مجلس إدارة الصندوق المغربي للتقاعد يوافق على صياغة عقد برنامج جديد مع الدولة للفترة 2025-2027    المجلس الأعلى للاتصال يُحفظ شكايات ضد بث حفل "طوطو" بموازين ويشدد على احترام حرية التعبير وسياق البث    نائب رئيس "حزب رمح الأمة" يفنّد مزاعم شيفامبو بتلقي تمويل مغربي.. ويؤكد: دعم وحدة المغرب الترابية نابع من قناعة راسخة (فيديو)    غامبيا تُجدد البيعة الدبلوماسية للمغرب: الصحراء مغربية ولا حلّ خارج الحكم الذاتي    حرية تنقّل بلا تأشيرة.. جواز السفر المغربي يتصدر الترتيب        السكتيوي يرسم ملامح المعركة الإفريقية... تشكيلة الشان جاهزة        الأزبال تغزو شاطئ بوقانة في عز الصيف وتُغضب المصطافين    مدير منظمة الصحة العالمية: "جزء كبير من سكان غزة يتضورون جوعا... لا أعرف ماذا يمكن تسمية الأمر غير مجاعة جماعية"    طارق السكتيوي: اللاعبون المدعوون يتوفرون على الخبرة اللازمة لخوض غمار كأس إفريقيا للاعبين المحليين        نرجس الحلاق تعلن طلاقها للمرة الثانية وتودع زوجها بكلمات مؤثرة    الدرك يعتقل بارون مخدرات نواحي اقليم الحسيمة مبحوث عنه وطنيا    الصين تدعم المغرب لتطوير شبكة السكك الحديدية عبر أسرع قطارات العالم    انعقاد مجلس الحكومة غدا الخميس    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الإنخفاض    وكالة بيت مال القدس الشريف توقع اتفاقية مع مستشفى المقاصد لإيواء مرضى ومرافقيهم من قطاع غزة    في المؤتمر الإقليمي السابع للحزب بتطوان .. إدريس لشكر: سيكتمل انفتاح تطوان المتوسطي بواسطة ميناء الناظور، الذي سيجعل من هاتين المدينتين مفتاحا لكل العمليات التجارية والاقتصادية    يواجهن منتخب نيجيريا يوم السبت في نهائي قوي .. ضربات الترجيح تُقَرِّبُ لبؤات الأطلس من لقبهن القاري الأول        جمعية أمل إنزكان تفوز بكأس العرش للسباحة بالزعانف    الحج ‬إلى ‬أقاليم ‬الله ‬المباركة‮! .. منعطف المشاعر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    اشغال اللقاء التواصلي والاستشاري لتجويد أشغال الشرفة الأطلسية بالعرائش        الكنيست يؤيد بالأغلبية اقتراحا يدعم "ضم" الضفة الغربية المحتلة    رحيل الفنان التشكيلي عفيف بناني.. أحد رواد الريشة المغربية وصاحب "قصبة تينزولين"    فن اللغا والسجية.. مولات السر سوليكا القديسة/ ديوان تلاميذي تجربة رائدة اولاد العرام ديوان يعكس المجتمع (فيديو)    ‬أعلنت ‬الحكومة ‬الإسبانية ‬في ‬مارس ‬2022 ‬دعمها ‬لمشروع ‬الحكم ‬الذاتي ‬و ‬اعتبرته ‬يمثل ‬الأساس ‬الأكثر ‬جدية ‬و ‬مصداقية ‬لحل ‬النزاع    رقصة الافعى محور الندوة العلمية لمهرجان ايقاعات لوناسة بتارودانت    اختتمت المعرض الجهوي للمنتوجات الفلاحية بإقليم الحسيمة    تسجيل أكثر من 100 ألف عضة و33 وفاة بالسعار في 2024 بالمغرب    لأول مرة بإفريقيا.. المغرب ينجح في زراعة جهاز تنظيم ضربات القلب اللاسلكي    تنظيم مهرجان كانگا إفريقيا 2025 بتارودانت    غدا تنطلق فعاليات الدورة 19 لمهرجان تويزة    ترامب يعلن عن اتفاق تجاري مع اليابان يتضمن خفض الرسوم الجمركية إلى 15%    مهرجان "إيكودار" يعود في دورته السابعة بإداوكنظيف: الثقافة الحية عنوان للاحتفاء بالتراث والتنمية    معرض الصناعة التقليدية والفن التشكيلي يضيء فعاليات ربيع أكدال الرياض في دورته الثامنة عشرة    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون المتعلق بتنظيم المجلس الوطني للصحافة    غزة تموت جوعا… التجويع الإسرائيلي يقتل 10 فلسطينيين خلال 24 ساعة    أمن أكادير يحقق في دخول سيارة أجنبية إلى رمال الشاطئ    جامعة لقجع تحدد موعد افتتاح أول مكتب إقليمي للفيفا بشمال إفريقيا من الرباط    المغرب يتجه نحو إصلاح جذري في السياسة الدوائية    دراسة: متلازمة القولون العصبي لا ترتبط بحساسية الغلوتين    ارتفاع الأسهم الأوروبية بعد اتفاق تجاري بين واشنطن وطوكيو    باكستان: 221 شخصا لقوا مصرعهم في الأمطار الموسمية    المغرب ثاني أكثر دولة في العالم استهدافا بالهجمات السيبرانية خلال أسبوع    الجديدة: موسم التين للتبوريدة في نسخته الثانية    اليوم العالمي للدماغ يسلط الضوء على تحديات الأمراض العصبية المتزايدة    النهضة البركانية تحتفي بدرع البطولة    بنك المغرب يختبر العملة الرقمية    كاتب إسرائيلي: إسرائيل تُنفذ الآن خطة نازية للتطهير العرقي في غزة    ‮ «‬تهريج‮»،‮ ‬و«بلطجة‮» ‬و‮… ‬حكامة بلا سياسة‮!‬    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الباري عطوان يكتب في "القدس العربي" عن: "ليته يقتدي باخلاق السنوسي"
نشر في مغارب كم يوم 24 - 02 - 2011

يستحق الطيارون الليبيون، سواء الذين رفضوا تنفيذ اوامر قيادتهم بقصف الثوار في بنغازي ودرنة والبيضاء بصواريخ وقنابل طائراتهم، وهبطوا بمظلاتهم وتركوا طائراتهم تتحطم، او اولئك الذين لجأوا الى جزيرة مالطة للسبب نفسه، يستحق هؤلاء، وكل الضباط والجنود الليبيين الذين انضموا للثورة كل التحية، وكل الاحترام والتقدير، لان ليبيا وشعبها أكبر من كل القادة والانظمة، جمهورية كانت ام ملكية، ونقطة دم واحدة من دماء ابنائها اهم من كل النفط وشهوات الحكم.
الطيران الليبي ليس ملك العقيد معمر القذافي واسرته، وانما ملك الليبيين جميعا، وطياروه من صلب الشعب، بل من خيرة ابنائه، ولذلك لدينا الثقة المطلقة بان هؤلاء لا يمكن ان يقصفوا ابناء وطنهم، ولن يدمروا منشآت بلادهم، هؤلاء تربوا من اجل الدفاع عن ليبيا في مواجهة اي عدوان خارجي، وليس لقمع ثورة شعبهم.
الصديق عبد الرحمن شلقم الذي جمعتني به مدرجات الجامعة زميل دراسة لسنوات طويلة، هاتفني بالامس من نيويورك حيث يرأس وفد بلاده في الامم المتحدة، واكاد ارى الدموع في عينيه، وبصعوبة استمعت لكلماته بسبب حشرجة صوته، وقال لي انه يشعر بالحزن الشديد لتصريحات الزعيم معمر القذافي التي هدد فيها الشعب الليبي بالقتل واستخدام القوة لقمع ثورتهم. واضاف، هل يعقل ان يوحد الملك ادريس ليبيا ونأتي نحن لنفتتها الى 'امارات' متقاتلة متخاصمة؟
قلق السيد شلقم على بلاده مبرر، فمن استمع الى خطاب العقيد القذافي يوم امس الاول والتهديدات التي تضمنها، والتلويح بالاعدامات، والزحف الدموي من حقه ان يقلق بل يشعر بالرعب. فهذه لغة لم يعرفها الليبيون في احلك فترات تاريخهم، ومن منّ؟ من قائد طرح شعارات 'جماهيرية' وظل يؤكد دائماً على ان السلطة في يد الشعب.
...
الملك ادريس السنوسي رحمه الله لم يسفك نقطة دم واحدة طوال فترة حكمه، وحكم الاعدام الوحيد الذي صادق عليه، ونفذه نظامه، كان في حق ابن صفي الدين، ابن اخ الملكة فاطمة زوجته، وابن عم الملك في الوقت نفسه.
ابن صفي الدين هذا نفذ فيه حكم الاعدام لانه قتل ابراهيم الشلحي رئيس الديوان الملكي دون وجه حق، مستغلاً قربه من الملك والملكة، ومعتقداً انه يمكن ان يفعل ما يريد، وكم كان مخطئاً.
الرئيس الراحل جمال عبد الناصر توسط لتخفيف الحكم، وتوسل الى الملك ادريس بعدم تنفيذ حكم الاعدام، وكذلك فعل العديد من قادة العالم. ولكن الملك ادريس رفض جميع هذه الوساطات واحترم قرار المحكمة، ونفذ حكم الاعدام في ابن عمه.
والاكثر من ذلك انه، امر بطرد جميع افراد العائلة السنوسية من بنغازي لان احد افرادها عاكس فتاة ليبية، فلم يقبل بان يتسامح في امر كهذا على بساطته، فالمعاكسة كانت بالكلمات الغزلية فقط، ولم تتطور الى تحرش جنسي مثلما فعل ويفعل ابناء الزعماء العرب هذه الايام، وما هو اكثر من ذلك.
العقيد القذافي وابناؤه وحاشيته يجلسون على ثروة مالية تقدر باكثر من مئتي مليار دولار، وينثرون الملايين، بل المليارات هنا وهناك دون اي حساب، ويتصرفون كأولاد الاباطرة الرومانيين، ويقدمون على تصرفات يندى لها الجبين في عواصم اوروبية قرأنا عنها في الصحف، ولا نعرف شيئاً عن تصرفاتهم داخل ليبيا، فلا توجد صحف لتتحدث، ولا محاكم عادلة تنصف البسطاء من ظلمهم.
الملك ادريس السنوسي عندما وقع الانقلاب للاطاحة بحكمه عام 1969 كان في زيارة رسمية الى اليونان، وكان في جعبته 25 الف دولار فقط لتغطية نفقات الزيارة، فأعادها جميعاً الى خزينة الدولة عبر السفارة في اثينا، ووصل الى القاهرة وليس معه ثمن عشائه، وقد تكرم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بارسال وجبة عشاء له.
هذه هي اخلاق الملوك التي انقرضت ولا نرى لها مثيلاً، لا عند ملوكنا هذه الايام، ولا عند رؤساء جمهورياتنا، نقولها والحسرة في حلوقنا. فقد تساوى الملوك والامراء والرؤساء في الفساد والبذخ، واهدار المال العام، والتوريث، والمحسوبية. واذا اعطى هؤلاء الفتات للشعب يفعلون ذلك بأقصى درجات التمنن حتى ان بعضهم يقول، كما تنقل عنهم صحفهم، انهم يتبرعون بهذه الاموال من جيبهم الخاص، وليس من املاك وميزانيات الدولة.
...
أربعون عاماً وليبيا تعيش حالة من الضياع، تحت شعار الثورة، فجاءت النتائج عكسية، بل كارثية. حتى ان الكثير من المواطنين الليبيين هجروا البلاد الغنية الى الخارج بحثاً عن لقمة عيش كريمة. مئات بل آلاف الكفاءات الليبية تضرب مثلاً في النجاح في امريكا وكندا واوروبا، وأقول من تجربة شخصية ان أنجح الاطباء في بريطانيا وكندا، وأكثرهم علماً وخبرة هم من الليبيين، بينما لا يجد المواطن الليبي في بلاده مستشفى واحداً للعلاج المطلوب في حدوده الدنيا.
شعرت بالألم عندما قابلت مجموعة من الشباب الليبي في اسطنبول، فقد اعتقدت خطأ انهم جاءوا من اجل السياحة، ولكني شعرت بالحزن الشديد عندما قالوا لي انهم مهاجرون غير شرعيين، جاءوا من اجل البحث عن لقمة خبز كريمة، وهم يعملون في غسل الصحون في المطاعم التركية مقابل قروش قليلة.
العقيد القذافي لم يسمع عن هذه القصص وغيرها الكثير حتماً، فقد كان يعيش في خيمته معتقداً ان الامور تسير على ما يرام، وان الشعب الليبي يحبه.. فقد ضللته بعض مظاهرات المنافقين من اعضاء اللجان الشعبية، واعمته عن رؤية الاوضاع المزرية لشعبه.
ربما اعتقد ان الحياة البسيطة التي كان يعيشها في الخيام يشرب حليب النوق تكفي لاقناع شعبه بزهده وتواضعه، ولكنه نسي ان الشعب الليبي يقرأ قصص مغامرات افراد من اسرته وحماقاتهم في الغرب، وان هذا الشعب شعر باستياء كبير عندما اعلن الحرب على سويسرا، وقطع عنها النفط، واعتقل مواطنين من ابنائها، لان قسم شرطة جنيف حقق مع احد ابنائه بتهمة سوء معاملة خدمه.
الشعوب تصبر، ولكنها لا يمكن ان تنسى، تُراكم معاناتها وغضبها، ولكنها تنتظر اللحظة المناسبة للتعبير عن غضبها، ساعتها ينفجر بركان الاحتقان حمماً لا يمكن السيطرة عليها وما نشهده حالياً في بنغازي ودرنة والبيضاء والزاوية وطبرق ومصراتة وباقي المدن الليبية الاخرى هو الدليل الابرز على ذلك.
العقيد معمر القذافي يجب ان يتخلى عن عناده، ويتوقف عن لغة التهديد والوعيد، وتوجيه الشتائم والالفاظ غير اللائقة لقطاع شريف من شعبه قرر ان يدق الجرس ويصرخ من آلام حكم تحملها على مدى اربعين عاماً.. عليه ان يختصر معاناة وآلام شعبه، ويحقن دماءه ويرحل تماماً مثلما فعل الملك ادريس رحمه الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.