسار الديمقراطي تدعو الحكومة إلى تحسين الأجور بما يتناسب والارتفاع المضطرد للأسعار    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    أكاديمية المملكة تشيد بريادة الملك محمد السادس في الدفاع عن القدس    الدار البيضاء ترحب بشعراء 4 قارات    محمد وهبي: كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة (مصر – 2025).. "أشبال الأطلس" يطموحون للذهاب بعيدا في هذا العرس الكروي    طنجة .. كرنفال مدرسي يضفي على الشوارع جمالية بديعة وألوانا بهيجة    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جلّود: موّلنا انشقاق الخطيب والانتفاضة في «فتح» ضد عرفات... حذّرنا الجميّل فردّ غاضباً «أقفلوا دكاكينكم في بيروت» (2)
نشر في مغارب كم يوم 30 - 10 - 2011

بعد غياب جمال عبدالناصر، اعتقد العقيد معمر القذافي أن الجماهير اليتيمة تبحث عن قائد جديد. واعتقد أيضاً أن من شروط هذه الزعامة الإمساك بالورقة الفلسطينية والحضور الفاعل في الساحة اللبنانية المفتوحة.
لم يبخل القذافي على الثورة الفلسطينية بالمال والسلاح. أعطاها وأتعبها وأربكها. ولم يبخل على بعض الأحزاب اللبنانية بالمال والسلاح. أعطاها وأفسدها وأربكها. وكما كل الذين حاولوا مصادرة القرار الفلسطيني، اصطدم بهالة ياسر عرفات. وكما كل الذين حاولوا مصادرة القرار اللبناني اصطدم بلبنانيين وبإرادات دولية كانت تريد مصادرته أو حمايته.
في تلك الأيام احتقر كثيرون سيادة لبنان وانتهكوها. زعزعت الاعتداءات الإسرائيلية هيبة الدولة اللبنانية. وتقدمت تدخلات عربية لتعميق الشرخ بين اللبنانيين وكبح أحلام اليسار اللبناني ولجم منظمة التحرير الفلسطينية والإمساك بقرارها. دخلت ليبيا القذافي اللعبة من أوسع أبوابها وبدت لفترة وكأنها تعمل، من دون قصد، لحساب آخرين.
قاد الرائد عبدالسلام جلّود وساطة مديدة وشهيرة في ما يُعرف ب «حرب السنتين» (1975 – 1976)، يقول إنه تعرض خلالها 14 مرة لموت شبه محقق.
اعترف جلّود بأن ليبيا دعمت انشقاقاً في الجيش اللبناني قاده الملازم أحمد الخطيب. وساهمت تلك الخطوة في تفكيك الجيش وتوزّع ضباطه وعسكرييه على المتاريس المتقابلة. ويعترف أيضاً أن بلاده موّلت الانتفاضة في «فتح» ضد ياسر عرفات. كما موّلت ايضاً عملية إسقاط اتفاق 17 أيار (مايو) اللبناني – الإسرائيلي. ذكّرني كلام جلّود بما سمعته من عرفات في تونس في بداية التسعينات، عن علاقاته الشائكة بالقذافي وحافظ الأسد وصدام حسين، واشترط يومها عدم نشره. قال: «أنا محتاج إلى دعمهم بسبب موقع بلدانهم أو دورها أو ثروتها. ومحتاج في الوقت نفسه أن أحمي القرار الفلسطيني من رغبتهم في مصادرته وتوظيفه في معاركهم». وأضاف مستغرباً: «يزايدون عليّ لأنني لا أقبل أن يتحول القرار الفلسطيني لعبة في يد أحد. يتهمونني أحياناً بالتفريط. لا أحد يصدق أنهم يحبون فلسطين أكثر من ياسر عرفات».
سألت جلّود عن رحلته اللبنانية – السورية وعن انطباعاته عن عدد من اللاعبين. استوقفني كلامه عن الرئيس الراحل بشير الجميل وما نقله عن الرئيس السابق أمين الجميل الذي قال له: «أنتم لستم مسؤولين عنا، أقفلوا دكاكينكم في بيروت». كما سألته عن المغامرة الليبية في تشاد وهي كانت باهظة التكاليف.
تبقى الإشارة الى خطأ ورد في حلقة أمس، فالقذافي وفّر الحراسة لضابط الشرطة الذي انتحل صفة الإمام موسى الصدر وسافر بجوازه إلى إيطاليا وليس إلى ليبيا، كما ورد سهواً. وهنا نص الحلقة الثانية:
في سنة 1976 ذهبت بوساطة إلى لبنان، أخبرنا عن تلك الوساطة.
- اجتمعت دول الصمود والتصدي في ليبيا بعد أن بدأ الصِدام بين الفلسطينيين والحركة الوطنية من جهة وسورية من جهة أخرى. وتم الاتفاق أن أتوجه مع وزير التعليم الجزائري لإيصال رسالة إلى حافظ الأسد والعودة. أنا اتخذت قراراً بأن أبقى لأن الوضع شديد الخطورة.
ماذا قال حافظ الأسد عن الفلسطينيين والحركة الوطنية؟
- أنا ما عدت اهتممت بالرسالة بل أعددت خطة ومعمر رفض أن أبقى في سورية أو أن أتوجه إلى لبنان إلى درجة أنه قال لي لن أكلمك هاتفياً إلى أن تترك سورية ولبنان وتعود إلى ليبيا. قرار البقاء كان قراري الشخصي. عندما وجدت الوضع خطراً حاولت إعداد خطة لوقف إطلاق النار وإيقاف القوات (السورية) الزاحفة إلى بيروت عبر ضهر البيدر وعبر جزين. أنا بقيت 48 ساعة أتحاور حول كيفية التوصل إلى وقف للنار وهو يفترض أن يتم بين قوتين بينما سورية لا تريد أن تعترف أن جيشها في مواجهة مع الفلسطينيين والحركة الوطنية. بعد 48 ساعة اقترحت حلاً يوقف القتال بين قوتين متحاربتين من دون ذكر الأسماء. فوافق حافظ الأسد وتوقفت القوات المتقدمة في ضهر البيدر وفي جزين. كانت هناك كتيبة من «الصاعقة» (السورية) في رأس بيروت يحاصرها الفلسطينيون والحركة الوطنية واستشهد منهم 8 جنود ووقع جرحى. والفلسطينيون والحركة الوطنية منعوا الجيش السوري من إخلائهم. في عقيدة الجيش يجب إخلاء الجثث والجرحى بالقوة وإلا يفقد بقية أفراد الجيش الدافع للقتال. وكانت هناك قوات سورية في المطار. اتصل بي حافظ الأسد وقال لي يا عبدالسلام أنا أعتبر نفسي في حل من اتفاق وقف إطلاق النار وأنا أعطيت أمراً للقوات أن تتقدم من ضهر البيدر وسأصدر أمراً أن يقصفوا بالطيران لأن تحرير فلسطين لن يقوم به هؤلاء «الأوباش» بل الجيش السوري سيقوم بتحرير فلسطين. فقلت له أنني مستعد للتوجه إلى بيروت، بعد أن قال لي إن المسألة خطيرة، لكن عندي شرطين الأول أن تبعث معي سياسيين فلا أريد التحدث إلى ضباط الجيش السوري والثاني ألا أكون في بيروت وتبدأ بضرب الفلسطينيين والحركة الوطنية بالدبابات والصواريخ. أرسل معي محمد حيدر نائب رئيس الوزراء وزير الاقتصاد وناجي جميل قائد القوات الجوية وتوجهنا في أربع طائرات عمودية هليكوبتر. السوريون أبلغوا جيشهم المنظم والفلسطينيون أرسلوا برقية لفصائلهم ولكنهم كانوا غير منظمين فلم تصلهم البرقية فعند محاولتنا الهبوط في مطار بيروت اعتقد الفلسطينيون أننا قوات إمداد فأرادت قوات أحمد الخطيب وعدة جهات ومجموعات فلسطينية إطلاق النار علينا. محمد حيدر وناجي جميل قالا لي إذا كنت أنت تريد الموت لماذا أتيت بنا معك. محمد حيدر قال لو كنا على الأرض كنا استطعنا الاحتماء بأي شيء لكن نحن في الجو. وكان معنا أحمد جبريل الذي كان شجاعاً وتوجه إلى قائد الطائرة وقام بتوجيهه لتحاشي المضادات الجوية وهبطنا على الشاطئ وبقينا نزحف أربع ساعات ونحن نتعرض للقصف. وصلنا إلى المطار وملابسنا في حالة مزرية. واتصلت من المطار بالفصائل الفلسطينية: أبو جهاد (ياسر عرفات كان في ليبيا حينها) وأبو أياد ونايف حواتمة وطلبت منهم أن يأتوا إليّ في المطار فقالوا لن نأتي فاستفسرت منهم هل أنتم لا تريدون المجيء لأنكم لا تريدون التباحث في أرض «معادية» ولأنكم خائفون من السوريين؟ قالوا نحن خائفون من السوريين قلت أنا مستعد للقائكم في بيروت. وتوجهنا في سيارات وتم استهدافنا فسيارة المرسيدس التي كنت بداخلها أصابها الرصاص ثم انتقلت إلى بيروت وأقمنا في شقق مختلفة في الحمراء. وأذكر عجوزاً مسيحية قالت لي يا عبدالسلام كنا نستمع إليك عبر الإذاعة ونعتقد أنك رجل كبير في السن وأنت شاب. وسألتني هل زرت بيروت سابقاً؟ فقلت هذه أول زيارة لي في الحرب. فقالت عليك أن تزور بيروت في أيام السلم لا أيام الحرب.
عقدنا اجتماعات يومية دامت ساعات لكيفية سحب العناصر السورية. واجتمعنا مع الفلسطينيين ومع كمال جنبلاط من الحركة الوطنية وهو يستيقظ باكراً ويدير الاجتماع اعتباراً من الثامنة والنصف صباحاً بينما الفلسطينيون يطيلون السهر في الليل ويأتون إلى الاجتماع متأخرين فكان يقول لهم: أنتم الفلسطينيين ... تنامون في النهار وتسهرون ليلاً. كان يصحبني أبو الحسن سلامة إلى منطقة المتحف حيث ينتظرنا بشير الجميل ونتوجه في سيارة جيب عبر الحازمية للقاء والده بيار الجميل وكميل شمعون.
في أول اجتماع لي مع بيار الجميل صرح قائلاً أنه غريق وتمسك باليد التي امتدت له (قاصداً سورية التي دخل جيشها إلى لبنان لمساعدة المسيحيين). لكنه قال لي إن سورية ألدّ أعدائه فهي لا تعترف بلبنان (كبلد مستقل) وليس لديها سفارة فيه.
كيف كانت علاقتك مع بشير الجميل؟
- كانت علاقة ممتازة. كنا على خلاف معه لكن لديه شهامة ورجولة وصادق مع نفسه وزعيم لديه احترام ويمتاز بأنه ليس تاجراً سياسياً.
وماذا كان انطباعك عن كمال جنبلاط؟
- إنه إنسان حكيم ويمتاز بهدوء مؤثر وحدّة تفكير وعقل ثاقب. وفي الاجتماعات كنت أتعرف على أفكار كمال جنبلاط عبر ما يطرحه محسن إبراهيم وجورج حاوي اللذان كانا يحرصان على التشاور الدائم معه.
أنا تعرضت خلال مهمتي هذه للموت المحقق 14 مرة. في إحدى المرات كنت مع ياسر عرفات في منزل نتناول الغداء وبعد ثوان من مغادرتنا طاولة الغداء سقط صاروخ من المنطقة الشرقية من بيروت ودمر المكان الذي كنا فيه. وكانت الإذاعات الإسرائيلية واللبنانية المسيحية تهاجمني كثيراً. وفي إحدى المرات كنت سأستقل طائرة عمودية متوجهاً للقاء حافظ الأسد بدأوا بقصف المطار واضطررت إلى التوجه براً في سيارة عبر مناطق مسيحية ملغّمة واتصلت بالجيش السوري في الجبل. وكانت تجربتي في لبنان زاخرة جداً.
ماذا كان حافظ الأسد يقول عن اللبنانيين؟
- نحن في جبهة الصمود كان تقييمنا أن هناك مؤامرة الغرض منها تدمير سورية معنوياً وتدمير الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية مادياً وكنا نعتقد بوجود مخطط في هذا الاتجاه. وجاء بعد ذلك موضوع زيارة أنور السادات للقدس. لم نكن نعرف التفاصيل في حينها ولكننا رأينا أن هناك مؤامرة لضرب سورية. حافظ الأسد كان يقول لي يا عبدالسلام أنتم تقولون هناك مؤامرة نحن ننفذها أما بالنسبة إلينا فنحن تدخلنا لمنع المؤامرة. وأنا بقيت خمسة أشهر بين لبنان وسورية من دون موافقة القذافي. وكان القذافي قال لي لا تتصل بي إلى حين رجوعك إلى دمشق من دون التوجه مجدداً إلى بيروت على أن تعود إلى ليبيا.
في نهاية الخطة أحضرت قادة فلسطينيين في طائرة هليكوبتر للقاء حافظ الأسد وألقيت كلمة قصيرة قلت لهم فيها أن قرار بقائي في لبنان لمنع المؤامرة قرار شخصي مني، وكنت رئيس وزراء ليبيا في ذلك الوقت، وليبيا بحاجة إليّ ولدينا حرب في تشاد ولأن كلمة السر في ثورة الفاتح كانت القدس وفلسطين مهمة لنا اتخذت قرار البقاء كل هذه الفترة. أنا تعرضت لخطر الموت مرات ومرات لكنني أحمد لله أنني استطعت تحويل الرصاص إلى قبلات بعد أن عانق أبو أياد الأسد وكذلك جورج حبش وأحمد جبريل وياسر عرفات أيضاً كان حاضراً. وعقد عرفات مؤتمراً صحافياً قال فيه إن عبدالسلام جلود وليبيا يستحقان أكبر وسام قومي لكن بعد ذلك باع عرفات جهودي لدولة خليجية وغيّر رأيه. الفصائل الأخرى وقفت ضده: جورج حبش وأحمد جبريل ونايف حواتمة و «أبو نضال».
كيف كانت علاقة أبو أياد بالقذافي؟
- القذافي كان في السابق حريصاً أن تفرض الثورة الفلسطينية وضعاً جديداً على العالم العربي فلا يدجّنها العرب بل تُقْحِمهم وتغيّرهم وتفرض عليهم وضعاً بحيث لا يتم تدجينها. لذلك هم حاربوا قومية العمل الفدائي أما نحن فقد قمنا بتدريب فدائيين في ليبيا وسلحناهم ثم أرسلناهم إلى سورية ولبنان.
كم قدمتم مساعدات إلى لبنان؟
- مساعدات كثيرة ببلايين الدولارات وأعطيك مثلاً لدى البحث في اتفاق 17 أيار (مايو) اللبناني -الإسرائيلي التقيت الرئيس أمين الجميل في الهند وكان معه رئيس الوزراء (شفيق) الوزان وذلك في مؤتمر دول عدم الانحياز. قلت له أننا نحذرك من توقيع اتفاق 17 أيار فوقف وقال لي: انتم لستم مسؤولين عنا أقفلوا دكاكينكم في بيروت. قلت له أجلس نحن نحذرك واختلفنا.
بعد ذلك توجهت إلى دمشق واجتمعنا مع الحركة الوطنية والفلسطينيين وقررنا أن نضاعف أعداد المتطوعين وأن نخصص مرتبات للمتطوعين اللبنانيين والفلسطينيين. وكان وليد جنبلاط حاضراً الاجتماع وجورج حاوي وجورج حبش ونايف حواتمة والفصائل الفلسطينية ومن الجانب السوري عبدالحليم خدام وكان الاجتماع برئاستي. قررنا أن نسلحهم لإسقاط الاتفاق بالقوة. حولنا الأموال اللازمة وحدثت انتفاضة الجبل وانتفاضة الضاحية وتغيرت المعادلة.
توجه أمين الجميل إلى أميركا وفرنسا والمغرب فاتصل ملك المغرب بمعمر القذافي وقال له أمين الجميل يريد عبدالسلام جلود.jpg زيارتكم فهل تستقبلونه؟ اتصل بي معمر وأجرينا مباحثات هاتفية وأنا كنت ضد الفكرة فقال لي: لا يا عبدالسلام، من الأفضل أن يأتي إلينا لأن زيارته لنا اعتراف بأن الحل في طرابلس ودمشق وليس في باريس وواشنطن وكانت أميركا بدأت الدخول في أجواء الانتخابات الرئاسية. أقنعني معمر بحجته واستقبلت أمين الجميل في مطار طرابلس وكان يريد إقناعنا بتجميد اتفاق 17 أيار بدلاً من إلغائه. رفضت وقلت نحن نريد استغلال هذه السنة «الميتة» في السياسة الأميركية قبل الانتخابات. أنت اتفقت مع الأميركيين على تجميد الاتفاق ثم يأتينا رونالد ريغان قوياً ووزير خارجيته شولتز. وصلنا إلى باب العزيزية وخيمة معمر فوجدنا معمر أعد له شريط فيديو يظهر المدمرة الأميركية «نيوجرسي» خلال قصفها جبل لبنان، بعد انسحاب القوة المتعددة الجنسيات وهروبها. قال له معمر في هذا الوضع كيف تستعين بقوة أجنبية على جزء من شعبك؟ هذا يعني أنك لست رئيس لبنان فأُحرج أمين الجميل. وكاد أمين أن يقنع معمر بتجميد اتفاق 17 أيار لكنني رفضت ووافقني معمر الرأي. قلت لمعمر هذا موضوع الاتفاق مع الأميركيين ولديهم سنة ميتة (راكدة) قبل الانتخابات يريدون خلالها تجميد الاتفاق ثم يأتوننا بعد الانتخابات وريغان قوي لفرض الوضع علينا. يتوجب علينا استغلال السنة الميتة وإلغاء الاتفاق.
خلال مرافقتي له في طريق عودته إلى المطار قال لي أمين الجميل كنت أعتقد أنني سأجد صعوبة في إقناع معمر فوجدت أن الصعوبة في إقناعك أنت يا عبدالسلام.
كيف كانت علاقتك بوليد جنبلاط؟
- علاقة جيدة. إنه، شخص يمشي مباشرة الى الهدف، ليس مراوغاً، ومُقِلّ في الكلام وفي كلمات بسيطة وعفوية وصادقة يحدد هدفه.
أنتم دعمتم الملازم أحمد الخطيب يوم قاد انشقاقاً عن الجيش اللبناني ودعمتم أبو موسى في الانشقاق عن «فتح».
- نعم دعمناهما وخصصنا للانتفاضة الفلسطينية 60 مليون دولار سنوياً بمعدل خمسة ملايين شهرياً.
ما القوى التي دعمتها ليبيا في لبنان؟
- دعمنا كثيرين. الحزب الشيوعي والحزب السوري القومي الاجتماعي الذي كنا نُكن له التقدير والاحترام لتعاونه واعتبرناه صاحب موقف جذري والحزب التقدمي الاشتراكي والقوى الناصرية. وقدمنا مساعدات لمؤسسات إعلامية وفكرية وشخصيات. الثورة الفلسطينية لم تكن قوة فاعلة قبل العام 1969 ولا نبالغ في القول إن دعمنا المالي والعسكري والسياسي لها ساعدها على ترسيخ موقعها.
هل صحيح أن القذافي نصح القادة الفلسطينيين بالانتحار عند الغزو الإسرائيلي لبيروت في 1982؟
- حاولنا عقد مؤتمر قمة فلم ننجح وحاولنا إيصال السلاح للفلسطينيين وفشلنا وكان صالح الدروبي في سفارتنا (في بيروت) فقلنا له أن يحاول شراء السلاح من السوق السوداء للفلسطينيين والحركة الوطنية لأننا أخفقنا في إيصال السلاح عن طريق سورية وعبر البحر.
كان العرب مهزومين فالقتال الحقيقي ليس بين سلاحين بل بين إرادتين: إرادة مصممة على النصر وإرادة مهزومة. العرب كانوا مهزومين. والمهزوم مهما زودته بالسلاح لن ينتصر.
لماذا دعمتم الانشقاق على ياسر عرفات؟
- لأننا اعتبرنا أن عرفات يخون القضية الفلسطينية بعد أن بدأ يسعى إلى حلول تضيّع الحق الفلسطيني وتضيّع الحق التاريخي للعرب في فلسطين ويتنازل عن فلسطين وشعرنا أن السلطة الفلسطينية أصبحت عبارة عن حاكم بلدية في ظل الكيان الصهيوني.
كيف كانت علاقة القذافي بياسر عرفات؟
- بعد 1969 قدمنا للمنظمات الفلسطينية دعماً مالياً وعسكرياً وسياسياً وكان لهذا الدعم دور أساسي في نقل منظمة التحرير من مرحلة إلى أخرى. نحن بادرنا بالدعم وشجعنا دولاً وحركات سياسية على التحرك في الاتجاه نفسه. نحن وقفنا بقوة مع الثورة الفلسطينية. العلاقة مع عرفات كانت تتوتر بين حين وآخر سواء مع القذافي أو معي شخصياً. للتوترات علاقة أمين الجميل.jpg بالسياسة والممارسة والأسلوب. سأعطيك مثالاً. كان عرفات معنا في ليبيا وفجأة ألح على ضرورة توفير طائرة له للانتقال إلى مصر. لم نكن نحن نعلم أن أنور السادات سيلقي خطاباً يضمنه استعداده لزيارة القدس. أدت الحادثة إلى جفاء مع عرفات. لكن التوتر مع عرفات لم يدفعنا إلى وقف الدعم.
هل كان القذافي يحاول إهانة عرفات؟
- لا.
من كان القذافي يحب من الفلسطينيين؟
- المسألة لا تتعلق بالمشاعر أو الاستلطاف. في البداية كان معمر يرفض أن يزور الدكتور جورج حبش ليبيا لأنه شيوعي.
لأنه شيوعي أم لأنه مسيحي؟
-لا لأنه ماركسي. تدخلت أنا في الموضوع وغير معمر رأيه وصار حبش يزورنا.
كيف كانت علاقتك مع حبش؟
- حبش رجل صادق ومحترم. نحن كنا ندعم فتح لكن سياستنا كانت تلتقي عملياً مع مواقف المنظمات الراديكالية «الشعبية» و «الديموقراطية» و «فتح – القيادة العامة» بزعامة أحمد جبريل وآخرين.
لماذا كان لأحمد جبريل علاقة خاصة مع ليبيا؟
- توطدت العلاقة لأن جبريل قام بعمليات مهمة في تلك الفترة. عمليات الطائرات الشراعية وخطف جنود إسرائيليين وأكبر صفقة لتبادل أسرى. مشكلة أحمد جبريل أنه غير سياسي. عسكري وعملي وقلبه على عمله وهو عروبي ووطني ونظيف. طبعاً هناك جهات فلسطينية تغمز من قناة علاقته بسورية. نحن لم نلاحظ هذا الأمر. نحن كنا نهتم بمن هو أكثر جدية ومن هو القادر على تنفيذ عمليات.
وما رأيك في ياسر عرفات؟
- عرفات أفسد الثورة بالمال وهمشها وأدخلها في متاهات ومستنقعات. تآمر في شكل ممنهج. أنا أحترم جورج حبش كثيراً... وأحمد جبريل، لكن جبريل غير مفهوم فلسطينياً لأنه وطني وغير مسيس وقالوا عنه إنه عميل لسورية وصنيعة سورية، وهذا غير صحيح. أحمد جبريل قال لحافظ الأسد على الهاتف أمامي: يا سيادة الرئيس حرر فلسطين أولاً. لن تدخلوا بيروت إلا على أجسادنا.
هل تعرفت على القائد الفلسطيني الدكتور وديع حداد؟
- لا.
وعلى كارلوس؟
- لا.
أنت بدأت أهم صفقة سلاح مع الاتحاد السوفياتي...
- كل العلاقات مع الدول الشرقية وأوروبا واليسار في السبعينات، في فرنسا وألمانيا وإيطاليا. لم أنجح في بريطانيا.
هل خزن حلف وارسو أسلحة في ليبيا؟
- لا. قمنا بدور كبير في دعم نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا وروبرت موغابي في زيمبابوي. مددناهما بالسلاح. دربنا لزيمبابوي 27 ألف مسلح ورئيس أركان. كان لنا دور في أنغولا والرأس الأخضر وموزامبيق. كان عندنا ضباط قاتلوا.
لماذا تورط القذافي في حرب تشاد؟
- القرار كان قرار مجلس قيادة الثورة لأنه حتى النظام الملكي كان يقف مع حركة تحرير تشاد. كان سلطان تشاد موجوداً في الزاوية. كانت حكومة الملك تساعد في شكل محدود، بسبب محدودية الإمكانات. كان هناك تداخل بين التشاديين والليبيين. كان النظام الملكي يعتبر أن مليوناً ونصف مليون مسيحي يتحكمون بستة ملايين مسلم. نحن أكملنا الدور، لكننا أعطيناهم إمكانات أكبر. بدأنا بتسليحهم، ثم ساندناهم بالمدفعية، قبل أن نتدخل عسكرياً. لكن سبب الإخفاقات في تشاد أن القذافي بدأ التفكير في نشر الإمبراطورية والجماهيرية وتطبيق «الكتاب الأخضر» إضافة إلى أنه على مدى 11 سنة استشهد ليبيون في حرب سرية ونحن نعلن انتصار حركة تحرير تشاد.
هل كلفت حرب تشاد كثيراً؟
- نعم. كلفت كثيراً، لكنها قادت إلى أن المسلمين هم من يحكمون تشاد. ذهبت إلى فرنسا وعرض (الرئيس الفرنسي) فاليري جيسكار ديستان خريطة لتشاد قائلاً: من خط 22 شمالاً لكم، وجنوبه لفرنسا. قلت له نحن لن نتاجر بتشاد، فرد قائلاً إن أي صدام مع فرنسا سيكون صداماً مع أوروبا.
كانت العلاقات مع المغرب تراوح بين التأزم والتعاون؟
- ضعف موقف الجمهوريات حين أصبحت أسوأ من الملكيات. ذات مرة، فوجئنا بالملك الحسن الثاني يرسل موفداً يقول إن هناك عواصم تستهدف المغرب العربي والحل في الوحدة بين المغرب وليبيا. قلنا له: كيف وأنت نظام ملكي ونحن نظام ثوري؟ وهل سيسمح لك الأميركيون؟ فرد بأن الضرورة تحتم ذلك. وافق معمر وعقد اتفاقية وحدة، لكنني رفضت. كان يفترض أن أصحبه للتوقيع، لكنني لم ألحق به في المطار، فاضطر إلى السفر بمفرده. لحقت به في ما بعد والتقيت الملك الذي حاول إقناعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.